في ظلّ العقد الطائفية والمذهبية التي تتوالد من بعضها بعضاً، والتي لا تزال منذ ستة أشهر تحول دون تشكيل حكومة جديدة لهذا البلد الذي ابتُلي بطبقة سياسية لا همّ لغالبيتها الساحقة إلا تحقيق مصالحها وغاياتها الخاصة والضيقة، حتى لو أتى ذلك على حساب المصلحة الوطنية العامة.
في ظلّ كلّ ذلك… فإنّ من لا يزال يبحث عن حلول تُخرج لبنان من هذه الدوامة أو الحلقة المفرغة التي يدور فيها الأفرقاء السياسيون، لا بدّ أن يكون هو نفسه أولاً خارج هذه الحلقة لكي يتمكّن من التفكير بشكل سليم، وبالتالي لكي يستطيع التوصل إلى الحلول الشافية.
المشكلة الكبرى في لبنان، والتي تتفرّع منها مشكلات عديدة، هي هذا المرض العضال الذي اسمه الطائفية والمذهبية، وهو مرض غير مستجدّ ولا طارئ، بل هو معروف منذ زمن، لكن عدم معالجته بشكل مبكر جعله يتفاقم مع الزمن حتى وصلنا اليوم إلى هذه المرحلة الخطيرة من المرض الذي أخذ يفتك بكلّ مفاصل البلد…
ولعلّ ما يحصل على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة هو أبرز دليل على استفحال المرض ووصوله إلى مراحل متقدّمة لم تعد تنفع معها وسائل العلاج التقليدي، فمنذ متى كان تشكيل الحكومات يواجه عقدة مسيحية من هنا وعقدة درزية من هناك وعقدة سنية من هنالك…؟ حتى يبدو للمراقب أنّ الحكومة الجديدة إذا تمّ تشكيلها سيصحّ فيها القول إنها حكومة «ائتلاف العقد»، وليست الحكومة التي يريد منها اللبنانيون أن تعمل على حلّ المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية المتراكمة…
أما عن الدواء المطلوب فلا نحتاج إلى اختراع الذرّة لإيجاده، لأنه موجود ومتوفر وغير مستحيل شرط توفر الإرادة الوطنية لمواجهة الداء، حيث نجد في نص اتفاق الطائف، أيّ في الدستور اللبناني، بنوداً ومندرجات إصلاحية تمّ التغاضي عنها ولم تجد طريقها إلى التنفيذ منذ إقرار الدستور الجديد في بداية تسعينات القرن الماضي، رغم أنّ تنفيذ هذه البنود والمندرجات كفيل بوقف الهَريان والتآكل في مفاصل الدولة والمجتمع على حدّ سواء.
وتأتي المادة 95 من الدستور على رأس قائمة البنود الإصلاحية كونها تنصّ على إلغاء الطائفية وتقول حرفياً إنّ «على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيّين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ بالإضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. ومهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية…»
طبعاً لا يعني مجرد تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية حلّاً سحرياً لمشاكلنا، بل هي البداية لرحلة قد تكون طويلة، لكننا بتشكيل الهيئة نكون على الأقلّ عكَسنا الاتجاه وبدأنا نسير على الطريق الصحيح، ولو بخطوات صغيرة، وذلك بدلاً من الاستمرار في السير نحو الهاوية…
|