إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

وجهة نظر دولتنا الكريمة:كفى ترقيعاً!

ليلى زيدان عبد الخالق - البناء

نسخة للطباعة 2012-01-25

إقرأ ايضاً


ماذا ينتظر أرباب الحكم والسياسة في لبنان بعد كي «ينأوا» بالوطن عن كل المصائب والأهوال التي تحلّ به وبشعبه منذ أوجده المحتل الفرنسي «لبناناً كبيراً» عام 1920؟ وما هي خططهم الناجعة التي يمكن أن تنتقل به من بلدٍ وُلد قيصرياً من رحم مؤامرة «سايكس ـ بيكو»، إلى بلدٍ يمكنه العيش والتقدّم والتطوّر؟

ربما ما مرّ به هذا اللبنان من ويلات لم يكن مدعاةً للاتعاظ لدى دولتنا، وكيف تتعظّ دولةٌ تغتال مفكّريها، وتعدمهم، ومن ثم تعترف بأنهم عظماء، وأن مفاتيح الحل كانت بأيديهم، فحبّذا لو جرى الأخذ بها.

الكلام هنا يدور، وبالفم الملآن حول الزعيم أنطون سعاده، الذي اغتاله النظام اللبناني الطائفي، المرهون لإرادات الغرب منذ أوجده هذا الغرب. فسعاده، المفكّر والفيلسوف، شنّ ثورةً ضدّ مكامن المهالك التي كانت تعصف بالوطن، هو عرف الداء وشخّصه، واكتشف الدواء ووصفه، إلا أن الدولة اللبنانية آنذاك، أي في مطلع القرن الماضي، كانت تستسيغ الداء، الذي يقتل شعبها، ويودي به إلى أتون المجهول والمعارك والاقتتال والتناحر والتناكف والجهل والفقر والهجرة، كما يزيد من ثروات أربابها، ونفوذهم السياسي والاقتصادي والإقطاعي، وكانت أيضاً تبغض الدواء، لأنه يوقف سيل الأموال إلى الجيوب، كما يوقف سيل الدماء التي هي علّة وجودهم ومبرره.

أما اليوم، فيقف سياسيو لبنان وقفة مهيبة أمام سعاده، فريق منهم لا يزال يخاف حتى من أفكاره، خصوصاً دعاة «الفينيقية اللبنانية»، و«الوطن النهائي لجميع أبنائه»، ولا ننسى المنتفعين من سطوة الطوائف على الحكم ونظامه. وفريقٌ ثانٍ يندم على ما اقترفته أيدي الآباء والأجداد، فيسارع إلى القول: «حبّذا لو لم يقتلوه، حبّذا لو لم يقتلوه، لو سمعوا كلامه، وعملوا بأفكاره، حتماً ما كنا لنصل إلى هذه النُّوَب».

أما الفريق الثالث، فلا ينفّك يذكر سعاده في كل مقابلة أو لقاءٍ أو نقاش، معتبراً أنه ـ سعاده ـ كان محقاً في كل ما قاله، وكان على بيّنة بما ستؤول إليه الأوضاع.

لكل هؤلاء نقول: نعم.

نعم لقد كان على بيّنة، وكان على علم بما ستؤدّي إليه الطائفية، وكان على يقين تام أن اقتتالنا على الأرض يفقدنا السماء، وأن اقتتالنا على السماء يفقدنا الأرض والسماء معاً.

نعم لقد عرف سعاده، وعن علمٍِ وبحثٍِ وتوثيقٍ، أن الطائفية هي أمّ العِلل، وأن لبنان لا يمكن له أن يحيا إلا بالإخاء القومي، وأنه حتماً سيفنى بالاقتتال الطائفي.

لو أرادت الدولة اللبنانية اليوم أن تنهض بلبنان فعلاً، فعليها أولاً أن ترمي هذا الدستور الفرنسي المستورد جانباً، وأن تبدأ بتطبيق تعاليم أنطون سعاده حول بناء الدولة، فتفصل عنها الدين، وتمنع رجال الدين من التدخّل في شؤون السياسة والقضاء، وتلغي الحواجز، كلّ الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب، عبر قانون مدني وعصري للأحوال الشخصية، والزواج المدني الاختياري، وأن تنظّم الاقتصاد على أساس الانتاج وإنصاف العمل، لاغيةً كل إقطاع بأي وجهٍ كان، وتحت أي قناعٍ تستّر، وأن تبني جيشاً قويّاً، يكون ذا قدرةٍ فعليّة في تقرير مصير الأمة والوطن.

على الدولة اللبنانية أن تنطلق اليوم وقبل الغد إلى معالجات جذرية للصدأ والاهتراء الذي يعتري مؤسساتها، فتقرّ قانون انتخابات عصريّ، يتمخّض عنه مجلس نيابي يستحق أن يقال عنه «مجلس نوّاب الأمة»، لا مجلس نواب الطوائف.

على الدولة اللبنانية اليوم وقبل أي وقت، أن تصدر قانون تنظيمٍ للأحزاب، تمنع بموجبه تأسيس أي حزبٍ يدعو إلى التفرقة، وتشجّع على قيام أحزابٍ علمانية مدنية، تجمع الناس حول خير البلد، لا حول العداء لأبناء البلد الواحد.

على الدولة اللبنانية اليوم أن تفكّر وبكل جدّية في استثمار موارد البلاد، من زراعةٍ وسياحةٍ وثرواتٍ مائية ونفطية، عوضاً من تشجيع الرساميل الغربية التي تناهشت الاقتصاد اللبناني ودمّرته.

على الدولة اللبنانية اليوم وقبل غدٍ، أن تنطلق إلى ورشة إصلاح جذريّة في النظام، فتقتلع «الضرس المسوّس»، وتكفّ عن تجميله وتلميعه وترقيعه، بينما الألم يكمن في أعماقه وجذوره.

إلى دولتنا الكريمة نقول، هبّي إلى العلاج الجذري.. وكفى ترقيعاً!


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024