إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

النسبية وتعزيز مفهوم المواطنة...

زهير فياض - البناء

نسخة للطباعة 2017-01-24

إقرأ ايضاً


لا شك في أن لقانون الانتخاب أهمية خاصة في حياة الدول، إذ إنه الآلية التي تنتج سلطة تمثل ارادة الشعب وتعبّر عن اتجاهاته العامة في الحكم والإدارة والاقتصاد والأمن والثقافة والتربية وغيرها من الحقول التي تطال كل مناحي الحياة باتجاه تعزيز موقع المواطن وتثبيت منهج المؤسسات في الدفاع عن حقوق المواطنين وتأمين الحاجات والخدمات الرعائية على اختلاف أنواعها ومستوياتها.

القانون الانتخابي يعبّر عن مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي للمجتمع الذي يُطبّق فيه. وإذا كانت الدولة هي «المظهر السياسي الثقافي الحقوقي للمجتمع»، فقانون الانتخاب الذي ينتج السلطة التي تقود الدولة وتقوم بإدارة مؤسساتها والتحكم بمفاصلها الأساسية يمثل مضمون هذا الشكل السلطوي وقيمه ومفاهيمه السياسية والاجتماعية والأخلاقية.

لذا نستطيع فهم محورية النقاش حول قانون الانتخاب في لبنان، في هذه المرحلة بالذات، بعد أن اكتمل العقد المؤسساتي بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تتولى ادارة الحكم على مستوى السلطة التنفيذية، ونستطيع بالتالي فهم هذا الاهتمام المنقطع النظير من قبل القوى السياسية التقليدية وسعيها الدؤوب للحفاظ على مكتسباتها من خلال إعادة إنتاج قانون انتخابي يحافظ على مواقعها في السلطة ويعيد تدوير مصالحها ومكتسباتها المتمركزة في مفاصل السلطة كلها، أو على الأقل إعادة تطبيق القانون الانتخابي الحالي على مساوئه وعدم عدالته وانتقائيته.

القانون الانتخابي اذاً هو المفتاح لإنتاج السلطة في أي دولة …لذا له هذا الموقع وهذه الاهمية… ولكن في ظروف كظروف مجتمعنا ذي الطبيعة المعقدة والمركبة والتي تغيب في غابة انتماءاته الجزئية الطائفية والمذهبية ملامح الهوية والانتماء الوطني الحقيقي ومفهوم المواطنة الحقة يصبح – في حالة كهذه – لقانون الانتخاب مهمتان أساسيتان:

– المهمة الأولى: إنتاج سلطة تمثل قدر الإمكان كل اتجاهات الرأي العام وهذه مسألة نسبية وليست مطلقة ، لأن أي قانون له سلبياته وإيجابياته بالطبع.

– المهمة الثانية: يفتح قانون الانتخاب آفاقاً واسعة رحبة لترسيخ مفهوم المواطنة والانتماء مباشرة الى الدولة، أي ترسيخ صيغة مواطن- دولة من دون إلزامية العبور عبر دوائر وسيطة تمثلها فسيفساء الطبقة السياسية القائمة حالياً، كما يفتح الآفاق لتجذير مفهوم المواطنة. وهذه مسألة أساسية لتطوير وتجويد الحياة السياسية في لبنان، لأن هذا يشكل «الكوريدور» أو الممر الذي يسير فيه المواطن باتجاه الانتماء الى دولته وإلا سنبقى في الجدلية المملة «الدجاجة قبل البيضة أو البيضة قبل الدجاجة»….

لذا طرح مشروع قانون انتخابي على قاعدة النسبية ولبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي مسألة حيوية لكل القوى الوطنية المؤمنة بضرورة تفعيل مفهوم المواطنة كأساس لبناء الدولة العصرية الحقيقية التي تعبّر عن المضمون الحقوقي السياسي الاجتماعي لكل مواطنيها، على مستوى الحقوق والواجبات وعلى مستوى عضوية الدولة.

إن قانون الانتخاب على قاعدة النسبية وخارج القيد الطائفي يؤسس لتعزيز مفهوم المواطنة يعني مواطن + مواطن = دولة… والنسبية بهذا المعنى تؤسس لقيام بنى سياسية من أحزاب وجمعيات عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق وتحمل برامج سياسية واقتصادية واجتماعية تُخاض على أساسها الانتخابات…

بالنهاية، لا بدّ من خطوة باتجاه بناء الدولة الحقيقية، وهذا لن يحصل إلا من خلال النسبية وخارج القيد الطائفي… ويمكن النقاش في وسع الدائرة ليس بالضرورة ومباشرةً «لبنان دائرة واحدة».

ولكن، ما يبعث على الاستهجان والاستغراب هو هذا التشويه المتعمد للنسبية خارج القيد الطائفي، في ما هي تشكل الضمانة والحماية لكل المواطنين، واذا دخلنا في النقاش التفصيلي، فالنسبية تاريخياً شكلت مطلب ما يُسمّى «الأقليات»، لأنها توسع نطاق المشاركة في السلطة لتشمل الشرائح الموجودة كلها في المجتمع.

وهذه حقيقة، وإذا دخلنا إلى الجانب العملي والتقني من الموضوع… لبنان مكون – بالمعنى القبلي على صعيد المؤسسات القائمة – من مجموعة أقليات طائفية، وإن اختلفت بالنسب والأعداد… ووفق القوانين الانتخابية المعتمدة على قاعدة مذهبية وعددية أو أكثرية وتقسيمات استنسابية… كوتا الطوائف في مجلس النواب الى حد ما تتناسب مع أحجامها… لذا يصبح مشروعاً السؤال ما هي طبيعة المخاوف الحقيقية من النسبية على قاعدة برامج وخارج القيد الطائفي…؟ وهذا سؤال للنقاش، ولكن برأيي حتى الأقليات بين هلالين، لأننا لا نحبّذ هذه التسميات التي تتنافى ومفهوم المواطنة أي عضوية الدولة . هذه الأقليات بمعنى من المعاني بالحد الأدنى ستحافظ في ظل النسبية على مكتسباتها الحالية، ولن يتراجع عدد مقاعدها بين هلالين في الندوة النيابية… ولكن ما سيحصل هو تحرير هذه المقاعد النيابية من هيمنة قوى الأمر الواقع الطائفي والمذهبي وتفتح الطريق أمام تحرير الإرادة السياسية للمواطن، وإفلاته من زنازين وقواويش الطوائف باتجاه الانتماء الى الدولة مباشرةً.

هنا سؤال مركزي يُطرح: هل في ظل القوانين الانتخابية المعمول بها حالياً، التمثيل صحيح؟ وهل كل الشرائح داخل طوائفها تُمثَّل اليوم في ظل النظام الأكثري؟ هذا سؤال مشروع… والجواب عليه بالنفي طبعاً…

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024