إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الغرب يريد تهجير المسيحيين وتقسيماً جديداً..أما نحن! ؟

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2011-05-13

إقرأ ايضاً


مع بداية القرن الماضي اعتمد الغرب استراتيجية تقسيم المنطقة العربية لاصطناع الدول الواهنة،ما ادى الى تهميش الأمة واستلاب إرادتها، في المقابل قامت ثقافة الوحدة وتحرير الإرادة العربية من السيطرة الاجنبية لاستعادة الموقع وتعود اليوم مجددا محاولة تقسيم المقسم.حيث وضعت الخطط للتنفيذ وللأسف بمشاركة او مساهمة حتى، واحياناً بطلب عربي، وكأن العرب لم يتعظوا مما جرى مع الشريف حسين والحلفاء الغربيين في مطلع القرن الماضي حيث استعان بهم «لتحرير البلاد من العثمانيين «، فآلت بلادهم الى حكم المستعمر، الذي جزّأها كما اراد، ثم اقام عليها حراساً لمصالحه بوظيفة حاكم.

والآن، وبعد إنجاز تقسيم السودان الى دولتين، وإرساء واقع تقسيمي في العراق يقود الى وجود دول ثلاث، يتوجه المخطط الغربي الى ليبيا فينشئ بيئة امنية وسياسية ستقود على الاغلب الى تقسيم الدولة الى دولتين، اما اليمن فإنه ما زال يتقلب في عدم استقرار يحتمل مخاطر التقسيم الى ثلاث دول ايضا. وفي مصر يرد الغرب على نجاح شعبها في اطاحة الحاكم العميل للغرب ساعياً لاقامة نظام وطني، فيرد عليه بتحريك الفتنة الطائفية لتوفير البيئة التي تقود الى حكم البلاد من قبل فئات تعمل تحت عنوان اسلامي، ويكون من شأنها الضغط لتهجير المسيحيين، او توفير بيئة تهيّئ لتقسيم البلاد. لكن الادهى من كل ذلك هو ما ما حبك لسورية من خطة لا تستهدف وحدتها فقط بل تستهدف تركيبها الديمغرافي ايضا، ونحن نعلم ان سورية في فسيفسائها تكاد تكون الشرق الاوسط المصغر الجامع لكل الاعراق الشرقية والاديان، سورية التي استطاعت ان ترسي نظاماً علمانيا يمنع رسم الخنادق او الخطوط بين تلك المكونات، كما انها عرفت طريق مواجهة الفكر التقسيمي باعتماد ثقافة الوحدة ونهج التحالفات الاستراتيجية الاقليمية والعلاقات الدولية التي توفر لها القوة اللازمة للصمود والممانعة.


لقد استفاد الغرب من فرص اتاحتها له الحركة الشعبية المطلبية التي خرجت الى الشوارع العربية منادية بالاصلاح - والاصلاح في الاساس حق لكل شعب بان تكون له حقوقه كانسان ومواطن - وتعامل معها كل حسب ظرفها والمرحلة التي وصلت اليها، فاراد احتواء ما افلت من يده كما فعل في تونس ومصر وسحق ما يمكن سحقه كما فعل في البحرين، ثم تسلل الى حركات خجولة لتطويرها الى حركات مسلحة يعول عليها من اجل وضع اليد على البلد تقسيما او تهجيرا او مصادرة قرار كما هي الحال في سورية التي شهدت في شهر واحد ما لم تعرفه في تاريخها، من وحشية اجرامية وصلت الى حد قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث بشكل يذكر بعصابات الهاغانا الصهيونية في فلسطين.

يجري ذلك، وكاد ان يمر دون ان تفضح الخطط والمؤمرات بشكل يجهضها، مع ان في العرب من المفكرين والباحثين من يوثق بعلمهم وفكرهم وقدراتهم على تبيان الخطة الاجنبية لتقسيم بلدانهم وتفتيتها وتهجير بعض اهلها، والأكثر غرابة أننا نجد بعض هؤلاء ينظرون لحق الفئة وحق الطائفة وحق المنطقة، وينسون حق الامة الذي هو في الأساس، فاذا كان للفرد حق نقر به جميعا ويجب ان يتمتع به كانسان ومواطن، فان للامة معه الحق بوحدتها وكرامتها وسيادتها ولا يكون ممكنا للفرد ان يتمتع بحقوقه ان لم تكن امته مالكة لتلك الحقوق، فلا فرد سيداً في امة فاقدة السيادة، ولا مواطن حر في امة مسلوبة الحرية. وهنا نصل الى بيت القصيد ونسال اولئك الذين يذهبون الى المستعمر مطالبين بالحرية، فيدعونه للعودة اليهم واحتلال بلدانهم، اذ لا يمكن ان نفهم كيف ان الحلف الاطلسي سيحرر الانسان الليبي مثلاً، ولا يمكن ان نفهم كيف ان بريطانيا التي كانت العقل المدبر لمآسي العرب منذ مطلع القرن العشرين (معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور)، هي نفسها التي يستعان بها اليوم عبر الفرع السادس للمخابرات البريطانية، لتحصيل حقوق السوريين من دولتهم. من هنا نرى ان اخطر ما في الهجوم الغربي الجديد هو ما يستهدف سورية، التي اظهرت دراسات غربية اخيرة ان نظامها القائم يشكل اعاقة للمشروع الغربي بسبب قوته المستمدة من اعتماده المصلحة القومية اولوية عليا وعقد التحالفات الاستراتيجية لتحقيقه، والتزامه بمواطنية الدرجة الواحدة من غير تمييز بين الطوائف والاعراق، واخذه بعلمانية منفتحة على العصر تستفيد من ثورته العلميه. انه هجوم يرمي الى تقسيم سورية اعراقاً وطوائف تتناحر، واقامة حكام على «الدويلات الناشئة» يحرسون المصالح الغربية ويحكمون بذهنية الجاهلية والفكر المتحجر المتنكر للعصر المشوه للدين.

يريدونه تقسيماً يترافق مع اقتتال للتهجير على اساس طائفي وعرقي يصلح الخطأ الفرنسي الذي ابقى سورية قائمة على مساحة واسعة تمنحها الموقع الاستراتيجي المتوسط بين دول المشرق العربي حاضنة كل الطوائف والاعراق مقدمة المثل النقيض لـ»اسرائيل» – الدولة العنصرية – ومن هنا تبدو اهمية ما تحقق في سورية في مواجهة الخطة التدميرية التهجيرية التفتيتية، اهمية تجاوزسورية في مفاعيل الانجاز ليصل الى كل العرب والمنطقة بعد ان اجتازت سورية ازمتها او تكاد.

وهنا نرى كم كانت الكارثة ستكون كبيرة لو نجحت الخطة في سورية؟ انها كارثة تعادل في رأينا كارثة تقسيم فلسطين التي ما زلنا نعاني منها ان لم تكن اخطر وهي تفوق حتماً مأساة احتلال العراق، كارثة تؤدي الى انشاء الدول الطائفية الواهنة التي تبرر عنصرية «اسرائيل» عبر كيانات متحجرة طائفيا او عرقياً على غرار مشيخات الخليج وممالكه واماراته الكرتونية التي يدير شؤونها موظف بسيط في سفارة غربية، ولكان الامر انعكس في لبنان اثرا سلبياً على بنيته وواقع المسيحيين فيه، كما حصل لهم من تهجير في العراق، وهنا نرى قصر النظر او السقوط لدى من حالف الغرب وسهل له خططه في لبنان او في الشرق، خاصة من المسيحيين الذين يعملون ضد انفسهم بعكس من عرف الخطر واتجه الى دفعه بتحالفات تجذره في ارضه وتفتحه على محيطه.

نعم الخطة فشلت وتبقى حماية الانجاز، حماية نراها مسؤولية الجميع: في سورية متابعة ضبط الامن والسير في الاصلاح، وخارجها احتضان الانجاز مع مزيد من الوعي لاجهاض المكائد، حتى لا تمر خطة التقسيم الجديدة على اساس عرقي وطائفي، كما مرت القديمة على اساس جغرافي واقليمي، تقسيم لن يكون الا لحماية اسرائيل خدمة للمشروع الغربي على حساب الدم العربي والتاريخ والجغرافيا في المنطقة.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024