منذ اليوم الأول لتوقيف جزار الخيام العميل عامر فاخوري نشطت الحركة الديبلوماسية الأميركية للتدخل والحؤول دون توقيفه أو محاكمته منتهكة سيادة الوطن وقوانينه. ورغم عدم وجود أية اتفاقيات او بروتوكولات تسمح لأيّ محام أميركي بالدخول إلى المحاكم اللبنانية حصل فريق المحامين الأميركيين الموكل من السفارة في بيروت على إذن من نقيب المحامين السابق للدفاع عن العميل فاخوري دون تقديم أيّ مبرّرات قانونية تبرّر تدخل فريق الدفاع الأميركي في القضية. لم يأت هذا التدخل الأميركي السافر من فراغ بل إنه يحمل دلالات كثيرةً ويطرح تساؤلات كبيرةً. لربما يبرّر البعض هذا التدخل كون العميل فاخوري يحمل الجنسية الأميركية وبالتالي من «حق» حكومته الدفاع عنه وهو متاح ضمن القوانين المرعية الإجراء ومن خلال وكلاء لبنانيين وليسوا أميركيين.
وإذا سلمنا بعدم تفريط الحكومة الأميركية بمواطنيها وحرصها عليهم لماذا لم تبد الولايات المتحدة هذا الحرص على مواطنيها وعملائها السبعة عشر الذين اعتقلتهم الاستخبارات الإيرانية في شهر تموز الماضي أيّ قبل توقيف جزار الخيام بشهرين تقريباً. ولماذا لم تتجرّأ على إرسال فريق دفاع للدفاع عنهم رغم تصنيفهم كمصادر ممتازة في جهاز ال cia، ورغم ذلك لم نشهد تحركاً سريعاً للديبلوماسية الأميركية للإفراج عنهم كما حصل في لبنان بالرغم من أهميتهم بالنسبة إلى الاستخبارات الأميركية ورغم الحكم على بعضهم بالإعدام لم نلحظ سرعة التدخل الأميركي كما لحظناه في قضية العميل عامر فاخوري، وهذا إنْ دلّ على شيء فإنه يدلّ بوضوح على أنّ العميل عامر فاخوري بالنسبة إلى جهازي “الموساد” و”سي أي آي” هو الأهمّ بين جواسيس وضباط الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية الموقوفين في طهران، بل هو جزء مهمّ وكبير من منظومة التجسّس الأميركية “الإسرائيلية، في لبنان والمنطقة، وهو يشكل كنز معلومات كبيراً في قبضة الأجهزة الأمنية اللبنانية، وإلا ما معنى منع استكمال التحقيق معه؟ وما هي دلالات عرقلة حضوره إلى المحاكم للشروع بمحاكمته؟ وما هو الثقل الذي يمثله كي يبادر وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل لطرح ملفه للمفاوضات وطرح عملية مبادلته بالمواطن اللبناني قاسم تاج الدين؟ ألا يشير الأداء الأميركي وتعاطيه في القضية إضافة إلى ما طرحناه من أسئلة إلى مدى أهمية العميل عامر فاخوري بالنسبة إلى الأميركيين والإسرائيليين؟
ثمة تفسير واحد لكلّ تلك التساؤلات يقول بأنّ العميل عامر فاخوري دخل إلى لبنان بمهمة أمنية واستخباراتية ومعه أمر عمليات لا سيما في ظلّ ما تشهده الساحة اللبنانية من سيناريوات أُحبِط بعضها، وتوحي بأنّ لهذا العميل ارتباطات ربما يكون على مستوى شبكات عملاء يتواصل معها وأسّس لها في المجتمع وعلى كافة المستويات لا سيما بعد ثبوت اتساع دائرة علاقاته السياسية وعملية تسهيل مروره. وما يؤكد ذلك هو الإصرار الأميركي الكبير على إخراجه بأيّ ثمن دون امتثاله للمحاكمة، وقد تبيّن أنّ العميل عامر فاخوري من أهمّ الجواسيس وفاق بأهميته الأمنية والاستخباراتية الجاسوس الأميركي شيوي وانغ، البالغ من العمر 38 عاماً، والذي كان معتقلاً لدى طهران منذ عام 2016. وأطلق سراحه في مقابل إفراج الولايات المتحدة عن العالم الإيراني مسعود سليماني منذ مدة وجيزة، إذ لا يمكن تفسير الإصرار الأميركي وخلفه “الإسرائيلي” على إطلاق سراح جزار الخيام إلا لأهميته الاستخباراتية وكونه صاحب إنجازات تجسّسية لصالح الكيان الصهيوني تتخطى جرائمه السابقة وما ارتكبه بحق الأسرى والمقاومين ويخفي الكثير من المهمات الجديدة والمزيد من المعلومات.
وإذا كانت الولايات المتحدة تبدي اهتماماً بالغاً بمواطنيها المدانين والموقوفين بتهم مختلفة لماذا لا تبدي الدولة اللبنانية اهتماماً بالشهداء والأسرى والجرحى المقاومين الذين كانوا ضحايا جزار الخيام والذين صنعوا مجد وعزة الوطن. وإذا كان لا بدّ من التفاوض بعد إدانة العميل فاخوري لماذا لا تحاول الدولة اللبنانية أن تجعل من هذه الفرصة انتصاراً تضيفه إلى انتصارات الوطن من خلال تحرير مواطنيها في السجون الفرنسية والأميركية والإماراتية وغيرها كالمناضل جورج عبد الله االمعتقل في السجون الفرنسية منذ العام 1984 بطلب أميركي “إسرائيلي”، إضافةً إلى الموقوفين في السجون الأميركية والإماراتية؟ثمة عين واحدة تنظر بها الدولة اللبنانية ترى فيها الجاسوس الأميركي نزار زكا الذي أفرجت عنه طهران العام الماضي بعد إدانته بالتجسّس لصالح الولايات المتحدة الأميركية مواطناً لبنانياً ولا ترى جورج عبد الله وغيره من المحتجزين المقاومين منذ سنوات طويلة في السجون مواطنين. فرفقاً بسيادة لبنان وبمن صنع مجده من الشهداء والجرحى والأسرى والمقاومين، وتقديراً لهم ولتضحياتهم قليلاً من العدل أيها السادة لأولئك الذين افتدوا الوطن وخطوا صفحات عزّه من أجل أن نكون أحراراً لا عبيداً.
|