إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

«أنسنة» اللغة.. بمواجهة حركة العولمة الثقافية؟

نظام مارديني - البناء

نسخة للطباعة 2017-10-11

إقرأ ايضاً


فتحت ثورة المعلومات والاتصالات المتطورة الباب على مصراعيه أمام صراع عالمي متوقع على ساحة الثقافة عموماً، وعلى جبهة اللغات خصوصاً. وقد برزت ملامح المشهد اللغوي وتداعياته خلال العقدين الماضي الحالي، من خلال الحفاظ على التنوّع اللغوي والتعدّدية الثقافية في العالم، رغم أن حركة العولمة الثقافية بدأت بتهديد الجماعات الإثنية بإفقادها خصوصياتها اللغوية وأنماطها الحضارية.

إن البحث في موضوع العلاقة بين الهوية والقومية، والإثنية، والدينية للجماعات داخل مجتمع معين وطبيعة اللغة التي يتحدثون بها، يتطلب ضرورة أن تشكل الهوية الجزء الأهم في أي دراسة أكاديمية ميدانية تجري حول اللغة إذا ما أريدَ للنظرية اللغوية أن تتطوّر، وتعاد إليها نزعتها الإنسانية.

صحيح أن كتّاباً يتبنون الطرح الاجتماعي الأيديولوجي لدراسة اللغة، إلا أنهم يوضحون أيضاً سبب عجز اللسانيات البنيوية أو اللسانيات «المستقلة بذاتها» عن تقديم تفسيرات وتأويلات للأنماط اللسانية المستعملة داخل مجتمعات يغلب عليها الطابع الإثني، والمذهبي/الطائفي.

بهذا المعنى يحدد الباحثون أهدافهم النظرية التاريخية حول اللغة والهوية وأشهر اللغويين المحدثين الذين اهتموا بها، إضافة إلى الجانب التطبيقي من خلال بحوث ميدانية قاموا بها في أماكن عدة من العالم.

إن محاولة تقديم نظرة شاملة عن كيفية تشكّل الهويات القومية، والإثنية، والدينية عبر اللغة، وكيفية تشكّل اللغات عبرها. والهدف منها تبيان كيف أن هذا الفهم للغة أصبح جزءاً من علم اللغة الحديث.

ويتساءل كثير من اللغويين، خصوصاً أولئك الذين يؤمنون بـ«استقلالية» العقل اللغوي، عمّا إن كان للغة في علاقتها بالهوية، أي صلة بها، في نطاق ما يدرسونه، بوصفها نسقاً شكلياً من التمثل والتواصل. وعلى الرغم من أن أي دراسة لغوية تحتاج الى أخذ الهوية في الاعتبار، إذا أرادت أن تكون دراسة تامّة وغنية، وذات مدلول، لأن الهوية ذاتها لا يكتمل مدلولها إلا في جوهر اللغة، وفي الطرق والأسباب التي عملت على ظهورها، وفي كيفية تعلّمها واستخدامها كل يوم من قبل كل مستخدم لغة في كل وقت وحين.

ومن هذا المنطلق، تتجلّى أهمية البحث في اللغة والهوية، وعلى نطاق واسع، في مساهمته في إعادة «أنسنة» علم اللغة. وقد بدأ هذا المشروع من «الأنسنة» بصورة متقطعة، منذ الثلث الأول من القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين.

في كتابه الموسوم «موسوعة العامية السورية»، يرى الباحث السوري اللغوي ياسين عبد الرحيم في سياق شرحه للغاية من وضع هذا الكتاب، بأن اللغة هي بنت الحاجة والاستعمال، باعتبارها تعبيراً عن تجارب واحتياجات وثقافات معينة، وهذا ما شدّد عليه المفكر النهضوي انطون سعاده بقوله إن «كل مجتمع يجب أن يكون له وسيلة أو وسائل، لغة أو لغات، لهجة أو لهجات يتخاطب بها أفراده ويتفاهمون ويتفاعل تفكيرهم وتزداد ثروتهم العلمية»، ويتابع سعادة بالقول «إن اللغة وسيلة من وسائل قيام الاجتماع لا سبباً من أسبابه، إنها أمر حادث بالاجتماع في الأصل لا أن الاجتماع أمر حادث باللغة».

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024