إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تبدّلٌ في مراكز القوة في النظام العالمي الجديد

د. وفيق ابراهيم - البناء

نسخة للطباعة 2014-12-12

إقرأ ايضاً


يتشكل النظام العالمي الجديد على وقع الاضطرابات الدامية المندلعة في معظم أنحاء الشرق الأوسط وأوكرانيا، ما يؤكد على أهمية هذه المنطقة في صناعة مراكز القوة في العالم.

ويشير الخبراء إلى أنّ هناك ستة عناصر محورية يتوجب على القوى الطامحة إلى دور القوة العظمى السيطرة على معظمها. وهي على التوالي، الغاز والنفط والسلاح والصناعة وغزو الفضاء والثقافة والتحالفات. وباستثناء الغاز والنفط، وهما هبة جيولوجية، يخرج العرب من الخليج إلى المحيط، من دائرة التنافس قانعين بدور المتفرج الأحمق.

وبالاستنتاج السريع، يتضح أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تزال تحتفظ بموقع القطب الأقوى، لكنها لم تعد وحيدة كما كانت، وبرغم أنها تمتلك كميات كبيرة من الغاز والنفط الصخريين، لكنّ كلفة استخراج البرميل الواحد منهما تزيد عن كلفة مثيله السعودي بأربعة أضعاف على الأقل.

أما السلاح، فتختزن واشنطن من أنواعه النووية والبيولوجية والهيدرولوجية والكيماوية والتقليدية الحديثة كميات ضخمة، وجدير بالذكر أنّ الموازنة العسكرية الأميركية تتجاوز 600 مليار دولار سنوياً، وهي تعادل موازنات الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان والصين معاً.

أما لناحية الصناعة، فإنّ واشنطن رائدة ولها الموقع الأول، لكن إلى حين قريب، فلديها منافس في العالم الأصغر يقلقها ويهدّد مكانتها. ويبدو أنّ حروب غزو الفضاء تراجعت نسبياً، وتتساوى أميركا وروسيا في هذا المجال منفردتين مع توثب صيني وهندي وإيراني.

وتحتلّ الولايات المتحدة أيضاً، المكانة الأولى ثقافياً في العالم، بإعلامها وفنونها وأفلامها وسيطرتها على مئات محطات التلفزة الفضائية وعالم الإنترنت ووسائل الاتصال.

ويرى الخبراء الأميركيون أنّ الاقتصاد الصيني جبّار وواعد وسيتجاوز في أقلّ من عقد نظيره الأميركي، لكنه يعاني من عناصر ضعف هائلة، معظمها داخلي. وبرغم ريادة الصين الاقتصادية، فإنّ معدلات الفقر فيها تصاعدية، بحيث يتقاضى العامل الصيني أدنى أجر معروف في بلد صناعي. كما تتسم أرياف هذا البلد بتخلف كبير لا يعكس تقدمها الصناعي، ما يشكل تناقضاً لافتاً ومخيفاً.

ويعوض التقدم الصيني الصناعي عن التراجع الروسي في هذا المضمار، لكنّ موسكو تتقدم في صناعات السلاح غير التقليدي بكلّ أنواعه، وتحوز أيضاً على الموقع الأول في غزو الفضاء. كما تحتل قمة لائحة منتجي النفط والغاز في العالم، وهي في صدد تشكيل تحالفات سياسية لها بعد طاقوي.

أما لجهة الصراعات الثقافية، فلأميركا قصب السبق في هذا الإطار، وقد أعدّت منذ عام 1945 خطة تراكمية لغزو ثقافي للعالم يواكب غزوها الاقتصادي، فاستعملت الأفلام السينمائية والتلفزيون والإذاعات والمجلات والصحف والأقمار الاصطناعية ووسائل الاتصال للسيطرة الثقافية. أما روسيا والصين فهما مقصّرتان في هذا المجال، وتحاولان التعويض عن هذا التقصير في الآونة الراهنة وهذا يحتاج إلى وقت طويل حتى تنشرا ثقافتيهما.

وبالنسبة إلى التحالفات، فإنّ لأميركا تحالفات وازنة، إنما تبقى ضمن إطار دول هرمة، إذ تبدو في الظاهر قوية، لكنها في الواقع قد تحتاج قريباً إلى من يعيلها، وإنّ بلداناً على شاكلة دول أوروبا، باستثناء ألمانيا، هي عالم متوغلٌ في القدم على الرغم من مظهره المتقدم.

فماذا تعني هذه المقاربة؟ الصين وروسيا معاً تساويان الولايات المتحدة الأميركية في كلّ نقاط القوة، أما إذا أضفنا إيران كقوة واعدة تجمع بين إمكانيات كبيرة في النفط والغاز مع صناعات أسلحة متطوّرة وتحالفات واسعة من آسيا الوسطى إلى شرقي المتوسط، فإنّ من المنطقي القول إنّ حلفاً كهذا قد يمتلك قلب النظام العالمي المقبل، إذا أجاد إزالة التناقضات بين دوله. ولا يمكن وضع تركيا في خانة البلدان المنافسة لأنها لا تمتلك مصادر طاقة وصناعاتها غير منافسة لعدم وجود مواد أولية لديها، كما أنّ محاولاتها تأسيس حلف إسلامي باءت بالفشل الذريع.

لذلك يبدو الحلف الروسي ـ الصيني ـ الإيراني حاجة منطقية لإعادة الاستقرار إلى العلاقات الدولية، وإعادتها إلى المستوى السلمي، بعد عقدين ونصف من الحروب الأميركية المباشرة وبالواسطة. أما واشنطن فلديها تحالفات قوية على مستوى امتلاك الطاقة، لكنّ معظمها ضعيف سياسياً وينتمي إلى فئة الديكتاتوريات التاريخية التي لا يمكن الدفاع عنها طويلاً، والقسم الآخر دول هرمة دخلت في مرحلة استنفاذ الطاقات. وهناك في المقابل، فئة قليلة من تحالفات أميركا تستطيع أن تنتمي إلى فئة الدول العظمى، لكنّ أميركا لا تسمح لها بامتلاك السلاح غير التقليدي ألمانيا واليابان .

إنّ الصراع العالمي على النظام الجديد يتصاعد ولن يتأخر في نسف أسس التحالفات القديمة، ما يعجِّل في إيجاد تفاهمات على أساس تفاعلات سياسية هادئة، فتتراجع الحروب العسكرية والثقافية.

ويبدو أنّ الحلف الروسي ـ الصيني ـ الإيراني المفتوح على دول البريكس ومعاهدة شانغهاي، متجه إلى احتلال مساحة كبيرة في قلب النظام العالمي الجديد.

بقي أن نتمنى لعالمنا العربي وضعاً أفضل وأن يلتحق بقافلة التقدم، فهل هذا ممكن؟ المستقبل العربي قاتم ويترقب تحرك الشعوب لاستعادة حركة التطور من فئات تمسك بتلابيب التاريخ.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024