عرضت وزارة الثقافة السورية، أمس، 450 قطعة أثرية مستردّة كان قد جرى تهريبها إلى الخارج، خلال الحرب. يعود عمر عدد من هذه القطع إلى عصور ما قبل التاريخ، فيما ساهم الطرف اللبناني في إعادة بعضها
تطالع الدمشقيين هذه الأيام قيمة التاريخ بشكل مفاجئ، إثر الإعلان عن معرض الآثار «كنوز سورية مستردة»، وهو ما شغل المهتمين بالملف التاريخي المهدور، بفعل الحرب. وجرت التهيئة للحدث على أنه عرض للقطع الأثرية المستردة خلال «الأزمة»، بتضافر جهود بين المديرية العامة للآثار والمتاحف والمجتمع المحلي والأجهزة الأمنية. في بهو الاستقبال ضمن دار الأوبرا وسط دمشق، فتح المعرض أبوابه مساء أمس، لعرض مئات القطع الأثرية المستردة، بحضور حكومي من وزيري الثقافة والسياحة. وفيما تركزت تصريحات المسؤولين على أهمية الإنجاز و«عظمة» الجهود المبذولة، توجهت أنظار الحاضرين نحو 450 من القطع المعروضة ضمن صناديق زجاجية. أوانٍ فخارية وتماثيل صغيرة ورُقمٌ ومصوغات وأدوات حجرية استخدمت لأغراض متنوعة، تعود إلى حقب متعاقبة على البلاد، من بينها الحقب الإسلامية والرومانية وعصور ما قبل التاريخ. أهم القطع المعروضة: مجسم لبيت دائري الشكل من الطين المجفف تحت الشمس، يعتبر أول «ماكيت» للمساكن في مملكة ماري، ويعود إلى النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، أي ما قبل حكم سرجون الأكادي. ومن القطع الهامة في المعرض منحوتة حجرية أنثوية كاملة الشكل تمثل ما عرف في عصور ما قبل التاريخ باسم «الإلهة الأم»، وتعود إلى العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، أي ما بين 8700- 9500 قبل الميلاد، بحسب الكتيّب الموزّع على الحاضرين. وفي النبذة المكتوبة قرب القطعة الأثرية أنها استردت من منطقة القلمون الجبلية الحدودية مع لبنان. كما يمكن تمييز تمثال من البازلت يمثّل مَلِكاً مكللاً بالغار، يعود إلى العصر الروماني في القرن الثاني الميلادي. في شرح أهمية التمثال، إشارة إلى استرداده من منطقة الضمير، في ريف العاصمة. كما عرضت أحجار تعود إلى بعض الأعمدة الأثرية، التي تهاوت بفعل المعارك وأعمال التخريب. فيما بدا التقدير الدقيق لأهمية العديد من الآثار المعروضة صعباً، إذ لم يتسنّ بعد لخبراء الآثار تحديد الحقب الزمنية بدقة كافية، فاحتلت الترجيحات والتوقعات تصريحاتهم الأولية.
الإشادة بالدور اللبناني تكررت على لسان عدد من الخبراء المتابعين لعملية استرداد القطع المعروضة، إذ إن لبنان يكاد يكون البلد الوحيد الذي تعاون مع الجانب السوري لاسترداد قطع أثرية مسروقة من مدينة تدمر التاريخية. وإذ لا توجد قنوات تواصل مع متاحف أوروبية تعرض قطعاً أثرية سورية مهربة خلال الحرب، فإن دولاً عدة تجاهلت اتفاقياتها الموقعة ما قبل 2010. ويعلّق الدكتور فادي سليمان من قسم الآثار في جامعة دمشق على صعوبة تحديد التاريخ الدقيق لبعض المعروضات، إلا من خلال إجراء الدراسات والمقارنات والتوثيق الأولي. ويوضّح أن بعض القطع لم يجر التنقيب عنها من قبل، ليتم استخراجها من المواقع التاريخية بهدف التهريب، ما لا يسمح بالتكهّن حيال أهميتها وأحجامها وأشكالها، إلا عبر المصادر المشاركة في عملية التهريب، في حال الاستدلال إلى مواقع استخراجها.
وعلى رغم انتقاد ضيق مساحة العرض نسبة إلى عدد القطع المعروضة، فإن تبرير القيمين على المعرض أن معظم القطع الأثرية يغلب عليها الحجم الصغير جداً بما لا يتطلب مساحات عرض أكبر. اللافت أن بعض القطع المعروضة جرى شراؤها من مناطق تواجد المسلحين، بعدما قام الأهالي بتهريبها، عن طريق سماسرة تمكنوا من إعادتها إلى وزارة الثقافة السورية. وبدورهم، أسهم حلفاء الجيش السوري الذين تواجدوا في نقاط تمركز ضمن المنطقة الشرقية في إعادة بعض الآثار من تدمر ودير الزور والبوكمال. ومع إعادة تأهيل متحف دمشق وبعض المناطق الأثرية في تدمر ودير الزور، يتوقع إعادة بعض المنحوتات لعرضها في مناطق وجودها الأصلي. ويستمر المعرض لأيام عدة، بهدف إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من السوريين المهتمين بالتعرف إلى آثار بلادهم المستردة. ومن المنتظر انتهاء المعرض للقيام بدراسة وافرة عن هذه القطع من قبل باحثين مختصين، بهدف تحديد تفاصيل عنها أكثر دقة.
|