إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مسيحيو 14 آذار ينصاعون لـ«ولي الأمر» ومصالحهم

د. وفيق ابراهيم - البناء

نسخة للطباعة 2015-03-10

إقرأ ايضاً


لا يثير مستقبل مسيحيي الشرق الأوسط قلق المستقلين المسيحيين في حركة الرابع عشر من آذار، فهؤلاء سلّموا زمام أمورهم منذ عقدين لـ«ولي الأمر»، معتمدين عليه في ابتكارحلول للأزمات الكبرى ببصيرته وعلاقاته بالخليج والغرب.

قال لهم إنّ مصدر الإرهاب سوري ـ إيراني يترجمه حزب الله فصدّقوه، وأطلق أمينهم العام النائب السابق فارس سعيد اتهامات جديدة للحرس الثوري الإيراني باجتياح العراق وسورية ولبنان واليمن.

تُرى ماذا يجول في خاطر مسيحيي سورية والعراق حين يستمعون بدقة إلى مثل هذا الكلام؟

وكيف تكون ردود فعل المسلمين من سنّة وشيعة ودروز وأقليات من الإيزيدية والصابئة والشبك، والمسيحيين من كلّ المذاهب حين يمعنون في تحليل خطابات أقطاب «14 آذار» حول هوية «القتلة» الذين يجتاحون الشرق الأوسط، ولا يميّزون بين مسيحي ومسلم أو بين أكثري وأقلياتي أو بين عربي وغير عربي.

لن تكون بالطبع إيجابية، فتماثيل القديسين، وعميد الأدب العربي طه حسين، وأبو تمام، وحضارات الأشوريين والكلدان ومدينة الحضر، والجوامع والكنائس والمراقد والحواضر كلها سُويت بالأرض هدماً وإحراقاً، بتفسيرات همجية. وما تبقى من هذه التماثيل والأوابد والحضارات في لبنان وغيره ينتظر دوره.. هذا إذا بالغنا في الاستئناس إلى آراء قيادات «14 آذار».

لذلك يتوجب أولاً تحديد مصدر الخطر والعمل على مجابهته. فوسائل الإعلام ودوائر الاستخبارات العالمية على تنوع انتماءاتها، والديبلوماسيات الأميركية والروسية، كلها تتهم «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» باستلهام الفكر الوهّابي، وترمي بمهمّات تمويل الإرهاب وتدريبه ورعايته على المثلث السعودي ـ القطري ـ التركي، وفي شكل مباشر ومن دون مواربة أو خجل، وها هو رئيس وزراء تركيا أوغلو يعلن بالفم الملآن: لن نحارب «داعش».

لذلك تتهم الأجهزة والمراقبون والخبراء والدول هذا الفكر السلفي التكفيري، بحركة تفاعلاته مع مصالح دول كبرى وإقليمية تدمِّر الشرق الأوسط، باستثناء القادة المسيحيين المستقلين في الرابع عشر من آذار التي لا نتذكرها أساساً إلا في مناسبة تأسيسها لأنها جهاز دعائي ـ إعلامي لا فعالية له على الأرض وتخدم «ولي الأمر السعودي» ومصالحها فقط.

وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا يذهب هؤلاء الآذاريون بعيداً في الهذيان؟ يبني هؤلاء أطروحتهم على أساس لبناني ضيّق يتألف من جزءين: الأول على علاقة بالدور المسيحي في لبنان وكيف يرون استمراره، أما الثاني فيجسِّد جملة مصالح شخصية لسياسيي «14 آذار» المسيحيين الذين يبحثون عن مطايا تؤمِّن استمرار «بيوتاتهم» السياسية.

وللأسف فإنهم يعتقدون أنّ النظام السياسي اللبناني لا يحتمل تسوية إلا بين فريقين طائفيين أو بين مذهبين اثنين، علماً أنّ مرحلة 1948 ـ 1990 اتسمت بتحالف بين القوى المارونية والسنية الأساسية.

ومع تراجع الدور المسيحي في لبنان نتيجة للاغتراب، والتطورات السياسية في الجوار والداخل، سجل مستقلو «14 آذار» قلقاً في الصعود الشيعي المرتبط بقيادته للمقاومة اللبنانية في وجه «إسرائيل»، فسجلوا خشيتهم من استبدال النفوذ الماروني بالشيعي. وهذا تحليل ضعيف لأنّ الفكر الذي يهاجم لبنان سياسياً وعسكرياً لا يقبل إلا بمثيله الفكري، أي المتخرجين من السلفيات التكفيرية للوهّابيين حصراً. فلا يقبل بولي أمر «14 آذار» السعودي ولا بفريقه، فكيف يمكنه أن يتحالف مع النائبين فارس سعيد وسمير فرنجيه والوزير وليد جنبلاط؟ قد يتواطأ معهم موقتاً، لكنّ مصيرهم لن يكون إلا شبيهاً بعشرات آلاف الشهداء الذي قتلهم الإرهاب التكفيري في حارات حمص وحلب وأنحاء سورية والموصل وصلاح الدين وما تبقى من العراق… بالله فليقل لنا مؤيدو النصرة: ماذا تشكّل كنائس باكستان من خطر على «القاعدة» ليهاجموها ويفجروها، وكذلك في نيجيريا والصومال ومالي وجنوب أفريقيا؟

من هنا يبدو الرهان على «داعش»، كمن يحاول تدجين أفعى «كوبرا» تلدغ صاحبها أولاً.

أما لجهة الاستمرار السياسي، فقد اعتقد مسيحيو «14 آذار» أنّ مشروع الشهيد رفيق الحريري منتصرٌ فالتحقوا به، موفرين لتحركاتهم السياسية الداخلية تغطية مالية محترمة من صناديقه العامة! وقد حاولوا استثمار اغتياله بتوجيه سهام اتهاماتهم إلى سورية وحزب الله معتقدين، بخفة، أنّ في إمكانهم أن يكونوا من الورثة.. وبنوا سياسة تقوم على التسعير المذهبي بين السنّة والشيعة، لذلك فإنّ محطات التلفزة التابعة لهم وخطاباتهم تتكلم عن هذه الفتنة فقط، وذلك كي لا ينساها أ حد، ولو بالصدفة. فهم حريصون على مهاجمة هذه الفتنة الموجودة والتي لا يستطيع أحد صدّها، حسب زعمهم. إنها بالنسبة إلى أقطاب «14 آذار» قدرٌ واقع ومسلّط على الرؤوس ولا يستفيد منها إلا فرسان حركة «14 آذار» الهزلية. وما فاقم من تعاسة «الأمانة العامة» هو التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ بزعامة العماد ميشال عون، وقد سجّل الأخير توسعاً ملحوظاً في جذب المسيحيين نحوه، ولولا الأموال السعودية المرسلة إلى الآذاريين لاستأثر منفرداً بتأييد شعبي كامل.

أصبحت التراتبية عند المسيحيين تعطي عون الموقع الأول بنحو 60 في المئة، تليه «القوات» و«الكتائب» والأحرار… ويفترض أنّ ما تبقى هو للمستقلين المسيحيين. وبما أنه لم يتبق شيئاً يستأهل التوقف عنده، فإنّ مشكلتهم هي مع حزب الله والعماد عون والأحزاب المسيحية قاطبة وبطريركية الموارنة وقيادة الجيش ومديرية المخابرات. كلّ هؤلاء يحظون بشعبية. فماذا يتبقى للجهابذة؟ الإرهاب أيها السادة هو وهّابي بتغطية أميركية ـ «إسرائيلية» ـ خليجية، وموقع المسيحيين العرب يأخذونه من حركة تعبيرهم عن اهتمامات الناس، لا من مصالح ولي الأمر… فعسى أن تصل الرسالة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024