إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

<< ملك الموت >> من وحي جبران

الياس ابراهيم الياس

نسخة للطباعة 2002-04-01

إقرأ ايضاً


في ليلة من ليالي الصيف خرجت ، في وقت متأخر ، ابحث عن نسمات حاملة معها من الأشجار الخضراء نغمات مليئة بالعطور المدغدغة للصدر البشري ، فتطرب لها النفس .

مشيت ، مشيت حتى بلغت أرضا أشجارها لا أوراق لها ، و صخورها سوداء بلون ظلمة القبور و في نسماتها رائحة العفن.

فتوغلت بها لاكتشف هذه الأرض العجيبة واضعا على انفي منديلا ليقلل من رائحة اللحوم المهترئة التي بدأت تتكثف. و فجأة لمحت رجلا عملاقا ، هزيلا كساحرة شمطاء ، و ما أن رأى وجهي حتى ولّى هاربا ، فسألته الوقوف :

_مهلا أيها الرجل !

فتوقف و كلّمني دون إن يلفت وجهه إلي .

_ ماذا تريد أيها الإنسان؟

_ هل لي التعرف إليك؟ و لماذا أدرت إلي طرفك؟

_ ليس للقباحة أن تظهر لمن يواجهها دونما أي امتعاض .

_ من أنت ؟ ماذا تفعل هنا ؟ و ما هي هذه الأرض؟

_ إنني ملك الموت... إنها ارضي تطل على جميع البشر، حيث أراقب منها من ضعفت نفوسهم لاختطف أرواحهم.

_هذا يعني إنني اقتربت من الموت، لأنني وصلت أرضك؟

_ من يأتي إلى الموت بأرجله يهرب الموت منه..

و من لا يخاف الموت يخافه الموت

_ ألهذا هربت من وجهي إذا ؟

_ لأنك لم تهابني خشيت أن تنتزعني قوتي، و مازال أمامي كثيرا من ضعيفي النفوس لاختطف أرواحهم .

_ و من اجل ماذا تختطفها ؟

_ لأتغذى عليها، فهي مصدر غذائي و هي تزيدني قباحة .

_إذا ، ألا يموت إلاّ من ضعفت نفسه و استسلم للموت؟

_ نعم .

_ و هل يعقل أن يكون الشهيد ضعيف النفس ؟

_ و من قال أن الشهيد يموت ؟

الم اقل لك أن من يأتي إلى الموت بأرجله يهرب منه الموت؟

كم من مفاهيم خاطئة لديكم يا بني الأرض! مهما بلغتم من الحكمة ..

أن الشهيد هو الوحيد القادر على كسر الموت لأنه يعرف ما قيمة الجسد فيقتله ليحرر منه الروح كي تبلغ مرامها و تتحد مع مكون الذات البشرية، و تدخل في صلب نظام الخلق .

انه يقتل الجسد لأنه سئم من كونه مخلوقا ، و يستشهد ليصبح خالقا ...

لكن أرجوك أن لا تنتزعني قوتي لأني بحاجة لها .

ها أنا اشتم رائحة نفس ضعيفة تقترب من ملكوتي... لقد طغى عليها الكهن حتى عفنت فلا تمنعني من اختطافها .

_ لا تخف أيها الملك ، فنحن أيضا بحاجة إليك

وداعا...و كم أتمنى أن تنجز عملك كله قريبا .. قريبا ..

و أنا عائد كنت أفكر :

" كم سيغدو هذا الملك قبيح بعد فناء كل جبابرة هذا العصر ، و مساعديهم ، و من يطيعونهم ، و من يصمتون ..

و كم ستعود أمتي جميلة و صغيرة ...


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024