إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الجامعة العربية لمن ؟....و لماذا ؟

العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

نسخة للطباعة 2011-09-16

إقرأ ايضاً


عندما اوحت "بريطانيا العظمى" للدول العربية التي ُصنعت "مستقلة شكلياً "بعد الحرب العالمية الثانية بإنشاء منظمة سياسية تجمع هذه الدول، ظن البعض من البسطاء وحسني النية أن بريطانيا تغار على مصالح العرب، ونسوا أنها هي "التي أطلقت في العام 1917 وعد بلفور لليهود الصهاينة بأن تكون فلسطين وطناً قومياً لهم، وهي التي كانت في العام 1916 قد أبرمت اتفاق تقاسم الشرق مع فرنسا فخدعت بذلك الشريف حسين مطلق" الثورة العربية الكبرى "في وجه تركيا العثمانية التي حكمت بلاد العرب لنيف واربعة عقود، وجعلته يعمل معها ضد العثمانيين في الحرب الاولى، وظن البسطاء ان بريطانيا الاستعمارية تستدرك الموقف في العام 1945 وتعوض للعرب ما تسببت باهداره من سبل الوحدة، فقدَّمت لهم نموذجا يؤطرون قواهم به على طريق الوحدة سُمِّي "جامعة الدول العربية".

وفي المسار التاريخي للجامعة العربية منذ انشائها، كانت هذه الجامعة وبكل اجهزتها، بدءاً من مؤسسة القمة الى المجالس والفروع والهيئات، (باستثناء المرحلة الناصرية) لا تقدم الى العرب الا ما يحملهم على القنوط واليأس والاستسلام امام اي خطر خارجي، ففي اول تجربة لها ارسلت جيش الانقاذ الى فلسطين لينقذها من الصهيونية فأديرت المعركة بما انقذ مشروع الدولة الصهيونية وأضاع فلسطين، كما أضاع حتى فرصة اقامة الدولة الفلسطنية بمقتضى القرار 181 ( دولة فلسطين التي يلهث الجميع من اجلها لاقامتها على مساحة لا تتعدى 40% مما كان متيسراً في العام 1948، وعلى مساحة تقل عن 22% من ارض فلسطين التاريخية)، وفي ايامنا الحاضرة كان للجامعة العربية موقف لا يقل سوءاً عن تاريخها، حيث قررت وبكل وقاحة وتفلت من حس قومي، ان تقدم ليبيا الى حلف الاطلسي ليستعمرها ويتقاسمها بحجة تخليصها من طاغية من طغاة العصر (معمر االقذافي)، وهي بدل ان تشكل الجيش العربي الذي يذهب لينقذ ليبيا من طاغيتها ويحفظ سيادتها ويعيد الامن اليها ويرسي بأي سبيل حلاً يعيد الى الشعب اللبيبي حقوقه (حقوق الانسان والمواطن) ويحفظ للدولة كرامتها ووحدتها وثرواتها، اقدمت على تسليمها إلى الغرب ليدمرها ويعيد صياغتها كما يناسب مصالحه.

واليوم، وفي الاجتماع الاخير لمجلس الوزراء العرب، ظهرت بشكل نافر طبيعة الجامعة ضد المصلحة العربية، من خلال موقفها الاخير من ملفين اثنين : البحرين وسورية:

1) في الأول، دعمت الجامعة ملك البحرين في سعيه لفرض الامن في البلاد دون الحديث عن اي شأن آخر يتعلق بصرخات الشعب البحراني الذي خرج الى الشارع مطالباً باقل ما يمكن من حقوق المواطن والانسان، متوسلاً فقط الصوت والتظاهر في الشارع من دون ان يكون له اعلام محلي او اقليمي ينقل صوته، ومن دون ان يشهر سلاحا مهما كان نوعه ابيض او نارياً، واحتفظ بسلمية حركته المطلبية لا يتعدى السلوك الذي تقره كل القوانيين والشرائع، ورد عليه النظام بالنار والدمار والاعتقال والسجن والطرد من العمل وسحب رخص ممارسة المهن، وهو يستمر ممارساً ضده ما لو طال امده لامكن القول بأنه سيكون جريمة ضد الانسانية تتمثل في الابادة الجماعية، وهنا تأتي الجامعة العربية لتشد على يد الملك الذي استعان بجيوش دول مجلس التعاون الخليجي (قوى درع الجزيرة) لسحق الحركة المطلبية السلمية تلك والتنكيل بالشعب الاعزل الذي لم يقتل موظفا او رجل امن طيلة مسيرته الاحتجاجية،موقف يشكل دعماً للجريمة وتشجيعاً عليها.

2) اما في الملف الثاني حيث نرى بوضوح كلي ان بعض المناطق في سورية تحولت من قبل الجماعات الداخلية المحتضنة من دول عربية واقليمية ودولية مسرحاً للعنف والإرهاب ضد المواطن وضد الدولة السورية بكل اجهزتها ومؤسساتها المدنية والعسكرية، وان القتل يجري على يد تلك الجماعات المسلحة بدم بارد، وتستمر محاولات تقطيع اوصال البلاد وتجزئتها وتقسيمها شراذم ومناطق متناحرة، وفيما الدولة السورية تصدَّت للأمر على خطين: اصلاحي تستجيب به الى مطالب الشعب العامل من اجل بلاده، وامني لتحفظ امن الشعب في مواجهة حركة العصيان المسلح والارهاب التخريبي، كان على الجامعة العربية ان تتخذ قراراً يقوم على دعم الدولة والشعب السوري عبر :

- الطلب من بعض الدول العربية التوقّف فوراً عن دعم الارهاب على الأرض السورية بالمال والسلاح والاعلام.

- التأييد للمسعى الرسمي السوري في الامن والاصلاح.

- الرفض والاستنكار للتدخل الاجنبي في سورية،

- ادانة الاعمال الارهابية والدعوة إلى وقفها فورا.

- عرض مساعدة شريفة لدفع الحوار الوطني الداخلي في سورية لتحقيق الاصلاح المنشود باقصر المهل واقل معاناة ممكنة.

بدل كل ذلك اتخذت الجامعة وخلافا لميثاقها موقفا يشجع الجريمة والقتل والارهاب في سورية على ايدي مخربين خارجين عن القانون وطلبت من الدولة السورية بكل بساطة ان تتوقف هي عن حفظ امن الوطن واتاحة الفرص للارهاب بأن يستشري، كما طلبت من اكثرية الشعب السوري الخضوع لمطالب الاقلية المرتهنة الى الخارج (كما طالب كاميرون) حتى يرفع العلم "الاسرائيلي" في دمشق بعد استسلامها.

اما في ملاحظة اخرى فقد كان مذهلاً ان تستضيف الجامعة رئيس وزراء تركيا اردوغان ليهدد سورية من على منبرها ويوجه الدروس الى العرب مجتمعين ويحضر اذهانهم لتقبل عودة العثمانية بحلة جديدة لتحكمهم، وفي نفس الوقت تهاجم الجامعة ايران وتحذر من خطرها المزعوم على العرب رغم ما تقوم به من عمل خدمة للقضية العربية الاولى، وهكذا يعطى منبر الجامعة لحليف "اسرائيل" الاستراتيجي في المنطقة وتهاجم الجامعة وتندد بالحليف الاستراتيجي للعرب في قضية فلسطين وسواها.

هذه هي الجامعة العربية اليوم، كما كانت بالامس ايضا ( باستثناء المرحلة الناصرية خلال الستينيات) اداة تمرير المشاريع الغربية على العرب، واطاراً يجهض سعيهم الى الوحدة الحقيقية، جامعة انشئت بفكر غربي بريطاني، ويجني الغرب اليوم ثمار ما زرع، فيتحكم بالجامعة عبر دول – اكذوبة من ممالك وامارات ومشيخات، زرع هو حكامها اصلا ليكونوا حراسا لمصالحه عندنا، جامعة تتخذ مظلة وجسراً للتدخل الاجنبي والتسليم للغرب والاستسلام امامه، فكما خدرت الفلسطنيين وتسببت بضياع وطنهم، فانها تخدر شعوبا عربية أخرى من اجل الغرب ايضاً، والاخطر في سلوكها اليوم هو نَفَسُها المذهبي الطائفي الذي يلبي رغبة الغرب في صراع مذهبي واثني في الشرق، فهل ستنجح في مهمتها خاصة في سورية؟

لا اعتقد ان النجاح متيسرلها اليوم فبالرغم من ان اصحاب الشأن فيها نسوا كما يبدو من هي سورية، غير ان الواقع سيفهمهم ان المقاومة ليست بالسلاح فقط، وان مقاومة خططهم خاصة خطة تسليم سورية والمقاومة للغرب لن تنجح، لان في المواجهة رجالاً يعرفون كيف يدافعون عن حقهم وقضيتهم وان لسورية من الحلفاء من سيمنع الجامعة من تحقيق اهدافها بالتسليم واستدعاء الاجنبي ليقسمها ويستعمرها مجدداً، فيما نصر تموز 2006 ينتظر ان يتكرر.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024