على وقع الخلافات السياسية والتعقيدات التي تواجهه على مستوى تشكيل الحكومة وملفات الفساد التي تطارده، خرج رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بعد جلسة مجلس الوزراء المُصغَّر قبل يومين ليُعلن اغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية بهاء أبو العطا ليكون بذلك أوّل قيادي عسكري فلسطيني يتمّ اغتياله منذ عام 2014.
وإذا كان الشهيد المقاوم أبو العطا من أبرز الشخصيات التي يصنّفها الكيان الصهيوني بـ الخطيرة وهو الذي حاول اغتياله مرات عدة، إلا أنّ التوقيت المشبوه الذي اختاره نتنياهو لتنفيذ العملية يطرح سؤالاً كبيراً حول ما إذا كان لاختيار هذا التوقيت علاقة بحسابات داخلية صهيونية تتعلق بالمستقبل السياسي لنتنياهو وتشكيل الحكومة وأزمته مع اليمين المتطرف، خصوصاً أنّ إعلام العدو عكف على مدار الشهرين الماضيين على التركيز على الشهيد أبو العطا بصفته مصدر الإزعاج في قطاع غزة ، كما أنه اتّهمه بشكل أساسي باستهداف مؤتمر انتخابي لنتنياهو في أيلول/ سبتمبر الماضي بصواريخ، ما أجبر الأخير على قطع المؤتمر بشكل مفاجئ والهروب من على المنصّة. كما أنّ المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال رونين مانليس كان قد صرّح، في وقت سابق، بأنّ هناك العشرات من البلدان حول العالم التي تحاول تحسين الوضع الإنساني في غزة، لكن هناك رجلاً واحداً داخل غزة ورجلاً آخر خارجها يحاول تخريب ذلك ، في إشارة إلى الشهيد أبو العطا والأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي زياد نخالة، ما يجعلنا نشعر أننا أمام سيناريو سياسي وأمني وإعلامي متكامل لعملية اغتيال القيادي أبو العطا التي وصفها نتنياهو بأنها عملية جراحية محدودة وليست عودة إلى سياسة الاغتيالات ، رغم أنّ ذلك يناقض ما قاله كلّ من وزير الحرب الجديد نفتالي بينيت ورئيس الأركان أفيف كوخافي اللذين أكدا أنّ جيش الاحتلال الصهيوني لن يتردّد في القيام بعمليات اغتيال جديدة، وهذا مؤشر تصعيد خطير وفتح جبهة مواجهة من زاوية مختلفة مع قواعد اشتباك جديدة يريد نتنياهو من خلالها تصدير أزماته الداخلية على حساب الدماء الفلسطينية، وهو وإنْ اختار توقيت المواجهة في البداية فإنه بطبيعة الحال لن يكون في مقدوره التحكّم بمجرياتها وتطوّراتها وتحديد أمدها وشكلها وخسائرها البشرية والاقتصادية ونحن نشهد وابل الصواريخ الذي يسقط يومياً على المستعمرات الصهيونية وحالة الذعر التي يعيشها قاطنو تلك المستعمرات، فالمقاومة الفلسطينية لن تسكت عن اغتيال أحد قادتها وقد صرّحت حركة الجهاد أمس بأنّ الردّ لم ينتهِ بعد وهذا ما يجعل من الصعب التنبّؤ بحجم هذا الردّ وأمده وقد نكون أمام أيام طويلة من التصعيد.
إذاً هناك هدف عسكري أمّن له نتنياهو الإجماع لكي يُبعد عنه شبهة ما يريد تحقيقه من مآرب سياسية بأن يُنهي فكرة تشكيل حكومة ضيقة مدعومة من النواب العرب في الكنيست تُقصيه من الحكم، وبذلك يكون قد حقق هدفين في وقت واحد وفرض على منافسه رئيس كتلة أزرق أبيض بيني غانتس خيار حكومة طوارئ موسّعة يكون هو رئيسها، على الأقلّ في السنة الأولى، على أن يتولى غانتس رئاسة الحكومة في حال تقرّر أنه يتعذر على نتنياهو الاستمرار في منصبه بسبب تطوّرات في ملفات الفساد ضدّه، وهو الاقتراح الذي كان قد رفضه غانتس الشهر الماضي، بل إنّ التصعيد العسكري الحالي قد يؤدّي إلى تقارب بين الرجلين، خاصة أنّ غانتس كان قد طالب الأسبوع الماضي بإنزال ضربات شديدة على غزة والعودة إلى سياسة اغتيال قادة فلسطينيّين نتيجة تجدّد إطلاق الصواريخ على مدينة سديروت والمستوطنات في جنوب إسرائيل .
يتّضح مما تقدّم أنّ نتنياهو لا يزال حتى الآن ومنذ الانتخابات هو من يفرض جدول الأعمال السياسي والأمني والإعلامي على دولة الاحتلال والكلّ يتبعه وقد استطاع أن يدحرج الكرة بهذه العملية إلى خصومه لخدمة أهدافه السياسية وليس أمن الكيان الصهيوني كما يدّعي، خاصة أنّ الاغتيالات التي نُفذت في السابق ضدّ قيادات المقاومة الفلسطينية باغتيال الشهداء: الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري وغيرهم لم تحقق في الماضي أياً من أهداف الردع التي سعت إليها حكومات الاحتلال، وإنْ كانت الحرب التي فرضها نتنياهو على قطاع غزّة تخدمه سياسياً فإنّ ذلك سيكون مرحلياً لأنّه في حال طالت المواجهة مع المقاومة الفلسطينية وتوسّعت رقعتها سيُدرك أنه أدخل نفسه في مأزق كبير وهرب من أزماته السياسة الداخلية إلى الجحيم…
|