إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الأمن الاجتماعي والانصهار الوطني

د. محمد احمد النابلسي

نسخة للطباعة 2006-05-14

إقرأ ايضاً


يهدف الطب النفسي للوصول بكافة أعضاء المجتمع الى أفضل مستويات اللياقة النفسية-العقلية الممكنة. وذلك بحيث يساعد الأفراد على التكامل في مجتمعهم ويتيح للمجتمع فرص الافادة من أفراده على أفضل الوجوه الممكنة«.



في بحثنا لمقومات الأمن الاجتماعي في المجتمع اللبناني نجد من الضروري اعتماد مبدأ الاستقراء التاريخي والنظام الضمني. اذا نحن أردنا تكوين رؤية تكاملية كفيلة بارساء قواعد الأمن الاجتماعي في البلد. فالنزاعات الأهلية المتكررة التي شهدها لبنان ليست الحروب الأولى في تاريخ البشرية. بل أننا نجد حروبا" عديدة مشابهة وقابلة للاخضاع لمبدأ الاستقراء التاريخي. حيث نجد أن توحيد الالمانيتين قد تجاهل الفوارق المتراكمة منذ الحرب العالمية الثانية مما أدى الى أعباء صعبة الوطأة على الدولة الجامعة. في حين نجد أن الصين قد استردت هونغ كونغ إلا انها لم تلحقها بالداخل الصيني وعيا" منها لهذه الفوارق التراكمية. ونحن اذ نتحدث عن لبنان فان هذا الحديث مشروط بمراعاة هذه الفوارق ومعها الظروف الخاصة بكل منطقة من المناطق اللبنانية وبخاصة الشريط الحدودي المحرر. ومن الطبيعي أن تكون هذه المراعاة موضع اعتبار لدى الحديث عن النظام السياسي اللبناني. وعن علاقة لبنان مع الجوار ومع العالم الخارجي.



ان تطبيق مبادئ الاستقراء ونظريات النظام الضمني يقتضي منا الدراسة المتأنية للتجارب الحضارية الانسانية. كما يقتضي استيعاب الراهن الاستراتيجي للمنطقة للخروج من اللحظة السياسية – الاقتصادية الراهنة برؤية مستقبلية واضحة لعوامل الأمن الاجتماعي في البلد. مع التأكيد على ضرورة نقل هذه الرؤية الى الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين اللبنانيين لاعتمادها في مواجهة تحديات الأمن الاجتماعي سواء على صعيد الخدمات الفردية (أزمة الانتماء) أو الجماعية ( سياسة الأمن الاجتماعي). خصوصا" وأن لهذا البلد مكانة استراتيجية وسيطة تربطها باستراتيجيات السياسة العالمية. ومن هنا الحاجة الملحة للرؤية التكاملية الجامعة بين السيكولوجيا والانثروبولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ. لتبين مستقبل البلد وتحري نقاط الضعف والقوة فيه للحؤول دون تحريك مصادر التهديد وتفجيرها بصورة اصطناعية.


في هذه الورقة نحاول طرح واحدة من الرؤى التكاملية التي تستند الى السيكولوجيا والى قراءات سيكولوجية لواقع لبنان الراهن. ونخرج من هذه الورقة بجملة توصيات نعتقد بكونها داعمة لمستقبل الأمن الإجتماعي اللبناني.




المقدمة



تطرح اللحظة السياسية-الاقتصادية الراهنة موضوع الامن اللبناني بالحاح لا سابق له. فالاهمية الاستراتيجية المتصاعدة لهذا البلد تترافق مع تهديدات جدية لأمنه ومستقبله. وفي رأينا الشخصي ان الفوضى المميزة لهذه اللحظة كانت ممكنة التجنب فيما لو وافقت الدول المعنية على إخراج لبنان من أزمته الإقتصادية الناجمة عن القرار الأميركي بتجميد عملية السلام العربي – الإسرائيلي وعلى تجنب إستخدام لبنان كمدخل إختباري للثورات المخملية في المنطقة. سواء عن طريق تصنيع قادة مجتمع على الطريقة الأميركية المتعارضة مع ثقافتنا السياسية. أو عن طريق توظيف أزمات البلد للتدخل في جواره الجغرافي. وهكذا فان الرفض الأميركي لتحييد البلد وفصله عن المصالح النفطية الأميركية في المنطقة كان وراء تضخيم اهميته الاستراتيجية. مما ادى الى نشوء اللحظة الراهنة التي يمكن ايجازها باختصار شديد على النحو التالي:



1- الاستمرار في التهديد المبرمج اصطناعيا لدول المنطقة. بما يؤدي الى الصراع والتنافس حول الاستفادة من تودد لكسب الرضى الأميركي يجنبها هذه التهديدات على حساب لبنان.


 

2- إعتماد الادارة الاميركية على النفط كصمام امان استراتيجي لتامين مصالحها. وتصنيف دول المنطقة ومنها لبنان على هذا الأساس.



3- الدور الروسي: حيث ترى روسيا ان رفع اسعار النفط هو سبيلها الوحيد للخروج من ازمتها الاقتصادية الخانقة. ولرغبتها باستعادة دورها المفقود منذ انهيار حائط برلين. وهذه المنافع تتعزز بتنامي الإضطرابات في المنطقة وفي لبنان ضمناً.



4- الدور الأوروبي: تعاني اوروبا من رعب حقيقي من انعكاسات ازمات نفطية مفتعلة – قادمة على اقتصادياتها وعلى عملتها الموحدة. وبالتالي على مستقبل الاتحاد الاوروبي. مما يجعلها شريكة في مجرى أحداث المنطقة ولبنان بصورة خاصة. عداك عن الدور التقليدي الفرنسي في لبنان.



5- استحالة سداد الديون المترتبة على الدولة اللبنانية في ظل الفوضى السياسية الراهنة. ومن هنا الحاجة اللبنانية الحيوية للعب أدوار وتقديم خدمات لتأمين المساعدات الإقتصادية اللازمة. حيث مصادر هذه المساعدات وسبل الحصول عليها واحدة من أهم وجوه الإختلاف بين اللبنانيين.



6- الفوضى الجيوبوليتيكية عقب إحتلال العراق: حيث تعقدت الازمات وتنامت مصادر التهديد الخارجية والداخلية وتهديدات الجوار التي تحول دون ارساء استراتيجية امنية لبنانية متماسكة.



ان هذه النقاط تلعب الدور الرئيسي في رسم استراتيجية الامن الاجتماعي اللبناني. وهي تطرح التحديات امام النظام اللبناني. وتضعه امام ضرورة ارساء مثل هذه الاستراتيجية الجامعة والمشتركة بين مختلف الجماعات اللبنانية.





1- لبنان مسرحاً للإنقلابات المخملية الأميركية



أوقفت المقاومة العراقية قطار المشروع الأميركي في المنطقة وجعلت العراق بلداً عاجزاً عن القيام بدور النموذج المثالي للديمقراطية الأميركية بنسختها المقترحة للدول العربية. وبذلك تحول لبنان الى البلد المطلوب أميركياً لتنفيذ المشروع الأميركي للمنطقة. فتوالت الضغوط الأميركية لإحداث إنقلاب لبناني ممهد للنموذج الأميركي. فكان قانون محاسبة سوريا الصادر عن الكونغرس. ومعه تحرك اللجنة اللبنانية – الأميركية ( اللوبي اللبناني في أميركا بإشراف مخابراتها) لتحريك المواضيع الخلافية مع سوريا ومع فريق آخر من اللبنانيين. وأعقب هذه الخطوات إيقاظ المعارضات اللبنانية وتنظيمها على شاكلة المعارضات العراقية ما قبل بداية الحرب العراقية. ثم جاء التحريك الأميركي للمعارضات الداخلية ومنها معارضة الحريري المدعوم سعودياً. وتركزت أهداف هذه التحركات على إخراج القوات السورية من لبنان بصورة مفاجئة باعثة للفوضى التي تضع البلد تحت رحمة الوصاية الأميركية. بحيث يمكن للولايات المتحدة التحكم بالمشهد السياسي وبالأمن العسكري والإجتماعي اللبناني.


وجاءت حادثة إغتيال الحريري وقوداً لتسريع تنفيذ الرغبات الأميركية في لبنان. ولعل المخابرات الأميركية هي الأوفر علماً ببراءة سوريا أو بأسلوب توريطها في هذه الحادثة. لكن هذه المعلومة لا تمنع توظيفها في الإتجاه المناسب للمصالح الأميركية في لبنان بإطلاق الفوضى اللبنانية إستناداً الى البؤر التالية:



1- الفراغ الأمني الناجم عن الإنسحاب السوري السريع بدون توفير بدائل أمنية.


2- إقالة رؤساء الأجهزة الأمنية بحجة تعاونهم مع سوريا وأيضاً بدون بدائل.



3- تحييد الشخصيات السياسية الفاعلة وتحويلها الى الشلل بما يسهل السيطرة الأميركية على القرار السياسي. حيث إستبعدت الزعامات المسيحية لصالح العودة المفاجئة لكل من عون وجعجع والزعامات السنية لصالح سعد الحريري والزعامات الشيعية لصالح الملف الإيراني.



4- مسرحية الإنتخابات اللبنانية الأخيرة التي أوصلت " قره قوزات " السفير فيلتمان الى البرلمان. فبات فيلتمان متحكماً تماماً بالقرار اللبناني. بحيث لا تعيقه سوى ممانعة البقاء التي تظهرها بعض الأطراف اللبنانية الباقية في السلطة.



5- تأجيل البحث في المديونية اللبنانية الهائلة مقارنة مع القدرات الإقتصادية اللبنانية. حتى أصبحت الخصخصة تطرح كمخرج وحيد لأزمة تم تجاهلها طيلة فترة الهياج المبرمج أميركياً. وبذلك أصبح البلد معروضاً للبيع بإصرار من الدمى السياسية المصنعة أميركياً.



6-  التفجير الأميركي المتعمد للتناقضات الداخلية اللبنانية. وهو تفجير يفقد كافة الجماعات اللبنانية مشاعر الأمان والإطمئنان الى حاضرها ومستقبلها. حتى أصبح البلد على شفير حرب أهلية جديدة بسبب مطاولة التهديد للجميع والغياب التام للأمن الإجتماعي. ومن هذه التفجيرات نذكر:



- حقوق الأقليات (لا يوجد بلد لا يضم أقليات)



 - حقوق المرأة (تخاطب عقدة ليليت لدى كل نساء الأرض)



- حقوق الطفل (لا تضم حمايته من اليورانيوم المنضد الأميركي)



 - حقوق الإنسان (باستثناء حالات مثل أبو غريب وغوانتانامو)



 - الحريات السياسية) باستثناء مقاومة الإحتلال



-  الحريات الصحيفة (مع منع نشر أية كلمة معارضة للإحتلال)



 - التطبيل والتزمير لأصحاب وسائل الإعلام وأزلامهم وخدمهم وتوابعهم.



- تسويق كل الجمعيات والمؤسسات الأجنبية المشبوهة التي لم نعد تملك جرأة تعدادها لتنامي خطورتها وتأثيرها وهي بالعشرات.



7-  كاريكاتورية السلطة القائمة التي تعلن تكراراً عجزها عن تأمين الحماية للأشخاص والجماعات وتتنصل من مسؤولياتها بذرائع واهية مختلفة. خاصة وأن إعلان العجز في هذه الحالات يجب أن يقترن بإستقالة فورية لا تقبل التأجيل.



هكذا وعبر تغذية الوصاية الأميركية لهذه البؤر الإصطناعية أصبح لبنان على حافة الهاوية. فتحول بذلك الى برميل البارود المتفجر الذي يهدد دول المنطقة. وبذلك تصبح الرغبات الأميركية أوامراً. ومن هذه الرغبات الأميركية الشاذة والخطيرة نذكر:



1- الفراغ الأمني اللبناني المستمر والمرشح للتفاقم عبر إثارة مواضيع مثل سلاح المقاومة والفلسطينيين. وبيانات مثل بيان حراس الأرز والتصريحات الإستفزازية المتبادلة.



2-  الإغتيالات السياسية المتتالية. وهي تلعب دوراً مزدوجاً إذ تهدد الأمن الداخلي والإجتماعي وتتيح فرص تدخل فرق التحقيق الأميركية في النحقيقات اللبنانية.



3- عودة آل الحريري الى الملعب السياسي بعد إعلان إنسحابهم بتقديم الشهيد ضحية للسياسة.


 

 فقد كانت هذه العودة حاجة أميركية لتوريط الطائفة السنية في الصراع القائم بسبب التسليح. (راجع بحثنا: إغتيال الطائفة السنية

  http://www.amin.org/views/uncat/2005/may/may241.html



 

4- التشجيع الأميركي للميول الإنفصالية عبر طرح مشروع كونفيديرالية الطوائف( راجع مقالتنا: http://www.arabrenewal.com/index.php?rd=AI&AI0=9749 لبنان من جمهورية الى فيديرالية).



5- اطلاق الوحش الإعلامي المبرمج أميركياً لافتراس لبنان. وهو ألقى بعض عظام فريسته لشركائه اللبنانيين والعرب. فتحول منظمو التظاهرة إلى منوبين وسياسيين. رغم أن جل ما يفرقهم عن الرعاع هو خضوعهم لدورة تدريبية قصيرة وأميركية على قيادة الفوضى. أو على الأقل فهم الذين قبلوا عن وعي تقديم الفريسة إلى الوحش.



وهكذا سقط لبنان في حالة إحتلال بقدرة القوة اللينة. على غرار سقوط العراق في حضن المندوب السامي الأميركي بريمير تساعده ثلة من التابعين المحليين المنصبين زوراً مسؤولين عن البلد موضوع الإحتلال. وعندما يدرك غوغاء المظاهرات "الحقيقة " يكون الخراب قد أصاب البصرة وهو ما حدث فعلاً وكان ما كان. لقد باعت الحرة ثدييها في لبنان ولم تعد حرة. نأمل ألا تبيع بقية نسوتنا العربيات أثداءها.




2- مصادر تهديد الامن اللبناني



ان كافة التصنيفات المعتمدة لمصادر التهديد هي تقسيمات اصطناعية. فالتهديدات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية غير قابلة للفصل وهي متداخلة مع كافة انواع التهديدات الداخلية والخارجية والاقليمية بحيث يصبح الفصل بين هذه التدخلات نوعا من التبسيط والاختزال الذي يفقد الباحث امكانية الرؤية الشاملة لابعاد كل تهديد من هذه التهديدات. من هنا وجوب التنويه باصطناعية تصنيف التهديدات التي يواجهها المجتمع الخليجي. حيث نصادف التصنيف التالي:



1- النزاعات الداخلية بين الفئات اللبنانية: وهي في غالبيتها من رواسب الحرب الأهلية وميليشياتها التي أعيد إحياؤها بمناسبة إغتيال الحريري.



2- التدخلات الإقليمية: وهي المسؤولة عن اجواء التوتر المستمرة لتعارض هذه التدخلات مع الرؤى والمصالح الأميركية في لبنان. وتستثنى في هذا المجال سوريا وإسرائيل لكونهما لاعبين رئيسيين فب الساحة اللبنانية.



3- اللاعب الأميركي: هذا اللاعب هو المسؤول عن تغذية الحرب الأهلية وتوظيفها في خدمة مصالحه. ومن ثم فهو مشارك في ‘تفاق الطائف وفي تلزيم الوضع اللبناني لسوريا بشروطه المحددة. وأخيراً فهو صاحب قرار إخراج سوريا من لبنان لحساب فوضى أمنية تناسب إبراز الحاجة اللبناني لتدخلاته. وهو يملك قدرة إشعال الفتن والصراعات الداخلية اللبنانية بمجرد إيعاز من سفيره فبلتمان. وهو بذلك أكثر اللاعبين تهديداً للأمن اللبناني على كافة مستوياته.


4- اللاعبون الرئيسيون:



5- اللاعبون الفرعيون:




3- الانعكاسات الأمنية للتهديدات



تتبدى هذه الانعكاسات على مختلف الصعد لتخلف آثاراً غير ممكنة التجاهل. اذ تتجلى هذه الانعكاسات على الصعيد الاقتصادي بأعباء خدمة المديونية وصعوبة التوجه لدى صناع القرار. اما لدى المواطنين فهي تنعكس باستشعارهم ضعف مقومات الامن الاجتماعي. بما يدفعهم للتصرف وفق توجهات مختلفة نتيجة لهذا الاستشعار. وبما اننا معنيون بهذا الجانب فاننا سنتناول القوالب او الانماط السلوكية لهذه التصرفات. حيث من الممكن تصنيف ردود فعل المواطنين امام شعورهم بالتهديد في الانماط السلوكية التالية:



1- التوحد بالمعتدي: ويمكن للمعتدي ان يكون ايا من مصادر التهديد المشار لها اعلاه بدون استثناء. مع ملاحظة الميل المتنامي للتوحد بالحركات الدينية.



2- فوبيا المواجهة: او سلوك توقع الاسوأ والتصرف على اساسه.



3- السلوك الانسحابي: ويتجلى بالعمل على تامين البدائل ( بما فيها محاولة الحصول على جنسية اضافية)



4- السلوك الهروبي: ويتجلى بالهرب من مواجهة غموض الاحتمالات الى تجنب التفكير بالواقع واحتمالاته. وهذا السلوك يفسر ارتفاع نسبة الادمان والاقبال على الاكثار من المسممات في لبنان.


 

5- السلوك الاستسلامي: ويتجلى بالتسليم امام اية احتمالات مطروحة مهما كانت درجة الخطورة في تهديدها. ويتسم هذا السلوك بانخفاض تقدير الذات والاعتقاد باللاجدوى.



6- سلوك المواجهة: وهو سلوك لايمكن اغفاله. خصوصا بعد تجربة المواجهة بين مظاهرة 8 آذار و14 آذار. حيث أدى هذا الإختبار الى الإيحاء بسناريو محتمل للمواجهات.



الا اننا وبعد هذا الاستعراض نعود للتساؤل عن اختلاف حدة هذه المشاعر بين المواطنين اللبنانيين. كذلك نتساءل عن اولويات خطورة التهديد بين فئة لبنانية واخرى.


 

 ففي حين تبلغ حدة هذه المشاعر الذروة لدى المواطن المسيحي (بسبب عقدة الخوف من المحيط المهدد) نجدها في حدها الادنى لدى المواطن السني الذي لم يشارك في ميليشيات الحرب والذي يعتقد بسوبرمانية سعد الحريري السعودية. وفي حين يتركز مصدر التهديد على سوريا لدى الفئات المسيحية والدرزية فانه يتركز على الوصاية الأميركية لدى بقية الفئات. وهكذا فان الخطوات العملية لسياسة الإنصهار الوطني لا بد لها من ان تاخذ هذه المتغيرات في حسبانها لتكون جالبة لمشاعر الامان للجميع. اذ ان اي خلل في الخطوات الوقائية – الاستراتيجية من شانه ان يخلف ازمة انتماء تخرج بعض المواطنين من اطار الانتماء اللبناني. مما يعرقل الإنصهار الوطني على الصعد كافة. وهذا ما ينعكس جليا بعدم قدرة الدولة اللبنانية على ضمان تكامل وحداتها العسكرية في ظل تفجر التناقضات الداخلية. بالرغم من التقارير التي تشير الى انفاق جزء هام من الديون اللبنانية في مجال الامن العسكري.



ومما لاشك فيه ان غموض اللحظة السياسية – الإقتصادية الراهنة من شانه تعميق الخلاف حول تصنيف التهديدات وتعريف مصدرها المحتمل. وهي مسائل تنتمي الى حقل السياسة ولكن دون ان يعني ذلك الغاء او تجاهل دور الاختصاص في هذه المواضيع.


 

فانطلاقا من سيكولوجية التفاوض ومن مباديء السيكولوجيا الاسرية يمكن للاختصاص ان يلعب دورا استشاريا من الدرجة الاولى سواء لجهة اعادة ترتيب البيت اللبناني الداخلي ام لجهة المساهمة في تصنيف التهديدات والمساعدة على تحديد امكانيات تحييد ما يمكن تحييده منها. وتعريف ما هو غير قابل لتحييد وبالتالي الواجب المواجهة.



وهذا تحديدا ما يدفعنا الى التمييز بين دور الاختصاص على الصعيد الفردي (معالجة ازمة الانتماء) وبين دوره على صعيد السياسة الامنية- الاجتماعية. ذلك ان مشاورات التكامل الإنصهار الوطني لابد لها من التعرف عن قرب الى مشاعر المواطن العادي في كل فئة لبنانية على حدة. وبطبيعة الحال فان هذا الدور ينتمي الى السيكولوجيا السياسية وهو غير قابل للتداول الاعلامي. مع التاكيد على ان تجاهل هذه المعطيات لايلغي اثرها وضغوطاتها في الاتجاهات المعاكسة للتكامل المنشود. فهذا التجاهل يحولها الى نوع من "المسكوت عنه" في العلاقات اللبنانية الداخلية. حيث يؤدي المسكوت عنه عادة الى تواطؤ غير معلن يؤسس لعلاقة اشكالية ولتحالفات فرعية من شانها ان تبعد احتمالات الإنصهار الوطني وإمكانيته.



ونكتفي بهذه الاشارة المتعلقة بدور الوساطة السياسي للاختصاص كي ننتقل الى دور الاختصاص على الصعيد الفردي وفي المجالات القابلة للتعميم الاعلامي. بما فيها دعم المعنويات وتدعيم اسس ومقومات الامن الاجتماعي و الإنصهار الوطني. الا اننا نجد من الضروري استعراض الاولويات المطروحة سياسيا والداعمة لمشاعر الامن الفردي والجماعي حيث نكتفي بذكر الاولويات التالية:



1- ضرورة التعجيل في فك الإرتباط الناجم عن 14 آذار الذي جمع اللبنانيين حول الحدث دون أن يجمعهم لجهة طموحاتهم وتطلعاتهم المستقبلية وتصورهم للإنتماء اللبناني.


 

 وكذلك حل إشكالية الصلاحيات التوافقية القائمة بين الرئاسات الثلاث. تجنبا لتحولها لاحقا الى عنصر تفرقة اضافي.



2- ضرورة التعجيل في حل التناقضات الداخلية الخاصة بكل جماعة على حدة ونزع فتيل تفجير الازمات الداخلية وبخاصة المطلبية منها.



3- الاتفاق على القواسم المشتركة وصولا لتحديد اولويات جامعة. وفي طليعتها حماية الاستقرار الداخلي. وبما فيها تحسين مستوى تمثيل الجماعات اللبنانية بعيداً عن التمثيل المعلب.



4-العمل على نزع فتيل تفجير الازمات الداخلية وأزمات الجوار. سواء بالتفاوض المباشر او عن طريق التحكيم او باستعمال قنوات اتصال اخرى(فتح الحوار حول المسائل الخلافية)



5- الاتفاق على حد ادنى من المباديء والمفاهيم المحددة والواضحة لخدمة المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية اللبنانية.




4- المواطن اللبناني وانعكاسات الكارثة



بعيدا عن التطبيقات السياسية والاجتماعية للاختصاص (المشار اليها اعلاه) فان للاختصاص دوره المباشر في دعم الافراد في مواجهة الوضعية المأزقية الناجمة عن الغموض الراهن لاستراتيجيات السياسة الدولية. ويمكننا تحديد دور الاختصاص على الصعد التالية:


1- متابعة علاج الآثار الصدمية المزمنة المتخلفة عن حروب المنطقة ونزاعاتها. وبخاصة احتلال العراق. حيث الطابع التراكمي لهذه الصدمات يتعزز مع مخاوف تكرار الكارثة. ومع غموض الاحتمالات القادمة على المنطقة مع تنامي اهميتها الاستراتيجية.



2- الاستمرار في معالجة الانعكاسات النفسية والاجتماعية المتخلفة عن التهديدات الفردية والجماعية المرافقة لهذه التوترات السياسية والتدخلات الخارجية المصاحبة لها. بما فيها مشاكل فقدان مشاعر الامان وهوام تكرار الكارثة و اطفال و عوائل القتلى والأسرى. وعقابيل الحرب المتاخرة الظهور.بالاضافة الى تلك المتحولة للازمان.



3- العمل على علاج ردود الفعل الدفاعية الفردية والجماعية المتبدية في القوالب السلوكية المشار لها اعلاه والتي تنعكس سلبا على الانتماء وعلى المواطنية. مشجعة سلوك طريق اللامبالاة والشلل الاجتماعيين وربما السلوك المعادي للمجتمع. ولعل هذه النقطة هي الابرز والأهم في الدور المطلوب من الاختصاص في هذه المرحلة.



4- نشر الوعي الصحي- النفسي والثقافة النفسية عبر مختلف وسائل الاتصال المتاحة ( مقابلات تلفزيونية- محاضرات- ندوات- مقالات...الخ). مع تحديد اهداف واضحة لكل برنامج من برامج التحرك. وخاصة لجهة مكافحة غسيل الدماغ وصناعة الهيستيريا الجماعية التي توجه الجمهور إنتقائباً في إتجاهات تخدم المصالح السياسية على حساب المواطنة.



5- الشروع في حملة اعلامية مركزة لمعالجة الانماط السلوكية الخاطئة (التوحد بالمعتدي-السلوك الانسحابي- الاستسلام ...الخ) بعد تحري وبائية انتشارها واساليب تظاهرها وسبل استغلالها من قبل الجماعات المهددة للاستقرار.



6- تحري الظواهر الاجتماعية السلبية التي يزداد انتشارها بصورة غير اعتيادية وبالارتباط مع الصدمات و الوضعية التوقعية السلبية. وذلك بهدف ادراجها في جدول الاولويات مع العمل على علاجها والوقاية منها.



7- تكامل الخبرات بين الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين(وغيرهم) اللبنانيين. مع اجراء المقارنات الاحصائية المحددة لنقاط الالتقاء والاختلاف على صعيد المعاناة الاجتماعية ومشاعر تهديد الأمن ومحركاتها في مختلف الجماعات. كخطوة على طريق ارساء معالجات مشتركة لوجوه المعاناة المتشابهة. بما يشكل لقاء حول الهموم المشتركة للمواطنين اللبنانيين.



8- اقامة دورات مختلفة المستويات لمختلف الشرائح للتدريب على سيكولوجية التفاوض وحل الصراعات.



9- تكثيف دورات تدعيم" تقدير الذات " للراغبين. ذلك ان تراجع الوفرة الاقتصادية وهوام تكرار الكوارث وعقابيل الكوارث السابقة والميل لتوقع الاسوأ بسبب الغموض كلها عوامل تؤدي الى انخفاض تقدير الذات وتشجع سلوك الانماط التي تقلل من فعالية الفرد الاجتماعية ومن مستوى لياقته النفسية. وبالاطلاع على اسلوب" التعامل مع الذات" نجد ان هذا الاسلوب يتطابق مع الحاجات كونه معدا في البيئة الخليجية وفي ظروفها خلال الفترة الاصعب.



10- استنادا الى كافة المعطيات السابقة يتم تقديم النتائج والمشورة الى الجهات المختصة. مع الاقتراحات الآيلة للحد من سلبية هذه الظواهر وانعكاساتها المستقبلية.




 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024