وصل أول الصهاريج المُحمَّلة بنفط عراقي بسعر تفضيلي إلى مصفاة البترول الأردنية مطلع الأسبوع، وفق الاتفاق الموقّع عليه أخيراً بين الجارين. ترافق ذلك مع إعلان عمّان تسريع إجراءات مدّ أنبوب نفطي من البصرة إلى العقبة. خطواتٌ لا تبدو بعيدة من إرادة الولايات المتحدة، التي تسعى إلى إبعاد حليفَيها عن سوريا، بتعميق العلاقات بينهما
بعد بضعة أشهر من توقيعها، بدأ سريان مفعول مذكرة التفاهم النفطية بين العراق والأردن، والتي يحصل الأخير بموجبها على نفط خام كركوك، وذلك بمعادلة سعرية مرتبطة بسعر خام برنت، تُحسم منها تكاليف النقل واختلاف المواصفات، في مقابل تسهيلات أردنية للجانب العراقي متمثلة بتخفيض الضرائب والرسوم على السلع العراقية الواردة إلى ميناء العقبة بنحو 75%. المذكّرة، التي تستهدف تمتين العلاقات الاقتصادية، شكلت ثمرة لزيارة الملك عبد الله الثاني لبغداد بداية العام، واللقاءات التي تبعت تلك الزيارة على مستوى رئاسة الوزراء ومجلس النواب، والتي تمخّض عنها أيضاً إعفاء بغداد 340 سلعة أردنية من الجمارك، فيما يجري العمل على التخطيط لإقامة منطقة اقتصادية مشتركة بالقرب من الحدود، وتفعيل مشروع خط النفط بين البصرة والعقبة، ومشروع المدّ الكهربائي. وتغطي المذكرة 7% من احتياجات الأردن من النفط الخام بواقع عشرة آلاف برميل يومياً، وبسعر أقلّ من السعر العالمي بنحو 16 دولاراً، ما يعني توفير ما يقارب 58.4 مليون دولار سنوياً، في ظلّ ازدياد الطلب على الطاقة في المملكة وارتفاع تكاليفها، وتوجّه الأردن إلى البحث عن شركاء واستشاريين للتنقيب عن الغاز والصخر الزيتي في أراضيه، مع بدء تنفيذ بعض مشاريع الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء. كل ذلك ومشروع خط الغاز الإسرائيلي يشقّ طريقه نحو المرحلة النهائية في الأراضي الأردنية، على رغم انكشاف حقائق الصفقة المبرمة لاستيراده، وفقدان الجدوى الفعلية منها.
ردود الفعل الأردنية تجاه بدء توريد النفط من كركوك بسعر تفضيلي تفاوتت بين ترحيب الحكومة التي تطمح إلى إنعاش قطاع النقل بين البلدين، وإحياء خط التجارة البري الذي تأثر منذ تمدد تنظيم «داعش» وما تبعه من حملات عسكرية، وبين ردّ فعل باهت لدى المواطن العادي، الذي يشكو ارتفاع الضرائب وانخفاض القيمة الشرائية للدينار بفعل التضخم والركود، كما أنه ينتظر انخفاض فاتورة الوقود الشهرية، وهو أمر نفته وزارة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، قائلة إن النفط العراقي لن يؤثر في أسعار المشتقات النفطية هبوطاً أو صعوداً. وليست هذه المرة الأولى التي تحصل فيها عمّان على نفط بسعر تفضيلي من بغداد. فخلال سنوات حرب الخليج الثانية في التسعينيات، حظي الأردن بدعم نفطي كبير من النظام العراقي السابق. لكن الآن، يبدو أن النفط الذي سيحصل عليه الأردن والذي لن يقدّم ولن يؤخر في فاتورة الطاقة بالنسبة إلى المواطن العادي نظراً إلى الكمية الضئيلة المستوردة، يأتي «بدوافع سياسية، بهدف إبعاد العراق والأردن عن سوريا» وفق ما يقول الكاتب الاقتصادي فهمي الكتوت لـ«الأخبار». ويلفت الكتوت إلى أن المبلغ الذي سيجري توفيره من السعر التفضيلي سيكون مساعدة مباشرة للحكومة، ولن يلمسه المواطنون الذين يدفعون ضريبة مقطوعة على المحروقات بنسبة 135% على بنزين أوكتان 95، و100% على بنزين أوكتان 90، و35% على الكاز والسولار (المازوت).
*سيغطي نفط كركوك 7% من احتياجات الأردن مع توفير 16 دولاراً من كل برميل*
على خط موازٍ، أعلنت الحكومة الأردنية، على لسان وزير الطاقة والثروة المعدنية هالة زواتي، أن المرحلة المقبلة ستشهد تسريعاً لإجراءات مدّ أنبوب النفط من البصرة العراقية إلى العقبة الأردنية، ما سيوفر احتياجات المملكة من النفط الخام ويؤمن مرفأ تصدير للنفط. وكانت عمّان قد وقّعت في نيسان/ أبريل 2013 اتفاقية إطار لمدّ أنبوب لنقل النفط العراقي الخام من البصرة إلى مرافئ التصدير في ميناء العقبة بطول 1700 كلم، منها 690 كلم في الأردن، بكلفة تصل إلى نحو 18 مليار دولار. وأثار «البصرة ــــ العقبة» جدلاً كبيراً في العراق، في ظلّ مخاوف من أن المشروع سيقرّب النفط العراقي من إسرائيل، فيما يختفي هذا الجدل في الأردن الذي تربطه بإسرائيل معاهدة سلام واتفاقات اقتصادية؛ أبرزها اتفاقية استيراد الغاز، التي هندستها وزيرة الخارجية الأميركية في عهد باراك أوباما، هيلاري كلينتون، بالتوازي مع سعيها إلى تنفيذ خط البصرة ــــ العقبة الذي كان مطروحاً أصلاً منذ زمن صدام حسين.
ووفقاً للكتوت، فإن النظام العراقي السابق طلب ضمانات من الحكومة الأردنية لحماية الخط في أراضي المملكة وخارجها من أي عبث، وبالتحديد من إسرائيل أو الولايات المتحدة، لكن عمّان لم تستطع آنذاك تقديم تلك الضمانات، ولذلك تَعرقل سير المشروع. أما اليوم، فالواضح أن الأردن، في ظلّ وضعه الاقتصادي المتردي، يبحث عن مخارج لأزمته المركّبة، وخصوصاً مع وقف المساعدات العربية والدولية له، وعدم إيفاء المجتمع الدولي بوعوده في ما يتصل بأعباء اللجوء السوري. ومن هنا، يبدو مفهوماً سعي واشطن لتأمين مصالحها السياسية والاقتصادية عبر الاستفادة من الحلفاء في عمّان وبغداد على حدّ سواء، وذلك بالضغط عليهما لمحاصرة سوريا اقتصادياً، ومنع أي انفتاح على دمشق، مع أن هذا الانفتاح يعدّ حاجة ملحّة لكلّ من الأردن والعراق.
فهل سيستطيع الأردن الاستفادة من مشاريع خطوط الطاقة على أراضيه، أم أنه سيكون منفذاً بحرياً إجبارياً لنفط العراق من دون أي قفزة اقتصادية تساعده في المناورة السياسية في ما يتصل بقضايا أكثر مصيرية كالقضية الفلسطينية؟ وأيضاً، هل سيكون عرضة لابتزاز سياسي إذا ما تعرّض خط النفط لهجمات تعيد إلى الذاكرة تفجيرات خط الغاز المصري، الذي اتخذت الحكومة الأردنية انقطاعه ذريعة لتوقيع اتفاقية الغاز مع إسرائيل؟
|