تعاملت تل أبيب مع إطلاق الصاروخين اللذين استهدفا مواقع جيش الاحتلال في جبل الشيخ، ليل السبت ــــ الأحد، بدرجة من الخطورة، لا لناحية نتائج الاستهداف، وإنما لما انطوى عليه من رسائل ومؤشرات. وهو ما ظهر من خلال الردّ الإسرائيلي على الحادثة، وفي التغطية الإعلامية لها، والمواقف الرسمية التي واكبتها وأكدت مواصلة سياسة العدوان. وعَكَس منسوب الخطورة الذي تنظر من خلاله إسرائيل إلى تطورات الساحة السورية، أيضاً، رؤيتها لما تشهده البيئة الإقليمية من اختبارات القوة والرسائل المتضادة.
المعطى الأول الذي حضر في تل أبيب هو أن الصاروخين لم ينزلقا صدفة باتجاه الجولان، وإنما كانا نتاج فعل متعمّد، وخصوصاً أنه لم يسبقهما مباشرة أي هجوم أو استفزاز، كما لفتت إلى ذلك صحيفة «يديعوت أحرونوت». وما يضفي على الحادثة مزيداً من الخصوصية، أنها تُعدّ الثانية من نوعها خلال أسبوع تقريباً، بعد النيران المضادة للطائرات التي أطلقتها بطّارية سورية تجاه طائرة تابعة لسلاح جو العدو. وهو ما دفع الأخير، على ما يبدو، إلى أن ينظر إلى ما يجري على أنه جزء من مسار متواصل، علماً بأنه يتجاهل ــــ عندما يتعامل مع حدث الصاروخين أو استهداف الطائرة على أنه بمثابة مبادرة عملانية ابتدائية سورية ــــ مسار الاعتداءات الإسرائيلية المستمر منذ سنوات.
يبدو أيضاً أن العدو رأى في تطور أمس أكثر من مؤشر، ورسائل في غير اتجاه. إذ إن الأداء الإعلامي والسياسي والعسكري الإسرائيلي أظهر التطور على أنه جزء من المؤشرات المتراكمة التي ترفع مستوى القلق إزاء مفاعيل عودة سيطرة الدولة السورية وإعادة بناء قواتها العسكرية. وهو ما سبق أن حذر منه الجيش الإسرائيلي، لجهة ما يمكن أن تترتب عليه من مفاعيل. وتدرك تل أبيب أن استمرار تعافي سوريا وبناء قدراتها وتطويرها سيؤدي إلى تداعيات إقليمية تتصل بمستقبل معادلات الصراع مع إسرائيل، وخاصة بعد التطورات التي شهدتها الساحات السورية والإقليمية.
مع ذلك، من الطبيعي أن لا تفصل إسرائيل تكرار التصدي السوري للاعتداءات، عما تشهده المنطقة من تطورات مفصلية. وهو ما دفع نتنياهو إلى المبادرة إلى إجراء مشاورات أمنية من أجل قراءة المخاطر الكامنة في هذا الحدث، معلناً أنه «وجّه تعليمات للجيش الإسرائيلي للقيام بالهجوم» الذي شهدته الساحة السورية خلال الساعات الماضية. وبرّر نتنياهو موقفه بـ«(أننا) غير مستعدين لتحمّل قصف على أراضينا، ونحن نردّ بقوة كبيرة على كل استهداف لإسرائيل»، مشدداً على أن ذلك هو جزء من «سياسة ثابتة أقودها، وسنواصل فعل هذا من أجل أمن إسرائيل». وفي أعقاب الاعتداء، أعلن الناطق باسم جيش العدو أن سلاح الجو هاجم عدة أهداف عسكرية في سوريا، رداً على إطلاق قذيفتين صاروخيتين من الأراضي السورية نحو حرمون. ومن بين الأهداف بطاريتا مدفعية، وعدة نقاط رصد واستخبارات في جبهة هضبة الجولان، وبطارية دفاع جوي.
*تحتاج إسرائيل على الدوام إلى محاولة تعزيز معادلات الردع*
من الواضح أن إسرائيل تتعامل بحذر شديد مع أي مستجد أمني على الساحة السورية، وخاصة أنها الجبهة المتحركة والقابلة للاشتعال، إلى جانب جبهة قطاع غزة، بينما تحكم الساحةَ اللبنانية معادلاتٌ حديدية حالت حتى الآن دون تجرّؤ العدو على شنّ اعتداءات عسكرية مباشرة. ومع أن تل أبيب تواصل توجيه الرسائل في هذا الإطار، إلا أنها لم تتجاوز حتى الآن مرحلة الكلام، إدراكاً منها أن أي حادث موضعي قابل لأن يتطور، ويتحول إلى مواجهة واسعة. وهو ما تعزّز أيضاً بعد الرسائل التي وجّهها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في كلمته أثناء احتفال يوم القدس.
على ما تقدم، يبدو واضحاً أن الرؤية الإسرائيلية لهذه الأحداث الموضعية لا تنفصل عن مجمل رؤية الكيان للمخاطر التي ينطوي عليها مسار تطورات الساحة السورية، على المستويين السياسي والعسكري. فمن جهة، فشلت كل مساعي انتزاع سوريا من موقعها الرئيس في محور المقاومة. ومن جهة أخرى، تدرك إسرائيل المسار التصاعدي لبناء القدرات في سوريا، على رغم الاعتداءات التي تنفذها. من أجل ذلك، تستعين تارة بالولايات المتحدة، وطوراً بروسيا بهدف كبح هذا المسار، من دون أن تحقق النتائج المرجوّة حتى الآن.
هذه المؤشرات التقطتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تعاملت باهتمام بالغ مع حادثة الصاروخين. وفي هذا الإطار، اعتبر معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن التقدير هو أن القصف الصاروخي كان مقصوداً، لكن سكان الجولان لم يتلقوا تعليمات خاصة. وأضاف بن يشاي إن الصاروخين على ما يبدو أطلقا من مسافة بعيدة نسبياً (حوالى 35 كيلومتراً)، وهو ما يرفع من احتمال أن يكون أحد الفصائل قد بادر إلى الفعل. مع ذلك، لم يستبعد أن يكون الصاروخان رداً من الجيش السوري على تدمير مدفع مضادّ للطائرات مطلع الأسبوع الماضي. كما وسّع دائرة الاحتمالات إلى إمكان أن يكون حزب الله قد بادر إلى القصف بواسطة محليين بمناسبة يوم القدس. وتؤشر دائرة الاحتمالات الواسعة التي رسمها بن يشاي وغيره، إلى أنه ليس هناك أي معطيات حاسمة لدى الطرف الإسرائيلي بشأن هذه الحادثة.
في المقابل، انطوى الاعتداء العسكري الإسرائيلي على الجيش السوري على أكثر من دلالة. فهو عكس الرؤية الإسرائيلية لمنسوب المخاطر في سوريا، ومستوى الحذر الشديد إزاء أي حدث أمني هناك مهما كان موضعياً. كذلك، هدفت قيادة العدو إلى التأكيد أنها لن تتجاوز أي استهداف لكلّ ما يمسّ بقواتها، حتى لو كان من باب الرد على اعتداءاتها، وهو ما ينطوي أيضاً على القلق من تداعيات أي مؤشر ضعف تظهره إسرائيل في هذا الظرف. وتدرك تل أبيب أن الساحة السورية هي من أكثر الساحات تحركاً وقابلية لظهور المفاجآت، الأمر الذي يجعلها عرضة لتطورات غير محسوبة. من أجل ذلك، تحتاج على الدوام إلى محاولة تعزيز معادلات الردع، وفرض سقوف عملانية تسمح لها بالدفع نحو ما تطمح إليه، لجهة منع سوريا من إعادة بناء قدراتها وتطويرها، بما سوف يؤدي ــــ في ضوء التطورات الإقليمية ــــ إلى مفاعيل وتداعيات استراتيجية تتصل بمستقبل المعادلات مع إسرائيل.
-------------------------------------------------
عدوان إسرائيلي جديد على مطار التيفور
بعد أقلّ من 24 ساعة على اعتداء العدو الإسرائيلي على مواقع عسكرية في الجنوب السوري، استُهدف مطار التيفور (T4) العسكري في ريف حمص، بعدد من الصواريخ الإسرائيلية في وقت متأخر من ليل أمس.
وأشارت المعلومات الرسمية الأولية إلى أن وسائط الدفاع الجوي تمكنت من اعتراض صاروخين، فيما وصل عدد آخر غير محدد بدقة إلى هدفه، ما تسبب باستشهاد عسكري وإصابة اثنين آخرين بجروح، إلى جانب إصابة مستودع ذخيرة، وإلحاق أضرار مادية أخرى ببعض الأبنية والعتاد.
وكان قد استشهد 3 عسكريين وأصيب 7 جنود في قصف إسرائيلي استهدف عدداً من المواقع العسكرية في ريفَي دمشق والقنيطرة، وذلك بعدما أعلن جيش العدو أن الاعتداء جاء ردّاً على صاروخين أطلقا من الأراضي السورية باتجاه الجزء المحتل من هضبة الجولان.
وعلى خلاف البيانات السابقة، لم يشر بيان جيش العدو عقب اعتداء القنيطرة إلى ارتباط «مجموعات موالية لإيران» بعملية إطلاق الصواريخ. وإذ لفت الجيش إلى أنه استهدف مواقع للقوات الحكومية السورية، اعتبر «النظام السوري مسؤولاً عن كل نشاط ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية، وسيعمل بشكل حازم ضد أي اعتداء».
|