إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ذكرى الإبادة الجماعيّة «شاتو دسيفو».. شهداؤنا «السريان» السوريون.. أنتم في البال

نظام مارديني - البناء

نسخة للطباعة 2019-04-24

إقرأ ايضاً


في البداية يمكن القول إن أي قراءة موضوعية لا تأخذ في الاعتبار التركيب الاتنولوجي ـ السكاني لمنطقة سورية الطبيعية، قراءة لا تصل إلى نتيجة، لأنها تتعامى عن الواقع ولا تستعمل المنهج العلمي في تحليلها للأمور. وبالتالي تبقى النتيجة النهائية لها مجردة من الواقع وبعيدة عن التفكير العلمي بالمستقبل.

ولكن من ركام تفاصيل هذه القراءة، واللهب الذي تصاعد من جراح الذاكرة، ثمّة رأي عام يؤكّد أن مشاريع إبادة السريان في بداية القرن العشرين، استمدّت جذورها من الأيديولوجية العنصرية لتركيا الطورانية، التي وعلى رغم زعمها بأنها لا تتحمّل مسؤولية عمل قامت به جمعية الاتحاد والترقّي، منذ قرن ونيّف، إلا أنها تدرك جيداً أن اعترافاً من هذا النوع يعني استعادة الأراضي السليبة التي هُجّر منها السوريون بجميع عناصر مزيجهم الذهبي.

لسنا من الذين يمشون وراء جنازة «غودو» ولا ننتظر أحداً، بعدما تحوّلت ذكرى «شاتو دسيفو» أيقونة يضعها كلّ سوري حر على جبينه الذي تُقبّله الشمس، فمَن يداوي مدننا الشمالية المنائر المحتلة من قبل تركيا، من جراح وفتوق ودمامل الاحتلال؟ ومَن يستردّ بهاءها غيرُكِ أيها السوري؟

ويذكر أنه كان قد أطلق على عام 1915، وهو السنة التي بدأت بها المجازر في منطقة طور عابدين، بـ «شاتو دسيفو»، أي «عام السيف»، كما عرفت اختصاراً بـ «قطَلعَمّو» أي بمعنى «التطهير العرقي»، وكان من أبشع المجازر المنضوية تحت اسم «مذبحة سيفو» بين عامي 1914 و1923، مجزرة دياربكر، ومجزرة طورعابدين، ومجزرة ماردين.. ومجزرة دير الزور، التي هاجر إليها عدد كبير من السريان والأرمن هرباً من القتل على يد العثمانيين، وغيرها العديد، ولا تزال العديد من العائلات السريانية تقطن في تلك المناطق.

وهكذا فرغت أجمل المدن السورية القديمة من سكانها، وهي المدن التي لعبت دوراً مهماً في النهضة السورية: نصيبين، ماردين، حران وأورفا مركز اللغة السريانية، عدا عن «مديات» عاصمة أول مملكة آرامية تعود للقرن الثالث عشر ق.م. «مملكة بيت زماني».

ويعتقد المؤرخون أيضاً أن السبب الرئيسي وراء تورّط مرتزقة أكراد في المجازر هو الانسياق وراء حزب تركيا الفتاة الذين حاولوا إقناعهم أن المسيحيين الموجودين في تلك المناطق قد يهدّدون وجودهم، ما يشير إلى أن الحملة كانت متعمّدة ومقصودة من أجل تطهير عرقي ضد المسيحيين، وعبر استخدام الخيالة الحميدية المكوّنة من عشائر كردية للقيام بالإبادة.

وفي السنوات الأخيرة شهدنا اعترافاً من دول ومنظمات وأحزاب بالمجازر، كما قامت شخصيات وأحزاب كردية بالاعتذار عن دور الأكراد في مجازر السريان والأرمن، ولعل أبرز تلك الشخصيات زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان.

نودّ أن نؤكد في هذه القراءة المقتضبة أن ظلمين لحقا بـ «سيفو»، الاسم الذي أطلق على الإبادة الجماعية التي لحقت بأهلنا من السريان السوريين في العام 1915، والتي نفّذها العثمانيون، مستخدمين السيوف والمرتزقة قوات الفرسان الحميدية التي شكّلها السلطان عبد الحميد في نهاية القرن التاسع عشر، والتي كانت عبارة عن تجمّع لقوات المتطوّعين من الإقطاعيين الأكراد ، في هذه المجزرة الشنيعة.

الظلم الأول الذي لحق بـ «سيفو»، هو من وسائل الإعلام الدولية التي لاحقت أخبار الإبادة الأرمنية التي قدّرت بمليون ونصف المليون شهيد، في حيت غابت المجازر التي لحقت بأهلنا من السريان، والتي قدر ضحاياها المراقبون بـ 750 ألف شهيد.. فهل تمّ تصنيف الإبادة السريانية كجزء من الإبادة الأرمنية، لذا لم تحظَ مذابح «سيفو» باهتمام كبير!؟

الظلم الثاني الذي لحق بـ «سيفو»، هو غياب الإعلام السوري عن ملاحقة الدولة التركية وفضحها على الصعيدَيْن، الحقوقي والإنساني، استكمالاً لتجريم هذه الدولة في المحافل الدولية. فهل سيتمّ تعويض هذا الغياب من قبل الدولة السورية والبدء بجمع الملفات والشهادات من أسر وأفراد أحياء بهدف توثيق هذه الجريمة بحق أهلنا وشعبنا في المناطق المحتلة من قبل تركيا، لا سيما أن بعض السريان لا يزالون يحتفظون بصكوك ملكية أراضيهم وبيوتهم التي هجّروا منها بالقوة، على أمل أن يستعيدوا بالقانون لاحقاً ما خسروه بالإرهاب والقهر وحدّ السيف سابقاً.

صحيح أن الجهات المعنية في سورية كانت قد وافقت على بناء نصب تذكاري أتى على شكل مجسّم «قوس كبير وشعلة» في «حديقة القشلة» في «باب توما»، والتي سُمّيت أخيراً بحديقة «شهداء السريان»، بناء على طلب بطريرك الكنيسة السريانية في العالم أفرام الثاني، من الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي وافق على طلبه لإحياء ذكرى مرور 100 سنة على مجازر «سيفو» على السريان والأرمن، وقد أشار وقتها مدير العلاقات العامة والبروتوكول في بطريركية السريان الأرثوذكس في دمشق، الربان موريس عمسيح، في لقاء خاص مع وكالة «سبوتنيك»، إلى أن كلمة «القشلة» تعني ثكنة باللغة العثمانية، وحتى تنتزع من أذهان السوريين تكرار هذه الكلمة، فقد جرى تسميتها بحديقة «شهداء السريان»..

ولكن السؤال الذي يراود كافة السوريين، هل تكفي موافقة الدولة السورية على إقامة حديقة لشهداء أهلنا من السريان لكن نحفظ حق أهلنا الحقوقي في الارض السورية المحتلة، أم أن على الدولة أن تسارع إلى جعل هذه الذكرى الأليمة من ضمن المنهاج المدرسي والتعليمي كي تتناقلها اجيالنا من جيل إلى جيل؟ وهل يعترف البرلمان السوري بهذه المجازر بحق أهلنا اسوة باعتراف البرلمانات الأجنبية بذلك؟

في المنشور البطريركي بمناسبة الذكرى الثالثة بعد المئة لمجازر الإبادة السريانية «سيفو» يقول: «نفتخر بشهدائنا افتخارنا بالصليب الذي من أجله استشهدوا، ولذا نسعى أن يبقى ذكرهم حيّاً.. ، فنستمدّ الأمل من سيرهم وتضحياتهم لأيّامنا التي تكاد تشابه تلك الأيّام».

في نهاية مسرحية غاليلو لبريخت، بعد أن يتراجع غاليلو عن آرائه، يقول له تلميذه اليافع في ما يشبه العتاب: ما أتعس الأمة التي بلا أبطال، فيردّ عليه غاليلو قائلاً: ما أتعس الأمة التي تحتاج إلى أبطال.. ما أودّ قوله حول الموقف المتاح للدولة السورية اليوم لتمارس فضيلتها، هو: هل بشجاعة الصمت أم بشجاعة الكلام حول المجازر التي طالت أهلنا من السريان، لأن هذه المسألة كما المسألة الكردية هما مسألتان حقوقيتان تمسّان شعبنا السوري بكامل مزيجه الذهبي؟

ضوء

إذا قرأتم الإنجيل، إذا تلمّستم قدمَيْ يسوع المسيح السوري، فلسوف يُقال لكم: هذه هي مهمتكم وليست مستحيلة!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024