إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ثمَّة ما لا يُقال

بسام الهلسه

نسخة للطباعة 2010-09-16

إقرأ ايضاً


ثمة ما لا يُقال. ليس ممَّا يدخل في باب الخجل، ولا مما يعدُ أسراراً خاصة بك أو بغيرك. ثمة ما لا يُقال فحسب.

ربما حَذراً من إلتباس فهمٍ، أو ضَنَّاً بمشاعر لا تحيط بها العبارة. ولم تعد بك رغبة في تفسير وشرح نفسك لأحد.

فإذ تفترض أن الحال تغني عن المقال، وأن الإحساس هو مصدر وأساس التواصل بين البشر، فلا حاجة بك إذاً لقول ما بك إذا كان من تخاطبه لا يحسّ بك، فلن يفهمك ويشاركك مشاعرك حتى وإن كان يسمعك.

* * *

في البدء كان الإحساس. وما الأصوات والإشارات والكلام، سوى أدوات إيضاحٍ تُستدعى للمساعدة.

لكن البشر المزهوين بتسَيّدهم على الطبيعة وكائناتها، قرروا أن النطق هو ميزتهم الفارقة. ثم أعلنوا برضى التاجر المطمئن لحساباته أن الكتابة هي بدء التاريخ!

وكم كانت الخسارات فادحة. يعرفها بشكل خاص، أولئك الذين إستعصوا على التحوُّل والإندماج في قطعان الآلات المقولبة، وما زالت أجسادهم تحمل قلوباً تخفق وجوارح تنبض.

* * *

بالطبع، سيكون من المغالاة القول بأن فقدان الإحساس هو المسؤول عن بؤس البشر، فهذا ما صنعته عوامل عديدة. لكن من الصحيح القول أنه أحد أبرز تجليات هذا البؤس. ففي عصر الأتمَتة، وهيمنة العقل الوظيفي المكرَّس لأغراضٍ عَمَلِية في معظم شؤون الحياة، هَجَر الناس ينابيعهم الروحية والعاطفية، وبخاصة مع طغيان النمط الرأسمالي على العالم الذي شَيَّأ البشر، وأخضع كلَّ ما في الكون لمعايير الربح والخسارة المُجردة الباردة.

* * *

عالمٌ ليس لنا، ولا مكان لنا فيه- إلا إذا كان الهامش مكاناً يصلح للإقامة بكرامة!؟- لكننا نستطيع أن نحتجَّ عليه وأن نرفضه. لا لنستعيد براءة إنسانية - حقيقية أو متخيَّلة- بل لنفكر في عالم بديلٍ يكون فيه الناس أصدقاء وجيراناً، ويصير الكون منزلاً تنفتح غرفاتُه على الجميع، وتتسع للجميع.

عندها، يستعيد الإحساس مكانته، ويطوِّر إمكاناته كمَنبَعٍ للتخاطب والتواصل بين بشرِ لم تعد تفصلهم عزلةُ العالم البدائي القديم.

* * *

قد يبدو هذا الكلام حالماً، ومثالياً، ونشازاً في عصرنا المتباهي بالعولمة.

كأنه آتٍ من كوكب آخر مجهول، يتحدث برطانةٍ غريبة، فلا يجد من يصغي إليه إلا فضولاً، أو مجاملة، أو إشفاقاً.

لكن صاحبه لا يكترث- وقد إعتاد على أن لا يكترث- ما دام ثمة ما لا يقال حيث لا يحس أحَدٌ بأحد.

* * *

ما هَمَّه؟ وماذا عليه إن لم يُصْغ إليه؟

يقفُ عند مفترق الأسئلة حزيناً مُوَزَّعَاً:

هل يتبع صوتَ الصارخِ في البرِّيَّة الذي إحتزوا رأسَه قرباناً لخطاياهم؟

أم يكتم نداءه، ويواريه كالحسرة في شغاف القلب، مُدَّخَرَاً لمرافيء قادمة؟

* * *

يعكفُ على نفسه مُستغرقاً..

- كأنما هو مُقرِيءٌ، أو مُغَنٍّ-

ينتقلُ من الجَوابِ إلى القرار

وفي نزفِ روحه، يصطخبُ حوار:

ثمة ما لا يقال. قلت لك ذلك من قبل، لكنك لم تستجبْ!

طوَّفْتَ داخلاً في حناياك، توغلتَ، وشرعت في البوح..

وها أنت تجد نفسك عالقاً!

* * *

تتكلم عن الإحساس؟

كأنك لست من هذا العالم!

أوَ لا تدري بما حَلَّ بنا؟

:بَعُدَ المزارُ!

وأضَعْنا في لجَّة العصر هَمْسَ الدروب الأليفة وخُطى المشوار.

فلا أيَادٍ تُلَوِّح، ولا عيون تحكي، ولا شجر يخبرنا عن تذكار.

* * *

أيَّة محنة هذه؟

وأيّ مَسَارٍ ضَلَّ المَسَار؟

* * *

ثمة ما لا يقال..

- وهو- لا يدري إن كان ما يكتبه بوحاً أم نوحا..

ام لعله مرثيةٍ!؟

* * *

مِنْ وَلَهٍ يكتبُ..

مِنْ حرقةٍ،

مِنْ خفقِ أجْنِحةٍ تدُقُ البابَ، بَرَّحَها الإسارْ

ضاقَ المقامُ بهِ،

عَزَّ إصْطِبارْ

ناحَ اليمامُ على الدِّيارْ

وشكا فؤادٌ مُوْجَعٌ...

* * *

لا تسألي!

-هي محضُ اُغْنِيَةٍ-

تروِيدَةٌ من عاشقٍ

يَ

ذْ

وِ

ي

.....................

ويعود بَعْدَ سَرَارْ.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024