بعيداً عن بازار التصريحات والإطلالات الإعلامية للجنود الأسرى السابقين، وردود الفعل الشعبية المنتقدة أو المؤيدة لما تضمّنه كلام بعض عناصر الشرطة الذين خرجوا من سجون جبهة «النصرة» في متاهات جبال القلمون وأوديتها، أتت عملية التبادل في الشكل، والتي تحمل في الجوهر تسوية أولية تمهّد لانسحاب جبهة «النصرة» تدريجياً من جبال القلمون، مع اقتراب نضوج الظروف المحلية المحيطة بالقلمون السوري في حي الوعر بحمص، حيث بدأت معالم تسوية تتضمّن انسحاب المسلحين من داخله بالطريقة نفسها التي تمّ بها انسحاب المسلحين من أحياء حمص القديمة، ما يفقد مسلحي القلمون أيّ أمل بالتواصل مع حمص وريفها، فضلاً عن اقتراب الحلّ النهائي في الزبداني مع التطورات العسكرية في ريف حلب الجنوبي القريب من الفوعة، حيث يتقدّم الجيش السوري بشكل بطيء نسبياً ولكن بثبات، ومع التقدّم الذي يُحرزه الجيش في ريف دمشق خصوصاً. كلها عوامل زادت في عزلة مسلحي جبهة «النصرة» في جرود عرسال والقلمون، وجعلت قادتهم يفكرون بطريقة أكثر تواضعاً وبراغماتية في التعاطي مع قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين، ومع الوضع في كلّ وديان القلمون التي يتمركزون في متاهاتها من وادي حميد في عرسال حتى مشاريع العنب على السفوح الشرقية لمنطقة القاع المحاذية لمعبر جوسية بين لبنان وسورية.
اتفاق التسوية هذا شمل الميدان والأمن أساساً، حيث تكمن مصلحة الجانب اللبناني الرسمي واستراتيجية حزب الله في النقاط التالية:
1 ـ تجنيب مناطق البقاع الشمالي فصلاً من المواجهات الدامية في جبال القلمون التي أصبحت منطقة ساقطة عسكرياً بفعل حصار المجموعات المسلحة بداخلها في الوديان وخارج المناطق الحضرية المأهولة، وبعيداً عن طرق الإمداد والتواصل الحيوية في لبنان وسورية.
2 ـ عدم استنزاف المقاومة والجيش في تلال القلمون ووديانه.
3 ـ فتح باب التواصل مع أمير جبهة «النصرة» في لبنان مصطفى الحجيري أبو طاقية في محاولة لتنفيذ تسوية أو مصالحة على طريقة تسويات حمص وقدسيا والزبداني تنتهي بانتقال مسلحي «النصرة» من القلمون إلى الشمال السوري.
4 ـ من أهداف الهدنة والمعبر الآمن بين عرسال ومناطق تواجد مسلحي «النصرة» عدم دفع الأخيرين إلى أحضان تنظيم «داعش» المتواجدة على بعد ثلاثين كلم في ريف حمص الشرقي.
5 ـ تعتبر المقاومة والجيش السوري أنّ معارك جنوب حلب وريف اللاذقية أكثر أهمية حالياً.
6 ـ إرادة حزب الله في إعادة التواصل مع عرسال وأهلها… ويظهر هذا التوجه في تواجد الكثير من فاعليات عرسال العائلية والاقتصادية في منطقة القاع ومشاريعها، حيث للمقاومة نفوذ كبير.
في المقابل أتت شروط «النصرة» المتواضعة في عملية التبادل خلاصة تشير إلى مصلحة قادة «النصرة» في جرود عرسال والقلمون بتسوية مرحلية، وذلك للأسباب التالية:
أ ـ تخفيف الضغط عن المسلحين بسبب اقتراب فصل الشتاء.
ب ـ يرزح مسلحو «النصرة» تحت عبء آلاف اللاجئين من عائلاتهم في مناطق تواجدهم في وديان عرسال والقلمون، وتأتي هذه التسوية لتزيل عنهم هذا العبء.
ج ـ ينقل بعض فاعليات عرسال عن مصطفى الحجيري وأبي مالك التلي اعترافهما بالهزيمة من زاويتها الاستراتيجية، ويُنقل أيضاً عنهما أنّ القتال منذ أكثر من سنة هو للبقاء على قيد الحياة.
هـ ـ تنقل مصادر موثوقة في البقاع الشمالي وجود اتفاق يقضي بتعاون قادة «النصرة» في القلمون لمنع إرسال انتحاريين إلى الداخل اللبناني.
|