الحرب الإيديولوجية على الحركات الجهادية
منذ الأيام الأولى لاحتلال العراق ، بدا العدو الأمريكي يروج عن طريق بعض وسائل الإعلام التي يدعمها ، وبعض السياسيين والأحزاب والحركات التي تدور في فلكه وتنفذ سياساته ، مقولات مثل ، إن المقاومة العراقية هي مستوردة ومرتبطة بالإرهاب العالمي الذي يمثله تنظيم القاعدة ، وان المتطوعين العرب يشكلون نسبة تسعين في المائة من عدد المجاهدين في الساحة ، إلا أن الأيام أثبتت خطأ تلك المقولات باعترافهم هم ، ووفق ما جاء في دراسة أعدتها كلية ويست بويند مكفري ، فان عدد المقاتلين في العراق يقدر بحوالي مائة ألف مقاتل من بينهم حوالي خمسمائة من العرب ، أي إن نسبتهم هي خمسة في المائة ، بل إن دراسات أخرى اعتبرت إن نسبتهم لا تصل إلى أربعة في المائة ، أي إن وجود الأجانب أو المقاتلين في تنظيم القاعدة من غير العراقيين وجود رمزي ، وهو ما قد ينعكس سلبا على الواقع الاجتماعي وتماسكه في المناطق السنية إذا استمرت الاشتباكات ، بل الحرب بين فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية والعشائر من جهة ، وبين تنظيم القاعدة من جهة أخرى.
تقول السيدة كارين هيوز مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الدبلوماسية ، إن بإمكان أمريكا مساعدة القادة الدينيين غير الجهاديين القادرين على إعاقة الجهاد ومنعهم من مساعدة المجاهدين ، ومساعدة القادة الدينيين يساعد بالتالي في تقليل إستعداد الشباب للانخراط في العمل الجهادي ، ولا بد أن يكون غرضنا مخفياً ، حيث إن الإعلان عن إن ما نقدمه لهم يهدف إلى مساعدة أمريكا ، سوف لن يكون مقبولاً من قبل الكثير منهم ، لذلك لا بد من إفهامهم إن هدفنا هو المساعدة في تقليل العنف ضد المدنيين ، ولكن علينا أن نتخطى كل الصعوبات من خلال تحديدنا من هو القائد الديني الصحيح ، ومن منهم القادر على مساعدتنا أكثر ، ويتم ذلك بالتعاون مع حكومات الشرق الأوسط والضغط عليها للسماح بحرية سياسية أوسع ، ورؤية أقوى للقادة الدينيين الذين يهددون مستقبل الجهاد ، ففي مصر مثلاً علينا مساعدة الإخوان المسلمين ، وفي السعودية والعراق مساعدة القادة الدينيين المعتدلين من السنة ، وكذلك القادة الدينيين الشيعة ، إلى هنا ينتهي كلام السيدة كارين هيوز
وكان نائب وزير دفاع العدو الأمريكي السابق وولفوتيز قد حدد الأسس التي يجب أن تحكم الإستراتيجية الأمريكية لمحاربة الإرهاب ، خلال مؤتمر كبير عقدته مؤسسة راند للأبحاث العسكرية الإستراتيجية ، وهي ، إن على الولايات المتحدة أن تفهم إن النصر على الإرهاب لن يكون ملموسا على شاكلة استسلام اليابان للولايات المتحدة أو سقوط حائط برلين ، وان علينا أن نستخدم كل ما لدينا من قوة إضافة إلى القوة العسكرية ضد الإرهابيين ، وان صراعنا مع الإرهاب له جانب فكري وجانب مادي ، ولابد لنا من القيام بأعمال تتجاوز مجرد اعتقال أو قتل الإرهابيين لمواجهة رؤيتهم ومشاريعهم في التسلط والموت.
يمكن أن تكون الخطوة العملية تنفيذا لما تم الاتفاق عليه في لقاء رايس هي حملات التشهير الإعلامية وسياسة العزل والتنفير التي قادتها قناتي العربية والزوراء ناهيك عن عشرات القنوات الأخرى الممولة عراقيا وإيرانيا وأمريكيا إضافة إلى مجلة العصر الناطقة باسم الإخوان المسلمين ومواقع الكترونية مهمة تملكها شخصيات دينية مؤثرة يتجاوز عدد متصفحيها عشرات الآلاف يوميا وكانت محسوبة على الخط الجهادي وتنقل أخبار المجاهدين حول العالم كالمختصر ومفكرة الإسلام وغيرهما ، إضافة إلى شخصيات عراقية برلمانية أو سياسية أدمنت الحضور في معظم الفضائيات بصورة متواصلة ، والاهم الجولات المكثفة التي قامت بها بعض قيادات فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية في أوساط عشائرية سنية شمال بغداد وكذلك في دول خليجية مهمة ، إضافة إلى تجنيد مئات الكتاب العراقيين والعرب.
بات معلوما أن مشروعا يهدف للالتفاف على الجهاد بمشورة أمريكية ، ترعاه أربع حكومات عربية لديها تنسيق مع بعض فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية ، وقد تلتحق أو التحقت به دولة خامسة ، وهو المشروع الذي رعته وزيرة الخارجية كونداليزا رايس التي استدعت إلى عمان في شباط 2007 رؤساء مخابرات أربع دول عربية ، هي الأردن ومصر والسعودية والإمارات ، وكان المعلن حينها تدارس الموقف من إيران ، والتهديدات التي يشكلها الإصرار الإيراني على المضي قدما في برنامجها النووي ، ومن خلال متابعة مواقف الدول الأربع من الملف النووي لم نلحظ أي تبدل في مواقفها الرسمية المعلنة بعد أكثر من ستة أشهر ، في حين إن تقارير صحفية منسوبة إلى مقربين من اللقاء ، نشرت في حينها ، أشارت إلى أن الهدف غير المعلن هو تكليف تلك الدول باستثمار صلاتها وعلاقاتها مع قادة فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية للتنسيق والتعاون في إطار الحرب الأمريكية على الإرهاب المتمثل بالحرب على تنظيم القاعدة في العراق لحسم صراعها الكوني معه على ارض العراق ، والضغط عليها باتجاه التعاون مع قوات الاحتلال الأمريكي للقضاء على تنظيم القاعدة ، مقابل تعهد الولايات المتحدة بالقضاء على الميليشيات الشيعية ، وإعطاء دور سياسي لتلك الفصائل بعد انجاز المهمة الأمريكية في العراق ، وتصفية النفوذ الإيراني في العراق ، وإمكانية توجيه ضربة عسكرية اجهاضية محدودة لإيران ، وبالتأكيد فان قيام القوات الأمريكية بضرب إيران يستوجب أولا إيقاف العمليات المسلحة في العراق وتامين الحدود مع إيران ، وكانت بعض الأنظمة العربية التي تربطها علاقات وثيقة بالإدارة الأمريكية قد طالبتها بالفرز بين ما يمارسه تنظيم القاعدة من عمليات تدخل في إطار الإرهاب وبين ما تقوم به فصائل المقاومة العراقية ، وعدم وضع جميع عمليات هذه الفصائل في سلة الإرهاب تمهيدا لإشراكها في إطار العملية السياسية ضمان نجاح المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة.
لم يكن لقاء رايس سوى خطوة عملية تجسد ما جاء في دراسة مؤسسة راند والتي توصي بالعمل على توجيه الحرب ضد تنظيم القاعدة فكريا من خلال تعويم الخلافات الفكرية بينه وبين باقي الحركات الجهادية ذات الأهداف المحلية والمبالغة فيها وإشاعتها وإظهارها للعلن في أوسع نطاق كما توصي ضمنا بالعمل على خلق حالة شعبية إسلامية عامة وعراقية خاصة للعزل بين الحركات الجهادية المحلية المتمثلة بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين أو ما بات يعرف باسم دولة العراق الإسلامية والمجتمع العراقي من جهة وبينها وبين القيادة العالمية للجهاد المتمثلة باسامة بن لادن والظواهري من جهة أخرى .
وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس في 11/11/2005 قد دعت المملكة العربية السعودية إلى حث العرب السنة في العراق على المشاركة الإيجابية في انتخابات 15/12/2005 ، وفي اليوم التالي ومن مدينة الموصل قالت السيدة رايس ، إن السعوديين لديهم العديد من الاتصالات والعلاقات مع فصائل المقاومة الإسلامية ومع قادة العرب السنة وآمل أن يتم حثهم على المشاركة بطريقة إيجابية في العملية السياسية للبلاد.
تم التأكيد على ذلك خلال قمة شرم الشيخ التي عقدت أواسط ربيع هذا العام ، من أجل وضع الآليات لتنفيذ مشروع رايس الذي قبلته جهات مسلحة وطنية وإسلامية بنى عليها العراقيون آمالا في التحرير ، وتعتبر قمة شرم الشيخ نقطة التحول الاستراتيجي لجبهة الإصلاح التي تمني نفسها أن تكون البديل السياسي في حال انسحاب قوات الاحتلال بناءا على وعود أمريكية مباشرة أو عن طريق أطراف دول المشروع الرباعي العربي (مشروع رايس) ، لكن الجواب جاء سريعا من شرم الشيخ نفسها بأن لا بديل لحكومة المالكي الشيعية ، حيث قال أحد مساعدي وزيرة الخارجية الأميركية من المشاركين في القمة ، ( أميركا تريد من قمة شرم الشيخ أن تضغط البلاد العربية على المقاومة السنية لكي توقف حربها ضد حكومة المالكي الشيعية ).
يتلخص مشروع رايس في إعادة تشكيل الجيش السابق بقيادة احد كبار العسكريين السابقين المقربين من نظام الرئيس الراحل صدام حسين ، وان أكثر من دولة عربية مجاورة مرشحة لأن تستضيف أراضيها الجيش الجديد ، من أهمها السعودية ، لتشكيل أفواج وألوية من نفس أهالي المحافظات ونشرهم في عموم المحافظات والزحف من الموصل جنوبا حتى البصرة ، وتقوم بعمليات تطهير المحافظات والمدن من عناصر تنظيم القاعدة والميليشيات وتسليمها للجيش الجديد ، مع ضمان انسحاب آمن لبعض قوات العدو الأمريكي باتجاه دولة الكويت ، فيما تقوم القوات المتبقية بحماية الحكومة الجديدة ، ( أقر الكونغرس الأمريكي مؤخرا صرف مبلغ 750 مليون دولار لتأمين عملية انسحاب قوات الاحتلال بشكل آمن ) ، ووفق ما هو مرسوم أو متوقع ، يتم حل الجيش الحالي وإعلان حالة الطوارئ ، وتسليم الجيش الجديد مهمة الحفاظ على الوضع الداخلي لمدة عامين بالتعاون مع قوات الاحتلال وتشكيل حكومة تكنوقراط لتصريف الأعمال لحين انتخاب أو تعيين حكومة جديدة.
إن الأحداث الدامية بين الفصائل المسلحة ، والنهج السياسي الجديد الذي رسمته مخابرات الدول الأربع ، مشروع رايس أو المشروع الرباعي العربي ، ليس أكثر من تنفيذ حرفي لما جاء في دراسة قدمتها مؤسسة راند التي يديرها المحافظون الجدد صناع القرار الأمريكي ، وهذه الدراسة قدمت بعض التوصيات المهمة للقضاء على المشروع الجهادي في العراق بوسائل جديدة ، بعد أن اعترفت باستحالة تحقيق هدف الولايات المتحدة عسكريا.
جاء في دراسة مؤسسة راند في 18 / 11 / 2006 ، وهي المؤسسة التي اعتمدت الإدارة الأمريكية على بعض توصياتها في قرارها غزو العراق ، جاء فيها توصيات لأصحاب القرار الأمريكي بضرورة العمل على خلق إسلام حضاري يؤمن بالديمقراطية ، في مواجهة الإسلاميين المتشددين والمتطرفين ، وعزل التدين في إطار اجتماعي وسياسي ضيق ، ودعم الاتجاهات الصوفية والشيعية ، وتأجيج عداءها للحركات الجهادية السلفية ، أو الإسلام الأصولي المتطرف ، وتوجيه الحرب ضد تنظيم القاعدة انطلاقا من عقيدتها وليس عن طريق مواجهتها عسكريا ، وذلك بالعمل على زرع الخلافات بين تنظيم القاعدة والحركات الجهادية المحلية في مواطنها ، وهو ما حصل بالفعل في ديالى والعامرية والرمادي وغيرها وما سيحدث لاحقا في نينوى ، وحسب نفس الدراسة ، فان عقيدة تنظيم القاعدة تعاني من نقاط ضعف يمكن استغلالها في العمل بنفس الوقت على تحييد وعزل القاعدة بدعوى أنها جماعة وافدة أساءت لأبناء العراق السنة والشيعة وشوهت صورة المقاومة العراقية ، وهو ما نسمعه ونقرأه في بيانات فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية كجبهة الإصلاح وجبهة التغيير وغيرهما ممن يتحدثون باسم المقاومة والجهاد أمثال محمد عياش الكبيسي وإبراهيم الشمري وغيرهما ، وكما نسمعها من شخصيات برلمانية وسياسية ودينية من رموز العرب السنّة الذين دخلوا في العملية السياسية كخلف العليان وطارق الهاشمي وغيرهما من ( الرموز التي جاؤوا بها لما يسمى بالعلمية السياسية وهي نماذج فاسدة لا تمت إلى معاناة البلد بصلة ) ، كما وصفها الناطق الرسمي لجيش المجاهدين أحد مؤسسي جبهة الاصلاح الشيخ عبد الرحمن القيسي في حوار اجرته معه وكالة حق في 15/10/2007.
وحسب الباحثة انجل راباسا التي ساهمت في الإشراف على الدراسة ، فان عقيدة القاعدة تعاني من نقاط ضعف قابلة للاستغلال تأسيسا على إن عقيدة القاعدة لا تتبناها جميع الحركات الإرهابية أو المتمردة في العالم ، وبالتالي دعوة الولايات المتحدة إلى محاولة ضرب العلاقة بين المجموعات الجهادية المحلية والمجموعات العالمية عبر التركيز على الخلافات معها.
في إطار ما جاء في دراسة مؤسسة راند ، تعرض تنظيم القاعدة لحملة إعلامية منظمة وذكية بدت كأنها عفوية ، إلا أنها كانت هجمة شرسة متعددة الاتجاهات بهدف فك الارتباط بين تنظيم القاعدة والمجتمع العراقي الحاضن الاجتماعي له ولغيره من الجماعات الجهادية ، باشرت قناة الزوراء الفضائية التي يملكها السيد مشعان الجبوري رئيس كتلة المصالحة والتحرير في البرلمان العراقي ، ببث إصدارات فصائل المقاومة العراقية دون استثناء ، إلا انه لم يبث أي إصدار أو عملية تبناها تنظيم القاعدة رغم كثرتها ، وفي 13/02/2007 انتهجت خطا جديدا تميز بالهجوم على تنظيم القاعدة عبر شريطها الإخباري الذي وصفهم بالتكفيريين ، وهي الصفة التي اقتصر استخدامها بادئ الأمر على قائمة الائتلاف العراقي والحزب الإسلامي العراقي ، وبأنهم غرباء ووافدون ومرفوضون من عموم العراقيين ويسعون لزرع الفتنة وإشعال الحرب الأهلية السنية الشيعية ، وبعد اقل من أسبوع وجه السيد الجبوري رسالة مصورة إلى أبي عمر البغدادي متهما إياه ودولته بقتل المدنيين سنة وشيعة ، ومنتقدا إعلان دولة العراق الإسلامية.
|