توسّعت اللامساواة بين اللبنانيين بشكل متسارع منذ سنة 1992 وحتى الوقت الراهن، في ظلّ الفساد ونمو الاحتكارات والسياسات الكليَّة للطبقة الحاكمة، كما لسلسلة من القوانين والأنظمة التي أصدرتها الحكومات المتعاقبة. خفَّضت السلطة الضرائب على الأثرياء، على الأرباح والثروات، وعلى سلع الاستهلاك الكمالية الفاخرة، وزادتها على سلع الاستهلاك الشعبي (ضريبة القيمة المضافة، ضرائب غير مباشرة بصيغة رسوم – مثل الهاتف المحمول)، إقامة احتكارات جديدة، وإقامة احتكارات عبر الخصخصة (المشتقَّات النفطية والبريد)، التدمير المنهجي للمؤسسات والمرافق العامة ليحلّ القطاع الخاص وبناه الاحتكارية مكانها، مثل التعليم العام بجميع مراحله، مستشفيات القطاع العام، النقل العام، مرافق المياه والطاقة الكهربائية، إلغاء سقوف أرباح تجَّار الجملة ونصف الجملة والمفرَّق، لتمكين التجَّار من فرض الأسعار التي يريدون، إلغاء دور مؤسّسات التفتيش والرقابة، الزبائنية السياسية، استيلاء ميليشيات الطوائف على الكثير من مرافق الدولة ومؤسساتها الخدماتية والإدارية إلخ…
تتفق جميع الدراسات والأبحاث التي صدرت منذ بدايات تسعينات القرن الماضي، ورغم التعتيم الرسمي على الإحصاءات، على نمو اللامساواة وتمركز الثروات والمداخيل في أيدي أقليَّة متناقصة، وتساقط مستمر، وبنسب متزايدة، من الطبقات العليا إلى الطبقات الدنيا من حيث الثراء. لا ريب في أنّ الدراسات المعنية بتطور الفقر واللامساواة، والمعتمدة على إحصاءات “بالعيِّنة”، كما على مؤشرات مختلفة منها تطوّر استهلاك السلع والخدمات في مختلف المناطق، وأرقام الهجرة الداخليَّة والخارجيَّة، وغيرها الكثير، تحتوي على هامش واسع من الخطأ في الاتجاهين، ولكن جميع هذه الدراسات تظهر منحى تطوّر البنية الاقتصادية والاجتماعية نحو المزيد من التدهور، نحو مزيد من الفقر والبطالة والهجرة واللامساواة. إن مؤشرات “الحراك” الطبقي الوارد في دراسة برنامج الأمم المتحدة 1992 – 1999 المذكور أعلاه يتطابق مع منحى تطور الأوضاع في دراسة أديب نعمة، عن فترة ما بين سنة 2004 و 2015، ومع دراسة “ليديا أسود” حول توزّع الدخل في لبنان عام 2014، ومع توزيع الودائع في المصارف اللبنانية في بداية سنة 2017.
تدلّ جميع هذه الدراسات على أنّ نسبة من هم تحت خط الفقر، وتحت خط الفقر المدقع تتزايد باضطراد، ونسبة من يملكون ثروات ومداخيل كبيرة جداً تتناقص باضطراد. إنّ معدل دخل الفرد من اللبنانيين الأكثر ثراءً، والذين يشكلون 0.8% من مجموع البالغين يوازي 521 ضعف معدل دخل 50% من اللبنانيين الأقل ثراءً.
معدل دخل كل من الـ 37 شخصاً الأكثر ثراءً في لبنان 15،504 أضعاف واحد من اللبنانيين الأقل ثراءً، والذين يشكلون 50% من اللبنانيين. يوازي دخل الواحد من هؤلاء الأكثر ثراءً دخل مدينة يبلغ عدد سكانها أكثر من 77 ألف نسمة من اللبنانيين الأقل ثراءً.
يظهر توزيع الودائع لدى المصارف اللبنانية أن أربعة من كبار المودعين لديها يملكون من الودائع في المصارف اللبنانية فقط (ولدى كل هؤلاء حسابات كبيرة في الخارج) أكثر مما يملك ثلث صغار المودعين، وأكثر من 80% من اللبنانيين الذين لا يملك 75% منهم أية حسابات في المصارف. يتطابق مَنحى توزيع الثروات النقدية في لبنان تقريباً مع منحى توزيع المداخيل، وكذلك مع توزيع التسليفات المصرفية. يبلغ مؤشر «جيني» لتوزيع المداخيل والثروات تقريبا «1.5» من عشرة، حيث عشره هو التوزيع المتساوي للثروة بين الجميع.
تراجع الإنتاج الحقيقي
ارتفعت معدلات البطالة والفقر في لبنان خلال أكثر من ربع قرن نتيجة انهيار قطاعات الإنتاج الحقيقي (الإنتاج السلعي) في قطاعي الصناعة والزراعة، وذلك بسبب السياسات الكلية المعادية لقطاعات الإنتاج السلعي التي انتهجتها الطبقة الحاكمة وما زالت. هذان القطاعان قادران على توليد فرص عمل كافية، إذا ما تمت رعايتهما، ليتمكنا من “امتصاص” البطالة والحد من الفقر، وإلغاء العجز في حسابي التجارة الخارجية والمدفوعات الجاري.
ماتت أحلام تنمية قطاعات الخدمات، وخاصة قطاعي التجارة والمصارف، لإنتاج خدمات يحتاجها المحيط، وتكون قاعدة لازدهار اقتصادي في لبنان.
تراجع قطاع الصناعة
تراجع نصيب قطاع الصناعة من الناتج المحلي القائم خلال أكثر من ربع قرن نتيجة تكوين الطبقة الحاكمة المنحازة للتجارة والمضاربات والسمسرات، والمعادية للإنتاج المحلي، وخاصة بعد تبنّي أيديولوجية الليبرالية الجديدة.
تراجع عدد مصانع الأحذية (نتيجة سياسات الأسواق المفتوحة، التي تسمح بإغراق السوق المحليَّة بسلع مُعانة، وترفض حماية الصناعات الوليدة) حتى سنة 2001 من ألف مصنع إلى 320 مصنعا1، وتراجع عدد المصانع بنسبة 28.2% من266 مصنعاً إلى 191 مصنعاً في سنة 2000، حسب إحصاءات وزارة الصناعة، وتراجعت رؤوس الأموال الموظفة فيها بنسبة 18.3%، من 82.3 مليار ليرة إلى 67.2 مليار2. لا تشمل أرقام وزارة الصناعة المصانع الصغيرة غير المسجلة لدى الوزارة، والتي أقفلت، ويضاهي عددها عدد المصانع المسجلة لدى الوزارة حسب تقديرات جمعيَّة الصناعيين. منذ بداية سنة 2003 وحتى سنة 2004 تم إقفال 570 مصنعاً في قطاع الملبوسات فقط، كما يقول فادي عبود، رئيس جمعيَّة الصناعيين. ومن سنة 2012 وحتى سنة 2015 تم إقفال 388 مؤسسة صناعية، حسب أرقام وزارة العمل. كما تقلصَّت حصة قطاع الصناعة من الناتج المحلي القائم من 10%من الناتج إلى 6.2% سنة 20173.
يقول د. توفيق كاسبار أن قطاع الصناعة كان يمثّل 16% من الناتج المحلي القائم سنة 1975، وأصبح لا يتعدى الـ 10% من هذا الناتج في سنة 2010. 4
تراجع قطاع الزراعة
تراجع عدد السكان في الريف اللبناني من 68% من مجمل عدد السكان في سنة 1950 إلى حوالي 11% اليوم، وتراجع عدد العاملين في الزراعة بين سنتي 1970 و2015 من 19% إلى 6% من القوى العاملة. تراجع نصيب الزراعة من الناتج المحلي القائم من 9% سنة 1970 إلى حوالي 3% اليوم. وتراجعت المساحات المزروعة إلى 22% من مساحات لبنان حيث 63% من مساحته صالحة للزراعة.
تراجعت الصادرات الزراعية اللبنانية (ذات القيمة المضافة المرتفعة) بنسب مرتفعة، نتيجة اضطرابات الداخل والمحيط، ونتيجة الغزوات والحروب التي اجتاحت دول المشرق العربي، حيث تشكل هذه الدول السوق الأساسية للصادرات اللبنانية، وخاصة الصادرات الزراعية، كما نتيجة نهج النظام اللبناني القائم وسياسته. إن أرقام الصادرات الزراعية هي تقديرية. بلغ تراجع الصادرات الزراعية لسنة 2014 11.5%، ولسنة 2015 11.4%، ولسنة 2017 5.7% تقريباً.
ارتفعت نسبة انكشاف الأمن الغذائي للبنان نتيجة تردي قطاع الزراعة. كان لبنان يستورد 50% من حاجاته الغذائية في خمسينات القرن الماضي، وارتفعت هذه النسبة إلى حوالي 80% اليوم.
ليس ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتردّي كافة مقوّمات الاقتصاد اللبناني من فعل القدر أو متغيّرات المناخ أو كوارث طبيعية، بل هي نتاج نظام وسياسات اقتصادية اجتماعية. يتطلب “إنقاذ” لبنان من مأزقه البنيوي الشامل إحداث تغييرات جذرية في سياساته النقدية والمالية والاقتصادية الخاطئة، وهو طريق إنقاذ لبنان وشعبه من المسيرة الانحدارية المتسارعة التي دُفع إليها منذ نيّف وربع قرن.
السياسة النقدية
أتى الرئيس الحريري بفريقه الخاص لحاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. لم يأت برجل اقتصاد ليجدّد السياسة النقدية في خدمة إعادة الإعمار والتنمية، بل أتى بمدير محفظة أوراقه المالية في “ميريل لينش” الأميركية لهذه المهمة، وهناك فرق شاسع بين المهمتين التنمية والمضاربة. كان الحريري وفريقه واضحاً في تحديد استهدافاته. اعتبر الهدف الأساسي للسياسة النقدية تقوية المصارف وزيادة رؤوس أموالها، أيّ زيادة ربحيتها. لم يكن الهدف يوماً تنمية قطاعات الإنتاج الحقيقي، إذ ترك موضوع “التنمية” للقطاع الخاص ولآليات السوق الحرة حسب رؤية الليبيرالية الجديدة بنسختها الكربونية اللبنانية، وبالتشبّث بها، حتى بعد أن تخلى دعاتها عنها بعد سنة 2008.
لم تشكل، ولن تشكل، رفع ربحية المصارف هدفاً للسياسة النقدية في أيّ بلد في العالم. فالمصارف مثل التجارة، قطاعاً وسيطاً، وليس منتجاً حقيقياً، وكفاءته تقاس بتخفيض كلفة وساطته، لا برفعها. يقتطع الوسطاء جزءاً من الإنتاج الحقيقي في الاقتصاد ببيع خدماتهم. تشكّل المصارف التجارية السوق المالية اللبنانية دون غيرها من مكونات السوق. تتكون الأسواق المالية في العالم من المصارف التجارية والمصارف المتخصّصة – مصارف الاستثمار، والمؤسسات المالية الوسيطة، ومؤسّسات التأمين والسوق المالية (البورصة). تقاس كفاءة هذا القطاع في قدرته على استقطاب المدّخرات وتوزيعها على المستثمرين والقطاعات حسب قدراتها على تنمية إنتاجيتها، وبأقلّ كلفة على هذه الوساطة. لم يعمل مصرف لبنان على تنمية هذا القطاع الحيوي أو زيادة قدراته في خدمة قطاعات الاقتصاد اللبناني، وخاصة المنتجة الحقيقية منها – أيّ الصناعة والزراعة بشكل خاص. ولم يعمل على تمكين المنافسة من تحديد معدلات الفائدة، بل ساعد في تغذية البنية الاحتكارية للمصارف التجارية، ومنع منافستها، وتمكينها من منع إقامة مؤسسات مالية منافسة لها لتتكامل السوق المالية. لم يسع مصرف لبنان لإعادة إحياء المصارف المتخصّصة القادرة على الإقراض المتوسط والطويل الأجل ذات الفوائد الحقيقية المنخفضة والثابتة. أما بنوك التوظيف التي تمّ إنشاؤها أو تفعيلها، فلم تكن بهدف تأمين التوظيف المنتج بل للتخلص من أعباء الاحتياطي الإلزامي على الودائع، وللتوظيف في سندات الخزينة اللبنانية وشهادات الإيداع لدى مصرف لبنان. لم يُعِد مصرف لبنان بناء المصارف المتخصّصة التي تم إفلاسها في أوائل الثمانينات، والتي ولدت ميتة، إذ حُرِمت من تلقي ودائع يقلّ أجَلها عن أربع سنوات في الوقت الذي لا يتعدّى معدل أجَل الوديعة في السوق اللبنانية 40 يوماً. وبالتالي حُرمت هذه المصارف من أن تتمول من السوق، ومن منافسة المصارف التجارية. كما عملت جمعية المصارف، التي تم الاعتراف بها كهيئة احتكارية ممثّلة “وقائدة” للمصارف، على منع إعادة إطلاق “البورصة” الرسمية القادرة على منافسة المصارف، وبالتالي خفض كلفة الوساطة المالية (الهوّة بين الفائدتين الدائنة والمدينة). ينام قانون البورصة في أدراج وزير المالية منذ أواسط تسعينات القرن الماضي، ولم يستطع أيّ وزير للمالية إطلاقه أو إيقاظه من سباته الأزلي.
باختصار شديد، انّ السياسة النقدية المتّبعة لم تُطوّر وتُحدّث قطاع المال في لبنان ولم ترفع من كفاءته، بل جعلته أكثر تخلفاً وجشعاً واحتكاراً وإضراراً بالاقتصاد اللبناني، ومكّنته من نهب المال العام والخاص، وطردت قطاعات الإنتاج من السوق المالية، فأصبح يعمل بعقلية وأخلاقية المرابين بعيداً عن هموم وأخلاقيات واستهدافات الأسواق المالية لدول العالم.
مكّن مصرف لبنان المصارف التجارية من مضاعفة رؤوس أموالها أكثر من مائة ضعف منذ أوائل تسعينات القرن الماضي وبما لا يتناسب إطلاقاً مع نمو الناتج المحلي القائم. لم تضاعف المصارف التجارية رؤوس أموالها نتيجة خدماتها للاقتصاد وقطاعات الإنتاج، بل عبر طريق فرض فوائد فاحشة على سندات الخزينة، وعلى ودائعها لدى مصرف لبنان، وعلى “الهندسات المالية” و “هدايا” مصرف لبنان لبعضها كما على نهب القطاع الخاص. فالتاجر قادر على نقل عبء الفوائد الفاحشة إلى عاتق المستهلك، وليس كالمزارع والصناعي الذي عليه أن ينافس في الأسواق الخارجيّة كما في السوق المحلية المفتوحة حتى في وجه السلع المستوردة المعانة بمعدلات جدّ مرتفعة (إغراق السوق المحلية).
معدلات الفائدة الحقيقية
تعمل السياسات النقدية في جميع الدول، وخاصة تلك الخارجة من الحروب ودمارها، على خفض الفائدة الحقيقية على التوظيف أو الإقراض إلى الصفر أو ما يقارب الصفر (الفائدة الحقيقية هي الفائدة الجارية ناقص معدل التضخّم). عندما تهدف السلطات النقدية إلى كبح معدلات النمو الاقتصادي خوفاً من تنامي معدلات التضخّم، تسمح برفع معدلات الفائدة الحقيقية إلى 4% أو أكثر بقليل، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية. لكن مصرف لبنان سمح بإبقاء الفائدة الحقيقية على الإقراض في تسعينات القرن الماضي إلى حوالي 18%، في الوقت الذي أراد فيه رفع معدلات النمو في الناتج المحلي إلى 8%، (كما استهدفت خطة “آفاق ألفين” التي وضعتها شركة “بكتل” مع دار الهندسة كما أسلفنا). يمثّل ذلك تناقضاً كبيراً وواضحاً في إطار السياسة النقدية. تبلغ معدلات الفائدة اليوم للإقراض للقطاع الخاص، (حسب تعاميم جمعية المصارف) 13.49% كحدّ أدنى، يضاف إليها (حسب “الزبون”) من نقطتين إلى خمس نقاط مأوية، في الوقت الذي بلغت فيه معدلات التضخّم بين سنوات 2011 و2016 1.7% سنوياً. بالتالي فإنّ معدل الفائدة الحقيقية للإقراض بالليرة بلغت ما بين 11.79% و16.79%، وتراوحت الفائدة الحقيقية على الإقراض بالدولار بين 8.69% و12.69%. لكن المردود المتوقع على التوظيف في قطاعات الإنتاج الحقيقي لا تتجاوز الـ 6% سنوياً، ولا يمكن لأيّ عاقل أن يقدم على التوظيف الثابت المنتج (خاصة في قطاعي الصناعة والزراعة) في لبنان. فالتوظيف لأصحاب رؤوس الأموال في الدين العام اللبناني ذو المخاطر المنخفضة والمردود الأكثر ارتفاعاً هو الخيار الأفضل.
سعر الصرف الحقيقي لليرة
ربط حاكم مصرف لبنان سعر صرف الليرة بالدولار الأميركي بهدف تثبيت سعر الصرف وكبح معدلات التضخّم. لكن سعر صرف الدولار الأميركي لم يعد ثابتاً ومقياساً عالمياً لاستقرار أسعار صرف العملات منذ سنة 1972 (عندما فك نيكسون ربط سعر صرف الدولار بالذهب) وانتقل نظام النقد العالمي من سعر الصرف الثابت إلى سعر الصرف العائم للعملات. يتغيّر سعر صرف الدولار بالنسبة لعملات الدول الأخرى، بمعدلات مرتفعة، تبعاً لحاجات الاقتصاد الأميركي، واستهدافات السياسة النقدية الأميركية، بين رفع معدلات النمو، واستقطاب أموال لسد عجز ميزان المدفوعات الجاري، أو لأهداف سياسة اقتصادية تجاه دول أخرى في العالم. يعني ربط سعر صرف الليرة بالدولار الأميركي، تحديد سعر الصرف الحقيقي لليرة حسب حاجات الاقتصاد الأميركي، وليس حسب حاجات الاقتصاد اللبناني ومشاكله وتحدياته، والمختلفة كلياً عن حاجات الاقتصاد الأميركي واستهدافات البنك الفيديرالي الأميركي. إن تثبيت سعر الصرف الحقيقي يعني استقرار القدرات الشرائية للعملة اللبنانية بالنسبة للواردات من دول شركائنا التجاريين، ولا تنحصر تجارتنا الخارجية مع الولايات المتحدة الأميركية، وبالدولار الأميركي. فشركاؤنا التجاريون الآسيويون اليوم يتمثلون بالصين الشعبية ودول شرق وجنوب شرق آسيا، وفي السوق الأوروبية المشتركة، بالتالي فإن استقرار القدرة الشرائية لليرة يرتبط بسلة من العملات مثقَّلة بنسب استيرادنا من هذه الدول، وليس بربط سعر صرف الليرة بالدولار الأميركي.
تعمد دول العالم لخفض سعر الصرف الحقيقي لعملتها إذا كانت تعاني عجزاً كبيراً في حسابها التجاري وفي حساب مدفوعاتها الجاري. يعاني لبنان عجزاً متنامياً في الحسابين المذكورين، وكان عليه خفض سعر الصرف الحقيقي لليرة، لرفع القدرات التنافسية لصادراتنا، ولتمكين الإنتاج المحلي من منافسة الواردات التجارية والخدماتية.
لكن حاكم مصرف لبنان اتّبع سياسات مناقضة لما يفرضه العلم والعقل، فسمح برفع سعر الصرف الحقيقي لليرة بنسبة 100% خلال تسعينات القرن الماضي حسب خبراء لبنانيين في صندوق النقد الدولي، وبنسبة 73% من سنة 1993 وحتى سنة 1999. نتيجة هذه السياسة النقدية على صعيدي معدلات الفوائد الحقيقية، وارتفاع سعر الصرف الحقيقي لليرة، وسياسات السوق المفتوحة أمام صادرات معانة، ودون أي اهتمام “بالمواصفات والمقاييس” لسلع الاستيراد، تم تدمير الصناعة اللبنانية كما رأينا سابقاً، أي تم إفقار لبنان بدل تنميته. الغريب في الأمر مديح حاكم مصرف لبنان وسياساته في “تثبيت سعر صرف الليرة” و “حماية الاقتصاد اللبناني” بفضل الحملات الإعلامية المضللة، وربما “المدفوعة الثمن” من “جيوب اللبنانيين”.
إن ارتفاع معدلات الفائدة الحقيقية إلى مستويات كارثية، وكذلك ارتفاع سعر الصرف الحقيقي لليرة بمعدلات كارثية، كان أحد الأسباب الأساسية في تدهور قطاعي الزراعة والصناعة، وفي ارتفاع معدلات البطالة والفقر، والفقر المدقع في لبنان، وفي ارتفاع معدل اللامساواة. إن سياسات مصرف لبنان كانت لخدمة أصحاب رؤوس الأموال على حساب حقوق ومصالح القوى العاملة، كما كانت لمصلحة المرابين والتجار والسماسرة والمضاربين الماليين والعقاريين وعلى حساب قطاعات الإنتاج الحقيقي.
السياسة المالية
تعبّر الموازنة العامة للدولة عن فكر الطبقة الحاكمة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية. يحظى مشروع الموازنة العامة الذي تتقدّم به الحكومة لمجلس النواب باهتمام كبير من قبل كافة الأحزاب والنقابات والقوى السياسية في دول العالم، وتتمّ مناقشته ونقده عبر جميع وسائل الإعلام، قبل أن يناقش من قبل ممثلي الشعب في مجلس النواب. أما في لبنان فالأمر مختلف. لم يكترث مجلس النواب، طيلة 12 سنة، بمحاسبة الحكومة لعجزها أو تقصيرها في وضع مشروع للموازنة يناقشه مجلس النواب بعد “الموافقة” على قطع حساب السنة السابقة، في كل هذه السنوات. تخلّى مجلس النواب عن أهمّ واجباته في الرقابة المسبقة واللاحقة لجباية الضرائب والرسوم وإنفاقها، ولم يسحب الثقة من حكومة أخلَّت بأهمّ واجباتها، فجبت المال وأنفقته خارج إطار القوانين والشرعية الدستورية.
لم تحظ مشاريع الموازنات بالنقد العلمي المدروس من قِبل أيّ جهة رسمية أو شعبية، كما من قِبل أعضاء مجلس النواب وأصحاب الاختصاص. كان النقاش ينحصر دائماً في إطار عجز الموازنة، وكيفية سدّ هذا العجز عبر ضرائب جديدة أو رفع معدلات الضرائب الجارية، كما عبر الاستدانة. نجحت الطبقة الحاكمة في جر النقاش إلى هذا المستوى من السطحيّة، متجاوزة وقع الموازنة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، ذات الأهمية القصوى مثل (1) توزيع أعباء واردات الموازنة على الطبقات الاجتماعية، (2) توزيع الإنفاق العام بين إنفاق مُجدي وإنفاق غير مُجدي، أو توزيع الأنفاق على قطاعات الاقتصاد، (3) وقع تنفيذ الموازنة على إعادة توزيع الناتج المحلي، (4) وقع الموازنة على مستوى العيش في المجتمع.
لنلق نظرة سريعة على مشروع موازنة سنة 2020 من هذه الزوايا، ولو بشكل سريع جداً.
توزيع أعباء الضرائب والرسوم
وعد فريق الرئيس الحريري بعد وصوله إلى السلطة في جعل لبنان “جنة ضرائبية”. نجح في استهدافه هذا بالنسبة للأثرياء والمضاربين، ولكنه أرهق كاهل الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب بالضرائب غير المباشرة. خفّضت حكومة الحريري معدلات الضرائب على الشركات والمداخيل المرتفعة، وضاعفت معدلات الإنفاق العام، ورفعت الضّخ من الضرائب غير المباشرة والتي يقع عبؤها على كاهل الطبقات المتوسطة والفقيرة. أقرّت الحكومة الكثير من الضرائب غير المباشرة تحت عناوين الرسوم وأكلاف الخدمات، مثل رسوم التأمين الإلزامي على السيارات، رسوم وثائق السفر، أكلاف الهاتف الخليوي، وفرض ضريبة “القيمة المضافة” على الضرائب السابقة (مثل فاتورة استهلاك الطاقة الكهربائية) و”اشتراكات المياه”. أي ثمن لهذه الخدمات يزيد عن كلفة إنتاجها هو ضريبة غير مباشرة. بدل أن تشكل الضرائب المباشرة حوالي 80% من الضخ الضريبي، والضرائب غير المباشرة 20% على الأكثر، كما هو الحال في بلدان العالم الرأسمالي المتقدمة، عكست الحكومة اللبنانية هذه النسب، فأصبح نصيب الضرائب المباشرة لا يتجاوز 15% من الضخ الضريبي، وارتفع عبء الضرائب غير المباشرة إلى حوالي 85% من الضخ الضريبي، ولا يثير هذا الظلم اعتراض نواب الأمة وقادتها وكافة أحزابها. لم يطرح أي حزب سياسي أو أي ممثل عن الشعب في المجلس النيابي موضوع الضريبة على الثروة، والذي اقترحه كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي على وزارة المالية، وتم رفضه فوراً وبشكل حاسم.
توزيع الإنفاق العام
لا تتمّ في العادة مناقشة توزيع الإنفاق العام بين إنفاق منتج وإنفاق جاري، أو بين إنفاق مجدي وإنفاق غير مُجد. حتى أواسط السبعينات من القرن الماضي كان نصف الإنفاق العام إنفاقاً توظيفياً، وتراجعت حصة هذا الإنفاق في مشروع موازنة 2020 إلى حدود الصفر تقريباً. كلّ الإنفاق إنفاق جارٍ، أما الإنفاق على الوزارات والذي يعكس الأهمية النسبية للوزارات بالنسبة للطبقة الحاكمة، فهو في العادة خارج إطار النقاش. إنّ الانفاق على وزارة الزراعة في مشروع الموازنة يمثّل 0.31% من مجمل النفقات، والإنفاق على وزارة الصناعة يمثّل 0.04% من مجمل النفقات. أيّ أنّ مجمل الإنفاق على قطاعي الإنتاج السلعي يمثّل 0.35% من إنفاق الموازنة، بينما ينصح البنك الدولي بتخصيص 10% من الإنفاق العام للزراعة في البلدان الناشئة، من أجل الأمن الغذائي، والحدّ من البطالة والهجرة من الأرياف إلى أحزمة الفقر حول المدن، ومن أجل تعزيز الاستقرار والسلم الاجتماعي. من المضحك المبكي أن يكون الإنفاق العام على قطاعي الزراعة والصناعة في لبنان أقلّ من مخصصات الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية، رئاسة مجلس النواب، رئاسة مجلس الوزراء)، لـ “مساهمات إلى هيئات لا تبغى الربح” (أيّ إلى جمعيات تدير معظمها زوجات الرؤساء) ومقدارها 0.67% من إنفاق الموازنة، وما يزيد عن الإنفاق على وزارتي الزراعة والصناعة بنسبة 47.8%. في المقابل، يبلغ الإنفاق على وزارتي الدفاع والداخلية (الإنفاق لتأمين الأمن الداخلي – أمن النظام والطبقة الحاكمة بشكل أساسي) 19% من مجمل الإنفاق، وما يساوي أكثر من 54 ضعف الإنفاق على وزارتي الإنتاج السلعي.
وقع المالية العامة في إعادة توزيع الناتج المحلي
إحدى مقاييس تقييم السياسة المالية في دول العالم، تتمثل في وقعها على إعادة توزيع الناتج المحلي على الطبقات، فتُقلص هوّة اللامساواة بين الطبقات توخياً لتحقيق مستوى أكثر ارتفاعاً من العدالة الاجتماعية. تحقق السياسة المالية هذا الهدف عبر توزيع الأعباء الضريبية بشكل عادل، فتحمّل الأغنياء العبء الأكبر من الضرائب، وتعطي الطبقات الشعبية الفائدة الأكبر من الإنفاق، مثل الإنفاق على التعليم الرسمي المجاني أو شبه المجاني في جميع مراحله، النقل العام المدعوم بنسب مرتفعة داخل المدن وبين المدن والأرياف، الإنفاق على الخدمات الصحية لتكون مجّانية او شبه مجّانية، وكذلك على الاستشفاء، على السكن الشعبي، كما على كافة البنى التحتية. نتيجة هذه السياسات تتمّ إعادة توزيع الناتج لمصلحة الطبقات الشعبية فتتقلص هوّة اللامساواة بين شرائح الدخل المرتفع وشرائح الدخل المنخفض في المجتمع بمعدلات كبيرة. كان وقع السياسة المالية في عهد مارغريت ثاتشر اليميني في بريطانيا تقليص هوّة اللامساواة بين العشر الأكثر ثراءً من السكان والعشر الأفقر من 26 ضعفاً قبل السياسة الاقتصادية إلى 6 أضعاف.
لم يكن هناك يوماً أهداف اجتماعية معلنة لأية حكومة لبنانية. هناك “وعود” تطلقها الحكومات في بياناتها الحكومية وأهداف عامة ضبابية تظهر “نوايا” الحكومات ولا تقترن بأية برامج واضحة. هناك دائماً وعود بمكافحة الفقر والبطالة، بتأمين الخدمات العامة وتحسين البنية التحتية. ولكن لم يكن لدى الحكومات برامج ذات استهدافات واضحة وضمن فترات زمنية محددة على صعيد الاقتصاد الكلّي. لا يعني ذلك عشوائية التوجهات الاقتصادية واستهدافاتها. هناك توجهات اقتصادية واستهدافات غير معلنة، تعمل لتحقيقها الطبقة الحاكمة بالتناغم والتنسيق بين العديد من الوزارات والمؤسسات العامة، وعبر تشريعات وقرارات حكومية لخدمة مصالح هذه الطبقة وارتباطاتها الخارجية. تتمثل السياسات الاقتصادية الكلية للطبقة الحاكمة في أولويات السياسات النقدية والمالية، كما في القوانين والتشريعات المعمول بها وبالتوجهات الحالية للحكم.
تنحاز السياسات النقدية لخدمة قطاع المال، وعلى حساب قطاعات الإنتاج السلعي وتراكم الدين العام. ارتفعت حصّة قطاع المال من الناتج المحلي إلى حوالي 20%، بينما تراجع نصيب قطاع الصناعة من 16% في سنة 1975 إلى حوالي 6% في سنة 2018، وتراجع نصيب قطاع الزراعة من 9% سنة 1970 إلى 3% في سنة 2015.
السياسة الاقتصادية
لا ينحصر تنفيذ السياسة الاقتصادية في وزارة الاقتصاد، بل تتشارك العديد من الوزارات والمؤسسات العامة في تنفيذ هذه السياسة. كان دور وزارة التصميم مهماً وأساسياً في توجيه السياسات الاقتصادية وتحديد استهدافاتها. تم إلغاء هذه الوزارة والاستعاضة عنها بمجلس الإنماء والإعمار المعني بتنفيذ المشاريع الكبرى نسبياً الخاصة بالبنية التحتية، دون العمل على وضع رؤية تنموية واستهدافات اقتصادية عامة. فشل مجلس الإنماء والإعمار فشلاً ذريعاً في مهمته، ولم تكن مهمته أصلاً بأن يكون بديلاً لوزارة التصميم.
تتمثل السياسة الاقتصادية للطبقة الحاكمة في السياسات المالية، من حيث توزيع أعباء الضخ الضريبي من ناحية، وأوليات إنفاق المال العام، كما ورد أعلاه، كما تتمثل بالسياسات الجمركية، وكيفيّة تفسير التشريعات ووضع مراسيم تنفيذية للقوانين. يبدوا ان تفسير إدارة وزارة المالية لدور الجمارك ينحصر في تأمين أعلى مدخول ممكن للخزينة عبر الضرائب الجمركيّة مع الانحياز الكامل لمصالح قطاع التجارة، وعلى حساب قطاعات الإنتاج السلعي.
في معظم دول العالم، يتم إعفاء مدخلات الإنتاج، التي لا بديل لها محلياً، من الضرائب الجمركية. لكن الضرائب على مدخلات الإنتاج الصناعي هذه تفوق في أكثر الأحيان الضرائب على بضائع الاستهلاك التي تتم صناعتها بهذه المدخلات المستوردة. أي ان السياسة الاقتصادية تعمل لمصلحة الاستيراد وضدّ مصلحة الصناعة المحليّة، أيّ لمصالح الطبقة التجارية ضدّ مصالح الرأسمال المنتج والقوى العاملة اللبنانية. كما تتمثل سياسات الانحياز للتجارة ضدّ الإنتاج الوطني في السماح بإغراق السوق المحلي بمستوردات صناعية مدعومة، أي بإغراق السوق المحلية بسلع مستَوردة مدعومة. أدّت هذه السياسات إلى إقفال الكثير من الصناعات اللبنانية، ومنعت وتمنع إقامة صناعات عديدة. العديد من دول العالم تدعم قطاعي الصناعة والزراعة بمعدلات مرتفعة، وتدعم بالإضافة لذلك صادراتها بمعدلات تتجاوز الـ 15%. يصل دعم بعض السلع الصناعية لأكثر من 25%، وتدخل السوق اللبنانية بمعدل ضرائب أقل من هذا الدعم بكثير.
يصحّ القول في تحيّز السياسات الجمركية ضدّ الإنتاج الزراعي اللبناني، ولخدمة التجّار، وخاصة من أصحاب الوكالات الحصرية. إنّ اتفاقية الشراكة مع السوق الأوروبية المشتركة خفضّت الجمارك على جميع السلع الأوروبية المستوردة، بما فيها السلع الزراعية لـ 5% فما دون، في الوقت الذي يبلغ فيه دعم قطاع الزراعة في البلدان الأوروبية، كمعدل عام، 35%. يبلغ دعم الحليب ومشتقاته في سويسرا حوالي 52%، وتدخل هذه السلع إلى السوق اللبنانية بجمارك 5%. أي ان معدل الإغراق يبلغ 30% على الأقل. لذلك بلغت واردات لبنان من البلدان الأوروبية سنة 2014 8.383 مليار دولار، وبلغت صادراته للبلدان الأوروبية 367 مليون دولار، أي أن الصادرات غطّت 4.19% من الواردات. يضاف إلى ذلك البنية الاحتكارية في السوق المحلي من قبل تجار “الفرّوج” ومشتقات الحليب للاستيلاء على أكثر من نصف أنتاج المزارعين، مقدّرة بأسعار السوق المحليّة. فكيف يمكن لقطاع الزراعة أن يزدهر.
أعفى قانون الضريبة على القيمة المضافة الآلات الزراعية المستوردة من هذه الضريبة. ولكن إدارة وزارة المال، أو إدارة الجمارك، فرضت ضريبة القيمة المضافة على الجرّارات الزراعية، بذريعة أن الجرّار الزراعي يمكن استعماله لنقل العمّال، وبالتالي يصبح خاضعاً لهذه الضريبة كأداة نقل، بينما لا تخضع “اليخوت” لضرائب الاستيراد. “كان لبنان البلد الوحيد في العالم الذي اعتمد إجراءات لتشجيع الاستيراد من خلال سعر صرف خاص بالمستوردين يخفض عبء الرسوم الجمركية التي يدفعونها”5.
تشير العديد من القوانين المعمول بها إلى انحياز الطبقة الحاكمة إلى مصالح الأثرياء وأصحاب المداخيل المرتفعة، إلى الذين يتهربون من الضرائب المباشرة، وتعمل على حماية الفساد والإثراء غير المشروع عبر تعطيل جميع مؤسسات الرقابة والمحاسبة، كما عبر قانون السريّة المصرفيّة وقانون حماية الوكالات الحصرية، وقانون “الإثراء غير المشروع” الذي وضع مع قيود وثغرات فيه حتى يستحيل تطبيقه، ولم يطبّق ولو لمرة واحدة بحق أجيال من سارقي المال العام، منذ صدوره في خمسينيات القرن الماضي.
يمكننا القول إنّ مجمل السياسات الاقتصادية للنظام اللبناني منحازة لقطاعات الخدمات، وخاصة الخدمات المالية والتجارية، معادية لقطاعات الإنتاج، وخاصة قطاعي الزراعة والصناعة، ومنحازة للفاسدين ضدّ الشرفاء في القطاع العام.
هوامش
1 – جريدة السفير 16/01/2001
2 – جريدة السفير 10/08/2000
3 – د. سامي عطا الله، جريدة الأخبار (رأس المال) 24/06/2019
4 – حسن شقراني وتوفيق كاسبار في ندوة “الاقتصاد الحقيقي” في مؤتمر “أوضاع الاقتصاد اللبناني بعد عشرين عاماً من نهاية الحرب الأهلية“. جريدة الأخبار 24/11/2010
5 – ألبير داغر. التهيئة للحرب الأهلية 1975-1990. جريدة الاخبار 06/05/2014
|