إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

البلبل الذي لن يُسْكِتَ شدْوَهُ الموت.. زكي ناصيف

ليلى زيدان عبد الخالق - البناء

نسخة للطباعة 2011-03-14

إقرأ ايضاً


سبع سنوات مضت على رحيله، سبع سنوات لم تقو حتى الآن على محو إرثه من ذاكرة اللبنايين والشعوب العربية وحتى من العالم، هو البلبل الشادي، صاحب الصوت الذي لم يتعب يوماً مع تقدم العمر، رائد الاغنية القصيرة الحديثة الجميلة وليست الهابطة، والتي كلما «هبطت» أصوات النشاز في هذا العالم ارتفعت هي وارتقت لتبقى وتخلد مع الزمن.

زكي ناصيف في ذكراه السابعة، يجدد خلوده في النفوس، وفي العقول، وفي أفئدة تفتقده يوماً بعد يوم، هو الاصيل، الذي جسّد الريف بكل جماليته وطبيعته، بأغانٍ وأهازيج، هو «القومي» الذي قدّم الثورة لحناً، والالتزام جملاً موسيقية، والشهادة تقاسيم رائعة على مذبح الوطن.

ويبقى زكي ناصيف الملتزم منارة لكل الوطن، واشعاعاً لكل العالم، ومدرسة نتعلم فيها أصول الموسيقى، وأصول الوطنية، كما نتعلم فيها سر الخلود، حيث يحيا العظيم في ذاكرة الوطن، فيبقى فيها و لا يبارحها، فهل ينسى العرزال طلات القمر فوق الغيوم.

الولادة والنشأة

وُلد في بلدة مشغرة في البقاع الغربي في الرابع من تموز علم 1915، ولما كانت أسرته تقيم بداعي العمل في عين الرمانة، نشأ زكي ناصيف وسط هذه المنطقة القريبة من بيروت. تلقى العلم في البداية في مدرسة في الحي حيث تعلّم ما تيسر من قراءة وكتابة، ثم انتقل عام 1928 الى مدرسة المخلّص ليتابع تعليمه فيها لمدة خمس سنوات، مال الى الموسيقى والغناء منذ ان كان صغيراً، بعدما تأثر بوالدته التي كانت تملك صوتاً حنوناً وتردد على مسمعه الدلعونا والعتابا ونغمات الدبكة، ما ساعده على التعلق بالغناء والموسيقى... ثم التحق بعدها بالمعهد العلماني المعروف باسم «اللاييك»، وفي عام 1936 دخل زكي ناصيف معهد الموسيقى في الجامعة الأميركية، فدرس العزف على آلة البيانو والفيولونسيل، كما تابع دراسته الموسيقية على يد الموسيقار برتراند روبيير الذي علّمه كتابة النوتة وفن التأليف والهارموني.

لم يكن في لبنان في ذلك الزمان موسيقى واغانٍ لبنانية مميزة، بل كانت هناك ألوان من الزجل والعتابا والميجانا وأبو الزلف، يرددها الناس في لياليهم وفي أفراحهم وسهراتهم. كانت اللهجة المصرية هي السائدة في مجال الغناء ثم انتشرت الأغنية المصرية في كل مكان، لاسيما مع بزوغ فجر محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، اللذين أحبهما زكي ناصيف كثيراً. وهو لم يتعاطَ الموسيقى في بادىء الأمر الا هاوياً، فكان يعمل مع والده وإخوته، ولكن بعد ان ساءت الاحوال الاقتصادية في البلاد، اضطر الى احتراف الفن ، فالتحق باذاعة الشرق الادنى يلحن ويغني، وأولى أغنياته كانت من كلمات «محمد يوسف حمود»، مدتها عشر دقائق ومطلعها:

كيف انساكِ وفي عيني وبالي صورة انتِ على رحب الخيال

انطلاقته الفنية

بدأ زكي ناصيف عمله الموسيقي في الإذاعة اللبنانية غناءً وتلحيناً ثم استكملها في إذاعة الشرق الأدنى التي كانت تساهم بشكل او بآخر في تنشيط الأغاني الفولكلورية الجديدة ويشرف عليها المخرج صبري الشريف الذي تحلق حوله في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بعض هواة الفن الغنائي الشعبي، ومنهم من أصبح في الصدارة كالأخوين رحباني وتوفيق الباشا وفيلمون وهبي وزكي ناصيف نفسه... وكان لهم الأثر الأبرز في تنشيط الفن الأصيل السائد لبنانياً وعربياً.

احترف زكي ناصيف الغناء والتلحين متأخراً، لأنه كان يعتبر ذلك هواية أكثر منه احترافاً وكان ذلك في إذاعة الشرق الأدنى عام 1953 حيث استمر نشاطه مقتصراً على تلك الإذاعة الى ان توقفت عن البث عام 1956 على أثر العدوان الثلاثي على مصر فانتقل نشاطه الى الإذاعة اللبنانية في عهد مديرها «حسن الحسن».

ويقول: «جئت الى الموسيقى من الترنيم الكنسي... كان ذلك شيئاً طبيعياً، فقد كانت شقيقتاي تتعلمان في مدرسة راهبات القديس يوسف... وكانت هذه الألحان تجعل العقل «يدوخ» فكيف اذا كان المستمع هو أنا، ذاك الطفل الحساس العاشق للموسيقى والمحب للنغم والترانيم والألحان، فتكوين الموسيقى زاد ونما في مدرسة المخلّص، حيث كانت هناك جوقة تمارس الترنيم في الكنيسة وكنت أحد أعضائها وكان لي شأن هام في تلك الجوقة بحيث كنت أتفرد ببعض المقاطع التي تحتاج الى حدث له ميزته وجوّه...».

أما انطلاقة زكي ناصيف الفنية الحقيقية، فكانت مع مهرجانات بعلبك سنة 1957 وكذلك مع فرقة الأنوار التي أطلقها المرحوم سعيد فريحة سنة 1960، والتي طارت بالفولكلور اللبناني الى البلاد العربية ودول الإغتراب، حيث ظلّت تقدمه في عروض كثيرة لاحقة على خشبات مسارح قبرص وباريس وفيينا وفرانكفورت...

... لم يحِد زكي ناصيف خلال هذه المرحلة الفنية عن هاجس الفولكلور اللبناني الذي يراه غنياً، ويحمل في طياته قدرات وطاقات مهمة يمكن ان تستخدم في سبيل عمل موسيقي كبير... وكذلك الأمر فإنه يجد في هذا الفولكلور مؤهلات تجعله قابلاً للتطور ومماشاة العصر ولا سيما من الناحية الأوركسترالية، فقد أدخل نوعاً جديداً على الغناء وهو غناء الكورس بعدما كان الغناء مقتصراً فقط على الفرد، ثم انطلق ينظم الأغاني ويلحنها ويطعّمها بالعتابا والروح الفولكلورية، يغنيها حاملاً في قلبه أفراح الناس وتطلعاتهم وأحلامهم، ومهما كان وصار يبقى تراث لبنان الأصيل في بال زكي ناصيف دائماً.

زكي ناصيف.. شيخ الفولكلور

زكي ناصيف من رواد الفن القائم على الإرث الفولكلوري وخاصة في الغناء والرقص والدبكة، علماً ان الفولكلور في لبنان لا ينفصل في الغالب عن الريف والجبل والحكايات الشعبية، وما فعله زكي ناصيف هو انه أضاف أشكالاً جديدة في الفن الفولكلوري تقترب من الحداثة والتطور، فضلاً عن أنه تميز بموهبة شعرية مرهفة، فكتب معظم الأغاني التي لحنها، والتي امتازت بالإحساس العميق والشفافية والنكهة اللبنانية، واذا كان الرحابنة قد أبدعوا في استعمال مكنونات فولكلور أهل الجبل لقربهم من الإجتماع الريفي في جبل لبنان، فإن زكي ناصيف كان قريباً من فولكلور اهل السهل وتجاربه وهو المولود في بلدة مشغرة البقاعية قبل ان يأتي الى بيروت عام 1920 ويقطن فيها الى حين وفاته. ولا شك في ان لزكي ناصيف نظرته الخاصة في تفسيره ثقافة الفولكلور، فهو في اكثر من مناسبة كشف ان:»كلمة الدلعونا لا تعني الدلع لا في لفظها ولا في معناها على ما كان شائعاً، بل هي مستمدة من «العونة»، كلما الناس أرادوا التعاون فيما بينهم لإنجاز عمل لأحدهم كتشييد بيت او في مواسم القطاف وهذا هو مصدر كلمة «العونة». فهو يتذكر أنه في صباه كان يسمع الناس يتنادون قائلين «العونة العونة» كلما أرادوا التعاون فيما بينهم لإنجاز عمل ما، وكانوا يعقدون حلقات الدبكة فيما بينهم مغنين «على العونة»، ومع الزمن دعمت هذه الكلمة فأصبحت على دلعونا». وهكذا وجد ناصيف في الدلعونا والفولكلور ركيزة لفنه... مساهماً في إطلاق الكثير من الأغاني الشعبية.

زكي ناصيف والعقيدة القومية

انتمى الرفيق زكي شاكر ناصيف الى الحزب عام 1943 . كان قد سبقه الى الانتماء شقيقه شفيق، منفذ عام البقاع الغربي ورئيس بلدية مشغرة . لحن النشيد الرسمي للحزب واعتمده سعاده. كما لحن نشيد موطني يا توأم التاريخ للشاعر محمد يوسف حمود ونشيد الأشبال للشاعر غسان مطر. ويقول: «كثيرون من العاملين في المجالات والأنشطة الفنية أنهم كانوا ينتمون الى الحزب السوري القومي الاجتماعي. وأنا مع كثيرين من شبان بلدتي، مشغرة، وكذلك أخي، انتمينا الى هذا الحزب، وكنت في الاربعين من عمري; اي ان انتمائي العقائدي صدر عن نضج وثبات في الاختيار، لا عن هوى شبابي. انتميت الى العقيدة القومية في الخمسينات حينما كانت هذه العقيدة قبلة انظار المتعلمين من ابناء الريف، وما زلت ثابت الايمان بها. فالانتماء القومي ليس انتماءً عابراً، بل يستمر العمر كله. ثم ان بعث التراث الفولكلوري الريفي والجبلي، واستلهامه في الغناء والموسيقى في الخمسينات، كانا من العلامات على طليعية نهضة العقيدة السورية القومية وشيوعها بين الفنانين والمتعلمين آنذاك. فالقومية السورية محورها ارتكز على ابراز اهمية الارض والطبيعة لحياة الجماعة. وهذا ما عمل عليه الافراد الذين اعتنقوا هذه العقيدة. ليست الارض وحدها الهامة، بل الانسان أيضاً في تفاعله مع الارض والطبيعة. فالانسان لا يصير عضواً بنّاءً وفاعلاً في أمته ومجتمعه الا اذا أحس بأهمية الارض وقيمتها المادية والروحية. وبدون هذا الاحساس يظل الانسان هامشياً وضائعاً...».

مهرجانات بعلبك

شكلت مهرجانات بعلبك عام 1955 الإنطلاقة الحقيقية لزكي ناصيف في مجال صناعة أغنيات الدبكة المستمدة من روح الفولكلور... يقول: «عندما بدأنا في مهرجانات بعلبك، كان الأخوان رحباني قد جمعا كل الفولكلور وأعادا تقديمه بشكل جميل، وكان من غير المستحب ان أسير في الخط نفسه، فبحثت عن شيء جديد ووجدت في أهازيج ملحنة ونظمت أغنيات على وزنها... كما أكملت المشوار عام 1959 في الإذاعة اللبنانية وسرعان ما أصبح أتباع هذا الخط عديدين من القدماء والجدد...».

لقد مثلت مهرجانات بعلبك عصر الأغنية اللبنانية الذهبي. ذلك ان هذه المهرجانات أطلقت الأغنية الشعبية الفولكلورية في مداها الرحب فقد سارت بها أشواطاً بعيدة على أيدي كبار الموسيقيين وكان زكي ناصيف هو باعث هذا اللون من الغناء، فكانت له كلمات من نظمه تحمل في حناياها أحلام اللبنانيين وهمومهم في لبنان وبلاد الإغتراب... وفي تلك الليالي البعلبكية، انطلقت أغانيه الذائعة الصيت، التي أعدّ معظمها وعلى رأسها أغنية «طلّوا حبابنا طلّوا»، «لالا عيني يابا لالا»، كما كرست الليالي اللبنانية في بعلبك الألحان الفولكلورية ورفعتها الى مستوى تذوّق فئات كبيرة لها من الجمهور اللبناني والعربي...

قال زكي ناصيف عن اول مهرجان في بعلبك: «بدأ العهد الجديد للموسيقى الفولكلورية في لبنان... لا اعني أنه لم تكن هناك موسيقى فولكلورية قبل بعلبك، لكن المهرجان أعطاها هويتها وشكلها وميزتها... كان هناك إرث فولكلوري فحدّثناه وقولبناه وهذا ما يحدث لكل موسيقى فولكلورية في العالم... وهكذا ولدت أغنية: طلّوا حبابنا طلّوا...».

لقد انطلقت مهرجانات بعلبك عام 1957، بعد ان تمّ في عام 1956 عرض لوحات راقصة في شكل يسمى الصوت والضوء من دون قصة ولا عناصر موسيقى عربية، وكانت لجنة المهرجانات آنذاك مؤلفة من: إيميه كتّانه، سلوى السعيد ومي عريضة.

اذا، عام 1957، كانت فاتحة الإطلالة بـ«عرض فولكلوري» حيث اختارت لجنة المهرجانات تكليف الموسيقار عاصي الرحباني، وكان صبري الشريف قد حمل معه مشاريع كبيرة من إذاعة الشرق الأدنى التي من ضمنها الاهتمام بالموسيقى والغناء الريفيين «الفولكلور»، وكان عاصي الرحباني مهتماً ايضاً وكان يردد دائماً ان ما يميّزنا عن غيرنا من شعوب العالم هو «الفولكلور» وموسيقانا الشعبية، فوضع عاصي ومنصور كل تركيزهما على تبني هذه الألحان الشائعة.

ويضيف الموسيقار زكي ناصيف: «اما أنا فقد اعتمدت الأهازيج التي لا ألحان لها... أخذت منها إيقاعها، على سبيل المثال:

طلوا حبابنا طلوا

استوحيت من لحنها أغنية شعبية تقول:

قام الدب تا يرقص قتّل سبع ثمان أنفس ...».

وقد سارت مهرجانات بعلبك على خطين فنيين أحدهما التزم بجميع الأغاني الفولكلورية والاخر اضطر إزاء هذا الموقف الى انتهاج خط جديد ليس بعيداً عن الفولكلور وكان هذا خط زكي ناصيف الذي بدأت به المهرجانات مع فرقة الأنوار.

العرس وفرقة الأنوار اللبنانية

عام 1959 أبدى سعيد فريحة رغبة في إحياء حفلة في كازينو لبنان على غرار الحفلات اللبنانية لإطلاق جريدة الأنوار، فقال له الأستاذ نزار ميقاتي: «لقد قدمنا عملاً فولكلورياً للمجموعة في بعلبك، فلماذا لا تتبناه وتغطي تكاليفه لأنه يعطي نتائج معنوية جداً». اعجب الأستاذ فريحة بهذا الأمر وتبناه، وفعلاً في خلال شهرين أنجز العمل وقدم في كازينو لبنان تحت عنوان مهرجان الأنوار.

وهكذا، في عام 1960 وبمبادرة من الراحل الكبير سعيد فريحة، نشات فرقة الأنوار التي ضمت عدداً كبيراً من أهل الفن وكان من بينهم زكي ناصيف، فقدمت مهرجانها الأول في كازينو لبنان صيف 1960 وكان موضوع العرض الفولكلوري الراقص وقصته مستمَدّيْن من «عرس القرية»، وهي الفكرة تتسع لكل ما يخطر في البال من أغان ولوحات.

بقي هذا العرس مستمراً لعروض عديدة لاحقاً على خشبات مسارح عالمية، وكان أمير الغناء وديع الصافي «مطرب» العرس في البداية، غير انه انسحب لاحقاً ليصبح «الكورس هو الـ«مطرب»... وقد جاءت موسيقى هذا العرض بمثابة لغة النفس الإنسانية في ظاهرها وباطنها، لغة النفس بجميع ما فيها من عاطفة وفكر انكبّ على واقعه التراثي انكباب المؤمن بجوهرية هذا التراث، فأشرق حكايات تضيء كل قلب في صفائه وكل عقل في فعاليته... إنها حكاية الوطن في مداه الواسع وحكاية الإنسان على أرض وطنه.

وفيما بعد أطلق على الفرقة اسم «فرقة الأنوار» التي قدمت أغنيات راقصة مهمة جداً أبرزها كان «سكتش الحصاد»، والذي أطلقت خلاله أشهر الأغاني مثل:

هللي يا سنابل فوق بيادرنا

دبكة سهرنا حتى قطفنا مواسمنا

ليلتنا من ليالي العمر

زكي ناصيف

والأخوان رحباني

قال زكي ناصيف: «الأخوان رحباني كانا على علاقة جيدة بي... تعاونا في اول مهرجان في بعلبك ثم انفصلنا بناء لرغبة من عاصي الرحباني... وكانت بداية الإنفصال تنفيذاً فنياً لتقديمهما مهرجان «مواسم العز» مع صباح التي كنا اقترحناها لمهرجان فرقة الأنوار... وهذه حكاية تعرفي الى الأخوين رحباني وبدايتي في إذاعتي لبنان والشرق الأدنى:

فإذاعة الشرق الأدنى كانت لها حركة فنية ناشطة على صعيد العالم العربي، وكان الفنانون اللبنانيون يزورونها في يافا في فلسطين وكان الأخوان رحباني قد سبقاني اليها... وحين أتت الإذاعة الى بيروت تعرف مدير قسم الإنتاج صبري الشريف الى الفنانين اللبنانيين الناشئين تباعاً... في اواخر الأربعينيات تعرفت الى الأخوين رحباني بواسطة المرحوم خليل مكنية في انطلياس الذي أطلعني على نشاطهما آنذاك وقد فرحت بهما كثيراً، ثم عادت الأيام فجمعتنا في بداية الخمسينيات في إذاعة الشرق الأدنى ، وكنت أراهما من وقت لآخر حيث كانا يذهبان ليساعدا خليل مكنية في برنامجه في الإذاعة وكنت انا أساعد ايضاً فأعزف على البيانو... وكان الأخوان رحباني على علاقة جيدة بالإذاعة كما كانا يلحنان لها وحين ذهبت انا كانا في البدء يؤلفان ويلحنان أغاني تغنيهما شقيقتهما الكبيرة التي تزوجها عبدالله الخوري إبن الأخطل الصغير امير الشعراء، ثم تعرفا الى فيروز فجعلا كل اهتمامهما بها وصارت تنفذ لهما كل شيء وكانت هذه مرحلة بداية ازدهار أعمالهما... تعرفت الى صبري الشريف كما أخذت أتردد على إذاعة الشرق الأدنى التي كان مقرها في شارع فينيسيا فنلتفي جميعاً هناك... ثم عملنا على تقريب الأغاني الغربية الشائعة ولا سيما الراقصة منها الى العربية وتوزيعها، بعدما طلب صبري من الأخوين رحباني ان يقدما لي حوالى عشر أغاني قصيرة على أنغام عربية راقصة...».

وبعد توقف إذاعة الشرق الأدنى عام 1956 عن العمل، تابع زكي ناصيف مع «عصبة الخمسة»، اي الأخوين رحباني وفيلمون وهبي وتوفيق الباشا وزكي ناصيف- مشروعهم الغنائي بتشجيع من بديع بولس الذي أنشأ استديو لتسجيل الأغاني والألحان وإنتاجها في منطقة سن الفيل وسمّاه استديو الفن.

نهاية مبدع

وافته المنية يوم الخميس 11 آذار 2004 وقد شيع الى مثواه الأخير في مشغره وسط حشد من الرفقاء والمواطنين واهالي المنطقة والمعجبين به، كما حاز على وسام الأرز من رتبة كومندور... غير انه من المضحك المبكي ان نعي انه وبالرغم من عطاءات وإبداعات هذا الإنسان، فلم يكن يملك في أواخر أيامه بيتاً يأويه، بل ان الـ LBC استأجرت له بيتاً كما صرفت عليه حتى مماته، بينما كانت الدولة – وكالعادة- متلهية وممعنة في إهمال العظماء والكبار، مع أنه واحد ممن شكلت الإذاعة اللبنانية ونهضتها وتطورها أحد أكبر همومه.

ذكريات الطفولة

يقول زكي ناصيف عن أيام صباه: «في مرحلة الطفولة كان لدي ميل طبيعي الى الموسيقى حيث كانت تستهويني الألحان والأنغام والتراتيل... لم تكن أجواؤنا العامة حاضنة للموسيقى او حافظة لها سوى بعض الأسطوانات التي كانت تأتي من مصر تحمل معها ما لذّ وطاب من أصوات الكبار كسلامة حجازي وسيد درويش، اللذين أغنيا الأجواء العربية بالأناشيد والمسرحيات الغنائية... هذه الأسطوانات كانت شغلتي وعملتي فتأثرت بصوت سلامة حجازي وحفظت قصائده الغنائية وأغاني سن الطفولة الأمر الذي رسخ تعلقي بالأنغام الشرقية... وفي منتصف العشرينيات ظهرت أصوات عظيمة كأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وقد ظللت أسمع أفلام عبد الوهاب وأغانيه، فيما كانت تتفتح بدايات بذور الفن اللبناني مع نقولا المنى وسامي الصيداوي وسليم الحلو ووديع صبرا ويحيى اللبابيدي ومتري المرّ والأخوين فليفل واسكندر شلفون فضلاً عن فيلمون وهبي الذي برز نجمه في أواخر الأربعينيات وبدأ يلمع... وهنا كانت نقطة الانطلاق، حيث حفظنا انا وأبناء جيلي الكثير من ألحانهم وأغانيهم.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024