إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أردوغان... "سلطان" الابتزاز

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2018-10-30

إقرأ ايضاً


هل يُلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على محاولاته الفاقعة لاستغلال جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول بهدف تحقيق أقصى ما يستطيع من مكاسب مالية وسياسية وديبلوماسية سواء من الرياض أو من واشنطن؟

طبعاً هو لا يُلام من وجهة نظر المصالح التركية العليا. فقد كان خلال الفترة التي أعقبت فشل انقلاب تموز سنة 2016 تحت المجهر الدولي من حيث الإجراءات القمعية التي طبقها بحق كل المعارضين، ومن بينهم الإعلاميون. ناهيك عن التورط في ملفات إقليمية متنوعة وضعته في مواجهات ذات تحديات مختلفة مع دول الخليج العربية وإيران ومصر ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، ثم روسيا التي وصلت الأمور معها إلى حد الصدام العسكري المباشر في الأجواء السورية.

وفي اللحظة التي كاد الاقتصاد التركي يتهاوى أمام الضغوط الأميركية بسبب القس الأميركي المحتجز أندرو برانسون، وجد أردوغان مخرجاً قضائياً "مشرفاً" تمثل في الحكم على القس بالسجن مع وقف التنفيذ. وهكذا أطلق سراح برانسون ليتوجه إلى واشنطن حيث استقبله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وصليّا معاً في البيت الأبيض. فكانت تلك فرصة لا تفوت لتوظيف هذا "الإنجاز" في معركة الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة. وكان من نتائج هذه الخطوة أيضاً أن الوضع الاقتصادي في تركيا تماسك مجدداً، كما توقف الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة التركية.

أدرك أردوغان، مثل غيره من ثعالب السياسة الدولية، أن التنازل في الوقت المناسب يُعتبر انتصاراً ديبلوماسياً، تماماً مثل ابتزاز الآخرين عندما يكونون في موقف حرج يجبرهم على تقديم التنازلات الحساسة. ولم يكن قرار إطلاق برانسون إلا نتاجاً متوقعاً للإبتزاز الذي مارسه ترامب من خلال العقوبات التجارية والضغط المالي. وبالتالي تستطيع أنقرة أن تطبق سياسة الابتزاز نفسها مع الآخرين في ملفات عدة بعد أن أتاحت لها التطورات امتلاك بعض مفاتيحها الأساسية.

تاريخياً، كانت تركيا تبتز كلاً من سوريا والعراق في ملفين أساسيين هما الأمن والمياه. ولم تتغير هذه السياسة مع أردوغان، بل تصاعدت وتيرتها ومجالاتها نظراً إلى الأوضاع الأخيرة في هاتين الدولتين. ولسنا هنا في وارد تعداد نماذج ذلك التدخل لأنه معروف لدى القاصي والداني. بل سنركز على الحاضر لما يحمله من تداعيات خطيرة على مصيرنا القومي برمته.

ما كان للحكومة السورية أن تحقق الإنجازات الميدانية الحاسمة لولا عناصر ثلاثة: التدخل الروسي، والدعم الإيراني المباشر أو عن طريق الحلفاء، وصمود الجيش السوري والقوى الوطنية الرديفة. وقد تمكنت هذه العناصر مجتمعة من تقليم أظافر أنقرة الداعم الأساسي والراعي الأول لكل الجماعات المسلحة التي قاتلت في سوريا لإسقاط الدولة وتفكيك اللحمة الاجتماعية. فكانت تركيا القاعدة الشمالية للتحالف الإقليمي والدولي ضد سوريا، تماماً مثلما كان الأردن القاعدة الجنوبية.

لكن يبدو لنا أن الصورة التي تكوّنت بعد الانتصارات الميدانية آخذة في الاهتزاز لصالح الابتزاز الأردوغاني. نبدأ أولاً من الاتحاد الأوروبي. فقد وظف أردوغان مأساة المهجّرين السوريين ليفتح أبواب الهجرة غير الشرعية إلى القارة العجوز، مما أجبر بروكسيل على التفاوض مع تركيا لوضع حد لموجات النازحين مقابل مليارات اليورو، إلى جانب تسهيلات للمواطنين الأتراك الراغبين في زيارة الدول الأوروبية.

لكن الأخطر هو ما بدأت تباشيره تلوح على الساحة السورية. قلنا إن الطرفين المؤثرين على مجريات الأحداث هما إيران وروسيا. ومن المؤكد أن نزعة الابتزاز الأردوغانية أدركت حراجة الموقف الإيراني في ظل المواجهة المفتوحة مع أميركا، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، لذلك عمدت أنقرة إلى التلويح بورقة خرق الحصار الأميركي وإبقاء مجالات التعامل مع طهران على ما هي عليه... لكن بثمن غير معلوم حتى الآن.

روسيا نفسها لم تنجُ من الابتزاز الأردوغاني. فما أن أتم التحالف السوري ـ الإيراني ـ الروسي إستعداداته للسيطرة على محافظة إدلب، آخر معاقل المسلحين، حتى اندلعت حملة إعلامية عالمية شاركت فيها تركيا بقوة للتحذير من "مذابح وأسلحة كيماوية وخسائر مدنية فادحة". ويجب الاعتراف بأن تلك الحملة نجحت فعلياً، ما دفع موسكو وطهران إلى الانخراط في صفقة إدلب المتناغمة مع أطماع تركيا التاريخية في الشمال السوري. فباتت محافظة إدلب والمناطق المجاورة لها خاضعة لنفوذ تركي مباشر تحت مسمى "مراقبة مناطق خفض التصعيد"!

المعادلة بالنسبة إلى أردوغان أصبحت واضحة كعين الشمس: إذا كانت سياسة الابتزاز قد نجحت، وإن بنسب متفاوتة، مع الأوروبيين والأميركيين والروس والإيرانيين وغيرهم... فلماذا لا تنجح مع السعوديين الذين وقعوا في ورطة عويصة صنعوها بأيديهم.

أردوغان يضحك في سره الآن، وهو يراجع حسابات الأرباح التي سيجنيها. لذلك فهو لن يُقفل سريعاً ملف مقتل خاشقجي. فالجريمة لا تعنيه إلا من حيث الثمن الباهظ جداً الذي يتوقعه. ذلك أن البقرة الحلوب تتهادى الآن في مرمى نظراته الشرهة!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024