إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

غزة بعد سنة على العدوان إرادة تتحدى الموت وثقل الحصار

داليدا المولى - البناء

نسخة للطباعة 2009-12-25

إقرأ ايضاً


بعد عام على العدوان الصهيوني الغاشم على غزة، تطالعنا الارض التي صمدت وانتهجت خط المقاومة نحو الانتصار لتثبت مرة اخرى، بعد حرب تموز 2006، ان الجيش الذي لا يقهر ليس اكثر من ادعاءات، وان الانتصار هو القضاء والقدر لكل ذي حق مهما طالت السنون.

ثلاثة وعشرون يوما من الصمود الأسطوري في وجه الاحتلال توقفت بعدها آلة الدمار وهدأت المدافع والرصاص المسكوب على رؤوس الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء مخلفة أكثر من 1350 شهيد وأكثر من 4500 جريح وتدمير آلاف المنازل وخسائر مادية تقدر بأكثر من2 مليار دولار.

الثمن كان باهظاً جدا بكل المقاييس. هو الثمن المطلوب لإعادة قوة الردع المسلوبة للجيش الصهيوني، كما كان لا بد منه لاعادة الاعتبار لخيار المقاومة التي أثبتت أنها الخيار الوحيد الذي يمكن المراهنة عليه وهي الصخرة التي تتحطم عليها كل الأهداف والمطامع الصهيونية، وتشكل البديل الشرعي لخيار التسوية العبثية مع الاحتلال.

ان محاولة كسر الإرادات وكسر روح المقاومة والصمود لدي الشعب الفلسطيني باءت بالفشل. وكشفت حقائق جديدة على كل المستويات الفلسطينية والعربية والدولية. فما قبل الحرب على غزة شئ وما بعد الحرب شيء.

فما هي الأسباب الحقيقية لهذه الحرب والنتائج التي أفضت إليها والأثر الذي تركته على كافة الأطراف؟ والى اين افضت المواقف العربية المتباينة والمنقسمة فيما بينها إزاء هذه الحرب وما يترتب عليها؟ والى متى سيستمر بالتخاذل العربي الحصار المفروض على القطاع؟ وما مدى تأثير الانقسام الفلطيني على استمراره وهل تنجح بالتالي اي مفاوضات خارج حماس؟

لم يحصل ان وصل الحال العربي الى ما وصل عليه حاليا من الانقسام والتشرذم. وحينما وصف السيد عمرو موسى هذه الحال بمرارة كان يدرك جيدا ما يقول. هذه الحال تجلت بوضوح في زحمة القمم العربية والتقسيم المعتمد ما بين الاعتدال والممانعة والخلافات الحادة والتي قادتهم الى الهروب من المسؤولية الى مجلس الأمن الدولي في محاولة للخروج من المأزق ليتجلى في قمة الكويت الاقتصادية، حينما لم تستطع القمة إصدار قرارات عربية تضع النقاط على الحروف، وتضع المصالح الاميركية الأوروبية على المحك في حال لم يلزم العدو بالالتزام بالشرعية الدولية بل خرج العرب منقسمين على أنفسهم.

ان الوضع العربي لا يبشر بخير على الإطلاق. وإذا بقي الحال العربي على ما هو عليه الان سوف يتم تجاوزهم وتجاوز مصالحهم في ظل النظام الدولي الجديد. إلا ان ذلك لا يعني الدول العربية التي لم تعي الى اليوم ان ما يحدث في فلسطين هو بداية انهيار هذه الانظمة. وان كان ثم بوادر جديدة بعد التحالف السعودي – السوري، اللهم طول بقائه، والتي يعقد عليها الامل في تشكيل ارضية جديدة للصراع مع العدو. الا انها تبقى قاصرة عن الوصول الى استرجاع الحقوق الفلسطينية وسط الطيش المصري بالتعاطي مع القضية الفلسطينية.

مصر أعلنت وبالفم الملآن ان سياسة المرحلة أميركية – صهيونية ونقطة على السطر. وما الجدار الذي تقوم ببنائه عند الحدود مع غزة الى دليل من مجموعة الاعيب قامت بها الدولة التي تتدعي بأنها تقف في اول الصف العربي.

حصار غزة:

غزة اليوم بين حصارين. فالعدوان لم يغيّر العقيدة المقاومة وتأثيره خارج الدمار الذي احدثه بقيّ محدوداً. فكان بمثابة نسخة حديثة للعدوان على لبنان صيف العام 2006. انما المثير هو ان الصراع بات منقسم الايديولوجية. فالصراع لمن هم في غزة مسألة حياة أو موت والمقاومة هي السبيل الوحيد للحياة بعزة وكرامة. أما في الجهة الفلسطينية الأحرى فالصراع بات دعاية اعلامية لدفع عملية التسوية مع العدو واستئناف ما يسمى "بمفاوضات السلام".

فرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لم يترك منبراً حول العالم الا وصعده متمنياً انتهاء الصراع بالحل السلمي مع العدو "الاسرائيلي". وحتى شروط السلطة بدأت بالانحدار من الحقوق الفلسطينية الى وقف الاستيطان لمدة خمسة أشهر على الاقل وبعدها... انما وضع مليون ونصف المليون فلسطيني تحت الحصار لا يذكره عباس حتى انه اسقطه من خطابه امام المجتمع الدولي في الامم المتحدة.

أما الفضيحة فأحداث اقرار تقرير القاضي ريتشارد غولدستون. فقد انكشفت نوايا السلطة بعدم اعطاء حركة حماس اي شرعية، حتى القتل العمد للفلسطينيين بات التهاون معه مسموحاً بنظر السلطة للوصول الدولة الفلسطينية المرتقبة والتي تعطي لليهود حقاً شرعياً في فلسطين.

كل ممارسات السلطة الفلسطينية تدلل على هذا التنسيق الضمني مع الاحتلال. والمعيب قبول عباس بالحصار

وبالجدار المصري وكأن سكان غزة ومقاومتها ارض في كوكب آخر.

فشل وجرائم الحرب:

لا يوجد دولة في العالم تاريخها ملطخ بالدماء مثل الدولة العبرية. لقد قامت هذه الدولة على القتل والتدمير وارتكاب المجازر التي يندى لها الجبين بحق الفلسطينيين لتحدث حالة من الرعب والصدمة والخوف مما حول ملايين الفلسطينيين إلى لاجئين.

ان سياسة القتل واستهداف المدنيين كوسيلة ضغط من اجل الابتزاز السياسي لم تعد وسيلة مجدية الآن في ظل المتغيرات الوطنية حيث أدركت المقاومة المعادلة والأهداف الصهيونية فلم تعد سياسة القتل والمجازر المتعمدة بحق المدنيين تجبرهم على الهجرة، ولم تعد الالة العسكرية تحدث حالة من الرعب والصدمة بل زادتهم قوة على الصمود والمقاومة.

لقد تراجع المشروع الصهيوني وانكفئ إلى الخلف بعد ان كان يحقق الانتصارات المتتالية أصبح يحقق الهزائم العسكرية والسياسية لينحصر داخل أسوار إسمنتية بناها لنفسه ليتحصن من ضربات المقاومة بعد ان كان مشروعه يمتد من النيل الى الفرات.

نعم لقد فشل العدو في العقدين الأخيرين على تحقيق الانتصارات وفقد قوة الردع لجيش الاحتلال، وان الجيش الذي لا يقهر هو مجرد أسطورة صنعتها الآلة الإعلامية ولم يعد لها مكان في هذا الزمن. اما المجال السياسي فالخسارة العسكرية على الأرض تعني انه ليس باستطاعة العدو فرض شروط المعركة بقوة السلاح وهذا يعتبر الانتصار الأكبر والأقوى الذي تحققه المقاومة في العقدين الأخيرين. أراد كيان العدو تحقيق ما لم تحققه بقوة السلاح بقوة الدبلوماسية والابتزاز والضغط عن طريق أطراف إقليمية ودولية. فالحرب على غزة لم تحقق الأهداف التي أعلنتها "إسرائيل" على الإطلاق ولم تستطع فرض تهدئة بشروطها، وأصبح أكثر من مليون صهيوني تحت مرمى الصواريخ الفلسطينية حيث لا يوجد مكان آمن داخل الاراضي المحتلة. وهنا تحقق لأول مرة ما يعرف بالمفهوم العسكري ميزان الرعب لدى الفلسطينيين.

والنقطة الاخرى هي ان هذه الحرب هي حرب تحريكية يراد منها إدخال حماس إلى المفاوضات وفتح قنوات اتصال أوروبية وصهيونية والتعامل معها كقوي سياسية على الأرض وتتمتع بشعبية واسعة داخليا وإقليميا وتحديدا بعد فشل كل الوسائل التي اتبعت من اجل النيل من الحركة ومحاصرتها لكي ترفع الراية البيضاء .

المجتمع الدولي:

المجتمع الدولي لم يكن يوماً نصير الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، او نصير للدول والشعوب المهمشة، حيث الازدواجية في التعامل بمقياسين حينما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية والعالم العربي، وقطبية العالم الأحادية بقيادة الولايات المتحدة والتي تتحكم في العالم والتزام أوروبا المطلق بالأمن "الإسرائيلي" مما يعني انه يحق لها ان تفعل ما تريد تحت مظلة الأمن والدفاع عن النفس.

ان الحرب على غزة وقبلها حرب تموز وكل القضايا العربية تثبت ان المؤسسات الدولية سقطت أخلاقيا وايدولوجيا وسياسيا وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي ولم تعد هذه المؤسسات تمثل الإرادة الدولية والقيم الإنسانية الخلاقة بسبب الهيمنة والضغوط السياسية الأوروبية والاميركية عليها حيث أصبحت وسيلة ضغط في يد هؤلاء للضغط على الدول الضعيفة للابتزاز السياسي والاقتصادي وهي بحاجة الى اعادة بناء على أسس وثوابت جديدة، وإلا على الدول العربية الانسحاب من تلك المؤسسات وإدارة الظهر لها وعدم الاعتراف بشرعيتها.

فيما نحن لا نقلل من التأييد الشعبي الكبير الذي تحضي به القضية الفلسطينية داخل المجتمع الأوروبي ومن مؤسسات المجتمع المدني والحركات اليسارية في أميركا اللاتينية ونثمن الموقف الكبير لفنزويلا وكوبا وغيرها من الدول التي قطعت علاقاتها مع الاحتلال وهذا يعتبر تحول كبير لصالح القضية الفلسطينية على المدى المنظور.

ان الموقف الأوروبي والاميركي لن يتغير بشكل جدي ما لم يكون هناك موقف عربي موحد وهو التعامل بمنطق المصالح وتهديد مصالحه في المنطقة والاهتمام بالمصالح العربية بشكل جدي يعيد العرب بقوة على الساحة السياسية الدولية .

أوسلو ليست الا غلطة تاريخية بحق الاجيال الفلسطينية. وتمادي العدو يجب ان يوضع له حد فما التعود على القتل والاعتقال الا نتيجة لتخاذل اصحاب الامر منا عدم تحملهم لمسؤولياتهم التاريخية تجاه الصراع العربي – "الاسرائيلي".

للأسف حرب غزة لم توحد الفلسطينيين سياسياً كما وحدتهم في معركة الدم والمصير، ولم تلملم الجراح وتعيد اللحمة للشعب الفلسطيني للجلوس على طاولة الحوار ونبذ الماضي وبناء المستقبل وتكريس كل الجهود لأعمار ما دمرته الحرب وإغاثة المشردين وتضميد الجرح الفلسطيني النازف.

ولكن للأسف ازدادت الهوة والانقسام والتشرذم وتصفية الحسابات الحزبية وارتفاع منسوب اشتراطات الحوار وكأن الأمور تسير باتجاه اللا عودة.

وبالرغم من ان غزة خرجت منتصرة في أول حرب منذ العام 1948 تجري على ارض فلسطينية ويقوم الشعب الفلسطيني بخوض غمارها لوحدة ويسجل فيها صمودا أسطوريا ضد اعتى آلة حربية ورابع أقوى جيش في العالم. إلا ان ذلك لم يعط حماس الحق بإبداء الرأي حول مشروع "السلام" وبقين مبعدة تماماً. هذا لن ياتي الا بمزيد من الانقسام وعدم الوقوف في وجه العدو بصف موحد بل بصفوف تضعف الموقف الفلسطيني وتعطي للعدو فرصة النيل مما تبقى


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024