صدر للرفيق الدكتور سليم مجاعص عن دار " كتب " مؤلف جديد بعنوان "جنية النبي" يتضمن وثائق ومراسلات الحب الأول لجبران خليل جبران.
*
محتويات الكتاب:
مقدمة
جنية الحلم
الجنية المتألقة
الجنية الحبيبة
موت الجنية
خاتمة
رسائل جبران بالانكليزية
مخطوط الروحاني الاول بالانكليزية
المقدمة التي انجزها الرفيق سليم مجاعص في شيكاغو، آب 2009، تضيء جيداً على محتويات الكتاب، ننشرها على ثلاث حلقات للفائدة.
يتناول هذا الكتاب تحري وتوثيق أحداث وتفاصيل حب جبران الاول، حبه الكبير والاجمل والاروع، عبر تقديم وتحليل وثائق جديدة غالبها غير منشور في العربية أو الانكليزية. وعلينا هنا ان نتناول مباشرة استعمالنا صيغة التفضيل وقولنا "الاول والاجمل والاروع". لقد أحب جبران عدداً من النساء وأحب عدد من النساء جبران. لكن جبران لم يعط من نفسه ما أعطى في حبه الاول، ولم تنخطف روحه في علاقة مثلما انخطفت في حبه الاول، ولم يتمرمر قلبه مثلما تمرمر في حبه الاول، ولم تنكسر ذاته مثلما انكسرت في حبه الاول. وقد تكون هذه الامور كلها ميزة الحب الاول في سن الشباب، لكن ذلك لا يجعلها أقل صدقاً أو أهمية. ولعل جبران كان يتحدث عن هذا الحب حين كتب في الاجنحة المتكسرة:
"كنت في الثامنة عشرة عندما فتح الحب عيني بأشعته السحرية، ولمس نفسي لأول مرة بأصابعه النارية.. أي فتى لا يذكر الصبية الاولى التي أبدلت غفلة شبيبته بيقظة هائلة بلطفها، جارحة بعذوبتها، فتاكة بحلاوتها؟ من منا لا يذوب حنيناً الى تلك الساعة الغريبة التي اذا إنتبه فيها فجأة رأى كليته قد انقلبت وتحولت، وأعماقه قد اتسعت وانبسطت وتبطنت بانفعالات لذيذة بكل ما فيها من مرارة الكتمان، مستحبة بكل ما يكتنفها من الدموع والشوق والسهاد؟"(1)
واذا كان هذا الحب هو الاول والاجمل والاروع كما نعلن، فأين آثار هذا الحب في تراث جبران؟ لقد اعتبر الكثيرون ان جبران فصل بين ادبه وحياته الخاصة لكننا نرى ان جبران قد عبر ملياً عن تجارب حياته الخاصة في ادبه كما سيرى القارئ في صلب هذا الكتاب. ونكتفي هنا بنموذج واحد ندعو القاريء الى تدبره الآن وأن يعود إليه بعد قراءة الكتاب. في مقالة " قبل الانتحار: صفحة مطوية من دفاتر حفار القبور"(2) يكتب جبران: "وقد عرفت المرأة التي أحبها قلبي أيام الطفولة، فكنت أركض وراءها في الحقول واتمسك بأزيالها في الشوارع.
"وعرفتها في أيام الصبا، فكنت أرى خيال وجهها في وجوه الكتب والأسفار وأشاهد خطوط قامتها بين غيوم الماء، واسمع نغمة صوتها متصاعدة مع خرير السواقي.
" وعرفتها أيام الرجولة فكنت أجالسها محدثاً وأسألها مستفتياً وأقترب منها شاكياً ما في قلبي من الاوجاع باسطاً ما في روحي من الاسرار. كل ذلك كان بالأمس، والأمس حلم لا يعود، أما اليوم فقد ذهبت تلك المرأة الى أرض بعيدة خالية مقفرة باردة تدعى بلاد الخلو والنسيان".
ويختم جبران مقالته بقول يموه الناحية السرية: "أما أسم المرأة التي أحبها قلبي فهو الحياة.." ومن حق القارئ أن يسأل كيف مضت "الحياة" الى ارض بعيدة خالية مقفرة باردة تدعى بلاد الخلو والنسيان؟ أليس هذا الوصف أحرى بمحاولة جبران نسيان لوعة حبه الاول والمضي في مسيرة الحياة؟
لقد رأى النقاد عامة انكار أدب السيرة في النتاج الجبراني سوى عدد قليل رأى السيرة الجبرانية تماماً في كتاب الاجنحة المتكسرة وساوى بين أبطال الرواية وحب جبران المزعوم لفتاة لبنانية خلال دراسته في بيروت. وكما انه من الصعب القبول بتوافق أحداث الاجنحة المتكسرة مع وقائع حياة جبران، كذلك من الصعب اعتماد الموقف المعاكس باطلاق فهناك أمثلة كثيرة في تراث جبران عن تداخل التجربة الحياتية الخصوصية مع العمل الادبي والكتاب الحالي سوف يسعى الى توثيق بعضها.
إن عدم إطلاع روز غريب مثلاً على الرسائل والوثائق الاخرى المدرجة في هذا الكتاب دفعها الى الكتابة عن جبران تعليقاً على مقالة "الجنية الساحرة"(3) إنه كان يحرص دائماً على ان لا يكشف حياته الخاصة في كتاباته.. لكني أعتقد أن جبران الذي يميل الى استعمال الكنايات في آثاره الفنية والكتابية، يرمز بالجنية الساحرة الى الحياة التي ارادت إستعباده لكنه نجح في التحرر من اسارها، بدليل انه في المقالة التالية: " قبل الانتحار" يتحدث بنفس الاسلوب الرمزي عن امرأة إستعبدته في طفولته وصباه وشبابه واستطاع ان يخرجها من حياته، ثم يصرح بأن هذه المرأة هي الحياة "(4).
لكننا لا نجد في مقالة جبران " قبل الانتحار" ما يدل على انه شعر باستعباد مطلقاً فهو يتحدث عن المرأة التي احبها قلبه! وسوف يرى القارىء ان جبران لم يصاب بانفصام يفرق بين تجارب حياته وابداع فنه بل هو قد وظف في ادبه وفنه تجارب حياته. يقيننا ان القارئ سوف يرى عندما يطالع الرسائل والوثائق في هذا الكتاب ان آثار هذا الحب بادية جلياً وأن عدم التنبه إليها في الماضي هو من حوادث الجهل بتفاصيل هذا الحب وعدم توفر وثائقه ورسائله.
وسوف يرى القاريء أيضاً من خلال هذا الكتاب إن اسم المرأة التي احبها قلب جبران ليس الحياة عامة بل شاعرة من لحم ودم وموهبة هي جوزفين ييبودي. وإنه في مقالاته التي ظنها القراء والكتاب من نسج الخيال يمارس ادب السيرة الذاتية لا التمويه.
وقد كان خليل جبران (قريب الكاتب) وزوجته جين جبران أول من تناول علاقة جبران بالشاعرة جوزفين ييبودي بشكل توثيقي موسع بعد تخرصات من قبل آخرين غير مستندة الى أي دليل. وقد عثر الجبرانان في مفكرة /يوميات الشاعرة على ثروة من المعلومات التفصيلية وكانت الصورة التي قدماها لنا من أفضل ما كتب جبران حتى ذلك الوقت(5). وقد تبعها الكثير من مؤرخي جبران ناقلين وملخصين(6).
لكن صورة العلاقة عبر يوميات جوزفين هي صوت واحد من الحوار العاطفي الدائر بين الشاعرين. واذا سمعنا صوت جبران فهو عبر صداه في أحاسيس وأفكار جوزفين وبلغة اليوميات. وقد ظل الأمر كذلك حتى وقع الكاتب على مجموعة من رسائل جبران الى جوزفين محفوظة مع أوراق الكاتبة في إحدى مكتبات جامعة هارفرد(7). وتقدم هذه الرسائل الاثنين وثمانين صوت جبران عارياً وصريحاً فنستطيع عندها ان نسمع الحوار الدائر بين الفنانين ونقيس تفاعلات جوزفين مع كلمات جبران التي اصبحت الآن امامنا. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فبين أوراق الشاعرة مخطوطة غير منشورة عنوانها (psychic) "الروحاني" هي في الواقع تدوين لمقابلات جوزفين وجبران خارج حدود يوميات الكاتبة. وليس من الواضح غرض الكاتبة من ذلك لكن هذه المخطوطة تفصل أموراً كثيرة بقيت مقتضبة في تدوين يومياتها. وفي متن نص "الروحاني" ترجمة لبعض قصائد من قلم جبران وهناك بين أوراق ملفات الشاعرة نص قصيدة نثرية بالانكليزية غير منشورة بخط صاحب "النبي".
1- جبران خليل جبران: المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران، دار صادر، 1964، الصفحة 169.
2- هذا هو العنوان الكامل للمقالة كما وردت للمرة الاولى في مجلة الفنون، السنة الاولى، العدد الخامس، آب 1913. وقد اختصر هذا العنوان في المجوعة الكاملة العربية الى " قبل الانتحار". مقالة قبل الانتحار في جبران خليل جبران: المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران، دار صادر، 1964، الصفحة 388. وقد أورد انطوان القوال هذه المقالة في كتاب: جبران خليل جبران-نصوص خارج المجموعة، دار امواج، بيروت، 1993، على انها مقالة غير منشورة سابقاً في مجموعة دار صادر وهو خطأ. وقد عنونها القوال: "صفحة مطوية"، وهو جزء من العنوان الاصلي الذي اغفلته دار صادر.
3- مقالة الجنية الساحرة في جبران خليل جبران: المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران، دار صادر، 1964، صفحة 386.
4- روز غريب: جبران في آثاره الكتابية. دار المكشوف، بيروت، 1969، الصفحات 70-69.
5- World. Interlink Books, NY, 1998. Jean Gibran and kahlil Gibrane:Kahlil Gibrane: His Life and
6- وكان واترفيلد الوحيد من بين مؤرخي جبران الذي عاد إلى هذه العلاقة بعد الجبرانيين بشيء من التفصيل
.Robin Waterfield: Prophet: The Life and Times of kahlil Gibrane, St Martin Press,NY,1998
أما الدكتور سهيل بشروئي مثلاً فإنه يمر بهذه العلاقة باختصار شديد دون توضيح تأثيرها على جبران الشاب أو مدى عمق هذه العلاقة
World, Suheil Bushrui and Joe Jenkins: Kahlil Gibran: Man and Poet,a New Biography, One
.Oxford, 1999
7- Houghton Library, Harvard College Library, Harvard University.
|