3 سنوات مضت و3 محققين تعاقبوا والعناصر الأساسية لانشاء المحكمة الدولية باتت جاهزة. لكن الاسئلة التي يثيرها التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه, كما في الاغتيالات اللاحقة لا تزال كبيرة في أبعادها القضائية كما في أبعادها السياسية, المحلية والاقليمية والدولية في آن.
«الكفاح العربي» قرأت بالمناسبة مع 3 خبراء قضائيين وأمنيين, تقارير ديتليف ميليس وسيرج براميرتس, في محاولة لتسليط الضوء على مهمة المحقق الثالث دانيال بلمار والدور المنوط به في اعداد القرار الاتهامي وتشكيل المحكمة وآليات عملها.
وليد سكرية: التحقيق مرشح للتمديد ثم لتمديد التمديد
اللقاء الاول مع العميد المتقاعد وليد سكرية, عبر عن اقتناع خلاصته ان الشق السياسي في التحقيق متلازم مع الشق القضائي, وأن التحقيق قابل للتمديد ثم لتمديد التمديد إذا هو لم يفضِ الى اغراضه السياسية. سألنا:
- احدى الصحف المحلية نقلت عن مصدر في لجنة التحقيق الدولية ان جريمة اغتيال الرئيس الحريري بدأ الاعداد لها قبل حوالى سنة من وقوعها, هل انت من هذا الرأي؟
¬ اغتيال الرئيس الحريري جاء لتسريع تنفيذ القرار 1559 الذي هو قرار دولي, واذا رفضه الشعب اللبناني فإنه يكون على مجلس الامن اتخاذ تدابير في حق الشعب اللبناني والدولة اللبنانية, لكن اذا دعم الشعب اللبناني هذا القرار فإنه يصبح منفذاً تلقائيا. القرار 1559 طالب باخراج سوريا من لبنان وفك الارتباط بين لبنان وسوريا ونزع سلاح المقاومة والمخيمات الفلسطينية وهذا القرار جاء اثر التعثر الاميركي في العراق. وكلنا نذكر تهديدات اميركا لسوريا باعادة رسم خريطة المنطقة على لسان وزير دفاعها دونالد رامسفيلد, وعندما وجدت اميركا نفسها غارقة في مستنقع العراق, وأنها لا تقف هناك على ارض صلبة, تم بحث ملف الحرب على سوريا في الادارة الاميركية وتبين ان هذه الحرب ستغرق الولايات المتحدة في مستنقع اكبر من المستنقع العراقي, فطوي هذا الملف واتجه الى انه لا بد من تسوية سلمية على المسار الفلسطيني, فكانت «خريطة الطريق» وكانت ملاحظات شارون على «خريطة الطريق», وتبعتها رسائل الضمانات من جورج بوش الى شارون التي صادق عليها الكونغرس لتأخذ فعالية القانون وترسم اطار الحل الذي ينص على ان لا عودة للاجئين, وهذا ما اعترف به جورج بوش في زيارته الاخيرة للمنطقة, حين اكد انه يحق لاسرائيل تعديل الحدود الى حدود تستطيع المدافعة عنها عسكريا, اي نها تريد ان تحتفظ بمرتفعات الضفة الغربية, كما ان الكتل الاستيطانية ستبقى مكانها وان الجيش الاسرائيلي سيبقى على نهر الاردن. من اجل تنفيذ ذلك كان لا بد من القضاء على الانتفاضة فمات ياسر عرفات او قتل وجاء محمود عباس لاكمال عملية التسوية, واعلن ملك الاردن انه على استعداد لارسال لواء بدر لدعم السلطة الفلسطينية وفرض النظام في الضفة الغربية وذلك في العام 2005. وهذا الكلام معناه انه لن يدعم السلطة الفلسطينية في مواجهة العدو بل سيقف في وجه من يرفض التسوية السلمية للقضاء على الانتفاضة التي كان لا بد من خرقها وعزلها الى جانب قمع كل امدادات قوى الممانعة التي تدعمها معنويا وسياسيا, فكان القرار 1559 لفصل لبنان عن سوريا ونزع سلاح المقاومة والقوى الفلسطينية الرافضة للتسوية وكان لا بد من احداث انقلاب سياسي في البلد ونقل السلطة من يد حليفة لسوريا الى يد مناوئة لها وحليفة لاميركا. كل هذه القرارات يتطلب تنفيذها على الارض عملاً كبيراً على الارض يثير الرأي العام اللبناني ويدفعه في اتجاه مستلزمات القرار 1559 وكل ما هو معاد لسوريا, فكان اغتيال الرئيس الحريري. لذلك انا اضع اغتيال الرئيس الحريري في خانة الضرورة لتحريك الرأي العام اللبناني ضد المقاومة وضد سوريا.
- كيف تقيم كل ما جرى منذ قيام التحقيق حتى انشاء المحكمة الدولية؟
¬ التحقيق منذ البداية كان سياسياً. لم يكن هدف اميركا اكتشاف من قتل الرئيس الحريري بل كان استغلال جريمة الاغتيال لجعل المحكمة الدولية سيفاً مسلطاً على سوريا لابتزازها ليس في موضوع لبنان فقط, لأن هدفهم هو العراق وفلسطين تحديدا, وهناك كلام للوزيرة رايس منذ التقرير الاول لميليس جاء فيه ان هذا التحقيق يخدم مشروع ولادة الشرق الاوسط الجديد والقرار 1559. وفي هذا المجال كتبت «واشنطن بوست» تقول ان مقتل الرئيس الحريري هو ورقة في يد اميركا للضغط على سوريا لاجبارها على تقديم التنازلات في موضوع العراق وفلسطين. بمجرد حصر التحقيق بسوريا ولم يشكك في أي فريق آخر سيس ميليس التحقيق. لأن اي جريمة قتل, المتهم فيها بريء حتى تثبت ادانته, وميليس استند الى تسجيلا ت صوتية من اسرائيل وشكر اسرائيل, وقام في تقاريره بشرح التناقضات بين لبنان وسوريا قائلا ان سوريا لم تعترف باستقلال لبنان منذ قيامه. وهذا التقرير تقرير سياسي والمقصود منه تبرير الجريمة. تقرير ميليس كان خفيفاً جداً من حيث المهنية وكان فاضحا جدا من حيث الكذب والدجل. هو استند الى اقوال الصديق الذي احتجز في فرنسا ولم يسلم للدولة اللبنانية كي لا ينكشف كذبه ومن يقف خلفه, ومن ثم «الشاهد الملك» هسام هسام الذي تمكن من الفرار الى سوريا وكشف كل فضائح التحقيق. والتحقيق يستند الى ذلك الشاهد الذي اغري بالمال في لبنان لانتزاع هذا التصريح منه وهذه الشهادة التي استند اليها ميليس. تحقيقات ميليس وصلت من حيث الخفة الى مرحلة لا يمكن الدفاع عنها, ولذلك كان يجب ان يكون هناك تحقيق اكثر مهنية واكثر ذكاء يعطي انطباعاً للرأي العام بأن هذا التحقيق يتمتع بصدقية معينة, لذلك تم ابدال ميليس ببراميرتس وأتى براميرتس كي لا يرتكب الخطأ الذي وقع فيه ميليس والاستخفاف بالتحقيق كما فعل سلفه.
- مضمون التحقيق بقي هو نفسه لكن الذي تغير هو الاسلوب بين براميرتس وميليس هل هذا ما تقصده؟
لان اميركا ليست في وارد اعلان حرب على سوريا وليست في وارد احالة الملف على المحمكة الدولية سريعا, لان احالة الملف على المحكمة الدولية سيوصل الى الصدام مع سوريا اما في شكل حرب أو في شكل عقوبات. كل ما تريده واشنطن هو ابتزاز سوريا في العراق وفلسطين, وهي لا تريد الحرب مع سوريا الآن لانها ستجد نفسها غارقة في مستنقع اكبر من مستنقع العراق. لذلك عندما اتى براميرتس نسف كل ما بناه ميليس واعاد التحقيق الى بداياته. عاد الى مسرح الجريمة ليبحث في ادق التفاصيل. عاد الى البحث في قعر البحر عن اي دلائل تساعد في حل لغز الجريمة. عاد الى اعادة تقويم الانفجار, هل هو فوق الارض ام تحت الارض؟ ما هي المتفجرات المستخدمة, هل هي عملية انتحارية ام تفجير لاسلكي؟ صحيح ان براميرتس اظهر الكثير من المهنية, لكن هذا لا يعني ان التحقيق لم يعد مسيسا. ما دام التحقيق يركز على جهة معينة ويغفل احتمال وجود جهات اخرى فهو تحقيق موجه للوصول الى اتهام فئة معينة. براميرتس حاول ان يبحث في مسألة ابوعدس واحتمال وجود جهات اصولية ليقول ان تقريره يبحث في كل الاحتمالات, لكن احداً لم يبحث في احتمال ان تكون اسرائيل الجهة التي تقف وراء الجريمة. ولم يبحث في احتمال أن تكون اميركا متورطة. وإسرائيل التي تخدمها كثيرا هكذا جريمة اصبحت شاهدا تقدم المعلومات التي يستند اليها. براميرتس انتهت مهمته وأتى محقق جديد ليكمل مهمته, لكنني اعود واقول ان هذا التحقيق لن ينتهي حاضرا ومستقبلا, وسيبقى سيفا مسلطا فوق رأس سوريا لابتزازها سياسيا ومنعها من عرقلة عملية التسوية على المسار الفلسطيني التي يسعى اليها بوش لانها المخرج الوحيد له في سنته الاخيرة. براميرتس يوحي انه يحقق في هذا الاتجاه وذاك وذانك, وانه يوسع من دائرة التحقيق. في عودة الى تقارير ميليس نجد انه اتهم سوريا بالجريمة وجعل من كل حلفاء سوريا على الاراضي اللبنانية مشبوهين, ولم يتطرق في تقاريره الى مسألة ابو عدس ومسألة الاصولية او مسألة احتمالات اخرى على الرغم من انه قال ان التفجير هو في سيارة «ميتسوبيشي» لانه وجد محرك السيارة, وان التفجير هو فوق الارض وبواسطة سيارة, وهذا يعني ان هناك انتحاريا دخل في الموكب وان السيارة لم توضع في منتصف الطريق لانه استبعد التفجير اللاسلكي كون اجهزة التشويش في موكب الرئيس الحريري ظلت تعمل حتى بعد التفجير. إذاً كما قلنا ان الاثنين اتفقا على ان التفجير ليس لاسلكياً بل ان ميليس كان قد اوحى ان التفجير قد يكون لاسلكياً وانه قد يكون ركب في المنطقة التي جرى فيها التفجير جهاز للتشويش €انتين€ في حين ان براميرتس قال انه لم يكن هناك تشويش بدليل ان جهاز التشويش في موكب الرئيس الحريري ظل يعمل بعد التفجير وان هنالك انتحارياً دخل الموكب. وراح براميرتس يبحث في تفاصيل الـDNA ليدقق في هوية هذا الشخص. قال انه اقام لفترة في لبنان وراح يحلل في اصوله ومن اين اتى في حين ان ميليس لم يأت على ذكر ابو عدس واحتمال ان تكون للاصولية يد في التفجير. اما براميرتس فقد اوحى انه يحقق في هذا المجال ليعطي صدقية اكبر لعملية التحقيق, وانه يشعب تحقيقاته في اتجاه سوريا واتجاه الاصولية والمخابرات اللبنانية, الى ما هنالك من اتجاهات, لكن أياً منهما لم يتطرق الى احتمال ان تكون اسرائيل وراء الجريمة او الولايات المتحدة, مثلاً.
- مع المحقق الكندي الجديد هل يمكن ان نتوصل الى مرحلة حصر المسؤوليات وتجاوز مرحلة العموميات التي طبعت التقارير السابقة؟
¬ النمط الحالي في التحقيق سيستمر الى ان تقرر اميركا احالته على المحكمة الدولية والدخول في صراع مباشر مع سوريا. وقد يمدد للمحقق ستة أشهر وراء ستة اشهر ويعود ويبحث في الاتصالات اللاسلكية. ودائما في هكذا تقارير يترك مجال للمدة الطويلة. مثلا هو يقول في التقرير إنه يحقق في حوالى عشرين مليار اتصال هاتفي. ماذا يعني ذلك؟ ذلك يعني انه يترك لنفسه مجالا لسنين طويلة ليحقق. ويقول ان التحقيق لم ينته بعد ومن الممكن اذا ارادوا إدانة جهة معينة ان يقولوا لقد اكتشفنا طرف الخيط وهذا هو. والسؤال هو: هل إن المطلوب من المحقق اكتشاف المجرم؟ اذا كانت الجريمة سياسية فأنا اقول حتما لا واذا كان المحقق يجري التحقيق فإن عليه ان يستند الى تعاون امني من اجهرة الامن الدولية واجهزة المخابرات الدولية. أليس هذا ما ينص عليه قرار مجلس الامن الذي يشدد على تعاون كل الدول في هذا المجال؟ عندما يقول ميليس انه استند في بعض معلوماته الى جهاز المخابرات الاسرائيلي فكيف يكون هذا التعاون؟ هل ان المطلوب أن تتعاون اسرائيل لادانة سوريا؟ ما هي الصدقية في هذا التحقيق ومن هي الاجهزة الامنية التي تعاون هذا المحقق؟ الاجهزة الامنية اللبنانية وضعت في السجن وأنشئت بدلاً منها اجهزة امنية تخدم المشروع الاميركي. اميركا هل ستكشف نفسها اذا كانت هي مرتكبة الجريمة وهل ستساعد هي في كشف الجريمة اذا كانت اسرائيل وراء الجريمة؟ طالما ليس هناك اجهزة امنية فعلية تستطيع ان تقدم المعلومات وتساعد في كشف الجريمة فإنه من الصعب ان تصل الى نتيجة, ليس لان الجريمة اعدت بطريقة لا تكتشف بل لان التحقيق لا يريد كشفها.
€ ما هو تعليقك في مسألة رجل المافيا العالمي ميخائيل تشيرني واحتمال ان تكون له يد في جريمة الاغتيال؟
¬ في موضوع ميخائيل تشيرني هناك نقطة تثير الشك والريبة, وهي ان يهوديا صهيونيا مداناً ومحالاً الى المحاكم بمئات ملايين الدولارات في الولايات المتحدة واسرائيل ودول اوروبية اخرى, ورجل مافيا من الطراز الاول ويملك سجلا حافلا بجرائم القتل حسبما جاء في كتاب كولبل, اوقفت كل الملاحقات القضائية في حقه عقب جريمة اغتيال الرئيس الحريري بأسبوعين. هذا امر يدعو الى الشك في علاقة هذا الرجل بمقتل الرئيس الحريري, وهل هو هذا المجرم الذي استخدم, وهل هو مدبر الشبكة التي قامت بهذا العمل, وهل ان ثمن هذا العمل هو وقف الملاحقات القضائية في حقه؟ هذا احتمال وارد, وعلى المحقق الدولي ان يدقق فيه. قد يكون هناك اكثر من سبب وأكثر من فريق وراء هذه الجريمة لانه كلما كبر الانسان وتشعبت علاقاته كثر اعداؤه وكثر اصدقاؤه سواء في لبنان أو خارج لبنان. سياسة المرحوم الرئيس رفيق الحريري, سياسته الاقتصادية في لبنان خلقت له الكثير من العداوات, كما كان هناك حركات اصولية ضد رفيق الحريري بسبب ارتباطه الوثيق بالحكم في السعودية, وهنالك اصولية ضد علاقته بالحكم في العراق. وحادثة قناة «العربية» في العراق وهو مالك اساسي فيها هي احدى الدلائل. والرئيس الحريري كانت له مصالح اقتصادية في باكستان, وهو شريك للرئيس برويز مشرف, وهو ايضا حاول شبك علاقات اقتصادية كبيرة مع روسيا في ظل تفكك الاتحاد السوفياتي وصراع المافيات على الاراضي الروسية. يجب ان لا يكتفي التحقيق بالتوجه نحو خلافه مع سوريا في مسألة التمديد للرئيس لحود. الرئيس الحريري كان الحليف الاكبر لسوريا, وهو تسلم ادارة لبنان على مدى عشر سنين من سوريا. الخلاف على التمديد هل يمكن ان يلغي كل العلاقة ويكون مبررا للقتل سوريا؟ وسوريا لم تستفد من الجريمة. الولايات المتحدة واسرائيل استفادتا من الجريمة سواء أكان التحقيق الذي قام به ميليس او براميرتس او الذي سيتابعه المحقق الجديد والذي قد يختلف من محقق الى آخر سواء في اظهار خفته او في اظهار مهنيته في التحقيق. إنه في نهاية الامر تحقيق مسيس وممسوك من قبل الولايات المتحدة ليخدم مصالحها في المنطقة وهو سيف في يد الولايات المتحدة للضغط على سوريا وحلفائها, وفي نهاية الامر سيصل المحققون الى ما تريده اميركا.
الياس حنا: اغتيال الحريري شائعة تناثرت في الهواء
اللقاء الثاني كان مع العميد المتقاعد الياس حنا الذي سجل فوارق كبيرة على المستوى المهني بين ميليس وبراميرتس ورسم صورة اولى للعقل المدبر للجريمة.
€ لماذا هذا التفاوت في المهنة بين ميليس وبراميرتس؟
انا اعتقد ان ميليس كان اكثر علانية واكثر هجومية بالمعنى الاقرب الى السياسي, بمعنى انه كان هناك حديث عن نتائج التحقيق وعن اتهامات لجهات معينة, بينما براميرتس كان اكثر سرية بالمعنى المهني. اريد ان اقول هنا ان وظيفة القاضي في المحكمة ذات الطابع الدولي هي وظيفة جديدة ومبتكرة وليس لديها حتى الآن المرتكزات الفكرية والقانونية كي يتم التكلم عنها. براميرتس طريقة عمله مختلفة عن طريقة ميليس وهنا يجب ان لا ننسى ان ميليس جاء بعد لجنة تقصي الحقائق الاولى في حين ان براميرتس جاء بعد حوالى سنة من وقوع الجريمة وكلما ابتعدنا عن المشكلة اصبحنا اكثر تحفظا واقل حماسا. عامل الوقت هو عامل اساسي والعامل الشخصي ايضاً, عدا ان وظيفة محقق دولي في هكذا جرائم هي وظيفة مبتكرة بحيث اننا لم نشهد من قبل محكمة دولية لمحاكمة قتلة شخص معين. ويبقى القول ان المقارنة بين مهنية ميليس ومهنية وحرفية براميرتس مربوطة بالقرار الظني الذي سيصدر لاحقا اذا كان هناك تطابق ام لا, عندها نستطيع ان ننصف او ندين عمل كل منهما.
- لماذا غرق ميليس في كل هذه الاخطاء؟
¬ في لبنان وفي العالم العربي الموقع السياسي اساس في النظرة الى الحقائق اذا كنت تقف ضمن فريق14 آذار تأخذ المنظار بشكل معين واذا كنت في 8 آذار تاخذ المنظار بشكل معين. وكلما كنت قريبا من مركز المصيبة اي آل الحريري ترى الامر بشكل معين وكلما كنت قريبا من مركز القرار كانت قراءتك مختلفة. الوزير جنبلاط مثلا يعرف اكثر مما يعرف غيره في فريق 14 آذار لذلك هو يتكلم بغير ما يتكلم غيره في فريق الموالاة وكلما ابتعدت في التراتبية في 14 آذار وجدت ان الاشخاص يتكلمون حسب ما يتكلم الذين هم فوق. وكذلك الأمر في 8 آذار كلما كنت مقربا من مركز القرار في سوريا ترى الامر نفسه من حيث التراتبية. اذا في مكان ما هناك حقيقة قد يكون الموقف منها سياسياً هذا صحيح وهذا ما قد يشكل مصدر قلق عند البعض.
- هل تعتقد ان التحقيق أعطى اجوبة واضحة حول الامور الميدانية المتعلقة بمسرح الجريمة؟
هذه الجريمة هي مثل الشائعة حسب ما يقول احد المفكرين, اي ان الشائعة هي كمن ينتف ريش دجاجة وينثره في الهواء وكي تلملم الشائعة يجب اعادة لملمة ريش الدجاجة, وتصور صعوبة هذا الامر. في هذه الجريمة انت ترى الواقع السياسي الذي كان في تلك الفترة وعلاقات الرئيس الحريري في تلك الفترة وكذلك الواقع الامني والاستخباراتي الذي كان سائدا ايضا وعلاقة الرئيس الحريري به, ثم تعود الى ساحة الجريمة لتجمع الدلائل الجرمية بكل التفاصيل من عمق حفرة الانفجار الى فحص الـ DNAالى نوعية المتفجرات المستخدمة في عملية التفجير الى البصمات الى غيرها من الامور. اذا انت تعيد تركيب صورة الجريمة من الصورة الصغرى الى الصورة الكبرى بينما المجرم كان ينفذ من الصورة الكبرى الى الصورة الصغرى. ولكن ما يسهل عمل المحققين انه اصبح هناك نظام تكنولوجي في عالم الاتصالات اسمه نظام الشبكة يتيح ان تحصر عملية الاتصالات. اي انت ترى ان شخصا تم الاتصال به اكثر من مرة بواقع معين تستطيع ان تعرف ان هذا الشخص هو مركز ثقل في هذه الشبكة اي هو الاساس واذا عرفت من هو الاساس تستطيع الانتقال الى الشخص الذي يليه وهكذا دواليك وكذلك الامر. حجم الجريمة وحجم التنفيذ وحجم اللوجستية التي تأمنت لها يجب ان تضعه في الاطار الامني والسياسي والعسكري الذي كان سائدا في تلك الفترة, اذاً كي نكون عقلانيين وغير منحازين يجب علينا مراجعة الدلائل الحسية الصحيحة التي رافقت هذه الجريمة من خلال اعادة تركيب شبكة الاتصالات التي جرت في تلك الفترة وغيرها من الامور, ومن ثم ننتقل الى القرار الظني ومن ثم الى ادانة او تبرئة المتهمين. اريد ان اقول هنا ان واقع التكنولوجيا والواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يسهل عملية هذه الجريمة هو نفسه الواقع الذي يعمل ضد هذه الجريمة لان الامور لم تعد مضبوطة كما كانت مضبوطة في السابق ولأنه اصبح هناك لاعبون من خارج الدولة, ولكن يبقى انك لا تستطيع ان تحكم على الجريمة الآن, وهناك اختلاف بين كلام براميرتس وكلام ميليس.
€ هل تعتقد ان التحقيق في هذه الجريمة قد يصحو ليجد نفسه قد انتهى الى فراغ او الى فاعل مجهول؟
¬ هذا يصبح نوعاً من التبصير. كل التقارير التي صدرت حتى الآن تتكلم في العموميات وتتكلم بطريقة غامضة وذلك لتسهيل امور التحقيق. تصور لو ان براميرتس قال لجهة معينة أنت من ارتكب الجريمة. حتما هذه الجهة لن تعاود استقباله ولن تعاود التعاون معه. اذاً انت في اطار استكمال التحقيق وفي اطار وضع شيء من الغموض عليه لا يمكنك ان تنظر في الوقت نفسه الى المرحلة المقبلة. انت في اطار عمل جديد اي المحكمة الدولية وهذا عمل ليس له اساس تراكمي من قبل لناحية الخبرة والتجربة والقوانين التي تحكم هكذا مواضيع.حتى ان المحكمة صدرت تحت الفصل السابع وهي تطبق تحت الفصل السادس.
- ما هي ابرز الثغرات في التخطيط نفذ لهذه الجريمة؟
¬ الشخص الذي نفد الجريمة اذا كان انتحاريا فهذا يعني انه يعرف بالعمق نظام الحماية الامني الذي كان موجودا عند الرئيس الحريري. السؤال: اذا كانت «القاعدة» فرضا وراء الجريمة فهل هي تملك كل هذه الامكانات لتنفيذ الجريمة. برأيي ان هناك شيئاً غامضاً في الموضوع وأرى ان الجريمة لم تستوعب كما اريد ان اضيف هنا ان ابو عدس كان في المرحلة الاولى, براميرتس جاء ودرس كل المعطيات التي كانت في مرحلة ميليس واستوعبها وانطلق الى مرحلة جديدة. ما حكي عن مرحلة ابوعدس في المرحلة الاولى لم يحك في المرحلة الثانية لانه كان قد انتقل الى مرحلة جديدة. براميرتس اصبح يتكلم عن شخص مخلتف عاش في منطقة صحراوية داخلية يعني ان ابو عدس كان ستاراً دخانياً على الجريمة لتضييع مسار التحقيق.
- لنعد الى نقاط التمايز بين ميليس وبراميرتس؟
¬ في المرحلة التي تلت مرحلة لجنة تقصي الحقائق برئاسة الضابط الايرلندي فيتزجيرالد جاء ميليس كمرحلة تاسيسية مهدت لمرحلة الانطلاق بالتقرير اي لجنة تقصي الحقائق كان هدفها حماية مسرح الجريمة والمعلومات, لان الدولة عندنا تخلت عن هذا الموضوع. اذن في المرحلة الاولى تم خلق واقع قانوني لحماية الواقع الموجود وكانت عملية تأسيس لبراميرتس الذي جاء ووضع الأسس الخاصة بالتحقيق القضائي. براميرتس جاء واستكمل المرحلة الثانية من الموضوع فأزال الشوائب ووضع الاسس وانتقل الى مرحلة جديدة لأن كثيراً من المعلومات كانت قد نضجت واستكملت في مرحلة ميليس, صحيح ان هناك اتهامات لميليس أنه كان فاشلا واضاع الكثير من عملية التحقيق, لكن انا قول ان ميليس ايضا نجح في عدة مواقع ايضا.
- ماذا عن الدول 11 التي قيل عنها انها غير متعاونة؟
ليس هناك تفسير واحد للموضوع. هناك عدة تفسيرات للموضوع. لنتذكر ان وزير خارجية بريطانيا اتهم سوريا بالجريمة بعد 48 ساعة من وقوعها. ويقال ان الاتهام جاء لانهم يملكون محطة تنصت في قبرص التقطت شيئاً ما في هذا الموضوع. وهنا يأتي شخص آخر ليقول انه يفترض تزويد التحقيق بصورة عن الاقمار الصناعية, وهنا ايضا يأتي شخص آخر خبير في موضوع الاقمار ليقول عندما الدول الكبرى تعتبر منطقة ما حيوية لها تغطيها على مدار الساعة بهذه الاقمار. السؤال هو: هل ان لبنان كان وقتها في دائرة مدار هذا القمر الاصطناعي؟ والجدير ذكره ان هذا الموضوع لم نعد نسمع به بعد ذلك. هناك من يقول ان التقرير في هذه الجريمة تسيره اميركا. وهنا اريد ان اسأل: أليس هناك اكثر من مئة محقق يعملون في مجال كشف هذه الجريمة؟ لو فرضنا ان قسماً من هذا الفريق وجد في ميدان الجريمة دلائل تتهم فريقاً معيناً او دولة معينة بهذه الجريمة فهل يستطيع ان يسجلها ضد فريق آخر امام كل هذا العدد الكبير؟ وبكل بساطة اميركا يمكن ان تتدخل في مجلس الامن صحيح وتحاول ان تستغل الامر لمصلحتها وفي موضوع تأليف وتكليف المحكمة الدولية ولكن لا اعتقد ان الولايات المتحدة قادرة على التدخل في تقنيات التحقيق.
- هل توافق على ان الولايات المتحدة تريد هذه الجريمة سيفا مصلتاً على سوريا لابتزازها في موضوع العراق وفلسطين؟
الاميركي تراجع مشروعه في المنطقة صحيح. لكن دعني اقول شيئا الاميركيون دخلوا العراق ووقفوا ضد الحالة السنية في العراق. اليوم ماذا حصل؟ خلقوا حالة من الصراع السني ¬ الشيعي في المنطقة. هم اليوم ببيعون السلاح في المنطقة. أتوا بالفرنسيين واستطاعوا استيعاب خسائرهم في لعبة القوى الكبرى. الاستراتيجية الاميركية هي اليوم احتواء ايران وعزل سوريا عن ايران. تسألني هل تشكل المحكمة موضوع ابتزاز في هذا الموضوع؟ اقول نعم قد تشكل, لكن هذا لا يعني ان الولايات المتحدة لا تريد لموضوع المحكمة ان ينتهي بسرعة. ولكي تستطيع اميركا ان تستخدم المحكمة كمادة ابتزاز يجب ان يستكمل التحقيق لكي يكون هناك حالة او قضية. ثانيا ان الاميركي لو كان يعرف ان التحقيق سيوصله الى مكان ما في موضوع استخدام المحكمة كورقة ابتزاز لكان ربما اتجه الى طريقة اخرى ولا سيما انه قد مضت على هذه الجريمة ثلاث سنوات. صحيح ان اميركا قد تكون غير قادرة على شن حرب جديدة في المنطقة, لكن اميركا قادرة على تغيير استراتيجيتها واستيعاب خسائرها ونحن في النهاية من يدفع الثمن هناك. لعبة كبرى وخطرة في العالم وليس من السهل ان يديرها شخص واحد. اميركا مثلا لم تعرف بـ 11 ايلول واميركا لم تكن تعرف مثلا حجم قوة «حزب الله» في تموز 2006 وفوجئت بنوعية الاسلحة التي يملكها.
- كيف ترسم صورة العقل المدبر لهذه الجريمة؟
¬ ربما يكون الامر كما قال براميرتس ان انتحاريا قد فجر موكب الرئيس الحريري وفي ذهنه انه يفجر موكب شخص آخر. رأيي ان هذه الشبكة من أعلى الهرم ونزولا ليست شبكة شخص واحد. هناك مقرر ويعرف أهمية الجريمة وتداعياتها, وهناك ايضا من يملك سلطة اتخاذ القرار بالتنفيذ وهناك من ينفذ. بمعنى آخر تنفيذ هكذا جريمة يحتاج الى شبكة منفذين, وفي هذه الشبكة هناك امكنة تكون فيها الامور مترابطة وهناك امكنة المطلوب فيها عدم معرفة من اين أتى القرار. اذاً انت تقول ان هناك من قرر وهناك من ركب الآلية وهناك من نفذ. من يعرف المسؤول الذي هو فوقه؟ هذا الامر يكون حسب المستوى اي الذي قرر يعرف الذي خطط والذي خطط يعرف من أوكل اليه اعداد آليات التنفيذ وبعدها تضيع وتختلط الامور. العقل المدبر يبحث في كل التفاصيل الخاصة بحياة المستهدف. مثلا اذا كان هناك انتحاري قد نفذ الجريمة فان مدبري الجريمة كانوا يعرفون ان نظام التشويس عند الرئيس الحريري لا يمكن اختراقه. والذي وضع الف كيلوغرام من المتفجرات كان يعرف ان موكب الرئيس الحريري كان يتألف من عدة سيارات ويمكن ان يبدل بين سيارة واخرى ومع هذا لم تنفجر الفجوة الا عند باب سيارته وهذا يتطلب معرفة الواقع السياسي والاجتماعي الذي كان سائدا في تلك الفترة.
- بعض الاجتهادات استندت الى مصادر في لجنة التحقيق الدولية لتقول ان الجريمة تم التخطيط لها قبل حوالى سنة من وقوعها. ماذا تقول؟
¬ التخطيط الاطول يمكن ان يقود الى المزيد من الترتيب والتنظيم, لكن في الوقت نفسه يعرضك الى احتمال الانكشاف. الوقت القصير يعرضك للوصول الى امر غير كامل وغير ناجح. السؤال هنا: الألف كيلوغرام من المتفجرات كيف أدخلت؟ هل دخلت كيلو كيلو مثلا؟ حتما لا. اذاً بين طول المدة وقصرها هناك اطار اجتماعي وسياسي وقدرة على التنفيذ وعلى التخطيط وعلى التركيب.
- المحقق الجديد هل يدخل في مرحلة حصر المسؤوليات؟
¬ انا اعتقد ان بلمار سيكون آخر المحققين لأنه إذا اخذنا موضوع انشاء المحكمة وموضوع تعيين القضاة فاننا نجد اننا ذاهبون الى مرحلة يتلاقى فيها القرار الظني مع تشكيل المحكمة وتمويلها ومكانها اذ لا يمكن اصدار قرار ظني ان لم تكن المحكمة جاهزة والمحكمة يجب ان نخلق لها كل آلياتها بما فيها مرحلة التمييز ومرحلة الاستئناف.
- هكذا جرائم هل يمكن لمن دبرها ان يتحكم بتداعياتها؟
¬ هنا حدث شيء نسميه حصول اللامتوقع. مثلا بن لادن خطط لـ 11 ايلول ولكن لا بن لادن ولا اميركا كانا يتوقعان نجاح العملية بهذا الشكل, وبن لادن عندما يخطط لعمليته لم يكن يتوقع ان تأتي اميركا وتغزو افغانستان, ومن ثم العراق. في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ربما لم يتوقع البعض رد الفعل الذي حدث وان يتحرك العالم كله للتحقيق في مقتل فرد واحد.
منيف عويدات: الجريمة دولية... وميليس لا يعجبني
القاضي منيف عويدات حصر قراءته في اخطاء ميليس وتوقف عند مواصفات الجريمة المنظمة مؤكداً ان اغتيال الرئيس الحريري وكل الاغتيالات اللاحقة لا يمكن ان تكون فعل افراد مهما بلغوا من قوة.
- ما الذي خالفه ميليس من اصول التحقيق وما الذي تمسك به براميرتس من هذه الاصول؟
اولا قبل الخوض في هذا الموضوع اود أن اقول ان هذه الجريمة المدانة هي جريمة كبيرة جدا ومنظمة تنظيما دقيقا, وليست من الجرائم التي يسهل اكتشافها بسهولة. وعادة ما تكون الجرائم الناتجة من تفجير اصعب من الجرائم الناتجة من اطلاق النار. والقضاء اللبناني يفعل كل ما في وسعه لاكتشاف هذه الجرائم, لكن ذلك يحتاج الى وسائل تقنية حديثة ليست متوفرة عندنا في لبنان. ان بجريمة اغتيال الحريري ابعاداً متسعة تتخطى حدود لبنان, بحيث ان القضاء اللبناني قد لا يستطيع ان يضع يده على كل معطياتها, لهذا السبب كان اللجوء الى التحقيق الدولي, ومن ثم المحكمة الدولية او المحكمة التي لها طابع دولي. في بداية التحقيق جاء المحقق ميليس الذي تم كف يده, لانه قال كلاما في هذا الموضوع لكنه بقي كلاما من دون ادلة ملموسة وجدية تجعل القاضي مطمئن الضمير اثناء نطقه بالحكم في هذه القضية. المطلوب في هذه الجريمة عدم الوصول الى حكم يقوم على البراءة للشك وعدم كفاية الدليل. ميليس خالف اصول التحقيق حين راح يتكلم علنا عن نتائج تحقيقاته. المحقق لا يجوز ان يعلن نتائج تحقيقاته, وهذا جرم جزائي. اما براميرتس فكان متكتماً بشكل جيد وهو في كل تقرير كان يقول ان التقرير القادم سيجيب عن بعض النقاط التي كانت موجودة في التقرير الذي سبقه, اي انه كان يحاول ابعاد الامور عن بعضها البعض, ورأيي انه لو كان توصل الى نتائج جدية جدا لما كان قد غادر منصبه هو ايضا. الآن هناك المحكمة الدولية التي يعود اليها الوضع برمته, وهناك نوعان من المحاكم: الانغلوسكسوني والفرنسي. نحن نعتمد النظام الفرنسي الذي يكون من ضمنه وجود مستنطق ومدع عام. اما في النظام الانغلوسكسوني الذي ستعتمده المحكمة الدولية فالمحقق هو نفسه المدعي العام, وهو الذي يتهم وهو الذي يستدعي شهودا. وبمعنى آخر نظام المحكمة الانغلوسكسوني هو نظام محاكمة طويل جدا. هذا النوع من الجرائم هو من الجرائم المسلسلة, وبكل اسف الذين يرتكبون هذا النوع من الجرائم يستمرون فيها لانهم يرون ان جرائمهم لم تكتشف, ولو ان اول جريمة اكتشفت في هذا المسلسل لما كانت الجرائم الاخرى قد وقعت. المجرم يرتاح عندما يرى نفسه في امان والقضاء اللبناني ماذا يستطيع ان يفعل اكثر مما يفعل حاليا, هو يفعل كل ما في وسعه ضمن الامكانات المتاحة له.
- ما هي ابرز النقاط التي استوقفتك في تقارير ميليس؟
¬ انا بصراحة لم تعجبني تقارير ميليس لأن هناك امورا برزت عنده تنم عن جهل في امور التحقيق. مثلا عندما قرر وضع الضباط الاربعة في السجن بناء على افادة شاهد معين تكلم وكأنه كان مشاركا في كل تفاصيل الجريمة, معتبراً ان سوريا هي التي قتلت الرئيس الحريري, وهؤلاء الضباط هم اداة التنفيذ. نحن هنا لا ندافع عن احد, لكن هذا الاتهام يعوزه الدليل. كان المطلوب الاتيان بهذا الشاهد الى المحقق العدلي اللبناني لاخذ افادته. المحقق العدلي اللبناني لم يأخذ افادة هذا الرجل الذي ذهب الى باريس في ظروف غامضة ولا احد يعرف شيئاً عن ظروف اقامته هناك. ميليس احتكر التحقيق وانتقلت العدلية الى المونتفردي, وانا طالبت علنا بكف يده لانني اعتبرته يضلل التحقيق. واذا رجعنا الى مسألة تفجير مقهى في المانيا الذي اتهمت به ليبيا وراجعنا دور ميليس وقتها يوم كان هو المدعي العام في برلين, نستطيع ان نطل على الدور الذي قام به في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. قرارات مجلس الامن مثلا كانت تطلب من سوريا المساعدة في هذه الجريمة, في حين ان براميرتس قال انه تلقى مساعدة ايجابية من دمشق, وهذه ايضا من الامور التي يجب التوقف عندها في هذه المسألة. هل من المعقول ان تتهم شخصا بالقتل ثم تطلب منه ان يساعدك في التحقيق؟
- هل تصنف هذه الجريمة في خانة ما يعرف بالجريمة المنظمة؟
¬ الجرائم المنظمة تتم من خلال كتاب خاص بها, وهذا الكتاب تجده في مسرح الجريمة. وفي هذا الكتاب فصول خاصة حول كيفية التشويش على التحقيق. وفي جريمة اغتيال الرئيس الحريري نجد الكثير من هذه الفصول. اولا هناك مسألة ابو عدس. هنا اود ان اسجل ملاحظة هامة سجلتها كمحقق في هذا الشريط, وهي ان الشخص الذي كان في الشريط كان شخصا يتكلم من دون ان يتحرك, وهذا امر غير معقول, مما يدل على ان ابو عدس قد اخفي بعد تسجيل صوته في هذا الشريط. وهناك ايضا ملاحظة اخرى جديرة بالتوقف عندها وهي من فصول تضييع التحقيق, وهي مسألة الحجاج الاستراليين الذين وجدت بقع من مادة الـ«تي. ان. تي» على ثيابهم وعلى مقاعد الطائرة. وهذا الامر ايضا من فصول اضاعة التحقيق. السؤال الكبير هنا من هي هذه الجهة التي كانت تعرف هؤلاء الحجاج وكانت تعرف ساعة اقلاع طائراتهم؟ في التحقيق يجب على المحقق ان يتابع اصغر الامور الجزئية الصغيرة التي قد توصل الى الامور الكبيرة, والتي قد لا توصل لكن يجب عدم اهمالها. مثلا هناك السؤال التالي: هل تم التركيز بجدية في التحقيق على مسألة التبديل المفاجئ الذي جرى في حرس الرئيس الحريري في الليلة التي سبقت وقوع الجريمة؟ هناك شخص ما تخلف عن اللحاق بموكب الرئيس الشهيد بحجة انه ذاهب لاجراء فحص دم. طبعا انا لم اقل ان هذا الشخص كان يدري ان الجريمة ستقع, لكن التحقيق يجب ان يسير وراء كل الخيوط والاحتمالات. هناك ايضا مسألة الشاحنة التي فجرت في الموكب, والتي قيل انها سرقت من اليابان, لماذا حتى الآن لم تتم الاجابة كيف دخلت الشاحنة الى لبنان, ومن الذي ادخلها؟ عندما نعرف كيف تم ذلك نكون قد قطعنا شوطا بعيدا في مجال كشف الجريمة.
- هل يمكن ان تكون هذه الجريمة فعل دول معينة؟
¬ الجريمة المنظمة في مستوى جريمة اغتيال الرئيس الحريري وما تلاها من جرائم, من الصعب جدا ان يرتكبها افراد مهما بلغوا من قوة. الافراد قد يكونون اداة تنفيذ, لكن دائما وراءهم دول واجهزة مخابرات قوية جدا. وانا ارى ان جميع الجرائم التي ارتكبت في لبنان منذ ثلاث سوات تقف خلفها جهة واحدة.
- كيف تنظر كقاض لبناني الى مسألة كف يد القاضي عيد عن ملف الجريمة؟ وهل هذا يدخل في اطار تضييع بعض فصول التحقيق؟
¬ القاضي الياس عيد من انزه القضاة في الجسم القضائي اللبناني, لكن هناك مسألة الخبرة في التحقيق والمحقق قراراته مبرمة ولا تقبل اي طريق من طرق الاستئناف سواء في مضبطة الاتهام او في اخلاء السبيل. كان من الممكن للقاضي عيد ان يخلي سبيل الضباط الاربعة من دون ان يتكلم في هذا الموضوع مع احد. موضوع كف يده للارتياب المشروع امر اراه في غير مكانه ابدا واضعه في سياق الامور المتعلقة باضاعة التحقيق.
- هل ان اغتيال الرئيس الحريري بحسابات لبنانية داخلية؟
لا اعتقد ان اغتيال الحريري له ابعاد لبنانية صرف لأن الرئيس الحريري كانت علاقاته حسنة مع جميع الاطراف السياسية في لبنان, بالرغم من كل المناكفات السياسية التي كانت تحصل بينه وبين بعض الاطراف السياسية المحلية وهذا امر عادي في الحياة السياسية اللبنانية لكنه لا يمكن ان يؤدي الى جريمة من هذا النوع وبهذا الحجم. جريمة اغتيال الحريري هي جريمة دولية.
|