بعد الغوطة الشرقية، أصبح لزاماً على الدولة السورية أن تتجه نحو الجنوب، فلهذا ضرورة عسكرية وسياسية، أهمّها مسألة إزالة الخطر كلياً عن العاصمة. الرئيس بشار الأسد كان واضحاً في حديثه الأخير حول المنطقة الجنوبية، حيث اعتبر أنه في حال لم تنجح المفاوضات فإن التحرك العسكري سيكون خياراً بديلاً. اليوم، شارفت التجهيزات والتحشيدات على الانتهاء، ولم يبقَ الا إعلان بدء الهجوم، مع ملاحظة أن ثمة عدة عوامل تؤثّر في تحديد الساعة الصفر.
لم يعد سرّاً أن قرار استعادة السيطرة على المنطقة الجنوبية، وتحديداً محافظة درعا، بات محسوماً بالنسبة إلى القيادة السورية. الحشود التي تم استقدامها تؤشر إلى أن المفاوضات الأولية أصبحت في مراحلها النهائية، وسواء فشلت أو نجحت، فهي ستنتهي قريباً. الجيش السوري يسعى إلى حشد أكبر قوة ممكنة لاستثمارها في اتجاهين؛ الأول هو البقاء على جاهزية لبدء العملية العسكرية، والثاني هو الضغط على المسلحين، وداعميهم، لتحريك المفاوضات التي يخوضها الجانب الروسي معهم، واستعادة المنطقة من دون معركة كبيرة. في اليومين السابقين، لجأ الجيش السوري إلى توجيه ضربات دقيقة ومحدودة إلى مراكز المسلحين ونقاطهم في الريف الشرقي لدرعا، وتحديداً في بصر الحرير وناحتة ومليحة العطش، بالإضافة الى منطقة اللجاة. المسلحون أيضاً عمدوا إلى استهداف سيارة تابعة للجيش السوري، بصاروخ موجّه، ما أدى إلى استشهاد 4 عسكريين كانوا على متنها. الواضح أن المسلحين هناك يتصرفون على أساس أنهم لا يريدون معركة، وهم يحاولون الرد على ضربات الجيش بضربات محدودة أيضاً، خوفاً من جرّهم إلى مواجهة كبرى. وعلى مدى اليومين السابقين، عمد المسلحون إلى قصف بعض نقاط تحشّد الجيش في الريف الشرقي، بالإضافة إلى قصف مدينة السويداء بقذائف مدفعية.
في الوقت الذي طلب فيه الروس من الجيش السوري أن تكون تحركاته وتحشيداته علنية لاستثمارها في الضغط على المسلحين المفاوضين، حاول الداعمون الخارجيون، وتحديداً الأردنيين والأميركيين، إقناع المسلحين بأن المفاوضات ما زالت جارية، وأن هنالك جهوداً يقومون بها لمنع المعركة. وبدأ قادة المسلحين يردّدون هذا الكلام بين جماعاتهم، لمحاولة رفع المعنويات ومنع انهيار صفوفهم. وهنا تشير مصادر مطّلعة في حديثها إلى «الأخبار» إلى أنه «ما زال هنالك أمل بمفاوضات، وإن كانت حظوظ نجاحها قد بدأت تتدنى بنسبة كبيرة، إلا أن توقيت الهجوم لم يحدد بعد، ما يدلُّ على سعي الروس، بالتنسيق مع دمشق، إلى استنفاد كامل المحاولات قبل البدء بالعمل العسكري». وبالحديث عن المفاوضات، فإن المصادر نفسها أكدت أن الأميركيين كانوا قد قدّمواً طرحاً للحؤول دون العمل العسكري في الجنوب، «يقضي بأن يتقدّم عناصر الدرك الأردني، الموجودون على الجهة الأخرى من معبر نصيب (جابر)، إلى داخل الأراضي السورية، وصولاً إلى ما بعد منطقة النعيمة، وتحديداً على الأوتوستراد الدولي مقابل الغارية الغربية، ليصبح المعبر هناك». وفي هذه الحالة، تصبح المنطقة جنوب المعبر منطقة «آمنة» لحركة المسلحين بين الريفين الشرقي والغربي. تقول المصادر: «هنا رفضت القيادة السورية الطرح رفضاً قاطعاً، وأوصلت رسائل عبر الروس إلى الأميركيين، أنه لا مجال لنجاحه، وأن هذا من الأمور السيادية التي لا يمكن أن تقبل الدولة السورية الخوض فيه».
اتخذ القرار شبه النهائي بالعمل العسكري إذاً، في حال لم تحصل معجزة في المفاوضات تفضي إلى الحؤول دون المعركة. ولذلك، قسّمت محاور الهجوم التي سيعمل عليها الجيش السوري إلى اتجاهين؛ الأول سيكون من الريف الغربي للسويداء، وتحديداً من القرى التي تحدّ منطقة اللجاة وبصر الحرير والريف الشرقي لدرعا. أما الاتجاه الثاني، فسيكون من الريف الغربي لدرعا، وتحديداً من جهة اليادودة في ريف درعا الغربي، نحو مزيريب ثم إلى الحدود الأردنية، وذلك لعزل درعا عن الحدود مع الأردن. مدافع الجيش السوري انتشرت في المنطقة الشرقية، وتحديداً في صما وحرّان وعريقة، وهي قرى شرق اللجاة. ومنذ يومين، تقدم الجيش باتجاه كتيبة عسكرية على أطراف المسيكة في الريف الشرقي، وسيطر عليها، إلا أن المسلحين استعادوا السيطرة عليها لاحقاً. وفي اليوم نفسه، قصف المسلحون تجمّعات الجيش في القرى المحيطة بالمنطقة، وتحديداً في منطقة كتيبة الكيمياء، شرقي اللجاة. المصادر العسكرية تؤكّد أن «الهدف من العملية هو الوصول الى الحدود الأردنية، وبالتالي قطع الطريق بين الريفين الشرقي والغربي لمدينة درعا». كما تؤكّد هذه المصادر أنه «في الريف الغربي سيتم التحرك أيضاً، إلا أن الجيش لن يعمد إلى الاحتكاك مع الجانب الإسرائيلي، ولن يقترب من الحدود بشكل كبير، وذلك منعاً للاستفزاز، وبالتالي منح الإسرائيلي فرصة للتأثير على مسار العملية هناك». ويذكر هنا أنه عندما يسيطر الجيش على مزيريب والمنطقة المحيطة، يصبح خط التماس من الغرب مع «جيش خالد»، وهذا مدرج في خطط الجيش السوري لقتال التنظيم هناك في حوض اليرموك.
وعلى المقلب الآخر من الجبهة، بدأ المسلحون يعدّون العدة، ويجهزون غرف عمليات ومرابض وغير ذلك من مستلزمات المعركة. وهنالك تحركات استعراضية يقوم بها المسلحون ليظهروا استعدادهم للمعركة. وقد تم تشكيل ما يسمى «غرفة العمليات المركزية للجبهة الجنوبية»، والتي تضم عدة غرف عمليات تم إنشاؤها في كافة المناطق التي يسيطر عليها المسلحون. كذلك تسود حالة من التخبّط وتبادل الاتهامات بين الفصائل الجنوبية على خلفية انسحابهم من محيط قرية صما الهنيدات في الريف الغربي للسويداء، بعد دخولهم بساعات، تحت ضغط قصف الجيش السوري عليهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد رُصد، وفق مصادر ميدانية، «رتل تابع لما يسمى الفوج الأول مدفعية (من بقايا الجيش الحر) يتحرك أمس ليلاً من جمرك نصيب إلى قرية الكرك الشرقي ورخم والمليحة الشرقية في الريف الشرقي، وهو عبارة عن 4 حاملات تنقل 4 مدرعات أميركية مزودة بصواريخ مضادة للدروع، ورشاشات متوسطة وثقيلة، فضلاً عن شاحنات تحمل كميات كبيرة من الذخيرة المتنوعة ومدافع الهاون». وهذا يدّل على مدى الدعم الذي حصل عليه المسلحون في الأيام الأخيرة، وتحديداً من الأميركيين عبر الأردن، ما يثير تساؤلات حول إرادة البلدين المذكورين للحؤول دون المعركة والتوجه الى المفاوضات. وعلمت «الأخبار» من مصادر خاصة أن «العدو الإسرائيلي قد أبلغ الفصائل المسلحة في المنطقة الجنوبية، عبر عميله المعروف بأبو نضال الصفوري، وهو المسؤول عن إدخال الجرحى إلى الكيان، أنه (أي العدو) على استعداد لاستقبال جميع الجرحى والمصابين لدى المجموعات المسلحة».
كل ما يجري في الجنوب إذاً يؤشر إلى اقتراب ساعة انطلاق العملية العسكرية. الجنوب الذي انتظر طويلاً، وحكمت مصيره مصالح دول عدة، بات اليوم على بعد رمية حجر من معركة تحديد مصيره للمرة الأخيرة.
*******************************************
تحذير أميركي لدمشق وموسكو
جدّدت الولايات المتحدة الأميركية تحذيرها من أي تصعيد عسكري في منطقة «خفض التصعيد» جنوب سوريا. وقال بيان لوزارة الخارجية إن «الولايات المتحدة لا تزال تشعر بقلق بالغ من التقارير التي تفيد بزيادة عمليات النظام السوري في جنوب غربي سوريا»، مضيفاً أن «وحدات الجيش والميليشيات التابعة للنظام السوري، وفقاً لتقاريرنا، انتهكت منطقة خفض التصعيد، وبدأت الضربات الجوية والمدفعية والهجمات الصاروخية».
التحذير هذه المرة كان للجانبين السوري والروسي، كما طالب البيان «روسيا بكبح القوى الموالية للنظام عن القيام بمزيد من الإجراءات» التصعيدية هناك، مشيراً إلى أن الوزير مايك بومبيو كان قد نبّه نظيره الروسي سيرغي لافروف، إلى «الطبيعة الحاسمة للالتزام المتبادل» بهذا الترتيب. ولفت إلى أن واشنطن لا تزال ملتزمة «بالحفاظ على استقرار منطقة خفض التصعيد الجنوبية الغربية، ووقف إطلاق النار الذي تقوم عليه».
|