لعلّ مؤشرات تدهور العلاقة بين الأردن و»إسرائيل»، تحتاج الى الكثير من التدقيق والبحث عن إشكالية هذه العلاقة اساساً، خاصة انّ ترتيب الأوراق في المنطقة عقب التطورات الجيوسياسية، يفرض نمطاً من التعاطي السياسي المدروس بدقة، بين كلّ التحالفات القديمة وبلورتها من جديد، بالنظر إلى التوقيت الحساس الذي تمرّ به المنطقة. وبصرف النظر عن ارتفاع منسوب التوتر بين عمّان وتل أبيب، إلا أنّ الوقائع تأخذنا بعيداً عن أيّ توتر بين البلدين، ولكن لا بدّ من التطرق بجزئيات بسيطة، إلى تصعيد الخلافات لكن ضمن تكتيك الأصدقاء، لإسقاط هذه التوترات على العلاقة الاستراتيجية بين الأردن و»إسرائيل»، ووضعها في بوتقة التطورات الشرق أوسطية.
يُمكن تأطير العلاقة بين “إسرائيل” والأردن بأبعاد ثلاث، أمنية ودبلوماسية واقتصادية، وقد سعت الأردن إلى المحافظة على هذه الأبعاد، وكذا “إسرائيل”، حيث أنّ العلاقة المتوازنة استمرت بعد معاهدة السلام بين البلدين، لكن مع وصول بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء في “إسرائيل”، بدأت تشهد العلاقات بين البلدين توترات لكنها ضمن الإطار السياسي، ففي الوقت الذي سعت فيه “إسرائيل” لتقوية التعاون الأمني والاقتصادي مع الأردن، كانت عمّان تطالب على الدوام، بتسوية سلمية مع الفلسطينيين، انطلاقاً من المصالح السيادية بين الأردن وفلسطين، ورغم ذلك، فقد حافظت العلاقة بين البلدين على رونقها الأمني والاستراتيجي والاقتصادي، نظراً لحجم المصالح والفوائد المشتركة والمنافع المتبادلة بين الطرفين، خاصة في ظلّ التهديدات الأمنية التي تشهدها دول الاقليم.
في جانب آخر، وعطفاً على التقارير التي تحدثت بمُجملها عن توتر العلاقات الأردنية الاسرائيلية، جاء “عوفر زالزبرغ” كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، ليُضفي نوعاً من اللغط المتعمّد على العلاقات الاسرائيلية الاردنية، بُغية تعتيم المشهد الحقيقي لهذه العلاقات العميقة بين الدولتين، ووفقاً لزالزبرغ، الذي نشر سلسلة تغريدات على حسابه على موقع “تويتر”، للحديث عن العلاقات الأردنية الإسرائيلية فإنّ التراجع بلغ درجة عدم استقبال العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، اتصالات هاتفية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وتتضمّن تغريدات زالزبرغ، التي عبّر في جزء منها عن رأيه واستند في الجزء الثاني منها إلى ملاحظات أوردها رئيس جهاز “الموساد” السابق إفرايم هاليفي، الذي قاد المفاوضات الإسرائيلية – الأردنية في عام 1994، خلال مداخلته في مؤتمر شارك في تنظيمه “معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي” وخصص للحديث عن العلاقات الأردنية الإسرائيلية، 8 مؤشرات رئيسية تدلل على تردي العلاقات وتفسّر أسباب ذلك.
وترتبط المؤشرات بتصريحات نتنياهو الأخيرة حول ضمّ غور الأردن، وإيقاف تنفيذ مشروع قناة البحرين، وعدم تجديد اتفاقية تأجير منطقتي الباقورة والغمر، وتجاوز صلاحيات الأردن بالإشراف على إدارة المقدسات في القدس المحتلة، وتطور العلاقات السعودية الإسرائيلية على حساب الأردن، وإدارة الولايات المتحدة ظهرها للأردن، واعتبار الحكومة الإسرائيلية حفاظ عمّان على العلاقة مع تل أبيب أمراً مسلماً به، وتجاهل خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ”صفقة القرن” للأردن.
من الواضح أنّ المشهد السابق يُمثل مسرحية سياسية بامتياز، فلو نظرنا إلى جزئية غاية في الأهمية، تؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك، بأنّ العلاقات الاسرائيلية الأردنية، لا زالت عميقة ويتمّ التنسيق بين أجهزة الدولتين على أعلى المستويات، فحين تقوم الطائرات الاسرائيلية بالمرور بالأجواء الاردنية، لقصف المواقع السورية، فهذا يعني أن لا خلاف حقيقيا وجوهرياً بين الدولتين، كما أنّ التنسيق الاستخباراتي إبان ما سُمّي بغرفة الموك، التي كانت تُدير العمليات الإرهابية في سورية، والتي ضمّت كبار الضباط الإسرائيليين والأردنيين، فضلاً عن ضباط كُثر من غالبية دول محور العدوان على سورية.
وبالتالي، لو نظرنا إلى الواقع الأردني وحجم الترهّل الاقتصادي، الذي انعكس على معيشة المواطن الأردني، والحركات الاحتجاجية المستمرة المطالبة بالإصلاحات، وتحسين الأجور والعمل على محاربة الفساد، وإنصاف الأكاديميين الأردنيين وتوظيفهم بما يتناسب وتحصيلهم العلمي، إضافة إلى أنّ اتفاقية السلام مع “إسرائيل”، غير مقبولة شعبياً. كلّ هذه المعطيات تفرض نوعاً من المناورة السياسية، التي تكون بمثابة تفريغ لضغط الشارع الأردني على حكومته، كما أنّ الشعب الأردني ضاق ذرعاً بأن يكون الأردن ضمانة لأمن “إسرائيل”، فضلاً عن الاستهتار “الإسرائيلي” بمصالح الأردن.
في النتيجة، يمكننا القول بأنّ أيّ تصعيد مدروس للخلافات بين “إسرائيل” والأردن، إنما هو مسرحية سياسية لذرّ الرماد في العيون، خاصة أنّ صفقة القرن باتت قاب قوسين أو أدنى، وللأردن دور غاية في الأهمية في هذه الصفقة. فأيّ هوّة بين الدولتين لن ترقى لتدهور استراتيجي في العلاقات.
|