إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

نحت السياسة، مشاهد من النموذج السوري قراءة في كتاب نزار سلوم

نسيب الشامي

نسخة للطباعة 2003-10-08

إقرأ ايضاً


"إنها عمل نحتي إضافي في مشهد السياسة السورية المعاصرة" هكذا يقدم نزار سلوم كتابه الجديد نحت السياسة مشاهد من النموذج السوري... عن دار أمواج للطباعة والنشر. يمسك نزار بإزميله الذي تلمع حدته، على وجه صخر جلمد... ومطرقة مصنوعة من حديد، يدقّ عليه بتؤدة، يمسح علامات الأزمنة، ويقتلع التصخر والتحجر والتآكل، إحتفارا وملامسة.


الفصل الأول من الكتاب، يتناول خطاب، وأسلوب وشخصية الرئيس بشار الأسد والراحل الكبير حافظ الأسد.


ـ الخروج على الخطاب السياسي العربي..... (خطاب الرئيس بشار الأول) هاكه يقتلع الأرومة الأيديولوجية الراديكالية، ويرمي باللزوميات المنبرية من الخطاب، حتى يتحول إلى نص علمي، إلى بيان تطوير، تتكشف لغة الرئيس بشار الأسد، اللغة العلمية والتي تحاول صياغة الواقع متخلية عن الماكياج التزييني أو التقبيحي والذي هو صفة أيديولوجية يقول نزار...


وينحت الإزميل.. تصميما جديدا، وصياغة لرؤية مختلفة للواقع، إنما مع استبعاد الآلية الانقلابية.


يقول الرئيس بشار الأسد:" إن واقعنا الحالي يشكل أرضية ليست ملائمة لدخول القرن الجديد الذي هو قرن المؤسسات والتقنيات".. إذا لا بد من تغيير سحنة الاستراتيجيا المعمول بها، واستبدال أو تغيير المؤسسات والتقنيات وهذه تتضمن العديد من المجالات، إقتصادية، اجتماعية، علمية وغير ذلك، إنما السياسة فقد استبعدت من إعادة الصياغة، لأنها صياغة منحوتة بيد قائد كبير وهي لا تحتاج إلى صياغة راهنية "فهي ما زالت تتمتع بجهوزية عالية في رؤيتها كما في أداء مفرداتها".

الإزميل يحتفر السحنة البشعة من الاستراتيجيا ويبقي على ما نحن بحاجة أن نبقي عليه ونطوره.


وفي هذا تدليل على نهج الرئيس حافظ الأسد وخطّه المتميز.


ويحتفر الازميل بقعة تتكشف تحتها مساحة بيضاء تشعّ، كنجمة عشتار، كقطعة ماس، كنور مقدّس.. ويضجّ التسآل، أنقتلعها؟...

أنقتلع الواقع رمةً...


يجيب: علينا أن نبتعد عن فكرة نسف الواقع برمته بدلا من العمل على تطويره، منطلقين من أن الحياة الانسانية لا مطلق فيها، فمهما كان الواقع سيئاً لا بد وأن يكون فيه العديد من الفوائد ومهما كان جيداً أو ممتازاً فلن يخلو من المساوئ.


قمة النسبية... ودلالة على تقدم اللغة العلمية على الأيديولوجية... وإنهاء الثنائية الضدية الأخلاقية بين فكرة (الواقع) والأيديولوجيا...


قوام البلاغ: الانطلاق من واقع سيء إلى واقع جيد، ومن واقع جيد إلى واقع أفضل..


هنا ترتسم صورة العتبه في مشهد الخطاب السياسي الرسمي وأكثر، صياغة القدرة على تجاوز "نفسها" دون أي تردد أو تلكؤ، بفائدة واضحة، لا لبس فيها ولا التباس وهي تأسيس وتحصين موقع لائق للأمة في خارطة هذا القرن الراهن.


المنهج النقدي في خطاب حافظ الأسد:


جلّ ما فيه هو صياغة العلاقة ما بين الثوابت والمتغيرات وعلى وقع هذه الصياغة يتم إنتاج الجملة السياسية الاستراتيجية في مفرداتها الداخلية والخارجية، فالدولة يتم نقدها، بنيتها ومؤسساتها، هذا بمعنى أن الدولة بحاجة إلى تحديث، حتى تؤدي مهمتها والمؤسسات بحاجة إلى أن تمارس دورها وفق الأنظمة والقوانين، لأن ثمة ترابطا ملزما بين مفهوم الديمقراطية وقيام المؤسسات بدورها".


والوضع العربي يتم نقده، "ويدعو إلى مراجعة نقدية وموضوعية للوضع العربي، ينقلنا من حال الصراع إلى حالة التعاون والتضامن والتعاضد".


هنا يحتفر الإزميل قولاً، "مفهوم القوة نسبي في الزمان والمكان وعوامل القوة ليست ثابتة وما يجري في الأراضي المحتلة هو برهان ساطع على ذلك ومهما بلغت شدة القوة التي يمتلكها المعتدي فستبقى أضعف من إرادة الشعوب وتصميمها على التحرير وإنهاء العدوان".


ـ نقد النظام العالمي: هو النظام الجديد يكون مرسوماً بغياب التوازن الدولي وتحكم القطب الواحد، وازدواجية المعايير ثم يضع منهاج الدولة العام الذي يجب أن يحكم مسار عمل المؤسسات.


ـ تطوير العمل في أجهزة الدولة.


ـ تحقيق النهوض الاقتصادي.


ـ العمل على زيادة الانتاج.. إلخ...


وقد اشتمل الكتاب على تثبيت قواعد هذا المنهاج كاملة. وبالتالي يشتمل على توضيح سليم وراقٍ لها.


· الخطاب الاعلامي منمطاً:


يختصر هذا الباب الأساس من كتاب نزار سلوم إشكالية ـ فرز الصفات في صندوق الحياة السياسية في الشام، ويبدأ التعداد للصفات الموجودة في غيره ونفيها عنده، (صفات الرئيس الأسد، والطبقة السياسية) والصفات الموجودة عنده وحده وفق هذه الآلية "يوسع الرد مجاله وعوالمه"... فالتواضع، العفوية، الحساسية المفرطة، الخجل، الابتعاد عن المديح الشخصي، الاستماع الممتاز، احترام الآخر، القدرة الفائقة على الاقناع، الثقافة الواسعة،... كل هذه موجودة عند الرئيس، منفية عن الآخرين، الفئة السياسية الحاكمة...


وهاك سرد آخر، لا ملكيات تجارية، لا مزارع، لا فيلات، لا أموال، لا تبذير، لا وقت خاص، لا استراحة، بقي أن نقول أن سرداً ينفي حصول ما أسلفنا عن الرئيس وعلى هذه القاعدة، فهي موفورة عند الفئة السياسية حوله، "فإذا كان السرد مختصاً بإيضاح الصفات المميزة للرئيس دون غيره فإنه يبين وبالدرجة نفسها من الوضوح مقدار ابتعاد الفئة السياسية عن هذه الصفات...


أما وحال الأمة كما هي، وحال الدولة كما هي بعد غياب القائد، فيبدو وكأن الشعب وبترداده الدائم لصفات الرئيس وسيرة حياته، وكأنه يدفع بالرئيس نفسه إلى مخاصمة هذه الفئة وتطليقها على نحو نهائي ولكن بعد غيابه"...


إلاّ أن الخبره المرعبة يقول نزار، التي تتمتع بها هذه الفئة السياسية، تجعلها تستخدم هذه الصفات وتتداولها، وتصر على حقانيتها ونبلها وجدتها، وإدعائهم بمعرفة هذه السيرة أكثر من غيرهم نظراً لقربهم من الرئيس، وهكذا تستخدم خبرتها المرعبة بتحويل أي اتجاه غير مرغوب فيه إلى مجرد شعار ناجح إنما لا بد أن يتخطاه الزمن، وتصبح قصة مقاربة لسير القديسين، تحال من فضاء السياسة إلى فضاء التنسك والزهد، ويصبح النادر من الصفات مثال تندر على خيالية لا واقعية وصولا إلى الاشفاق عليه واستمطار اسمه بالرحمات"..


 

ـ الحزب القائد والمعارضة:  "نقد الدولة لذاتها".


الرئيس هو رأس المعارضة، كم تشتبك في الذهن، على عمق بساطتها، انقلابات الصورة وتنوع المشهد، تقرأ في كتاب الحزب القائد، والرئيس يرسم سياسة الدولة وفق منهج لا يخالفه فيه معارض... تعطي رأيها على وقع رأي السيد الرئيس، تكاد تنتفي الاضافات، فالمفردات منحوتة، والنهج نتاج الزرع والتروي، ولكن اللون الواحد، أوصل الجميع إلى الرتابة، فإنتقل الرئيس إلى المشهد الآخر، حيث الناس، بحاجة للماء والكهرباء، ونمو الحياة وانتعاش فكرة الغد الأفضل، ينتقل إلى حيث يتصدر صفوف المتظاهرين، ويعلو صوته مع الذين أوجعتهم عفونة الإدارة، وركاكة المسيرة، أو الذين سدّت في وجههم الآفاق.


بصيرته النافذة جعلته يرى أن الأمة بحاجة إلى من يعارض مسيرة الدولة، فانتظر أن يراها في صفوف روّضتها، مرحلة طغت عليها سطوة الدولة في استجماع ذاتها، وتثبيت دعائمها، وفرض هيبتها، فلم ير إلاّ خضوع الأمة للدولة المهابة، خضوعا مشتملا على قناعة أكيدة وثابتة بصدقية التوجه وسلامة المسيرة، فكان لا بد أن يكسر جدار الخوف، وكيف يتم هذا إذا تأخرهو ذاتاً، عن الانتقال إلى المشهد الآخر، حيث تطمئن قلوب الناس، إلى أنه وهو الوحيد القادر أن يحمي، صرخة أوجاعهم، ونداء مطالبهم، وأمنيتهم في التغيير. الإزميل يحتفر وجعاً... له علاقة بالصمت الذي يلف قلوب الناس، وعقولهم وألسنتهم، ويحتفر تسآلاً،... هل روّضت إلى حدّ أنها فقدت قدرتها على الحراك؟... أم أنه الخوف أمسك بها، إلى حدّ أنها باتت موالية رغماً عنها؟ عذراً من موليير...


أما حكاية المشارك ـ المستقل، في علاقة الأحزاب مع الحزب القائد فقد ثبت بطلانها، إنها حكاية المشارك التابع حتى إشعار آخر.


ـ نقد التاريخ الأمني:


هل يستطيع رجل الأمن ـ المخابرات، بالقيام بدور المؤرخ، وليس بالضرورة أن يكون الدور أو التسمية بالمعنى الأكاديمي، ولكن وفق المعنى والمشهد الذي كان هو فيه في الزمان والمكان، "وتوفر المادة التي يعرفها وشارك في وقوعها "

يقول نزار: لا بد أن كتاب لعبة الأمم لرجل المخابرات الأميركي "مايلز كوبلاند" ساهم في تشكيل إغراء دائم لرجال المخابرات في العالم..


وينتقل إلى كتاب "أوراق من دفتر الوطن" لرجل المخابرات المعروف سامي جمعة والذي يتناول في كتابه رحلة معروفة في أحداثها العامة.


وقد سماه نزار "بالتاريخ الأمني" لأنه لصيق بصاحبه فما يظهره التاريخ الأمني يتوقف حصراً على إرادة صاحبه ـ المؤرخ رجل الأمن ـ فهذه مستولدات ذاكرته وعليه بسهولة متناهية أن يدعها قابعة في كهوف الذاكرة إلى حين إنتهاء الأجل"

وهنا يصل إلى سامي جمعة الذي يقدم حسني الزعيم كصنيعة للحلقة الماسونية الدمشقية التي من أركانها بديع المؤيد، رفيق رضا سعيد، فوصوله إلى أعلى المراتب لم يكن إلاّ إستكمالاً لخطة هذه الحلقة وإرتباطاتها الخارجية..


يكتب نزار: سعيد حبي رئيس سامي جمعة في الشعبة الثانية كان يعرف أن ثمة اجتماعات تدور ما بين حسني الزعيم والضباط اليهود، للوصول إلى اتفاق ما، ولكنه لم يكن يتوقع أن يرى بأم العين موسى شاريت متنكراً بثياب عسكرية وحاملا رتبة مقدم برفقة قائد الشرطة العسكرية المقدم إبراهيم الحسيني وهو خارج من اجتماع مع حسني الزعيم في بلودان.. وقد كان سامي جمعة مكلفاً بالحراسة كرجل أمن.


وهنا يشير سامي جمعة إلى أن الحادث: حادث تسليم حسني الزعيم وخيانته للزعيم سعادة "لم يكن حادثا فرديا، وليس نتيجة حصرية لضغوطات مصرية كما هو رائج في أدب تلك المرحلة بل هو حدث ينتمي بكليته إلى إحدى حلقات السيناريو الأميركي الذي كان محليا من بطولة حسني الزعيم وهنا يبدو التاريخ ساخراً من نفسه عندما ينقلب على سطوة البروباغندا التي صدّرت الحدث بمواصفات تضليلية مزيفة توالت على مدى سنين".


"فأنطون سعادة عند سامي جمعة لم يعد صاحب المشروع المضاد كذا بل إن من عمل على إعدامه لم يكن سوى خائن..

فأولاً المالكي لم يكن بعثيا كما هو رائج... ولم يكن مقربا حتى من حزب البعث بدليل اختيار الحزب لصلاح الدين البيطار كمرشح للإنتخابات النيابية بديلاً من أخيه المعروف رياض المالكي، ثم يشير جمعة إلى دور رئيس الأركان السوري (شوكت شقير) الذي تم إبلاغه مسبقاً بأن خطة لقتل المالكي على يد رقيب في الجيش وضرورة تفادي وقوع ذلك.وتتابع التفاصيل، من قول رياض المالكي عندما جاءه معزياً بأخيه، صارخاً في وجهه "أنت الذي قتل عدنان"...


إلى إشارة زوجة الملحق العسكري في السفارة الأميركية لعدنان المالكي في حفلة الكوكتيل بمناسبة عيد الجلاء، بأنه يجب أن يحتاط... حيث ينتقل جمعة إلى تأريخه لمرحلة الوحدة مع مصر، إلى حيث ينتهي في محاولته، للتأريخ الأمني وكأنها تصفية حساب مع التاريخ المعلن وأكثر محاولة للتحرر من طغيان هذا التاريخ.


ولكن نزار يسأل هل يستطيع القلم الراهن وإن كان نقديا، محو سياط مسعورة هيمنت على الذاكرة ولجمت الخيال.

أما الفصل الأخير في الكتاب: نصّ المزة، نقد السيرة،


يقول نزار: ينطوي قرار الدولة بإغلاق سجن المزة وتحويله إلى معهد للعلوم التاريخية على عنوان يوتوبي لم يسبق أن تمّ إنجازه على هذا النحو الانقلابي...


الانقلابية هنا في التسمية ـ من سجن إلى معهد للعلوم ويقول نزار، الغائية هنا من القرار، هي إلغاء السجن سجن المزة من الذاكرة المجتمعية باعتباره رمزاً للسياسة المستحيلة.. وقد كان السياسيون يحجون إليه في طريقهم إلى بناء أمجادهم السياسية، لقد كان رمزا مضادا لذاكرة الحرية.


"وكنص وحشي يفترس رومانسيات التغيير الذي كان يتطهر بها خيال الشباب القادم من الطفولة إلى صياغة الوطن"

وكما تبدلت جلدة التسمية من سجن إلى معهد

كذا تبدلت جلدة السيرورة من مكان إلى نص

أصبح المزة نصاً، وتتأكد نصية السجن يقول نزار:


عندما تدفع إلى أوكاره متبوعا بأدب تلفيقي لا يمكن التكهن بنهايته، إنه سيل هائج من الكلمات تحول دون خروجك من نص السجن المحروس بأبواب المؤامرات... وكم حمل رجال على الأكتاف لبطولاتهم ثم ما لبثوا أن تم إسقاطهم من كتاب الاستقلال ليتلقفهم نص المزة.


يقول نزار: وإن يكن هذا الإحصاء عصيا عليك فإن أسماء مثل شكري القوتلي وناظم القدسي وخالد العظم، ربما تكون مرشحة للاستمرار على جدران المعهد التاريخي العتيد".


وإذا لم يقدّر لأنطون سعادة مثلا الإقامة في المزة بسبب حجوزاته الدائمة في سجون بيروت فإن زوجته جولييت المير سعادة عوضت عن ذلك بقضائها لسبع سنوات وتزيد محشورة مع مرضها العضال إلى أن أصدر مجلس قيادة الثورة بعد حركة 8 آذار 1963 ـ قراراً بالإفراج عنها، أو حيث وضع عصام المحايري مرافعته الشهيرة وهو ينعم بالأجواء الساحرة لزنزانته "أبو ريحة" ومثله خالدة السعيد وأدونيس أما أن تصبح دمشق مدينة للنهايات...؟


هنا تقع أهمية القرار الذي اتخذته الدولة...


إنها دمشق أتذكرون.. هي أيضاً مدينة البدايات إنما للذين سيشهدون على معهد العلوم التاريخية مكانا ونصاً... وليس المزة هذا الذي شاخ وتم تسليمه للتاريخ.


يقول نزار: ذلكم لم يكن سجناً، كان وطناً للسجناء وهو اليوم نصاً مفتوحاً في تاريخنا المعاصر.


الكتاب نحت، والعبارة كما الكتاب...


الكاتب نحّات، لكنه هذه المرة، حفر مكاناً لرئة الزمان في قلب صخر جلمد، المنحوتة تتحرك مسحورة بالعشق.. الكاتب نحّات يعترف أنه أمسك بالإزميل، رأفة بالبدايات، سلمت يداك.....

 


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024