تظهر الأنباء الواردة من الشرق السوري عمق التنافس الروسي ــــ الأميركي على تثبيت النفوذ في تلك المنطقة، والعمل على الإمساك بملفاتها المختلفة. وهو ما يعكسه التوتر المتزايد بين الدوريات الروسية ونظيراتها الأميركية في الحسكة، في وقت تسري فيه أنباء عن نية موسكو شغل مطار القامشلي وتحويله إلى قاعدة جوية
يقف عدد من الجنود الأميركيين مع آلياتهم، بشكل شبه يومي، عند مفرق حطّين الذي يربط بين الحسكة وتل تمر والقامشلي، لمراقبة التحركات الروسية في المنطقة، ومنع وصول الدوريات الروسية إلى خطّ تل تمر ــــ القامشلي على الطريق الدولي «M4»، والذي لا تزال واشنطن تحتفظ فيه بنقطة وحاجز في موقع قسرك شرق تل تمر. ومن طريق عامودا ــــ الحسكة، تَعبُر عدّة آليات روسية قادمة من الدرباسية لتسلك طريق القامشلي ــــ الحسكة، وتتبعها آليات أميركية للتأكد من وجهتها، وضمان عدم عبورها طريقاً يخضع للنفوذ الأميركي، فيما يعمدُ الروس إلى تكثيف دورياتهم على خطّ تل تمر ــــ عين عيسى على طريق حلب ــــ الحسكة الدولي، لمنع أيّ تحرك أميركي على هذا الطريق، الذي يخضع لاتفاق سوتشي الروسي ــــ التركي. ولا يغيب الجيش السوري عن المشهد؛ إذ إن حواجزه تمنع عبور دوريات أميركية على مقطع من طريق «M4» رابط بين القامشلي والقحطانية، وتجبرها على تغيير مسارها. وتعكس هذه المشاهد اليومية في الجزيرة السورية صراعاً دولياً متنامياً بين كلّ من روسيا والولايات المتحدة، في محاولة لتثبيت نفوذ كلّ منهما في المنطقة.
*ترد أنباء عن نيّة روسيا تحويل مطار القامشلي إلى ثاني أكبر قاعدة عسكرية بعد قاعدة حميميم*
ويبرز هذا الصراع من خلال تعمّد كلا الطرفين إرسال مزيد من التعزيزات العسكرية والآليات إلى المنطقة، والعمل على إنشاء مواقع ثابتة وقواعد لتدعيم وجودهما العسكري فيها. ويريد الأميركيون، من وراء هذه التحركات، التأكيد أن قرار بقائهم في سوريا ليس فقط لحماية آبار النفط ونهب عائداتها، وإنما لتثبيت حضور واشنطن كلاعب رئيسي في الملف السوري أيضاً، والاحتفاظ بأوراق تبقي نفوذها قائماً في أيّ حل سياسي. أما الروس، فهم يريدون تأكيد دورهم المكتسب حديثاً في معادلة الشمال والشرق السوريين، من خلال الاستفادة من حضورهم العسكري المتنامي في تلك المنطقة، وإكساب انتشار الجيش السوري الأخير هناك أهمية استراتيجية وعسكرية. ويتّضح ذلك التوجّه من خلال الأنباء الواردة عن نية روسيا تحويل مطار القامشلي إلى ثاني أكبر قاعدة عسكرية لها في سوريا بعد قاعدة حميميم، مع وضع منظومة دفاع جوي متطورة للاستفادة من موقع المطار على حدود تركيا. أيضاً، ترى موسكو أن وجودها في المنطقة مهمّ لضبط إيقاع التحركات التركية، ولتغطية أيّ فراغ مفاجئ قد تخلّفه واشنطن في حال قرّرت الانسحاب من محيط حقول آبار النفط والغاز في المنطقة الشرقية، علماً بأن ثمة تبايناً ملحوظاً في نظرة كلّ دولة إلى خطر عودة الإرهاب إلى الشرق السوري؛ فالأميركيون يرون أن بقاءهم في المنطقة سيمنع «داعش» من العودة إليها، فيما تعتقد موسكو أن الخطر الأكبر يكمن في المخيمات ومراكز الاحتجاز، بعد معلومات أكّدها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن وجود 10 آلاف عنصر من «داعش» هناك. أمام هذا الواقع، تراهن موسكو ودمشق على حراك شعبي تقوده العشائر في الشرق السوري لإجبار واشنطن على الانسحاب، وخاصة أن السخط الشعبي يتنامى ضدّ الولايات المتحدة نتيجة تشديد العقوبات الأميركية بفعل إقرار قانون «قيصر»، ومحاولة التضييق على السوريين في لقمة عيشهم.
من ناحية أخرى، تشهد المنطقة الرابطة بين تل أبيض ورأس العين في ريفَي الحسكة والرقة الشماليين، والتي احتلّتها تركيا أخيراً، استنفاراً عسكرياً بين الفصائل المدعومة من أنقرة، إثر مقتل أحد قادة «أحرار الشرقية» بمفخّخة اتُّهم فيها عناصر «الفرقة 20» بتسهيل دخولها إلى المنطقة. وعلى إثر ذلك، سيطر فصيل «أحرار الشرقية» على معظم مقارّ «الفرقة 20» في تل أبيض ورأس العين وأريافهما، مع منع دخول وخروج المدنيين من وإلى المدينتين منذ عدة أيام. وتفيد مصادر ميدانية في المنطقة بأن «التوتر الأخير دفع بتركيا إلى تعزيز حضورها العسكري، والعمل على سحب العناصر المتقاتلة من خطوط التماس لتطويق الخلاف». وتضيف المصادر، في حديث إلى «الأخبار»، إن «تركيا تعمل على إخلاء كامل مدينتَي تل أبيض ورأس العين من الوجود العسكري للفصائل، وإسناد مهمة حمايتهما لجهاز شرطة محلي تعمل على تدريبه». وتبيّن المصادر أن «الوجود العسكري للمقاتلين الموالين لتركيا سيقتصر على خطوط التماس مع الجيش السوري وقسد»، لافتة إلى أن «أنقرة تعمل على الاستفادة من القوة البشرية والعسكرية للفصائل التابعة لها في معارك إدلب وليبيا، من خلال تخفيف حضورها في المناطق التي احتلّتها أخيراً».
|