في المادة الأولى من دستور الحزب السوري القومي الاجتماعي، وفي كتاب المبادئ، فإن غاية الحزب نصت على: "بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه، وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها – وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها – وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ورفع مستوى حياتها – والسعي لإنشاء جبهة عربية".
فغاية الحزب كمادة في الدستور، ومكملة للمبادئ تتضمن أربعة استهدافات أساسية هي:
- "بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها"، ولقد بينت في حلقة سابقة مفهوم النهضة في الفكر القومي الاجتماعي التي يتوقف عليها وفق ما ورد في الغاية اتجاهان واضحان يتجليان في تحقيق مبادئ الحزب الأساسية والإصلاحية من جهة، وإعادة حيوية الأمة وقوتها من جهة أخرى، بعدما مرّ عليها من حوادث تاريخية، وما تعرضت إليه من غزوات واحتلال وسيطرة أدت إلى إضعافها وكمون حيويتها، بعد أن كانت قد شكلت مركزاً حضارياً أنتج إبداعات في العلوم والفنون والآداب جميعها، وشعّ على العالم في جهاته الأربع، وغذاه بقواعد الثقافة ومرتكزات الحضارة، ولما كان ما تعرضت له الأمة لم يفقدها مزاياها بالكلية، فإنه بالإمكان، ولا بد، من إعادة حيويتها وقوتها ارتكازاً إلى المبادئ والقواعد التي تضمنتها العقيدة القومية الاجتماعية.
والاستهداف الثاني هو: "تنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها" إذ إن بعث نهضة في الأمة يتطلب إيجاد حركة منظمة قادرة على إقامة نهضة، كما يترتب عليها العمل الذي يؤدي إلى استقلال الأمة ومبادئها على نفسها، وجعلها صاحبة الإرادة في تقرير مصيرها، ولا يتوقف استقلالها على إزالة الاحتلال وإنما يتضمن الاستقلال في مناحي حياتها كافة؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والعسكرية وفي كل ما يمسّ استقلالها ونظرتها إلى الحياة والكون والفن.
والاستهداف الثالث هو: "إقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ورفع مستوى حياتها" إذ لا نهضة بلا نظام، ولا ارتقاء بلا نظام، والأمة التي تدرك مصالحها وتتجه إلى الارتقاء لا بد لها من نظام يتوافق مع نظرتها إلى مصالحها ونموّها، ويؤمن تحقيقهما لها، ولا يمكن لأمة أو مجتمع أن يرتقيا بلا نظام يحدد اتجاه النمو والارتقاء، ولا يمكن أن يحفظا مصالحهما إلاّ بنظام ضابط متوافق في أشكاله وقواعده الفكرية لبلوغ هذه المصالح، والنظام الجديد الذي يقول به الفكر القومي الاجتماعي والمرتكز إلى قواعد ومبادئ واضحة، هو نظام نابض بالحياة ينمو بنموها ويرتقي بارتقائها، ويتضمن القدرة على الاستجابة لمطالب الحياة المتجددة النامية، إنه بقواعده ومرتكزاته قادر وباستمرار على الإبداع وابتكار ما تتطلبه الحياة لاستمرار النمو والارتقاء الذي لا ينتهي إلاّ بانتهاء المجتمع، أو ركونه إلى ما هو عليه.
والاستهداف الرابع هو: "السعي لإنشاء جبهة عربية" وهذا يعبر عن اتجاه في السياسة الخارجية في الفكر القومي الاجتماعي، وفق مفهومه للأمة، وتعيينه الأمم التي يشملها العالم العربي والتي هي: الأمة السورية، أمة الجزيرة العربية، أمة وادي النيل، أمة المغرب العربي، التي يربطها جميعها اللسان العربي وحوادث تاريخية في مجرى الزمان مرّت عليها، وإن ارتباط هذه الأمم مع بعضها في جبهة موحدة بأشكال تتوافق مع تطلعاتها ومصالحها، يؤدي بما تتمكن من الوصول إليه إلى "تشكيل سد منيع ضد المطامع الأجنبية" المتطلعة إلى السيطرة عليها واستقلال مواردها وإمكاناتها، وهذا ما تتطلبه طبيعة الصراع بين الأمم، وإن قيام هذه الجبهة مهما كان شكلها، ومهما تطور لا يلغي سيادة أية أمة من الأمم المكونة لها، ولا يمس استقلالها، ولا يتعارض مع إرادتها.
وفي سياق شرحه لغاية الحزب يقول سعاده في المحاضرة العاشرة من كتاب (المحاضرات العشر): " فغاية الحزب بعيدة المدى عالية الأهمية لأنها لا تقتصر على معالجة شكل من الأشكال السياسية بل تتناول القومية من أساسها واتجاه الحياة القومية " وإن " الحياة وجمالها وخيرها وحسنها هو الغاية الأخيرة " فالغاية في الفكر القومي الاجتماعي ليست مرهونة بحالة أو زمن، إنها تتناول الحياة بكل ما فيها وباستمرار وجودها وتتطلع دائماً إلى ما هو أفضل وأجمل وأحسن، مرتكزة إلى مخزونات الأمة الفكرية، وإلى قواعد النهوض التي تضمنتها العقيدة القومية الاجتماعية، وفي متابعة شرحه يقول سعاده: " إن غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي هي قضية شاملة تتناول الحياة القومية من أساسها ومن جميع وجوهها، إنها غاية تشمل جميع قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية والمناقبية وأغراض الحياة الكبرى، فهي تحيط بالمثل العليا القومية وبالغرض من الاستقلال وبإنشاء مجتمع قومي صحيح، وينطوي تحت ذلك تأسيس عقلية أخلاقية جديدة ووضع أساس مناقبي جديد، وهو ما تشتمل عليه مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الأساسية والإصلاحية التي تكون قضية ونظرة إلى الحياة كاملة أي فلسفة كاملة ".
والمجتمع الذي له غاية واضحة وأهداف واضحة يحدد اتجاهه نحو غايته وأهدافه ويبتكر الوسائل التي تؤدي إليها، أما المجتمع الذي لا غاية واضحة له فليس له شأن مهم في الحياة الإنسانية عامة، ففي خطابه في (اللاذقية) عام 1948 – في الجزء الخامس عشر من آثاره، يقول سعاده: " المجتمع الحر هو المجتمع الذي عرف غايته وقدر أن يسير إليها وسار بملء إرادته ومشيئته "، وبقدر ما تكون غاية الأمة عظيمة تتمكن الأمة من احتلال موقعها بين الأمم، وتفرض وجودها بين المجتمعات الإنسانية، ويشعر المجتمع بكل مكوناته بعظمته بما يحمل من غايات عظيمة يؤمن بها ويعمل بها، والأمم والمجتمعات لا تتقدم ولا ترتقي إلاّ بغايات كبرى تسعى إليها، ولا تقف عند حد ولا تتحدد بزمن، وحركتها مستمرة بالنمو والارتقاء إلى ما لا حدود، ففي خطابه في (دده – الكورة) عام 1948 في الكتاب السابق يقول سعاده: " إن الأمم الحية العظيمة تتميز وتحتل منزلتها في التاريخ بما يتمثل فيها من غايات عظيمة تطفح بها نفوسها، وتمثل ما فيها من شعور بالعزة والكرامة والجمال، فإذا ما فقدت الأمم هذه المزايا كان جديراً بها أن تكون موطناً للأمم التي عرفت أن تكون ذات مثل جلية وغايات عظيمة ".
وكما أوضح سعاده مفهوم الغاية وأهميتها في حياة الأمم والمجتمعات، ودورها في ارتقائها، فإنه توجه إلى القوميين الاجتماعيين الذين توضحت لهم الغاية من وجودهم في حركة منظمة مرتكزة إلى عقيدة واضحة جلية، متضمنة المبادئ والقواعد لتحقيق الغاية التي انتدبوا أنفسهم لها ووضعوا على عاتقهم تحقيقها والارتقاء بها لترتقي الأمة كلها، وليكون لها دورها في ارتقاء المجتمعات الإنسانية كافة، فقال في خطابه السابق محفزاً شعور القوميين الاجتماعيين، وإيمانهم بالقضية التي يحملون، محملاً إياهم مسألة النهوض بالأمة بما حدد لها من غايات عظمى " القوميون الاجتماعيون يتميزون بأنهم مجموع له غاية عظمى في الحياة يحيا بها القومي الاجتماعي وفيها يجد حياته وبها يعرف بين الأمم، الغاية العظمى للقومي الاجتماعي هي القوميون الاجتماعيون لأنهم مجموع يرفض الحياة بلا غاية عظمى، والحياة بلا غاية هي عندهم عيش حيواني حقير ينحط به الإنسان إلى مرتبة العجماوات "، فما قاله سعاده ينفي وجود حياة إنسانية بلا غاية، وإن الحياة الإنسانية ترتقي بارتقاء غاياتها وعظمة هذه الغايات، ويعتبر أن القوميين الاجتماعيين تميزوا في فهم الغاية التي يعملون لأجلها، وأنهم مستعدون للتضحية في سبيل الوصول إليها، بما يحملون من صبر وإيمان، وإن تضحياتهم تشهد على عظم النفسية التي يحملون، فيقول سعاده في خطابه السابق: "يتميز القوميون الاجتماعيون بأنهم حركة ذات غاية عظمى يحاربون من أجلها، هي عندهم أعز من أنفاسهم وهي لهم ومن وجودهم لأنه على قدر عظم الغاية تكون النفوس، فالغاية العظيمة تمثل النفوس العظيمة وتشهد بعظمتها وحيث لا غاية فلا نفوس" ويتابع في الخطاب ذاته ويبين تحمل القوميين الاجتماعيين الذين يشهد على عظمة الغاية التي يعملون لها، فيقول: " أما الذين شقوا طريق العز لأنفسهم صابرين على الألم محاربين بكل وسيلة لديهم، فهم قد يتأخرون عن النصر وقد يتأخرون عن تحقيق غاياتهم العظمى ولكنهم في الأخير حتماً لمنتصرون، وعملهم، ولو لم يصلوا في حياتهم إلى النصر الفاصل الكامل يشهد أنهم وصلوا إلى غاية عظمى وهي أنهم أثبتوا بآلامهم وصبرهم أنهم نفوس أبية عزيزة ترفض الذل وتقتحم الصعاب، تخضع ولا تخضع، يحب احترامها في إرادتها، فيما تمثلت من آمال عظيمة وغايات عظيمة تشهد لها ".
وإن الحزب في بنائه الداخلي وبنيته المتينة يعبر بمجموعه عن غايات الأمة بعيداً عن المنافع والمآرب الشخصية والفائدة الآنية، ويعبر سعاده عن هذه البنية في خطابه السابق فيقول: " الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يمثل في هذه البنية لا غايات خصوصية ولا منافع ومآرب شخصية، بل يمثل بذاته الغاية العظمى التي يقول بها كل قومي اجتماعي إنه لا شيء تجاهها ومن أجلها، والتي يجد كل قومي اجتماعي نفسه في عزّ أمته وشرفها، ولا يريد عن ذلك بديلاً ".
وفي خطابه في تلكلخ عام 1936 المنشور في الجزء الثاني من آثاره، يبين التقاء القوميين على غاية واحدة يعملون بها معاً وفق إرادتهم هم في كل أمر يتعلق بالأمة، فيقول: " إننا اجتمعنا في سبيل غاية وهذه الغاية هي أننا قررنا أن لا نكون بعد اليوم قطيعاً يساق بل تكون إرادتنا هي التي تقرر كل أمر له علاقة بمصيرنا".
هذه ملامح مفهوم الغاية في الفكر القومي الاجتماعي الشاملة شؤون الحياة كافة، والتي لا بد أن تتوفر في كل أمة تريد أن تستمر وترتقي، ويكون لها شأن في الحياة.
(*) من كتابه " الفكر القومي الاجتماعي: مفاهيم، قواعد ومرتكزات " الصادر عن " دار فكر ".
|