إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ماذا بعد ميلس .. أم ماذا قبله

سورية الغد - مازن بلال

نسخة للطباعة 2005-10-03

إقرأ ايضاً


من الممكن أن تشكل ذاكرتنا اليوم رصيدا مهما من جولة ميلس وتحقيقاته، لأن هذه المهمة اكتسبت موقعا في التفكير السياسي بشكل خارج عن مألوف أي آلية سابقة. حيث شجعت التكهنات وأعطت زخما للتحليلات المستقبلية التي تصب في النهاية داخل إطار زمن جديد.


ومهمة ميلس لم تأخذ موقعها بسبب طبيعتها أو لأنها تريد "كشف الحقيقة" .. فهذا الكشف أشبه بفتوحات ابن عربي وكشوفه؛ وسط حصر التحقيق في دائرة واحدة. وهو يذكر أيضا بأن نزاهة ميلس لا علاقة لها بآلية التحقيق مادام العديد من المحللين في العالم يملكون أضعاف القرائن التي يملكها المحقق الدولي، وهذا على ذمتهم طبعا، لكنهم لم يستعجلوا النتائج فقط بل رسموا حتى السيناريوهات. وهذا يذكرنا بأن الاستراتيجية الدولية لا تشكل غطاء لما يحدث فقط بل هي أيضا تضع الأفق للتفكير الإعلامي عموما.


ومهمة ميلس على الصعيد الداخلي السوري أخذت موقعها من عدم توازن المعادلة الإعلامية، فالخطاب الإعلامي يسير على نسق واحد، و"الثوابت السياسية" باتت "ثوابت إعلامية" يتم استخدامها في مواجهة حالة استثنائية من التفكير "المستقبلي" القائم على الافتراض فقط.


توابع مهمة ميلس دفعت "الإعلام الافتراضي" إلى احتلال مواقع متقدمة، ليس لأنه يقدم حقائق، بل لأنه كان قادرا على تجاوز العديد من المصطلحات "التائهة" وسط تشكيل إعلامي منظم موجه عمليا نحو الداخل السوري. فـ"الإعلام الافتراضي" تجاوز الاسترخاء في استخدام التراكيب الجاهزة، وقفز على اعتبارات الإجابة التي يمكن استخدامها في كل مناسبة .. لكن هذا الإعلام لم يكن يتوقع أن "الحراك السياسي" يسير أيضا على نفس السياق ... وربما لأول مرة نجد نشطاء سياسيين يتحركون على السياق الإعلامي بدلا من أن يحركوه ...


هذا الهوس اليوم بالتوقعات مدفوعا باتجاهات دولية واضحة، لكنه في الداخل السوري، وعلى الأخص في رؤية "النشطاء" ليس مفهوما لأنه يعتمد على "السبق السياسي" وعلى نفس مفهوم "السبق الصحفي". وإذا كنا نشهد اليوم حركة إعلامية غير مسبوقة، فإننا أيضا نتعامل مع سابقة سياسية ستجد نفسها مستقبلا في العراء، لأنها بدلا من التفكير في الأزمة تحاول القفز معها نحو الاستنتاجات. فما كان متوقعا من أن يصبح الخطر تجاه سورية محطة اجتماعية لصياغة تفكير جديد، سقط مع الرغبة في التعامل "البراق" ضمن آلية لا تملك سوى توصيف الحالة الراهنة بدلا من التفكير بصياغة آفاق الخروج منها.


ربما نكرر زمن الشعارات بصيغة "افتراضية" ... فالتسابق اليوم ليس على صياغة الشعار بل على بريق المانشيت الإعلامي الذي يغذي الغرور الداخلي بأننا قادرون على التنبؤ ....



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024