يوم واحد ويبدأ تنفيذ الاتفاقية التي أبرمتها عمّان مع تل أبيب لاستيراد كميات من الغاز الطبيعي من حقل «ليفاياثان» قبالة سواحل حيفا المحتلة. كمّياتٌ ليست المملكة في حاجة إليها عملياً، لكن أولوية تشكيل قناة لتصريف الغاز الإسرائيلي في الإقليم تتقدّم على ما سواها
تستعدّ «محطة الخناصري» في محافظة المفرق، شمال شرق الأردن، لاستقبال الغاز الطبيعي وفق الاتفاقية المبرمة بين الحكومة الأردنية وشركة «نوبل إنيرجي» الأميركية، بوصفها تملك حق استخراج الغاز من حقل «ليفاياثان» قبالة سواحل حيفا المحتلة، والذي تملك نحو 40% منه، فيما تملك ثلاث شركات إسرائيلية الحصص المتبقية. وسيبدأ الضخّ التجريبي، وفق الاتفاقية، بداية 2020، بعدما استملكت الحكومة الأردنية أراضي خاصة لمواطنين لإتمام مدّ الأنبوب من الأرض المحتلة حتى «الخناصري» عن طريق شركة «الفجر» الأردنية - المصرية لنقل وتوريد الغاز الطبيعي، مع أن هذه الشركة مهمتها الرئيسة متعلقة بالغاز المصري لا الإسرائيلي، إذ إن مهمة «الفجر»، بحسب وزارة الطاقة الأردنية، هي «بناء وتملّك وتشغيل أنبوب الغاز من العقبة إلى شمال المملكة، وتسلم الغاز الطبيعي المصري في العقبة ونقله عبر الأنبوب وبيعه لمحطات توليد الكهرباء والصناعات الكبرى».
الاتفاقية سبق أن جوبهت برفض القوى الشعبية والنقابية والحزبية وحتى النيابية. لكن الحكومة الحالية، ممثلة بوزيرة الطاقة، هالي زواتي، حاولت التنصل من المسؤولية، بحجة أن التوقيع كان في زمن حكومة سابقة، وهو ما يطرح تساؤلات عمّن يتحمّل المسؤولية في دولة تدّعي أنها تسعى إلى أن تكون دولة مؤسسات حقيقية كما يروّج رئيس الوزراء الحالي، عمر الرزاز، الذي يُعدّ من أضعف رؤساء الوزراء في عهد المملكة الرابعة، وأقلّهم ولاية عامة في مرحلة حرجة اتسمت بضغوط اقتصادية وتغيرات إقليمية كبيرة. مبررات كثيرة ساقتها الحكومة للدفاع الضمني عن الاتفاقية التي كُشفت أخيراً بنودها بعد مماطلات ما بين مجلس النواب الذي رفضها في النهاية، والحكومة التي أحاطتها بسرية وتمسكت بالتخويف من الشرط الجزائي لإلغائها (1.5 مليار دولار).
عملياً، لا حاجة إلى هذا الغاز، لأن معدل الكميات المستهلكة في محطات توليد الكهرباء عام 2018 بلغ ما مقداره 381 مليون قدم مكعب يومياً، أسهمت بنسبة 87% في توليد الطاقة الكهربائية آنذاك. والأردن يعتمد على مصر لاستيراد الغاز عبر أنبوب يتعرّض لهجمات أدت إلى تفجيره وانقطاع الضخ، ما عدّته الحكومة من مبررات استيراد الغاز الإسرائيلي، في حين أن القاهرة، التي وقعت الاتفاقية نفسها أيضاً، استأنفت ضخّ الغاز إلى عمّان منذ أيلول/سبتمبر 2018، ما أسهم بنسبة 10% في توليد الطاقة. وبحسب بيانات الحكومة، كان من المتوقع تزويد الأردن بنحو نصف احتياجات النظام الكهربائي من الغاز المصري عام 2019، فيما تسهم الطاقة المتجددة المحلية في توليد 11%، عدا مصادر الطاقة التقليدية، ما يعني أنه لا حاجة إلى استيراد غاز جديد.
*عملياً، لا حاجة لعمان إلى هذا الغاز في ظلّ تواصل تدفق الغاز المصري*
من جرّاء ذلك، عمدت عمّان إلى إجراءات مرنة لتشجيع استخدام الغاز في القطاع الصناعي، إذ خفّضت الضريبة على الغاز للصناعات من 16% إلى 7%، مع إعفاء مدّته ثلاث سنوات من الضريبة للشركات التي تَحوّلت من استخدام زيت الوقود أو غيره إلى الغاز الطبيعي. لكن الخطوة التي تفضح الصفقة هي بدء البحث الفعلي عن زبون للكهرباء الفائضة، وقد بدأ الترويج لمسألة تصدير الكهرباء إلى أوروبا ودول مجاورة عُرض الموضوع عليها، ومنها لبنان، فيما تمّ بالفعل التوقيع في كانون الأول/ ديسمبر 2018 على مذكرة تفاهم بين الكهرباء العراقية والطاقة الأردنية لتعزيز الربط الكهربائي بين الدولتين، على أن يُنفّذ هذا المشروع على ثلاث مراحل بالتنسيق مع شركتَي الكهرباء الأردنية والعراقية. وسبق هذه المذكرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2018 التوقيع على عقد تبادل الطاقة بين الكهرباء الأردنية وكهرباء القدس لغايات تزويد محافظة أريحا بالطاقة، كما اتُفق على إجراء الدراسات الفنية للربط بين الأردن وفلسطين (الضفة المحتلة) على الجهد العالي.
العقد الأخير أُتبع بخطوة جديدة أعلنها رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية، ظافر ملحم، تمثلت في توقيع اتفاقية شراء الطاقة من الأردن، والذي قال إنه سيُسهم في «تحقيق الانفكاك الاقتصادي في مجال الطاقة (من إسرائيل) إضافة إلى تنوع مصادرها». كلام ملحم يشير إلى أن السلطة تشكّل زبوناً مضموناً للأردن بحجة الاعتماد على عمّان في الكهرباء بدلاً من إسرائيل التي تتحكّم في هذا المطلب الحيوي، مع أن عمّان أصلاً تستورد الغاز الإسرائيلي لتوليد فائض كهرباء وبيعه، أي إن الأردن سيتحوّل إلى وسيط، وسيشكّل مع مصر ذراعَي تصريف للغاز الإسرائيلي في الإقليم. تعقيباً على ذلك، يقول عضو «الحملة الوطنية لإسقاط اتفاقية الغاز»، محمد عبسي، إنه بتدفق «الغاز الصهيوني، سيفرض التطبيع على المواطنين الأردنيين، وهذا أمر لم تنجح فيه السلطات التي وقّعت وادي عربة لمّا كان التطبيع محصوراً على المستوى الرسمي». ويضيف عبسي: «ستُرهن سيادة الدولة لإسرائيل لـ15 عاماً، سواء بالوقوع مباشرة تحت الضغط الإسرائيلي، أم بوضع قيود على الأردن تمنعه من ثروته الغازية الطبيعية وتقنّن ذلك وفق بنود الاتفاقية».
|