إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحالة المادية ومصادر تمويل الحزب السوري القومي الاجتماعي 1932 - 1949 جزء 7

حسن خريباني

نسخة للطباعة 2008-02-16

إقرأ ايضاً


"صرح مصدر رسمي لمندوب "صوت الأحرار" قائلاً: "لقد ثبت لنا أنه لا علاقة للأجانب أو لأية قنصلية أجنبية بهذا الحزب ويمكنكم تأكيد هذه الحقيقة رسمياً".

اذا اردنا ان نقيم جدولا احصائيا فقط في الكيان اللبناني للاحزاب والمنظمات القائمة العاملة على ارضه بصورة شرعية او غير شرعية ، فهي عديدة جدا. وعملنا على تحديد مواردها المالية الداخلية والخارجية ومصادر تسلحها، ووسائلها الاعلامية على انواعها من مرئي ومسموع ومقرؤ ووسائل الكترونية، لو احصينا لمجريات ذلك في الكيان اللبناني الذي يساوي ربع مساحة محافظة حمص في الكيان الشامي، لشابت رؤوس الاطفال.

ولا يخفيك اخي المواطن شيئا مما تسمعه يوميا من قوى تستلب مال الدولة في خدمة احزابها ومشاريعها مجاهرة، وقوى تتلقى الدعم الخارجي في الموالاة والمعارضة من المصادر المتعددة للطرفين وخاصة دول الخليج وعلى راسها المملكة العربية السعودية ، والدولة المجاورة لامتنا ايران ، ناهيك عن الولايات المتحدة واوروبا الغربية منها والشرقية.

وكم سمعنا عن مساعدات واعانات وهبات للحكومة تتبخر دون ان يصل الى المواطنين فلسا.

كل هذا ويقبع لبنان تحت هلاك من الديون وانعدام شبه تام للبنية التحتية فيه ’ انه نظام يشكل مثالا فريدا للفساد المالي وغير المالي.

وها قد طل زعيم الاكثرية الفاسدة اليوم ليبشر اهل الشمال في لبنان بتقديم مبلغ 52 مليون دولار تحت شعارات التنمية، والتنمية لا دخل لها سوى انها ستار لشراء الضمائر وتجييش الفقراء وحرقهم في مشاريعه المذهبية خدمة لدول عربية واجنبية.

يا ترى نريد ان نسال سعد الحريري: لماذا طوال سنوات حكم والدك الراحل لم تقدموا شيئا لاهل الشمال الا في المناسبات الانتخابية؟

واليوم لماذا تذكرتهم بهذا المبلغ الكبير! لتكبير الكذبة على الشعب؟ لتجييشهم في ذكرى والدك، ومن اين لك هذا المال ؟

وكم دفعت اليوم لوليد جنبلاط لقاء بهلوانيته لشحن النفوس؟

وكم نال امين الجميل ، وجعجع والمرجعيات الدينية، هذا غير المبالغ التي اعفتها منها حكومة السنيورة!

تعفيهم من مال الله؟ وتسلب المواطن وتنهكه بالضرائب. بينما اثرى الاثرياء في لبنان هم الاشخاص والمؤسسات والاوقاف الدينية.

اننا نذكر ذلك وهو المعلوم ومسموع ومشاهد كل يوم في الساحة السياسية على الاقل كل حزب يعرف الكثير من اعضائه من يموله.

فما هي يا ترى مقاييس قبول اي دعم خارجي لاي قوة سياسية على ارضنا السورية؟

وما هي الشعارات التي تصرف وتقدم هذه الاموال في ظلها للقوى السياسية؟

طبعا الاموال الاميركية والاوروبية طاهرة بريئة شفافة لا تريد ابدا الا سبيلا واحدا لهذا الانفاق، لمساعدة القوى الديمقراطية والاستقلالية والسيادية والحرية وحقوق الانسان.

ومجموع ما تقدمه هذه الدول مجتمعة الى دول العالم الثالث في سبيل شعاراتها. يساوي جزءا لا يذكر مما تقدمه اميركا او فرنسا او المانية وحدها (على سبيل المثال) لستة ملايين يهودي يستوطنون فلسطين بالاغتصاب.

وكذلك تقدم السعودية ودول الخليج في سبيل مصالحها وتحفيز الشعور المذهبي لدى القوى التي تواليها. مصورة نفسها انها تمثل الخلافة الاسلامية وبيت مال المسلمين توزع عليهم جزءا من حقوقهم.

ولايران دور وشعارات اسلامية لدعم القوى ذات اللون المذهبي في العراق وكذلك في لبنان احزاب ترفع شعاراتها العقائدية المؤيدة للثورة الايرانية وتلتقي معها في وجه المشروع الصهيوني الطامع بارضنا والطامح الى ما بعد فلسطين في السيطرة على الهلال الخصيب، وترى ايران ان المشروع الصهيوني يقبع على حدودها لما له من دور كبير في العراق.

لا نذكر ذلك الا من باب الواقع السياسي لا لنذم ونقيم ونحكم على اي فريق، فعلى القارئ وحده ان يحكم المصلحة العليا للأمة من وراء ذلك ،على ضؤ ما كتبه سعادة او ما واجهه سعادة مع الدول الطامعة بارضنا ومواردنا وحلفائها.

هذا غير الاموال التي تصل للاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان.

لقد رأينا في الجزء السادس من هذا البحث الرقي المناقبي والانساني الذي تعامل فيه سعادة في اتصالاته الدولية او الانترنسيونية كما يسميها، ولم يحط من قدره ولا من قدر شعبه وأمته لقاء مصالح مادية قد يعرضها البعض من هنا او من هناك، لقاء التنازل عن جوهر القضية القومية ببعديها الوطني والاجتماعي ، لأن السقوط في المفاسد والاذلال لأي وجه من أوجه القضية تسقط القضية التي من اجلها أنشأ سعادة حزبه- الدولة السورية القومية الاجتماعية سقوطا كاملا مريعا.

بعد ما راينا في الفصل السادس نماذج من المفاوضات والاتصالات مع عدة دول لها باع طويل في القرارات الدولية ك المانية والولايات المتحدة وبريطانية واسبانية.

سناخذ في هذه الحلقة مقالة الزعيم :

سلاحا الحرب بين الحزب السوري القومي وأعداء الأمة - سورية الجديدة، العدد 51 في 10 شباط 1940

كل حرب تنشب لابد لها من سلاحين: معنوي ومادي، ولما كانت القوة الأساسية الفاعلة في حركة الحزب السوي القومي هي القوة الروحية فنوع الحرب، في هذا الطور الأولي، لابد أن يكون روحياً. فاقتصرت الحرب حتى الآن على السلاح المعنوي.

يمثل الحزب السوري القومي في هذه الحرب القوة المهاجمة وسلاحه المناقب القومية التي ولدها وبثها في الشعب السوري ورفع مقدرته الروحية إلى درجة عالية جداً. وبهذا السلاح صار الحزب السوري القومي قوة عظيمة يحسب حسابها ويخشى فعلها متى ابتدأت تستخدم السلاح المادي. ويمثل أعداء الأمة السورية الخارجيون والداخليون القوة المدافعة وسلاحهم المثالب الأجنبية واللاقومية.

وكما سبق وقلنا ان فرنسا منذ اللحظة التي انكشف فيها أمر الحزب السوري القومي من السر الى العلن حاولت ان تكيل الاخبار والدعاوات في وجه سعادة وحزبة ولو وجدت اي ارتباط مادي او سياسي للحزب مع اي دولة اجنبية لقضت على الحزب في مهده بمجرد ثبوت ذلك.

ولنتابع مع الزعيم:

منذ البدء أدرك الفرنسيون، الذين تولوا التحقيق في قضية الحزب السوري القومي، إن هذا الحزب يختلف بطبيعته عن كل ما عرفوه من الأحزاب قبله، أي أنه حزب ذو فاعلية روحية عظيمة وقوة مناقبية لم يكونوا يحلمون بتولدها في سورية التي كانوا يرونها صريعة انحطاط مناقبي عام. وكان أول سؤال تبادر إلى أذهان الجواسيس الفرنسيين: أيجوز أن تكون القوة الروحية التي أوجدت هذا النظام وهذا الترتيب سورية أم أنها قوة أجنبية معادية لفرنسة؟

وقد رجح الفرنسيون الوجه الثاني من السؤال المتقدم، لأنهم كانوا يحتقرون الشعب السوري ويزدرون نفسيته ومقدرته ولا يعدونه جديراً بالقيام بأعمال هي من شأن الشعوب الحرة ذات المناقب العالية. وجارى الفرنسيين في هذا الترجيح كل الذين احتقروا أنفسهم وازدروا شعبهم في قلوبهم من السوريين!

بناء على هذا الاستعداد الذهني عند الفرنسيين وعلى العقلية الانحطاطية في

أوساط واسعة من الشعب السوري وبين "المثقفين" منه في المدارس الجزويتية اتجهت الأنظر للبحث عن "المصدر الأجنبي" لنشوء الحركة السورية القومية.

وساعد على ترويج هذا البحث ما نشرته جريدة "الرابطة الشرقية" البيروتية التي يقوم على إنشائها شاب ينتمي إلى الشيوعية أو الاشتراكية ويقول بهدم القومية اسمه إبراهيم حداد وكله تلفيق روائي لحوادث خيالية حاول المنشيء المذكر أن يجد صلة بينها وبين ظهور الحزب السوري القومي.

ويمكن تتبع بداءة هذا البحث عن "المصدر الأجنبي" في الخبر الأول الذي نشرته جريدة "صوت الأحرار" في عددها الصادر بتاريخ 23 نوفمبر 1935 أي بعد كشف أمر الحزب السوري القومي بسبعة أيام والخبر كما يلي:

"وقد راجت في أروقة دار العدلية إشاعات مختلفة عن هذه القضية (قضية الحزب) فقيل أن أوراقاً وجدت تثبت علاقات الحزب بإحدى القنصليات الأجنبية وأن هنالك اتصالاً مالياً ليست هذه القنصلية بعيدة عنه. وراجت إشاعة أيضاً أن المحققين عثروا على أوراق تدل على وجود مخابرات بين الحزب وإحدى المؤسسات الأجنبية في الخارج".

وأرسل خبر هذه الإشاعات إلى جريدته مكاتب "المقطم" في بيروت فنشرت المقطم الخبر هكذا:"ويقال أنهم وجدوا في أوراق الحزب السوري القومي أوراق نقد من دولة أوروبية".

ولما كثر اللغط حول هذه الإشاعات وظهر القلق في أوساط الشعب وابتدأت عين القوميين تحمر، اضطرت المصادر الحكومية لإصدار بيان أو تصريح رسمي في هذا الصدد فنشرت جريدة "صوت الأحرار" في عددها الصادر في 25 نوفمبر1935 الخبر التالي:

"صرح مصدر رسمي لمندوب "صوت الأحرار" قائلاً: "لقد ثبت لنا أنه لا علاقة للأجانب أو لأية قنصلية أجنبية بهذا الحزب ويمكنكم تأكيد هذه الحقيقة رسمياً".

ومع أن هذا التصريح رسمي ومنشور في جريدة شبه رسمية (إن جريدة "صوت الأحرار" هي الجريدة التي تعبر عن رأي الحكومة وموقفها) فهو لم يمنع استمرار هذه النغمة خصوصاً في الصحف التي تخدم المطامع الأجنبية. ففي حين أن التحقيق الفرنسي الدقيق الذي استمر شهرين ونيف ومطالعة النيابة العامة الفرنسية ودراسة هيئة المحكمة وحكمها الأخير برَّأت الحزب من كل نفوذ أجنبي وبرهنت أن الحزب أنشأه الزعيم على مسؤوليته فالجرائد المأجورة للطعن في الحركة القومية ظلت مستمرة في استغلال الشائعات المغرضة إلى آخر حد. مثال ذلك ما نشرته جريدة "الهدى"، وكان الأصح أن تسمى "الضلال" في عددها الصادر في الحادي عشر من ابريل 1936 وهو كما يلي من رسالة لمكاتبها في بيروت:

أبلغني من مصادر عالية أن الحزب السوري القومي على اتصال وثيق بزعماء الفاشستي في إيطاليا الذين أرسلوا إلى أحد قناصلهم مبلغ 350 ألف ليرة سورية لتنفق على الدعاية الإيطالية في الشرق، بمناسبة إعلان الحرب على

الحبشة. وقد قام القنصل في بيروت بتوزيع المال على بعض الصحف اللبنانية، كما دفع المبالغ الطائلة للحزب السوري القومي. وكان فريق من أعضاءه يتقاضون كل واحد أربعين ليرة سورية في الشهر. أما كيفية اتصال الحزب السوري القومي بفاشست إيطالية فهي أن الغيور موسوليني اتصل بأحد اللبنانيين الذين كانوا في إيطالية وطلب إليه أن يعرفه بالأمير شكيب ارسلان ثم ذهبا معاً إلى روما واجتمعا بالسنيور موسوليني فكان ما كان".

وهذا الخبر هو غاية في الخلط والنفاق، فالمصادر العالية هي التي أثبتت أن الحزب السوري القومي هو حركة أصلية ناشئة نشأة سورية مستقلة. وهي التي أثبتت، بواسطة التحقيق والمحاكمة، أن الحزب السوري القومي كان يفتقر إلى المال لتنفيذ خطته الاستقلالية وأن الحاجة إلى المال هي التي جعلت الحزب يهتم بإيجاد مقومات الحركة بواسطة المشاريع الاقتصادية والمالية ضمن البلاد فأنشأ الزعيم "الشركة السورية التجارية" وعين لها هيئة إدارية، باشرت جمع الرسمال وإنشاء الوكالات الصناعية والزراعية من أعضاء الحزب أنفسهم، وقد صادر رجال الأمن جميع أوراق الشركة التجارية من محلها الكبير في شارع فوش بيروت، ولم تخف أهمية هذا المشروع الاقتصادي- المالي على هيئة المحكمة فكان له نصيب كبيير من مطالعة رئيس المحكمة.

ولأمر ما شاء مراسل "الهدى" وعامل "الرابطة الشرقية" الشيوعي أن يوجدا للحزب السوري القومي علاقة بالمير شكيب ارسلان وأن يصورا أن الزعيم اجتمع بالمير شكيب قبيل إنشاء الحزب مع أن أول تعارف جرى للزعيم مع المير شكيب كان في صيف 1937 في فندق القاصوف في ضهور الشوير وكان ذلك بطلب بعض الصحافيين الموجودين وكان حاضراً مندوب جريدة "النهار". وكان ذلك التعارف كل العلاقة التي نشأت مع المير شكيب الذي كان اتصاله وثيقاً "بالكتلة الوطنية" وعلاقاته السياسية كانت معها لا مع الحزب السوري القومي. وإذا كان المير شكيب قد أدرك الآن أن سياسة تلك الكتلة لم تكن سوى سياسة نفاق ومتاجرة بالوطنية فهذا الإدراك مبني على انفضاح أمر أولئك "الوطنين" وقبل هذا التاريخ كانت سياسة المير شكيب "العروبية" الإسلامية متفقة كل الاتفاق مع سياسة "الكتلة الوطنية" في المسائل السورية. وكان سعد الله الجابري وزير الداخلية والخارجية ووكيل رئيس الوزارة مدة غيابه في أوروبة، صديقه الحميم وشريك الكثير من أفكاره.

أما مسألة المال الإيطالي فقد أظهر التحقيق العلني السري أن الحزب السوري القومي لم يعتمد إلا على موارده الخاصة من اشتراكات الأعضاء وتبرعاتهم وتضحيات فريق منهم وعلى مشاريعه الاقتصادية- المالية.

وأما الدعاوة الإيطالية أو لغيرها فلم يستطع واحد من خصوم الحزب السوري القومي أن يأتي بدليل واحد على أن الحزب قام بشيء منها. ووثائق الحزب القومي تدل أنه حارب ولا يزال يحارب وسيظل يحارب كل دعاوة أجنبية يقصد منها وضع سورية تحت سلطة دولة أجنبية أو إخضاعها لمصالحها

السياسية والاقتصادية. وقد أثبت الحزب موقفه هذا مراراً وأفهم الفرنسيين أثناء المخابرات التي دارت بينه وبين المفوضية الفرنسية في بيروت أن كل ما يطلبه هو أن تعترف فرنسة بحق الأمة السورية في الحياة وأن تحترم هذا الحق. وأن الاصطدام بين الحزب السوري القومي وفرنسة سببه الدعاوة الفرنسية ومحاولة تثبيت السلطة الفرنسية في سورية وإخضاع جميع مصالح سورية السياسية والاقتصادية لسياسة فرنسة. فالحرب بين الحزب السوري القومي وفرنسة وبريطانية ليست قائمة على أساس تفضيل وجود دول أخرى في سورية، بل على أساس حق سورية في الحياة ورفض الحركة السورية القومية الخضوع لسلطة أجنبية ومقاومتها لكل محاولة يقصد منها هضم حقوق حياتنا القومية وملاشاة مصالحنا السياسية والاقتصادية.

ولكن السياسة الفرنسية التي رمت إلى ملاشات كل أساس قومي للحياة السورية وإخضاع سورية إخضاعاً كلياً لسياستها وسيادتها لم تشأ الوصول إلى أي تفاهم مع الحزب السوري القومي على هذا الأساس وفضلت أن تأول موقف الحزب من سياستها الاستعمارية كأنه عمل لمصلحة دولة أجنبية أخرى فأوعزت إلى مأجوريها العلنيين والسريين بإعطاء حركة الحزب السوري القومي هذه الترجمة.

بناء على هذا الاتجاه الذي اتخذته السياسة الفرنسية في صد الحركة السورية القومية، عادت نغمة "العلاقات الأجنبية" إلى أروقة دار العدل في أثناء الاعتقالات الثانية فأوعز النائب العام اللبناني إلى صحف بيروت أن تنشر أخبار ثبوت "علاقة الحزب بإيطالية". فنشرت بعض الصحف خبراً ملفقاً مفاده أن رجال التحقيق عثروا على وثائق تثبت "علاقة الحزب بإيطالية" وأن هذه الوثائق عرضت على الزعيم عند المستنطق "فسكت وأطرق" ولم يبق شك في أن الحزب يعمل للسياسة الإيطالية. ولكن نشر هذا الخبر أدى إلى اتخاذ القنصلية الإيطالية في بيروت موقفاً شريفاً فتوجه القنصل في اليوم التالي لظهور هذه الإشاعة، إلى المفوضية الفرنسية وقدم احتجاجاً على هذه الأكاذيب وطلب إظهار صحة ما تدعيه أو تكذيبها فجرت مخابرات حادة بين المفوضية ورئاسة "الجمهورية اللبنانية" والنيابة العامة المركزية، واضطرت النيابة العامة لتكذيب الخبر.

وقد اختارت السياسة الفرنسية، في ذلك الحين، أن ترمي الحزب السوري القومي بأنه صنيعة إيطالية، لأن التضارب السياسي الشديد كان في ذل كالوقت بين فرنسة وإيطالية بسبب بروز المطامح الإيطالية في المتوسط. وكان التضارب شديداً إلى حد أن الدبلوماسية البريطانية التي وصلت إلى تفاهم مع إيطالية لم تتمكن من التقريب بين وجهتي نظر إيطالية وفرنسة.

أما الآن، فبوجود إيطالية على الحياد في الحرب الحاضرة، تجد السياسة الفرنسية أن تغير النغمة الإيطالية وتضع في محلها النغمة الألمانية. ففي الاعتقالات التي حصلت منذ بضعة أشهر وأحالت عدداً من أركان الحزب السوري القومي ورجاله البارزين إلى التحقيق العسكري أوعز إلى الصحف أن تنشر أخباراً عن معلومات وهمية

"تثبت علاقة الحزب بالدعاية الألمانية". فنشرت صحف الوطن الخبر التالي:

"تقوم مديرية الأمن العام في المفوضية العليا بتحقيقات واسعة النطاق تحت إشراف المستنطق العسكري في قضية الحزب السوري القومي. "ويظهر أن المعلومات التي حصل عليها المستنطق العسكري دلته على أن أموالاً طائلة أرسلت إلى أركان الحزب كما وأن وثائق خطيرة عثر عليها التحقيق تثبت علاقة هذا الحزب قبل الحرب الحالية بالدعاية الألمانية.

ومن قابل هذا الخبر على خبر "صوت الأحرار" الأول وخصوصاً على خبر "الهدى" المذكور آنفاً تبين له أنه ليس سوى تنقيح وتحوير للأخبار السابقة الملفقة تلفيقاً واضحاً لا يخفي القصد منه. النغمة هي: "المعلومات والوثائق الخطيرة التي عثر عليها التحقيق" وحتى الآن لم تتمكن محكمة عسكرية أو غير عسكرية من نشر نص ولو مختلف لإحدى هذه "الوثائق الخطيرة" وهو يخبط في ضلال خبط عشواء.

ولا يمكن من هو غير خبير بتكنيك الإذاعة أن يرى في بساطة عبارة هذه الأخبار الملفقة الغرض المستور التي رمت إليه "المصادر العالية" التي تستقي منها جريدة "البشير" وجريدة "الهدى" وأحزابهما معلومات من وراء إيعازها بنشره. ففي هذه الأخبار البسيطة عبارات خطيرة مرسلة بصورة طبيعية لا يمكن القاريء العادي التنبه لخطرها كعبارة "الاتصال بدولة أجنبية" وعبارة وجود "علاقة للحزب بإيطالية أو بألمانية" أو بالفاشيست أو النازي، كأن كل علاقة، مهما كان نوعها، أكانت لخير القضية القومية أو لضررها، هي إثم يجب الحكم على مرتكبه، فواضح أن أحد الأغراض البسيكولوجية لعبارة هذه الأخبار المترادفة توليد حالة نفسية في الشعب تحمله على تجنب كل اتصال بالعالم وتحكم عليه بالانعزال والجمود والتسلم للدولة المستعمرة التي لا يجوز في عرفها، أن يكون لسوري علاقة إلا بها هي وحدها.

وهذا الغرض المستور وراء تلك العبارات البسيطة لا يمكن أن يصدر عن بعض المتعيشين بواسطة الصحافة إلا عن بلاهة لا حد لها وتجرد كلي من كل ذكاء وكل فطنة، "والمصادر العالية" التي صاغت هذه العبارات نظرت إلى المستقبل وأدركت أنه بنمو حركة الحزب السوري القومي سيصبح الحزب قوة سياسية لها وزن انترنسيوني. وأن نشأة الحزب الاستقلالية تجعله حراً غير مقيد بدولة أجنبية معينة ولذلك فهو يستطيع أن ينشئ العلاقات الانترنسيونية التي يراها في مصلحة قضيته من غير الاضطرار لجعل هذه العلاقات مع الدولة "المنتدبة" والاقتصار عليها.

إن "العلاقات" مع الدول الأجنبية يمكن أن تكون موضع شك كبير وتأمل عميق في المآرب المنطوية عليها، كما في علاقة يوسف السودا بإيطالية وعلاقة إميل اده وخير الدين الأحدب بفرنسة وعلاقة حقي العظم بفرنسة أو بتركية وعلاقة جميل مردم والشهبندر الواحد بفرنسة ثم بتركية والأخير ببريطانية ثم بتركية. ولكن متى كانت هذه العلاقة من جانب دولة منظمة كالدولة السورية

القومية، ومبنية على أهداف هذه الدولة وخططها السياسية، ومسجلة جميع تفاصيلها في سجلات هذه الدولة، كانت أمراً واضحاً لا غش فيه ولا مجال للشك والتأويل. وأن رجلاً، كزعيم الحزب السوري القومي يعرف حقيقة المسؤولية التي يتحملها ،ورجالاً كرجال الحزب السوري القومي يحافظون على عقيدتهم وخطتهم حتى الموت ،لا يمكن أن يتناولوا عن غايتهم المقدسة ولا أن يكونوا موضع شك، لأن جميع أعمالهم تسجل عليهم في مؤسسات المنظمة القومية، وقد برهنوا في جميع المواقف أنهم لا يتهربون من مسؤولية عمل قاموا به أو قول قالوه.

إذا كانت الإذاعة الفرنسية- البريطانية تعتقد أنها بمثل هذه العبارات الإذاعية تحمل الحركة القومية على الانعزال عن العالم والارتماء في أحضان هاتين الدولتين، فهذا دليل على أن خبراء هاتين الدولتين لا يزالون يجهلون التطور العظيم الذي أحدثته النهضة القومية في النفسية السورية التي لم يعد من الممكن تطبيق أساليب النفسية الشرقية عليها.

ويمكن للسياسة الفرنسية أن تعلم أنه إذا اتفقت مصالح الحركة السورية القومية ومصالح ألمانية أو إيطالية أو روسية أو اليابان فلن تحجم إدارة هذه الحركة القوية المنظمة عن إيجاد العلاقات الانترنسيونية التي تكون في مصلحة الأمة السورية وضرورية لجعل حقوقها القومية محترمة.

ويحسن بالسياسيين الفرنسيين أن يعلموا أنهم هم الذين رفضوا أن تتفق مصالح سورية القومية ومصالحهم برفضهم الاعتراف بالشخصية السورية القومية وبحق الأمة السورية بالحياة الحرة والسيادة القومية.

وما زال هذا شأن السياسة الفرنسية وشأن السياسة البريطانية- اليهودية ، فلن يمنع الحركة السورية القومية من إيجاد العلاقات الانترنسيونية الضرورية لمصلحة سورية إرهابا أو اضطهادا.

إن الهجوم المعاكس الذي تقوم به العناصر المعادية لنهضة الأمة السورية بواسطة هذه المثالب التي تمثل عقليتها وسلاحها، سوف يكون نصيبه الفشل التام. وستظل الحركة السورية القومية مهاجمة إلى أن يتم لها النصر وتعيد إلى الأمة السورية حقوقها المهضومة.

لنفصل في هذا الجدول الخلاصات والعبر من مقالة الزعيم هذه:

اسلحة الأعداء

امكانات مادية هائلة من عسكرية ولوجستية

واموال تنفق في سبيل شراء العملاء

يظن الاعداء ان الامة لا تستطيع ان تملك قوة روحية

تحطيم معنويات الامة

سلاح الاعداء الخارجيون والداخليون المثالب الاجنبية واللاقومية

حتى القوة الروحية’فرنسا وعملاؤها ظنوا انها تاتي من الخارج

احتقار الشعب السوري وازدراء نفسيته ومقدرته على القيام باعمال من شان الشعوب الحرة ذات المناقب العالية

حالف الفرنسيين اصحاب ثقافة الانحطاط والمدراس الجزويتية

ادعاءات فرنسا وعملاؤها ان الحزب يتلقى مساعدات من موسوليني زعيم الفاشيست في ايطاليا

وعندما لم يثبت الامر انتقلت التهمة الى المانية

صادر الامن العام اوراق الشركة من مركزها في شارع فوش في بيروت

رئيس المحكمة اعطى اهتماما كبيرا بالشركة واعمالها

يريدون هضم حقوق حياتنا القومية وملاشاة مصالحنا السياسية والاقتصادية

فرنسا سعت الى ملاشاة كل اساس قومي للحياة السورية واخضاع سورية اخضاعا كليا لسياستها وسيادتها

لذلك اولت مواقف الحزب من سياستها على انه عمل لدول اجنبية

توعز فرنسا الى مأجوريها العلنيين والسريين والصحف الصفراء لترمي الحزب باتهامات باطلة

بعد ان وقفت ايطالية على الحياد في الصراع الدولي غيرت فرنسا النغمة الايطالية وحلت النغمة الالمانية

الاتصال بدولة اجنبية ، علاقة بايطالية والمانية او بالفاشيست او النازي، كان كل علاقة مهما كان نوعها اكانت لخير القضية القومية او لضررها

غاية العدو و اغراضه البسيكولوجية توليد حالة نفسية في الشعب تحمله هلى تجنب كل اتصال بالعالم وتحكم عليه بالجمود والتسلم للدولة المستعمرة

اسلحة الدولة القومية

فقر مادي وموارد الامة والدولة تسيطر عليها القوى الاستعمارية وعملائها

اسس سعادة قوة فاعلة واساسية هي القوة الروحية

فنوع الحرب في الطور الاول روحي معنوي

يمثل الحزب القوة المهاجمة وسلاحه المناقب القومية التي بثها في الشعب السوري

بعد البناء الروحي على الامة ان تستعد لاستخدام السلاح المادي على انواعه

ثبت من التحقيقات والاعتقالات ان الحزب هو حركة اصيلة ناشئة نشأة سورية مستقلة

وثبت كذلك ان الحزب يفتقر الى المال

الحاجة الى المال جعلت الحزب يهتم بايجاد مقومات الحركة بواسطة المشاريع الاقتصادية والمالية

انشأ الزعيم الشركة السورية التجارية وعين لها هيئة ادارية

اما مسألة المال الايطالي فقد اظهر التحقيق العلني والسري ان الحزب لم يعتمد الا على موارده الخاصة

اشتراكات الاعضاء وتبرعاتهم وتضحيات فريق منهم ومشاريعه الاقتصادية-المالية

يؤكد سعادة ان حركته ذات قرار سيادي فهي لو وجدت مصلحتها مع اي دولة سواء كانت ايطالية او المانية او فرنسا نفسها لما توانت عن اقامة العلاقات الانترنسيونية اللازمة معها

احدثت الحركة القومية تطورا عظيما في النفسية السورية يجهلها اعداؤها هي غير اساليب النفسية الشرقية

خوف الفرنسيين من نشاة الحزب الاستقلالية والحزب يستطيع ان ينشئ العلاقات الانترنسيونية التي يراها في مصلحة قضية الامة

يؤكد الزعيم حق الشعب السوري في اقامة اي علاقة انترنسيونية يحقق فيها مصلحة امته ووطنه

ان كل الاذاعات والدعاوات الاجنبية وعملائها المحليين لم ولن ترمي الحركة القومية على الانعزال عن العالم والارتماء في احضان فرنسا وبريطانية

اثبت سعادة ان حركته تمثل الدولة السورية القومية بامتياز وانه ورجال حزبه يعرفون حقيقة المسؤولية التي يتحملونها ويحافظون على خطتهم وعقيدتهم حتى الموت

الحركة السورية القومية الاجتماعية حركة مهاجمة بروحيتها العظيمة وبكل امكاناتها المادية التي تتاتى لها


يتبع

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024