إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

بعد تجاوز القطوع الانتخابي وتحديد الأحجام... ما هو التالي؟

علي بدر الدين - البناء

نسخة للطباعة 2016-06-01

إقرأ ايضاً


تجاوز لبنان قطوع الانتخابات البلدية والاختيارية بانتهاء مرحلتها الرابعة في محافظتي الشمال وعكار، ومرّ هذا الاستحقاق البلدي الوطني على خير، بعد أن كان مدار جدل وسجال بين الأفرقاء السياسيين في لبنان بين مؤيد ومعارض، حيث لكلّ فريق أسبابه ومبرّراته التي تمحورت حول السياسة والأمن على قاعدة ما يشهده لبنان من تطورات ومتغيّرات أحدثتها مستجدات الوضع السوري.

ولقد تشظى من هذه المستجدات الداخل اللبناني الذي استهدفه الإرهاب التكفيري بالتفجيرات والدعوة إلى الفتنة. وهو في الأساس يعاني من اهتزازات أمنية وانقسامات سياسية وصراعات طائفية ومذهبية وحدها كانت كافية لتأجيل أيّ استحقاق انتخابي، وبخاصة أنّ الأفرقاء في لبنان اعتادوا أو استسهلوا ابتداع الذرائع التي تحول دون إجراء أية عملية انتخابية بعد التمديد للمجلس النيابي، وقبله الرئاسي، وما بينهما من تمديدات طاولت قيادات عسكرية وأمنية وإدارية.

ويبدو أنّ قراراً خارجياً أصرّ على إجراء الانتخابات البلدية عبّر عنه القائم بالأعمال الأميركي ريتشارد جونز بعد زيارته لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق قبل أيام من موعدها، الذي أكد أنّ الانتخابات حاصلة حتماً فضلاً عن أنّ السلطة بمكوّناتها متيقنة من أنّ الفوز مضمون لها ومؤكد لاعتبارات عديدة منها أنها تملك السلطة والنفوذ والمال والقرار، وأنّ اللبنانيين رغم معاناتهم على مستوى الخدمات وانعدامها تمّ استيعابهم وباتوا أداة طيّعة، وأنهم لن يحيدوا قيد أنملة عن توجيهات القادة والزعماء والأحزاب الذين حدّدوا لهم المسار والخيار لتجديد البيعة لهم من دون نقاش، لأنهم أدرى منهم بمصلحتهم. والأهمّ هو أنّ القانون الانتخابي الأكثري السائد يوفر لهم كلّ مقومات الفوز والنتائج المرجوة التي تؤمّن استمرارهم في مواقعهم السلطوية وهيمنتهم المطلقة من دون منازع أو خصوم.

النتائج التي حصدتها لوائح السلطة في غير منطقة أنتجت مجالس بلدية على قياسها السياسي والحزبي والطائفي والمذهبي، وإنْ رفعت منسوب خطابها الوطني وعناوينها الإنمائية والخدمية المعدومة أساساً في مجالس سابقة أعيد إنتاجها رئاسة وأعضاء وتوجهات ضيقة، وهي حكماً لن تغيّر من أدائها في الآتي من الأيام لأنّ الثقة العمياء الممنوحة لها من المقترعين جاءت على أساس الانتماء الحزبي والمصلحي ولم تكن من أجل ما يتحلّى به المنتخبون الجدد أو المجدّد لهم من صفات الكفاءة والنزاهة وثقافة التنمية المطلوبة والوعي الكامل لتفهّم الحاجات الأساسية والمتطلبات الخدمية والحياتية للمواطنين…

إنّ التطلع إلى الوراء، قد يفيد بحالة واحدة هي أخذ العبر والاستفادة من تجارب المجالس البلدية التي فشلت في ترجمة دورها الإنمائي والخدمي واعتبارها إدارة محلية عليها واجب القيام بمسؤولياتها، وليس من أجل البكاء على الأطلال الذي لن يغيّر في واقع الأمور. فالمرحلة المقبلة من عمل البلديات تكشف مدى جهوزيتها واستعدادها للانخراط في ورشة الإنماء والخدمات والنهوض بالمجتمعات المحلية، مع أنّ واقع حال المجالس المنتخبة لا يوحي بأنّ التغيير آتٍ على مستوى التعاطي مع قضايا الناس أو على مستوى الأداء، لأنّ «فاقد الشيء لا يعطيه». هذا لا يعني التعميم بالمطلق، ولكن معظم المجالس البلدية رؤساء واتحادات عادت إلى مواقعها مع تغييرات شكلية بالأسماء لاعتبارات حزبية أو عائلية وليست لتحسين النوعية والجودة في العمل.

وفي قراءة أولية للانتخابات البلدية والاختيارية وما أفرزته من نتائج يمكن تسجيل التالي:

- إنّ حصولها في موعدها من دون اللجوء إلى التمديد أو التجديد إنجاز بحدّ ذاته.

- إنّ القوى العسكرية والأمنية قامت بالدور المنوط بها للحفاظ على الأمن على أكمل وجه، وقد يكون أمناً مثالياً لم يتوقعه أحد.

- إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع لم يكن حماساً واندفاعاً للتغيير أو للتعبير عن القناعات والخيارات بل كان نتيجة للتعبئة السياسية والطائفية والمذهبية ولرفع الشعارات الكبيرة التي حرّكت الغرائز وبأنّ الصراع هو من أجل البقاء نكون أو لا نكون.

- بروز ظاهرة المرشحين المستقلين ورفعهم شعار التغيير ونجاحهم في تحقيق نسب عالية وإثبات وجودهم.

- فتحت الانتخابات البلدية المجال أمام الانتخابات النيابية بعد أن سقطت ذريعة الأوضاع الأمنية غير المستقرة بالضربة القاضية.

- انعدام العدالة والإنصاف في القانون الانتخابي الأكثري الذي حرم شرائح اجتماعية كبيرة وازنة من التمثيل، وقد تقاربت النسب في أكثر من منطقة، وأكدت الحاجة إلى قانون انتخابي عادل وتمثيلي ووطني يكون بديلاً عن قانون أهل السلطة وقواها السياسية.

وبما أنّ الفائزين على لوائح السلطة يدّعون أنّ فوزهم كان خياراً وقناعة من الناخبين، فعلى الذين اختاروا المجالس البلدية أن يتحمّلوا تبعات هذا الاختيار مع أنهم أشركوا الآخرين في حمل السلبيات والفشل ولم يعُد من حقهم النقّ أو لعن الذين انتخبوهم في هذه اللائحة أو تلك.

ونطمئن هؤلاء ألا يتوقعوا التغيير في الأداء أو تقديم الأفضل على مستوى الخدمات والإنماء، لأنّ الوعاء ينضح بما فيه.

الأسئلة تتزاحم في خضمّ الاستحقاق البلدي وما أفرزه من نتائج، وهي هل الذين فازوا في الانتخابات يعتمدون النص القانوني لعمل البلديات بأنّ البلدية هي إدارة محلية تقوم ضمن نطاقها بممارسة الصلاحيات التي يخوّلها إياها القانون وأنّ اختصاص المجلس البلدي هو كلّ عمل له طابع أو منفعة عامة في النطاق البلدي، وأنّ اختصاصات المجالس البلدية هي إقامة المشاريع الإنتاجية وتحقيق التنمية المحلية، وأنّ من مهامها اقتراح وتولي البرامج العامة للأشغال وتخطيط الطرق وتوسيعها وإنشاء الحدائق العامة ومشاريع الصرف الصحي والإنارة وحلّ مشكلات النفايات وإنشاء الأسواق والمنتزهات والملاعب والمكتبات العامة والمدارس والمسكن والمراكز الصحية وتنظيم النقل وإسعاف المعوقين والمعوزين ومساعدة النوادي والجمعيات… التي تقع ضمن النطاق البلدي حتماً ستبقى الأجوبة معلقة، لأنّ معظم المجالس البلدية المنتخبة سياسياً أعجز من أن تلتزم ما ورد في نص القانون البلدي لأنّ أموالها لا توظف في المكان الصحيح، ولا من أجل الخدمة العامة أو التنمية والشواهد أمامكم منها على سبيل المثال لا الحصر… الاستثمار في المولدات الكهربائية والآبار الارتوازية، والتزفيت العشوائي للخواص من الأزلام والمحاسيب، كما حصل عشية الانتخابات في أكثر من منطقة.. والحبل على الجرار إلى ما لا نهاية.

ووفق الدكتورة سناء الصباح مديرة معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية في الجنوب في دراستها عن المركزية والإدارة المحلية في التنمية المحلية أنّ آفاق العمل البلدي هي أوسع من أيّ تحديد قانوني. والمشكلة لا تكمن غالباً في القوانين بل في تطبيقها الذي يتطلب ثقافة ومراقبة ويستوجب العمل البلدي اتّباع منهجيات سليمة لتحقيق التنمية المحلية والتغيير المنشود نحو الأفضل.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024