بينما تجهد واشنطن لضمان نفوذها لدى حليفيها المتخاصمين، تركيا وأكراد سوريا، شهدت مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» في شمال وشرق سوريا، جولة جديدة من انتخابات «الإدارة الذاتية»، في ظلّ قناعة كردية بإيجابية الحوار مع دمشق
شهدت مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» في الشمال والشرق السوريين، أمس، المرحلة الثانية من انتخابات «مجالس البلدات والمدن والمقاطعات»، برغم عدم وجود أي رعاية إقليمية أو دولية مباشرة لها. الخطوة تتسق ضمن سياسة الأمر الواقع التي يتبعها الأكراد منذ إعلانهم «الإدارة الذاتية» مطلع عام 2013.
وتأتي هذه الانتخابات تزامناً مع تغيّر غير واضح المعالم في الموقف الأميركي حيال الدعم العسكري لأكراد سوريا، وعدم صدور أي تصريح من واشنطن يدعم التوجه صوب إعلان «الفدرالية»، بعد إنجاز الانتخابات المقررة مطلع العام المقبل. وبرغم الوضوح التام لموقف دمشق الرافض لأي تحرك «منفرد» من الأكراد، فإن المضي بالانتخابات في كل مراحلها، وفرض واقع جديد في مناطق النفوذ الأميركي، يأتي من واقع معرفة الأكراد بأن قرب انتهاء المعارك ضد «داعش» سيغيّر معادلات الحلفاء. ولن يتمكنوا من موازنة علاقاتهم التي نسجت خلال سنين الحرب مع الأضداد، والتي أتاحت لهم توسيع سيطرتهم إلى ما يزيد على ربع مساحة الأراضي السورية. لكن تحالفات الأيام الماضية لم تعد تتناسب مع الواقع الحالي، خاصّة مع اقتراب دقّ المسمار الأخير في نعش «داعش»، واحتمال قرب «التسوية السياسية» للأزمة السورية.
ويعترض مستشار الرئاسة المشتركة في «حزب الاتحاد الديموقراطي»، سيهانوك ديبو، على رفض دمشق الاعتراف بخطوات الأكراد على مسار «الفيدرالية»، معتبراً، في حديث مع «الأخبار»، أنه «لا يوجد نظام رسمي في سوريا، كي يشكك في الانتخابات التي تجري بشكل شفاف؛ وفي ظل وجود مراقبين من (التحالف الدولي) ومن روسيا، إلى جانب برلمانيين من إقليم كردستان العراق». ولكن حضور موفدين عن «التحالف» أو غيره، لا يبدد التردد الأميركي في إعطاء أي دعم مباشر وواضح لخطوات الأكراد السياسية وحتى العسكرية. وبينما تعد «قسد»، القوات الحليفة الوحيدة لواشنطن في سوريا، تحرص الولايات المتحدة على عدم تدهور علاقاتها مع تركيا، التي تهدد بإطلاق معركة جديدة ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية في عفرين، وتطالب الأميركيين بإنهاء تحالفهم مع «قسد».
التوازن بين الحليفين، الذي حاولت واشنطن الحفاظ عليه لسنوات، ما زال استراتيجيتها الواضحة حتى الآن. وبعد رفع اللهجة التركية حيال دفعات الأسلحة المقدمة إلى الأكراد، عادت وزارة الدفاع الأميركية لتعلن سحب قوات وأسلحة من الرقة. ووفق تصريحات المتحدث باسم الوزارة اريك باهون، سُحب 400 عنصر من الرقة يتبعون لقوات «مشاة البحرية»، مع عدد من قطعات المدفعية. وشدد باهون، على أنه سيجري «جمع الأسلحة التي قد تشكل تهديداً لحليفتنا تركيا»، موضحاً أن «الأتراك لديهم لوائح بهذه الأسلحة». بدورها أنقرة، وفي توافق مع الكلام الأميركي عن معرفتها بطبيعة الأسلحة المقدمة إلى الأكراد وعددها، كشفت عن خريطة جديدة عبر وكالة «الأناضول»، توضح انتشار مخازن تلك الأسلحة وطبيعتها. وبرغم أن التقرير يقول إن المعلومات جمعها مراسلو الوكالة، غير أنه سبق أن نُشرت تقارير عن توزع القواعد الأميركية في الشمال السوري، ونفت أنقرة أن تكون المعلومات قد سرّبها مصدر رسمي إلى الوكالة.
*** طلبت موسكو سحب كل عناصر «الوحدات» غير السوريين من عفرين ***
وفي مقابل الخطوات الأميركية «التوافقية»، التي تسوّق كتخفيف لدعم الأكراد، لفت الرئيس المشترك لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي»، شاهوز حسن، إلى أنهم لا يستبعدون فرضية أن «القوات الأمريكية لا ترغب في مساعدة الكرد حتى النهاية، وأنها قد تحاول إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب»، مضيفاً أن ذلك يدفعهم إلى الاعتماد «على القوات الذاتية». الحذر الكردي تجاه هذه النقطة يأتي مصحوباً بتأكيد من حسن نفسه، بأن الفترة المقبلة «ستشهد مفاوضات مع الحكومة السورية، بوساطة روسية، ولا يمكن أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب». ويشير التصريح بوضوح إلى الرهان الكردي على التعاون مع موسكو، وهو ما تجسد باتفاقات سابقة ترافقت وتعزيز الحضور الروسي في مناطق سيطرة «الوحدات» الكردية. ويقول ديبو في هذا السياق، إن «تواصلنا مع موسكو مستمر. ولدينا إرادة في أن نحضر مؤتمر سوتشي. ونحن منفتحون ونرحب بأية مفاوضات رسمية مع دمشق وبإشراف من راعيي حل الأزمة السورية أو من أحدهما على الأقل». ويضيف أن «قسد هي نواة أو جزء مهم من الجيش الوطني السوري من بعد إيجاد الحل الديمقراطي للأزمة السورية، فالدولة الناجحة لها جيش واحد، ونحن نرى بأن سوريا يجب أن تكون كذلك»، مضيفاً القول: «نحن مقتنعون بسيادة سوريا وبوحدتها، ونعتقد بأن جمهورية سوريا الاتحادية ستكون دولة وطنية لها ثقلها وتقوم بدور فاعل في المنطقة والعالم».
وفي السياق ذاته، أكدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن «الجانب الروسي زاد من مستوى تمثيله في مطار القامشلي، عبر حضور دائم لنائب رئيس مركز المصالحة الروسية في حميميم». ولفتت إلى أن موسكو طلبت من الأكراد «سحب كل عناصر (الوحدات) غير السوريين من عفرين، ونشر قوات حرس الحدود السورية على حدودها، بالإضافة إلى العمل على إدخال قوات حكومية إلى كل من الطبقة ومنبج». وأشارت إلى أن «الطلب الروسي جاء كخطوات لحماية عفرين من أي هجوم تركي محتمل، مقابل ضمانات باتخاذ إجراءات مماثلة تجاه الوجود التركي في مناطق الباب وجرابلس». وبالتوازي مع هذه التطورات، أكدت مصادر محلية أن «الوحدات الكردية نقلت عشرات الآليات التي تحمل جنوداً وعتاداً من منبج نحو الرقة والحسكة»، في خطوة لم يعرف إن كانت ضمن اتفاقات مسبقة، أو تندرج ضمن خطط إعادة الانتشار. وبناءً عليه، يبدو أن الأكراد يحاولون الاتزان بعلاقاتهم، بما يحميهم من الهجمات التركية، ويضمن لهم الوصول إلى مكاسب تحفظ مصالحهم في المناطق التي يفرضون سيطرة حالية عليها.
|