إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الموات الأدونيسي

نجيب نصير

نسخة للطباعة 2010-10-24

إقرأ ايضاً


لما تزل المقابلة التي تنشرها جريدة الوطن الدمشقية أسبوعيا مع أدونيس، لما تزل تلقى ذلك الصدى والتأثير وربما الانفعال عن تعقل أو تهور بما يدليه أدونيس من أراء وأفكار، ولعل أكثر التصريحات إثارة هي تلك التي تتعلق بمسألة توقف أدونيس عن كتابة الشعر بشكل إرادي أو اختياري ومع أن هذا التصريح أثار شماتة البعض عن تهور ورعونة، إلا أن موقف الصف المقابل لم يكن أحسن من الشماتة بشيء، فهاهم يندبون وينثرون الرماد على الرؤوس لفقدانهم شيخهم أو شيخ طريقتهم أو قبيلتهم ، ليذروا عناء أدونيس نفسه في الريح، فهم يكابدون الآن من موت الأب وقسوة اليتم فمن بعد أدونيس لا شعراء، بينما الشامتون يقولون أن أدونيس ليس بشاعر أصلا ...فما الفرق بين الموقفين؟...ربما كان موقف الأيتام هؤلاء هو ما أسس إلى رفضه شاعر التجدد أو شاعر رفض المسلمات حيث لا أبوة ولا رعاية ولا مراعاة في الشأن الشعري وعلى الشاعر أن يتسلق جباله بنفسه، وهنا تبدو المفارقة، فأدونيس لم يكن ليريد مريدين ولا أتباع لتكتمل دائرة حضوره على نفسها ولنفسها، بل أراد مشاركين من ذرية العقل يرتقون بالإنتاج الإبداعي متحملين مسؤولية الإبداع وهنا سر الصنع الأدونيسية أي مسؤولية المغامرة، فإذا كانت أبوابك للمعرفة العقلانية مشرعة، فالمغامرة تصبح واجبة، لا محسوبة ولا متهورة لأنك المسؤول عنها، تبعا لسعة معرفتك وليس لمجرد علمك واستظهارك لمعلوماتك، فالمعرفة مسألة عملية تزج في حطب النار العظيمة وليست مجرد محفوظات نتكئ عليها للتباهي بحفظ الأسمى من التعاليم .

من هنا يأتي البكاء أو التباكي أو الشماتة على مغادرة أدونيس الشاعر عالم القصيدة بإرادته مختارا فهو الحامل لمسؤولية المغامرة التي نجبن على تحملها، فما هو ليس موجودا أو لم يعد موجودا وهذان سيان بالنظر إلى المسؤولية الإبداعية التي يمكن اعتبارها المطهر الذي تعتبره الثقافات للوصول إلى الغايات.

ربما اكتشفنا في هذا (الموات) أن أسم أدونيس ليس اختيارا إعلانيا أو تسويقيا أو أيديولوجيا بقدر ما هو عنوان لمفهوم التجدد، أو تواصل الأجيال في المغامرة الإبداعية ومسؤوليتها، حيث تتجاوز الأدونيسية (كمفهوم تراثي) الخصب أو التوالد النمطي، إلى ترويض الطفرات لتصبح سياقا إنتاجيا متصارعا أو لنغادر لغة الدراما لنقول متفاعلا أو ديالكتيكيا لتبدو المسؤولية مسألة خطيرة لا يقوى عليها إلا من كان أدونيسيا بمعنى الطفرة الأنفة، ومن هنا أيضا يبدو البكاء والتباكي كتخفف واع من المسؤولية يدعي عدم الانتباه أو الغرق بالحزن والفقد والشماتة.

لايوجد موات بالمعنى الأدونيسي الحداثي، ولا انتقال بالمعنى الأدونيسي التراثي، بل هناك عمل معرفي مستمر قادر على الاكتشاف والمغامرة ومسؤوليتيهما .

المصدر : سورية الغد


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024