بات واضحاً لأي محلل متابع أن توافقاً دوليا قد تبلور حول ما يجري في سورية منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين شهراً ، وأنه إرهاب وتخريب تدعمه أطراف دولية معادية للدولة السورية ، بسبب مواقفها وسياساتها تجاه قضايا المنطقة وبالأخص تجاه الاحتلال الاستيطاني الصهيوني وانتهاك حقوق الشعب السوري في فلسطين والجولان والجنوب وأغوار الأردن ، ووقوفها الصلب إلى جانب المقاومة التي تتصدى لهذا العدوان على اختلاف مسمياتها وتنظيماتها ، وأن هذا التوافق الدولي قد يتبلور إلى إجراءات عملية على أرض الواقع لمحاربة التحالف الإرهابي الواسع في المنطقة وتجفيف مصادر تمويله ودعمه رغم الأصوات المعترضة والتي ستتضرر مصالحها حتماً ، وقد ينقلب الأمر عليها ويتهدد وجودها ككل أو استمرار سلطتها حيث هي قائمة ، كما في السعودية وتركيا وغيرها .
التوافق الدولي ( بين الدول العظمى على الأقل ) أفرز قراراً بانعقاد مؤتمر جنيف 2 على قاعدة مقررات جنيف الأول ، والدولة السورية أعلنت موافقتها رسمياً ، فهي لا تخشى ما قد ينجم عن انعقاد هذا المؤتمر طالما لا شروط تحكم انعقاده ، في حين تعلن أطراف المؤامرة وأدواتها السورية عن الرفض طالما لا يكون بداية لاستلام السلطة كبديل ، والتحكم بمصير الشعب السوري الرافض أغلبيته لهؤلاء ومشاريعهم – ارتباطاً وتاريخاً وتبعية – بعد أن تأكد لهذا الشعب عبر تجربة مريرة عاشها وما يزال ، نوعيتهم وتوجههم للتربع على قمة السلطة من منطلق مصالحهم الشخصية ودون أن يعلنوا عن برنامج أفضل أو شبه مشروع يحفظ حقوق الشعب أو يطور حياته ، على العكس يمارس أزلامهم ومرتزقتهم عمليات قتل واضطهاد وتهجير لشرائح واسعة من الشعب ، ونهب وتخريب لما هو قائم من مؤسسات ومنشآت ( مستودعات وقود وأغذية وأدوية ومحطات توليد للطاقة وغيرها ) وهم يحيلون الحياة إلى جحيم وتشرد ومجاعة ، ويعملون لتنفيذ أجندة موضوعة لهم قبل انخراطهم في تنفيذ المؤامرة.
إن المؤتمرات المشابهة عبر التاريخ الإنساني المعروف ، اقتضت أن يكون للأطراف ما يسند ادعاءاتها أخلاقياً وقانونياً ، ووجوداً على أرض الواقع ، ونرى أن الدولة السورية تمتلك هذه المقومات كاملة ، في حين الأطراف الأخرى ، وهي ليست طرفاً واحداً ، لا تمتلك من هذه الأسناد إلا القليل الذي لا يؤهلها لوضع شروط ، ومشاركتها ليست واجبة بالضرورة وقد تندرج في لزوم ما لا يلزم ، الطرف المواجه يجب أن يكون صاحب قرار ، وهم ليسوا أصحاب قرار ويدرك المجتمع الدولي والمحلي العربي والسوري أنهم مجرد أدوات متنافرة ، متصارعة ، يجمعهم هدف واحد هو إزاحة السلطة القائمة والصراع فيما بينهم آجلاً ، وعاجلاً للحلول مكانها ، وهم هنا لا يأخذون برأي الشعب الذي يدعون تمثيله والدفاع عنه ، ويتجاهلون منطق الأمور والأهداف المعلنة التي تدعمها كل القوانين والشرائع الدولية وجوهرها حق تقرير المصير ، الشعب السوري يقبل بذلك ويحرص على حقه في أن يكون صاحب القرار ، لا أن يتجاوزه المتصارعون فيضعونه جانباً ، وفي الوقت الذي تتبنى فيه كل المصادر الحكومية اتجاه الحق الشعبي ، نرى خطاب المعارضات يرفض بشكل قاطع هذا التوجه ويطالب باستلام سلطة لا حق له فيها إذ أن انتخابات لم تجر ولم يحصل على تفويض الأغلبية ولو بالقدر الذي يحصل عليه رئيس أمريكي مثل – بوش وأوباما - ولو كان لديهم ثقة بأنهم قد يحصلون على نسبة 20% لما ترددوا في القبول ، فربما يحصلون حينها على شرعية تمثيل ومشاركة ضمن هذه النسبة .
جنيف الدولي بين إيران من جهة والستة الكبار أنتج واقعاً موضوعياً يراعي حقوق الدولة الإيرانية ويقدم ضمانات مطمئنة إلى المجتمع الدولي ، ويراعي مصالح الجميع ، وأمكن القول بأن الجميع خرج منتصراً ، وحدها دول بعينها لا يوافق نهجها هذا الاتفاق ، ليس لعدم موضوعيته وأحقيته بل لأنها انتظرت مبادرة عسكرية غربية تحطم هذه الدولة سريعة التطور ، وتوقف انطلاقتها إما لأنها تعتبرها خطراً مستقبلياً على وجودها ( إسرائيل ) أو لأنها تعتبرها منافسة بشكل ما وأنها أيضاً تشكل خطراً على وجودها متجاهلة الخطر الحقيقي القائم وهو الترسانة النووية الصهيونية ( السعودية ) ، وهنا لا بد من تحليل المواقف السعودية التي يعبر عنها رموز من العائلة السعودية أو من جيش الأتباع من محللين سياسيين وعلماء اجتماع ، وأغلب هؤلاء يركز على مقولة التدخل الإيراني في الدول العربية ومحاولة توسيع النفوذ الإيراني كما في سورية ولبنان والعراق ، وكأن الأصابع السعودية لا تعبث ولا تتدخل في هذه الدول ، هذا ما يبعث على الحيرة على ما فيه من تناقض ، السعودية التي تتدخل في تفاصيل الحياة اليومية في سوريا وعلى كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والدينية وهذا ليس من حقها ، وتشعل النيران في العراق ( عمليات التفجير ) وفي لبنان ( إثارة النعرات المذهبية ، وأعمال الشغب ضد الجيش اللبناني في صيدا وطرابلس ) ، إنما تقدم المبرر الشرعي لتدخل الآخر أي كان ، الناطقون باسم السعودية لا يتطرقون إلى التدخل التركي أو الأمريكي ولا الغربي بشكل عام ، وعلى الأرجح ينسقون مواقفهم مع العدو الصهيوني ، ويتجهون لتبني "زعامات سورية" – أو هكذا يسمونها – مرفوضة من الشارع الوطني ، مغمورة أو أن تاريخها حافل بالمفاسد والارتباطات المشبوهة ، شخصيات تثير حساسية لدى العامة من الشعب السوري ، وما ادعاء السعودية حق تمثيل شريحة أو عقيدة ، أو مذهب بعينه على الساحة السورية ، إلا وهو السبب في اندفاع أطراف أخرى لادعاء نفس الحق ، أي أن لإيران نفس الحق طالما تركيا تتشارك والسعودية ، ويرتب لروسيا حقاً مماثلاً على شريحة أو طائفة أو مذهب ، ولفرنسا .... و ، فهل أصبح الشعب السوري مجرد شرائح ومذاهب وأطياف تحتاج لوصاية وحماية متعددة ومتنوعة في حين يؤمن أغلبية السوريين بأنهم ينتمون إلى أمة واحدة ، ووطن واحد وأنهم ليسوا بحاجة لحماية أحد وبالأخص السعودية وتركيا ولا حتى فرنسا.
إعلان الموافقة الرسمية السورية على المشاركة في جنيف 2 دون شروط ، لا تعني أن انعقاده أصبح قائماً ، ولا حتى تحديد التاريخ من قبل الأمين العام للأمم المتحدة ، كما أن رفض الجماعات الإرهابية المتصارعة على الأرض ، والجماعات السياسية التابعة لشتى الدول ، القابعون في اسطنبول أو باريس أو الدوحة ، يعني أن الانعقاد أصبح بحكم المستحيل ..! جنيف 2 أو ثلاثة أو حتى خمسة قد ينعقد ، وقد لا ينعقد أي منها لأن هذا الأمر يتوقف على عاملين أساسيين الأول : استمرار القدرات الحكومية السورية على لعب دورها وأداء واجباتها تجاه الغالبية العظمى من الشعب ، حتى الذين غرر بهم ، أمنياً ، واقتصادياً – معيشياً وتعليمياً وصحياً ، وقد أثبتت حتى اللحظة أنها الأقدر والأنجح في أداء هذا الدور . العامل الثاني : هو أداء الجيش الوطني السوري ، وقدرته على استمرار تماسكه ونجاحه في تحطيم مكونات الإرهاب ودحر عناصره ، وهو الأمر الذي أثبته هذا الجيش ، واعترفت له به القوى الدولية العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا ، ولأن مهامه من أصعب المهام القتالية في كل أنواع الحروب فإن مطالبة البعض بسرعة الحسم لا تأخذ بالحسبان أن العصابات المسلحة تلجأ بعد كل معركة وهزيمة إلى الهرب والانتقال إلى مناطق جديدة آمنة ليس فيها وجود عسكري أو أمني لتمارس طقوسها في القتل والنهب والتخريب ، وأن مساحة الدولة السورية الحالية تقارب 200 ألف كيلو متر مربع ..! ومع ذلك يمكن القول أن المجريات والوقائع تشير إلى هزيمة ساحقة لمشاريع الإرهاب ومنع سيطرة الجماعات المتخلفة على الوطن السوري وهذا ما يدفع إلى القول بأن لا حاجة إلى جنيف 2 ، وأنه لن ينعقد ، بل ستنعقد راية النصر للجيش الوطني السوري ، وللشعب السوري الذي يقف خلفه بكل ما يملك ، حينها سيقرر الشعب أي حكم يختار وأي حرية وأي مستقبل وأي شخصية لتقود سفينته إلى بر الأمان .
|