إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ثقافة الأزقة وعفن الطوائف

نضال القادري

نسخة للطباعة 2012-05-28

إقرأ ايضاً


تتنقل الأحداث الأمنية اللبنانية من منطقة إلى أخرى، وكأن قدر المواطن في لبنان أن يعيش مرارة هذه الأحداث كسباق البدل الذي يتبادل شارته المتسابقون معلنين انتهاء فصل من المبارزة والمكسب والإنتقال بنا إلى مرحلة أكثر حماسة ودقة في حسم المعركة "الكبرى" وحصد ميداليتها. تأخذ الشعوبية المتخلفة المتسابقين مع كل هزة وعاصفة أمنية في كل مرة يتدخل فيها الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى إلى تهديد السلم الأهلي، والتهويل بقطع الطرقات والمواصلات والمرافق الحيوية للدولة في مكامن نفوذها، ولا يخلو التطاول فيها على المؤسسة العسكرية إلى التهديد والوعيد بشق صفوفها ووحدتها وسحب الثقة الطائفية والمذهبية والحزبية منها. وفي بعض الأحيان، يأتي التطاول على مؤسسة عسكرية ما إلى تثمير المواجهة معها إلى معركة سياسية يحصل فيها المتطاول على جائزة ترضية تعفية مع جمهوره من عبء نتائج المواجهة وتبعاتها، ويصير كل الحدث والفيلم الأمني بعينه قصة مثيرة ومتناقضة بتواترها، ولا تحمل المسؤوليات لأحد، ويصفر عداد الخطايا لمرة أخرى قادمة ومنتظرة.

تنهل الأمم مما فيها من معرفة وقوة، وتحاكي بحضارتها ونتاجها الأمم الاخرى، وما بالك إن كان الإنتاج جافا وهامشيا وضئيلا ولا يعبر في كينونته عن محاصيل الخير والحق والجمال التي تنشدها الأمم الحية الراقية في أهدافها. في لبنان، لماذا لا يكون الهوى كذلك؟ ولماذا لا يكون سباق البدل حضاريا في مشاريع ثقافية وسياسية ونتيجة للتنوع الفكري بين تعدد الأحزاب والجماعات التي تتصارع للأفضل في تظهير صورة الوطن على شاكلتها ومثالها. عندما قال المفكر أنطون سعادة: "إن لبنان هو نطاق ضمان للفكر الحر" لم يكن يقصد حرية كل جماعة وحرية كل طائفة وكذلك حرية كل عائلة وبيت إقطاعي أو متنفذ سياسي أو حزب طاريء على الكيان. فالفكر الحر هو أحد أقانيم القوة في هذا المجتمع، وهو بالأحرى مسؤولية أخلاقية تجاه المصالح العليا في مقاصدها ومراميها، وبالتالي لا يكون المرء حرا ما لم يضمر مصلحة الجماعة في وطن ارتضاه أن يكون منارته وصورته ومثاله. وصورة كل منا يجب أن تعكس الموازنة والموازاة والمساواة في الحقوق والواجبات في الكيان الذي ارتضيناه أن يكون نطاقا للفكر الحر.

إن استشراء حالة الفوضى في الشوارع السياسية والحزبية وبين الجماعات المتصارعة لا يعدو أن يكون إلا نتاجا للفكر الإنقسامي والإنهزامي الذي يفتت ولا يجمع، الذي يضعف ولا يقوي، وكذلك انزياحا عن مباديء العدالة التي تصنف مواطنيها على أساس ديني أو إتني أو مناطقي. وبذلك، تكون الدولة - الكيان قد أدخلتا حقا في سباق الطوائف والمذاهب، وتراهن على موازين القوى الداخلية والخارجية حتى تحرك بوصلة الحسم في أمور تهم مواطنيها على أسس لا متساوية. اللهم اعفنا من عفن الطوائف، ومن النتن الذي يفوح من بين أورامها، ومن الغبن الذي تتقاسمه الأحجام الكبيرة مع الأصغر منها حجما ونفوذا بالتراضي والمحاصصة. الحرية ليست هبة يقدمها المهرج الكبير للمهرج الصغير على مسرح هذا الوطن، إنها صراع وتقدم حضاري، وغنى أخلاقي ومعرفي، ونتاج ثقافة واعية لمصيرها، تسير نحو أهدافها ونهضتها بعزم وإرادة وخطى ثابتة، ولا تساير أكثرية أو أقلية في مكان ما، ولا ينفع في حسم أحداثها الصغرى والكبرى النأي بالنفس لأن الحياة كما أعرفها "وقفة عز فقط"، فمتى أوان العز في بلادي؟!


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024