إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حدود لبنان بين ترسيم للتحرير وترسيم للانعزال

د. امين محمد حطيط

نسخة للطباعة 2006-05-24

إقرأ ايضاً


القسم الاول من المحاضرة التي القاها العميد الركن المتقاعد الدكتور امين محمد حطيط بدعوة من منفذية بيروت بمناسبة عيد المقاومة والتحرير – قاعة النهضة ( منطقة البربستول ) الاربعاء 24 ايار


بعد أن استعرض المحاضر لظروف نشأة الكيان اللبناني عام 1920 والصراع القائم حالياً ، قال :


ليس من حاجة إلى التذكير بان اسرائيل التي انكرت القرار 425 ، الصادر عن مجلس الامن اثر احتلالها للجنوب في العام 1978 ، وفيه ما يلزمها بالانسحاب الفوري من كل ارض لبنان من غير قيد او شرط ، هي ذاتها التي طلبت من الامم المتحدة تنفيذ هذا القرار لتخرج من لبنان في العام 2000 بعد ان اعترفت بهزيمتها فيه على ايدي المقاومة ، وقد سارعت الامم المتحدة إلى تلبية طلب اسرائيل ، علها تحفظ لها شيئا من الاهداف التي كانت تطمح إلى تحقيقها باحتلالها للجنوب واعتداءاتها عليه ، المرة تلو المرة والتي كان آخرها سنة 1982 وفيها الاحتلال الذي استمر بعد انحسار إلى الجنوب ، ثم اسند بعدوان العام 1993 ، وعدوان العام 1996 ... وقد كان يفترض بالاستجابة الدولية ان تنطلق من نص القرار 425 وروحه ، اي اعادة ارض لبنان كل الارض إلى السيادة اللبنانية وفقا للحدود الدولية . لكن ومع أسف شديد لم يكن الامر هكذا مع الامم المتحدة لان الامر لو تم لكان اضاع على اسرائيل تحقيق هدفين على الاقل تعول عليهما ، لتحديد خسارتها في لبنان ، وهما :


- اعادة النظر في خط الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة ، بحيث تتجاوز ما فيه من نتوءات ، وتعرجات ، او نقاط في اعماق الاودية ، لتجعله خطا مستقيما قدر الامكان ، تجمع به رؤوس القمم ، بشكل يؤمن لها مزايا عسكرية هامة في الاعمال العدوانية الهجومية ، كما وفي التمركز الدفاعي .


- الاحتفاظ بورقة ميدانية تلزم لبنان في الدخول معها في تفاوض تحتاجه اسرائيل ، لفرض شروط واملاءات عليه ، وهو تفاوض لم يفتح القرار 425 بابه ، كما هو حال القرار 242 ، واسرائيل كما هو معلوم تريد من لبنان ان يقبل بـ :


- توطين الفلسطينيين على ارضه .


- تقاسم مياهه في الجنوب معها .


- والقبول بدور جيوسياسي في الشرق الاوسط تحدده هي له ، بما لا يتناقض مع المشروع الغربي العام ومع الوظيفة الاسرائيلية بشكل خاص .


وقد ابتدأت الامم المتحدة عملها المستجيب لاسرائيل ، بان الفت لجنة مركبة ( سياسية قانونية عسكرية طبوغرافية ) اسندت رئاستها إلى السفير تيري رود لارسن ، مهندس اتفاق اوسلو ....


وباشرت اللجنة عملها بان وجهت إلى لبنان وسوريا واسرائيل طلبا لتزويدها بما يثبت الخط الذي يجب ان يتم الانسحاب اليه ، فاجاب لبنان بان الخط هو الحدود الدولية للبنان ، وقد بَين لبنان هذا الخط ووثقه بملف ضمنه كل ما يلزم لقطع الشك او النقاش حوله وجاء فيه :


- ان خط الحدود هو جزأين الاول : بين لبنان وفلسطين المحتلة ، والثاني بين لبنان وسوريا .


- ان حدود لبنان مع فلسطين ، هي حدود دولية معترف بها انشئت بالاتفاقية المعروفة اتفاقية بوليه نيوكمب سنة 1923 ، والمصادق عليها في العام 1934 من قبل عصبة الامم . ( ارفق الملف بخريطة مع لائحة احداثيات للنقاط – المعالم الحدودية ، مع خطيطة ، وبيان وصفي لها . كما اشار لبنان إلى ان هذه الحدود مؤكد عليها في اتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان واسرائيل في العام 1949 )


- ان حدود لبنان مع سوريا ، هي الحدود المبينة في القرار 318 ، والمدققة باتفاقية غزاوي وخطيب في العام 1946 ، والمستندة إلى قرار المنتدب حول خريطة لبنان في العام 1934 ، كما واشير إلى صكوك ملكية اللبنانيين في المنطقة ، والقرارات الادارية ، وملخص ذلك ان خط الحدود مع سوريا في المنطقة المحتلة ، هو الخط المنحدر من قصر شبيب إلى حلماتا وحوراتا ثم المار في وادي العسل إلى شمال مغر شبعا ، إلى النخيلة ، وصولا إلى الغجر .


امتنعت اسرائيل ظاهرا عن تزويد اللجنة الدولية باي وثيقة ( على الاقل لم يعرض علينا شيء من ذلك لنناقشه كوثيقة اسرائيلية ، الا بعض الطلبات الاسرائيلية بارض اعتبرت لاحقا خارج الخط الذي اسمي أزرقاً ورفض من قبلنا ) ووافقت سوريا على الملف اللبناني فيما يتعلق بالجزء الذي يعنيها ( اشار كوفي انان إلى تلك الموافقة في تقريره المرفوع إلى مجلس الامن بتاريخ 22 ايار 2000 ) ولكن اللجنة الدولية صاغت الرغبات الاسرائيلية في مشروعها التحضيري وجاءت على وجهين :


الاول : رسم خط مغاير للحدود الدولية يكرس مطالب اسرائيل في التعديل ، واسمي خط الانسحاب ، واعتبرته اسرائيل خط الحدود الجديدة . وبررت الامم المتحدة فعلها بالقول ان ذلك هو افضل ما توصلت اليه بالاعتماد على الوسائل المتاحة ، طبعا هذا كلام يجافي الحقيقة لان خريطة بوليه نيوكمب مودعة لدى الامم المتحدة مرفقة بالاحداثيات ومنذ العام 1923 ، ومؤكد عليها بملفنا المرفوع في نيسان 2000 .


الثاني : اقتطاع مزارع شبعا والحاقها بمنطقة الصلاحية العملانية للاندوف undof (قوات الفصل في الجولان السوري المحتل ) ، وفي ذلك تجاوز للاثبات اللبناني للبنانيتها ، وهو اثبات مدعوم سوريا بشكل قطعي ومستجيب لكل قواعد القانون الدولي العام .


لقد رفض لبنان الموقف الدولي ، رفضاً لم يكن منطلقه رفض الخضوع لمطالب اسرائيل المهزومة واملاءاتها فحسب ، بل ايضا موقف يدرج في سياق استكمال التحرير ، لاننا رأينا ان التمسك بخط حدودي اكد عليه باتفاقية هدنة وقعت مع العدو بعد الاغتصاب الصهيوني لفلسطين ، هو تمسك بحق وطني قومي يمنع اغتصاب ارض عربية جديدة ، هو امر نراه واجبا يندرج في مسار التحرير . لقد رفضنا الموقف الدولي اذن حتى لا يكون شريط قرى سبع جديدة يضاف إلى ما اقتطع من لبنان في العام 1981 ليعطى لاحقا لاسرائيل . اما في مزارع شبعا ، فالوضع كان اكثر تعقيدا ، اذ فضلا عن ارادتنا في استكمال التحرير فان الرفض كان رفضا للدخول في مفاوضات لتحرير ارض محتلة لا يكون ثمنا لتحريرها الا اتفاق استسلام، او اذعان كما هو تاريخ مفاوضات العرب مع اسرائيل حيث لم توقع معهم الا ما املته عليهم .


بعد جدل ومناقشات شاقة في المكاتب وعلى الخرائط ، استطعنا ان نغير الموقف الدولي في خطه الخاطىء ، وعدنا إلى الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين الا في مناطق ثلاث ( تمّ التحفظ عليها في رميش والعديسة والمطلة ) ولكن الفريق الدولي تمسك بموقفه من مزارع شبعا وقد لمسنا ان هناك قرارا صادرا اليهم من خارج الطاولة يمنعهم من الاستجابة رغم قناعتهم بموقفنا . فاسرائيل لا يمكن ان تقبل اغلاق نافذة التفاوض مع لبنان ، والمتاح المتبقي الوحيد لها منها هو مزارع شبعا ... تلك المزارع التي اثبت الباحثون الاسرائيليون لبنانيتها ( دراسة منشورة في هآرتس 26 شباط 2002 ) كما انها ارض لم يضمها الكنيست الاسرائيلي إلى اسرائيل عندما ضم الجولان في العام 1984 لأنه يقرّ بلبنانيتها ، ثم أن إسرائيل لم تسمح لقوات الاندوف ومنذ العام 1974 ان تدخلها او تتمركز فيها . ولم يجد الفريق الدولي حجة قانونية لرفض مطلبنا الا قوله بالصلاحية العملانية وهو قول واه بكل المعايير ... لذلك كان رفضنا للموقف الدولي ، مترجما بتحفظ على الطاولة وبتمسكٍ بالمقاومة لاستكمال التحرير .


اعلن لارسن الخط الذي اسمي ازرقا في 5 حزيران 2000 ( واختار تاريخا لئيما في ذلك عله يوزان بين هزيمة اليوم لاسرائيل ونصرها قبل ثلاثة عقود ) ، وذهبنا في 7 حزيران للتحقق على الارض من احترام خط الامم المتحدة هذا من قبل اسرائيل ، باجلاء قواتها عبره .. وبعد 9 ايام عمل ميداني تبين ان كل ما اعطي لنا على الخرائط بقي بيد اسرائيل على الارض ، واقر الفريق الميداني الدولي بهذا الواقع ، ولم يعالجه لانتفاء الصلاحية كما ادعى .. لكن الامين العام للامم المتحدة كوفي انان وبضغط اميركي وخداع من لارسن ذاته ، اعلن ان الانسحاب قد اكتمل ، اعلان فيه كل التنكر للواقع .. فرفضنا هذا الموقف .. ما استدعى تدخل وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت مباشرة ، وهي التي كانت تدير الامر الاممي من خلف الستار .. فلجأت إلى الترغيب والترهيب ... تهدد رئيس الجمهورية .. وتهددني ان لم نقبل بما تريد ان نقر به من انسحاب وهمي .. فلم نستجب ، بل كان حقنا في ارضنا هو المستجاب اليه .. اذ اجبر مجلس الامن على الاستماع لنا والموافقة على ما نطلب من حق .. واستطعنا ان نحرر بعد ذلك مساحة 17765500 متر مكعب ... تحريرا كان بدأ بالدم – دم الشهداء ... واستكمل بالعلم وصلابة الموقف والقرار والتقنية ، المستندة إلى القانون الدولي ، والاتفاقات الدولية والمعاهدات منذ 1918 الى 1920 إلى 1923 إلى اتفاقية الهدنة العام 1949 ، ثم إلى افضل وسائل القياس اللازمة لرسم الخطوط والخرائط بما في ذلك صور الاقمار الاصطناعية الحديثة التي بذل اللواء جميل السيد الجهد الكبير للحصول عليها ، وكذلك اجهزة الـ G.P.S المتطورة . لقد لجأنا إلى العلم المتطور حتى نمنع فتح اي ثغرة في موقفنا تؤدي إلى ضياع ارض لنا والسبب في ذلك هو اننا بمواجهة عدو يمارس احتلالا وكل خطأ في الامر يعني هدرا لحق وقبولا باحتلال وهذا مرفوض في عقيدتنا ومبادئنا ...


لقد كان الترسيم في الجنوب بمواجهة العدو هو ترسيم من اجل التحرير ، لذلك كان العمل فيه متصفا بالقدسية ، قدسية تستمد من قدسية الحق بالارض وقدسية دماء الشهداء التي طهرتها من رجس الاحتلال ... وهنا اذكر سؤالا وجهه الي مراسل احدى الوكالات الصحفية الاميركية ، عندما كنا نتفحص الارض في مزارع شبعا اذ قال : لماذا تهتمون بالحدود هذا الاهتمام في الشرق الاوسط ؟ فاجبته " انتم تسببتم بهذا الواقع اذ انكم انتم الذين ادخلتم إلى الشرق الحدود ، فقبل اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وقبل ان تزرعوا في بلادنا اسرائيل ، لم تكن الحدود معروفة عندنا ، حتى ولا تأشيرات المرور عبرها ... اما اليوم فقد اصبحت الحدود قائمة بقراركم ، وهي بمواجهة العدو تعني خط الفصل بين منطقة احتفظ بها اهلها عزيزة حرة ، ومنطقة اغتصبت فاذلت وتنتظر التحرير .... "


في 3 آب 2000 انتهى العمل على جبهة الجنوب ، بحصيلة نقول انها كانت نصرا للوطن ، وهزيمة لاعدائه ، هزيمة وقع عليها جنرال اسرائيلي بدمعة سالت من مآقيه عندما فرضنا عليهم وبعد شهرين من المناورات الاحتيالية ، الخروج من ارضنا شرقي تلة العباد وتقاسم القبر هناك ... ولكن كما كنت انتظر فان الامر لم ينته لان العدو المنهزم هو ومن وراءه كان لا بد له من ان يحضر للرد ، ويأتي في هجوم معاكس .. اذ بعد سنوات قليلة انطلق الهجوم المرتقب ، هجوم الغرب الكافل لاسرائيل ضد من هزمها .. اي ضد مقاوم واجهها بسلاحه في الميدان ، وحكم تبنى المقاومة وأزرها ، وشقيق جار وصديق صادق دعم المقاومة بالمتاح المادي والمعنوي من الدعم .


واذا كانت حرب الرد على الهزيمة متشعبة الميادين وارسيت عناوينها بالقرار 1559 ، فان ما يستوقفنا منها في هذا المقام وجه او معركة من معاركها : وهو ترسيم الحدود مع سوريا الذي يشغل العالم اليوم إلى الحد الذي جعل مجلس الامن المحكوم اميركيا يخرج عن القانون الدولي ويتدخل في هذا الشأن خلافا لقواعد هذا القانون ، ويأتينا بقرار بدعة مستهجن ، القرار 1680 ثم يزيد استهجاننا عندما نقرأ في القرار عبارة " الحوار الوطني اللبناني " تتكرر اربع مرات من مقدمة القرار إلى متـنه ، مرفقة بالتأييد والدعم والتشجيع من مجلس الامن ، ما يبدو وكأن هذا المجلس اصبح اداة لبنانية لتنفيذ الاوامر والطلبات التي يصدرها مؤتمر الحوار ، وطبعا لم ينس القرار الاشارة إلى كلمة رئيس الوزراء اللبناني امامه والمطالبة بترسيم الحدود مع سوريا ، وللعلاقات الندية معها ، والدبلوماسية ايضا ... فلماذا كل هذا الاهتمام الدولي بهذه المسألة حتى وخارج القانون ؟


امر لا بد من طرحه تفصيلا .. لنرى ما فيها من نظريات ووقائع ، وما لها او عليها من اسئلة وعلامات استفهام . وقبل ان اشرع بذلك لا بد لي من ان الفت غلاة السيادة اللبنانية إلى ان مجلس الامن لم يذكر حوارهم ويستند اليه في هذا القرار الا لانه يدرك انه اقتحم مجالا خارج صلاحيته ويريد ان يلقي بالمسؤولية على اللبنانيين انفسهم في ذلك ، فيعطهم رقم قرار ثم يفرغ القرار من مضمونه عندما يذكر في المتن ان الامر يبقى من صلاحية الدول واتفاقاتها الثنائية القائمة على الرضا المتبادل ، انه قرار لا فعالية قانونية له ان لم يرغب المعني به بتطبيقه له ، سوى انه يعقد العلاقات اللبنانية السورية ويمنع الترسيم حتى يفسح المجال لتدخل لاحق ، يحضر له فيكون قرار تمهيدي لقرارات ضغط لاحقة ضد سوريا ...


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024