إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ذكريات ومعلومات حزبية عن بلدة بتغرين من الرفيق المربي طنوس المر

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2018-07-03

إقرأ ايضاً


عرفتُ بلدة بتغرين في صغري عبر المربية مريم المر(1) التي استقدمها عمي نجيب ناصيف للعناية بإبنته الطفلة ماري بعد ان كانت خسرت والدتها وهي في الشهر الثاني، ثم نقلها والدي إلى منزلنا، مع مربيتها، اثر وفاة والدها وهي في الخامسة من عمرها. كانت مريم تحدثنا عن "بتغرين" وتروي لنا عن الوزير والنائب كبريـال المر، وعن غيره من شخصيات البلدة.

وبعد أن انتميتُ إلى الحزب وتوليت مسؤوليات مركزية، رحتُ أتعرف الى الكثيرين من رفقاء بتغرين من بينهم أديب المر، مخايل المر، اللذين يصح أن أكتب عنهما، والرفيق بشارة المر (أبو جميل) أطال الله بعمره.

منذ ذلك الوقت وبتغرين تسكن ذاكرتي ووجداني، لذلك ما إن التقيتُ مدير مديريتها الرفيق د. مروان سماحة حتى تحدثتُ إليه عن أهمية نشر نبذة تعرّف عن بتغرين القومية الاجتماعية، فسارع إلى بحث الأمر مع الرفيق المربي طنوس المر فكانت منه هذه النبذة التي أنشرها على أمل أن ننشر لاحقاً نبذة تعرًف عن الرفقاء الشهداء، ومَن رحل من مناضلين كان لهم حضورهم في المسؤوليات، والنشاط القومي الاجتماعي .

الأمين لبيب ناصيف

*

في العودة إلى الماضي تسريح وتبريح واسترجاع لحوادث مرّت وتركت في الذاكرة صوراً وأثاراً، فيها من الحلاوة والمرارة الشيء الكثير، لكنها تترك ارتياحا في النفس لما تحقق، وأسفاً على أحلام انهارت وتلاشت، لكن الآمال ما زالت حيّة بانبعاث جديد يقضي على ما خلّفته الظروف والأحداث من ندوب أليمة موجعة.

عد بنا يا صاح إلى أوائل الخمسينات من القرن الماضي حيث نشأتُ وترعرعت في بيئة أرثوذكسية الإيمان والميول والمعتقد، ميّالة إلى كل ما له علاقة بالاتحاد السوفياتي ولو بالاسم، أليست روسيا مركز الثقل في جمهوريات الاتحاد السُّوفياتي وقد كانت عاصمة الأرثوذكسية أيام العهد القيصري؟ هي التي قدمت لبتغرين مدرستين ابتدائيتين، واحدة للفتيان وأخرى للفتيات تعلّم فيها الكثيرون من أهالي البلدة وما يزال قلة منهم أحياء؟

لذلك كانت غالبية الشباب، وخاصة الكبار في السن، من أنصار الحزب الشيوعي اللبناني وكان جوّ البيت الذي نشأتُ فيه، في هذا التيار. غالبية معتنقي العقيدة الماركسية في "بتغرين" كانوا لا يعرفون من الماركسية سوى اسمها، قلّة منهم كان على معرفة بهذه الأفكار.

الكثيرون كانوا معها لأن روسيا أرثوذكسية وهم أرثوذكس، وروسيا صديقة العمال وهم عمال كادحون.

من هذه البيئة انطلقتُ إلى مدرسة دير سيدة البلمند، هناك حصل تطور داخلي في أفكاري. لقد كنتُ دون الخامسة عشرة من عمري وعقلي مستعد لتقبل مختلف الأفكار والآراء خاصة التي تدغدغ عواطف البطولة والأفكار السامية. في مدرسة البلمند كان بعض المدرّسين من المنتمين إلى المدرسة القومية الاجتماعية وخاصة الناظر وأستاذ اللغة العربية الشماس فيليب صليبا، مطران أميركا الشمالية في ما بعد.

هذا الإكليريلي الفذّ صاحب الشخصية المميّزة العظيمة كان يتمتع بأسلوب تعليمي رائع، يغرس في عقول طلابه مبادئ العقيدة الاجتماعية وأخلاقها دون أن يأتي على ذكر المبادئ السياسية التي تشكل أساس العقيدة ولو مرة واحدة. لقد كان ينتقي لنا كمادة لتكوين أفكارنا وصقل نفوسنا ويعطينا كمادة إملاء أو إنشاء، أما الشعر فكان يختار لنا من القصائد التي تزخر بالروح الوطنية والإباء والعزة ومبادئ الأخلاق.

لقد أملى علينا قطعة بعنوان "هذا الجيل، جيل الشهادة" للأمين سامي الخوري، هي وحدها كانت كافية لتفولذ نفسية وعقلية فتيان في مثل سننا وتبعث فيهم روح التضحية وحب العمل والعطاء والتطلع إلى الأعلى والأسمى.

كما أعطانا قصيدة للشاعر أدونيس بعنوان "بلادي" تبدأ بالابيات التالية:

شذى كنت يا دهر ام كوثرا اتخذت بلادي مدى انورا

تــركز انـى تـشــــأ بعلبــــــــــــــــــك وتــــرفــــع أنــى تـشـــــــأ تدمرا

لقد كان هذا المعلم - الرسول يشجعنا على المطالعة واقتناء الكتب، مرة أعطيته خمس ليرات ليشتري لي كتاباً من إحدى مكتبات طرابلس. في اليوم التالي سلّمني كتاب "ذلك الليل الطويل" للأديب الرفيق محمد يوسف حمود وقال لي: هذا كتاب بمثابة سفر مقدس، اقرأه جيداً وتمعّن في محتوياته، ولقد أخذتُ بوصيته هذه.

تركتُ مدرسة دير البلمند بعد سنتين وأنا في صراع مع نفسي، أفكار قديمة موروثة، وأفكار جديدة ما تزال براعم مشوشة. الأفكار الجديدة رغم عدم وضوحها لكنها قوية ثابتة، جذورها عميقة في النفس لكنها غير واضحة أو مرئية. ودخلتُ إلى مدرسة الثلاثة الأقمار في بيروت.

في كلية الثلاثة الأقمار دخلتُ في عالم جديد تتصارع فيه المبادئ والأفكار وفي تشكيلات عدة للطلاب منها: الشيوعي والكتائبي والقومي وغيرها من العقائد، أما أنا فما كنتُ منتمياً إلى أية عقيدة بعد.

كنتُ في السنة المتوسطة الرابعة كما أذكر عندما دخلتُ في أحد الأيام إلى غرفة الصف فإذا على اللوح عبارة مكتوبة بخط جميل واضح:

"إن موتي شرط لانتصار قضيتي"

لقد استفزّتني هذه العبارة ولم أتمكن من معرفة السبب ودخلتُ في عداوة مع الطلاب القوميين في المدرسة الذين اتخذوا قراراً بمقاطعتي وعدم الكلام معي، إلا طالب واحد بقي يخاطبني وهو سامر غصن(2) ابن أخ حنا غصن صاحب جريدة الديار في تلك الأيام.

بعد فترة قصيرة فوجئت بسامر غصن يدعوني إلى ندوة إذاعية في منزل أحد القوميين الساكنين في شارع الحمراء. لم أتردد عن الحضور زعماً مني أني سأفحمهم بما عندي من ثقافة ومعلومات كنتُ أعتبرها على طرف نقيض من الأفكار التي سأستمع إليها في الندوة.

الاجتماع الذي دُعيت إليه كان في منزل السيد حسن شقير(3) نسيب القائد اللواء شوكت شقير قائد الجيش السوري. ذهبتُ إلى الإجتماع برفقة سامر غصن، وكان المحاضر كما عرفتُ فيما بعد السيد نعيم عبد الخالق(4) ناموس مكتب الرئاسة.

ابتدأت الحلقة وراح المحاضر يطرح علينا الأسئلة، كنت بين العشرين أو الثلاثين مشتركاً الأكثر إشراكا في المداولات والمداخلات التي تمّت.

في نهاية الاجتماع تبيّن أنني كنت الأكثر تفهماً للعقيدة القومية الإجتماعية وكانت مداخلاتي مطابقة للمفاهيم القومية وكم كان عجَب "نعيم عبد الخالق" عن عدم انسجامي وتقاربي من القوميين في مدرسة الثلاثة الأقمار.

أثناء الاجتماع وبينما كنتُ في حوار مع المحاضر، فُتح باب في اقصى الغرفة ودخل منه شاب طويل القامة عريض المنكبين يحمل على جنبه مسدساً، توقفتُ عن الكلام ظناً مني بأن الداخل أحد رجال الأمن سيّما أنني أذهب إلى الاجتماع بالسر. لكن المحاضر طلب مني متابعة الكلام بعد أن عرّفني على الشاب قائلاً: لا تخف هذا هو مشهور دندش(5) ابن مصطفى طعان دندش زعيم عشيرة الدنادشة.

بعد هذا الاجتماع علمتُ أنني قومي دون أن أدري، ثم عرّفني على أحد المسؤولين في بيت الطلبة كما قال لي بأنه سيدعوني إلى أداء القسم الحزبي في الأول من آذار في بيت الطلبة على يد منفذ منفذية الطلبة الجامعيين والثانويين الرفيق نزار المحايري(6) وبحضور الرفيق خالد قطمه(7).

في الموعد المحدد أقسمتُ اليمين وخرجت لحضور الحفلة الخطابية وكان على رأس الحضور الرئيس الأمين أسد الأشقر.

وصل الخبر إلى المطران إيليا الصليبي بأن اكليريكيا من المطرانية شوهد في احتفال الأول من آذار في بيت الطلبة في رأس بيروت، ولما سألني أنكرتُ بالطبع ونفيتُ أن أكون قد ذهبت إلى هناك وأنني أعرف شيئاً عن الموضوع. هكذا تمّ انتسابي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في الأول من آذار من العام 1956 .

" تركتُ مدرسة الثلاثة الأقمار ودخلتُ مدرسة الصنائع والفنون حيث تابعتُ نشاطي كمسؤول عن مفوضية الطلاب في "الصنائع" خلال السنة المدرسية، أما في الصيف فكنت أقضي العطلة في بتغرين حيث التحقت بالمديرية بصفة مذيع، وفي الوقت نفسه كمفوض لمفوضية الطلبة، استأجرتْ المديرية مركزاً لها تحت اسم مكتبة بتغرين الجديدة للمطالعة وكنتُ في الهيئة المشرفة على هذا المركز مع الرفقاء ميشال جبرايل سماحة وجرجس رشيد المر وفارس حنا المر .

جهّزنا المركز بمكتبة عامة ضمّت آلاف الكتب باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية وبالأثاث اللازم من طاولات وكراسٍ وأجهزة صوتية، ورحنا نعمل على تأسيس فرقة موسيقية، وجمعنا أكثر من خمس عشرة قطعة من "الترومبيت" و "الكلارينت" وغيرها وقمنا بالتعاون مع هيئة المديرية بإقامة احتفالات حزبية في مختلف المناسبات كما دعونا إلى اجتماعات إذاعية تكلّم فيها عدد من المفكرين القوميين مثل الأمناء: أسد الأشقر ويوسف الأشقر وبشير عبيد، وجورج مصروعة كما دعونا إلى ندوات شعرية القى فيها الشعراء القوميون بعضاً من شعرهم مثل الشاعر الامين نذير العظمة الذي حلّ ضيفاً على المديرية بمناسبة ذكرى الثامن من تموز.

" على الصعيد التربوي أسست المديرية فرقة للأشبال والزهرات جاوز عدد أفرادها السبعين فرداً وكنا نتعاون في تأمين الناحية الموسيقية لها مع الفنان ومهندس الصوت الرفيق فريد أبو الخير(8) .

عودة إلى الوراء قليلاً، إلى تأسيس المديرية الذي تمّ مع بداية الثلاثينات من القرن الماضي مع مجموعة من القوميين الذين عرفوا حضرة الزعيم وعايشوه وحضروا لقاءات من أمثال: فهد ناصيف حريق(9) الذي كان له شرف استقبال الزعيم عند عودته من المهجر عند سلم الطائرة، حيث قامت ابنته بتسليم الزعيم باقة من الورد، وكان أول مدير للمديرية، والرفيق نجيب حريق الذي كانت له لقاءات عديدة مع الزعيم وكان من أنشط رفقاء المديرية وله اليد الطولى في إقامة الاحتفالات الحزبية والنشاطات الإذاعية والمسرحية إذ كان قد أسس فرقة "هواة الفن المسرحي" في المديرية التي قدمت العديد من المسرحيات، خاصة مسرحيات الأديب القومي سعيد تقي الدين. لقد سُجن الرفيق "نجيب حريق" في سجن "المية ومية" بعد حادثة إعدام الزعيم لمدة شهرين مع من سجن من القوميين .

من الذين استلموا المسؤوليات أيضاً الرفقاء: حليم يوسف صليبا(10) الذي توفي شابا وحضر حفل وداعه الزعيم شخصياً في كنيسة "القديس جاورجيوس"، الرفيق الياس سليم سماحة الذي تولى مسؤولية مدير المديرية بعد وفاة المدير حليم يوسف صليبا، الرفيق فريد باخوس(11) والرفيق ميشال حنا خيرالله حريق.

من الرفقاء الذين انتسبوا إلى الحزب في المرحلة الأولى أي في الثلاثينات من القرن، حنا راجي المر، حنا سليم صليبا، وغيرهم كثيرون ممن لا تحضرني أسماؤهم.

كان القوميون الأوائل في بتغرين من المؤمنين بالعقيدة إيماناً صلباً يدفعهم أحياناً إلى المجازفة وتعريض حياتهم للخطر، خاصة في المناسبات الحزبية مثل احتفال الأول من آذار، إذ كانوا يحملون دواليب السيارات ويصعدون بها إلى قمة جبل صنين ويشعلونها ليلاً غير آبهين بصعوبة تسلق قمة بهذا الارتفاع، أما التضحيات المالية فحدث ولا حرج مثلاً محصل المديرية ميشال خيرالله كان يتولى جمع كل اشتراكات الرفقاء في المديرية وغالباً ما كان يدفعها كلها من جيبه على أن يستردها فيما بعد لكنه كثيراً ما كان يتجاهل الموضوع ويغض الطرف عن استردادها.

" في محاولة الانقلاب الفاشلة في العام 1961 كان بين المعتقلين الرفيق مخايل كريم المر الذي كان مكلفاً بحراسة الضباط المعتقلين وقد حكم عليه بالسجن مدة ثماني سنوات قضاها بين سجن الرمل في بيروت وسجن القبة في طرابلس، غيره عدة رفقاء في المديرية اعتقلوا لمدة متفاوتة بين شهر وشهرين أو عدة أشهر.

تلَت محاولة الانقلاب الفاشلة هذه إحالة الرفقاء الموظفين في الدولة على المجلس التأديبي للموظفين وعوقبوا بتأخير تدرجهم، وكنتُ من بينهم إذ عوقبت بتأخيري لمدة سنتين.

في المحاولة الانقلابية الفاشلة هذه اقتحم جنود الجيش اللبناني مركز المديرية وصادروا كل ممتلكاته ومحتوياته من كتب وأثاث وغيرها، لكن لحسن الحظ فقد كان على رأس الفرقة الضابط نسيب شهوان المتزوج من فتاة بتغرينية، لقد أمر هذا الضابط بإحراق جميع الأوراق الموجودة في خزانة المكتب وكان بينها أوراق انتساب للكثير من الطلاب إلى عضوية الحزب وبينها اثنا عشر طلباً لطلاب من بلدة جوار الحوز حيث كنت أعلّم.

بعد هذه المرحلة دخل النشاط الحزبي في الدور السري خوفاً من ملاحقة قوى الأمن ولما كنتُ مسؤولاً عن النشاط بين الطلاب فقد اتخذتُ قراراً بعدم توقيع أو كتابة أية ورقة، وكنتُ أكتفي بالأوامر الشفهية والكلام الشخصي وحصل أنني أردت إجراء القسم الحزبي لعدد من الطلبة، أبلغت ذلك للمنفذ العام منذر المنذر(12) الذي اعترض على كيفية القيام بهذا الأمر وأنه يجب التقيّد بما ينص عليه النظام الداخلي، غير أنني أخبرته بأن المجلس التأديبي للموظفين عاقبني بموجب ورقة كتبتها بنفسي تتضمن معلومات شخصية عني صودرت من مركز المنفذية وإنني لن أقوم بكتابة أية ورقة أخرى وأنه بإمكانه أن يكلّف رفيقاً آخر بالمسؤولية وهكذا كان.

*

بتغرين في الحزب السوري القومي الإجتماعي

" عرفت بلدة بتغرين مبادئ العقيدة السورية القومية الإجتماعية مع بداية العقد الثالث من القرن العشرين.

بتغرين على مقربة من بلدة "ضهور الشوير" مسقط رأس مؤسس النهضة، فلا عجب إذا تعرّفت على هذه المبادئ وانتسب إليها عدد من الشباب، أما عن إحتكاك مباشر مع قوميي بلدة الشوير واما عن طريق بعض المقيمين في بيروت. من أوائل الذين انتسبوا إلى الحزب مع بداية الثلاثينات من القرن الماضي الرفقاء: فهد ناصيف حريق، نجيب جبرايل حريق، حنا رامي المر، حنا سليم صليبا، حليم يوسف صليبا (توفي في ميعة الشباب وشيّع إلى مثواه الأخير باحتفال مهيب شارك فيه حضرة الزعيم شخصياً) مما لاقى ترحيباً حاراً من أبناء البلدة والرفقاء. ومن الرفقاء أيضاً: موسى خيرالله حريق وميشال خيرالله حريق وإبراهيم باخوس وفريد نجم باخوس وشديد جبرايل صليبا وفؤاد مخايل سماحة وغيرهم كثيرون. من الجدير بالذكر ان بعض الرفقاء مثل حنا رامي المر وحنا سليم صليبا كانوا من أوائل الذين تسلّقوا جبل صنين حاملين الحطب على ظهورهم واشعلوا النار على قمة الجبل بمناسبة احتفال بعيد مولد الزعيم في الاول من آذار.

بقي نشاط الخلية سرياً ثم تطور في الأربعينات ليصير علانية، خاصة بعد عودة الزعيم من مغتربه، وعند نزوله من الطائرة في مطار بيروت كان في مقدمة مستقبليه الرفيق فهد ناصيف حريق يرافقه نجله أنطون يحمل باقة من الزهر قدمها لحضرة الزعيم.

مع إستشهاد الزعيم في الثامن من تموز 1949 عاد العمل سرياً، وصارت الإجتماعات تعقد في بيوت الرفقاء بسرية تامة. في أوائل الخمسينات من القرن تـــمّ استئجار مركز للمديرية في بيت للسيد روفايل تبشراني تحت اسم "مكتبة بتغرين الجديدة للمطالعة" وكانت الإنطلاقة العلنية للنشاط خاصة قبل وأثناء ثورة 1958، إنطلاقة بدأت مع تأسيس مكتبة ضمت آلاف الكتب وتأسيس مفوضية للطلبة إلى جانب المديرية وإنشاء فرقة للأشبال، فتياناً وفتيات، وفرقة لتقديم المسرحيات والندوات الخطابية والشعرية والتثقيفية وجرى السعي لتأسيس فرقة موسيقية "النوبة" فتم جمع أكثر من خمس عشرة قطعة أو آلة موسيقية (ترومبيت – كلارينت وغيرها). من الذين حاضروا في المركز المؤرخ جورج مصروعة، هانيبعل عطية(13)، يوسف الأشقر وغيرهم. ومن الشعراء: يوسف تاج(14)، والشاعر الكبير نظير العظمة الذي في احتفال أقامته المديرية حيث كانت سينما رويال وبينما كانت ثورة 1958 محتدة القى قصيدته العصماء:

صنين، صنين حييّ الفجــر ملتهبـــــا وحَيّــــه من دم الأبطال منسكبا

مــا هـزهــم فــوق صخر الغدر ان صلبـــوا بالله أيّ مســيح قبــل مـــا صلبــــا

ومن الخطباء الذين اعتلوا منبر المديرية في المناسبات المختلفة من حزبية ومسرحية وغيرها وخاصة في الأول من آذار والثامن من تموز: الأمناء أسد الأشقر، عبدالله سعاده، إنعام رعد وبشير عبيد .

أما فرقة "هواة الفن المسرحي" فقد قدمت العديد من المسرحيات: المنبوذ للأديب الكبير سعيد تقي الدين ومثلها "حفنة ريح" و "ولولا المحامي" و "نخب العدو" وعدة مسرحيات لفريد مدور.

لكن محاولة الإنقلاب الفاشلة في بداية العام 1962 جمّدت كل النشاطات فالحكومة اللبنانية حلّت الحزب وصادرت ممتلكاته ومن جملتها "المركز في بتغرين وكل محتوياته من كتب وآلات موسيقية، وتجهيزات صوتية وتوقيف عدد من الرفقاء المتهمين بهذه النشاطات .

لقد فوجيء الرفقاء في "بتغرين" ولم يكن واحد منهم يعلم بها إلا الرفيق المرحوم مخايل كريم المر الذي كان يشغل مسؤولية ناظر تدريب منفذية المتن، والذي حكم بالسجن لمدة ثماني سنوات. هذا كما أن عدداً من الرفقاء أوقفوا في المدينة الرياضية لفترات متفاوتة والبعض أحيل على المجلس التأديبي للموظفين خاصة الذين كانوا في سلك التعليم الرسمي وعوقبوا.

وهكذا فقد كان على بعض الرفقاء في المديرية ان ينالوا شرف السجن بسبب إنتمائهم الحزبي اثر كل تجربة مرّ بها الحزب ابتداء من ملاحقة الدولة لهم إثر تنفيذ حكم إغتيال الزعيم، حيث اعتقل المسؤول في المديرية الرفيق نجيب جبرايل حريق مع مَن اعتقل من الكوادر الحزبية.

وفي الحوادث التي جرت مع إندلاع الثورة اللبنانية في السبعينات من القرن الماضي كان من حظ المديرية أن تقدم شهيدين للوطن، ناصيف الياس المر ووليم رولان صليبا في المعارك التي اندلعت على محور "ضهور الشوير" وهناك شهيد آخر الرفيق جورج حليم صليبا الذي اختطف وقتل في المنطقة الشرقية.

في آواخر الستينات من القرن الماضي عاد النشاط إلى الحزب وعادت المديرية لممارسة نشاطها فاستأجرت مركزاً في مبنى المدرسة الرسمية سابقاً والعائدة لوقف كنيسة مارجرجس. ضمّ هذا المركز قاعة للمكتبة ضمّت الكثير من المؤلفات والمجموعات الأدبية والتاريخية والعلمية، إلى قاعة لرياضة "الجيدو" مجهّزة تجهيزاً كاملاً مع قاعة للألعاب "البليارد" و "كرة الطاولة" وغيرها من العاب التسلية، وقاعة للرياضة البدنية ورفع الأثقال وغيرها .

لكن النشاط الأهم كان عودة فرق الأشبال والنشاطات الإجتماعية والثقافية من محاضرات وسهرات فنية ونشاطات مسرحية وفنية.

بقي النشاط في هذا المركز قائماً حتى إنسحاب الكثير من الكوادر الحزبية من المنطقة إلى البقاع وبيروت، حيث قامت ميليشيا الأمر الواقع في بتغرين بمصادرة كل المراكز التابعة لأحزاب الجبهة الوطنية ونهبت محتوياتها، كما وضعت يدها على التعاونية الغذائية التابعة للمديرية وصفّتها.

بعد هدوء الحال وعودة الإستقرار إلى المنطقة، عادت المديرية إلى نشاطها وافتتحت لها مركزاً تزاول فيه احتفالاتها ونشاطاتها.

هوامش

(1) مريم المر: لن انسى هذه المرأة الفاضلة ما حييت. كانت بمثابة العمة أو الخالة . كنت نشرت عنها كلمة وجدانية عندما كنت في البرازيل ثم عممتها مجدداً. للاطلاع مراجعة موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info .

(2) سامر غصن: من بلدة "كوسبا". تعرفت إليه ووإلى شقيقه الرفيق رامز مع بدء إنتمائي إلى الحزب. ذكرته في أكثر من نبذة. للاطلاع مراجعة النبذة بعنوان "كوسبا في الحزب السوري القومي الاجتماعي" على الموقع المذكور آنفاً.

(3) حسن شقير: من بلدة "أرصون" كان صحفياً. شقيق الرفيقتين ليلى وسعاد عادل زيدان، ذكرته في أكثر من نبذة .

(4) نعيم عبد الخالق: من "مجدلبعنا". تولى مسؤولية منفذ عام الطلبة الجامعيين، كان موظفاً مرموقاً في التفتيش المركزي ، سأنشر عنه نبذة بعد وقت غير بعيد.

(5) مشهور دندش: للإطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى الموقع المذكور آنفاً.

(6) نزار المحايري: المحامي، الأمين، تولى مسؤوليات حزبية، محلية ومركزية في كل من لبنان والشام، الشقيق الأصغر للأمين عصام المحايري .

(7) خالد قطمة: للإطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى قسم "من تاريخنا" على الموقع المذكور آنفاً.

(8) فريد أبو الخير: للإطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى قسم "من تاريخنا" على الموقع المذكور آنفاً.

(9) فهد حريق: عرفته منذ ستينات القرن الماضي، كان يملك محلاً معروفاً للخياطة الرجالية في جوار سينما "اوبرا" حيث كنت أزوره، وكان تولى الأمين مهدي عاصي إدارة المحل، بعد خروجه من الأسر 1969.

(10) حليم يوسف صليبا: يورد الامين جبران جريج في الصفحة 188 من الجزء الثاني، من مجلده "من الجعبة" ما يلي:

" تألفت في المتن الشمالي مديرية في الشوير، وبقيت مستقلة عن المتن الأدنى، وعين لها الرفيق فريد صباغ مديراً، والرفيق جورج أبو ناضر ناموساً، ومن أعضائها البارزين أنطون نهرا، اسبيريدون فرح، ورئيف بدر. وبدأ الحزب يمتد بعد زرعون باتجاه بتغرين فينتمي فيها حليم صليبا وفؤاد كرم صليبا، وفي الخنشارة الياس الرياشي الملقب بأبو أحمد،وأيوب سماحة. وفي بكفيا – المحيدثة، ابراهيم كمال وأسعد نصار، وفي المتين حسين الحلبي، وفي بسكنتا أديب أبو حيدر، والياس أبو حيدر، ناصيف أبو حيدر، وجورج حداد.

من جهته يورد الامين امين الاشقر في يوميته بتاريخ اول شباط 1948، ما يلي:

" ذهبت الى بتغرين لحضور جناز الاربعين للرفيق حليم صليبا. كان الاحتفال قومياً باهراً. ثم رجعت الى بيروت لحضور محاضرة الزعيم فالعودة الى ضبية ثم الى ديك المحدي".

(11) فريد باخوس: نشط حزبيا، وتولى مسؤوليات محلية، صاحب صيدلية "سيلكا" في منطقة قرنة شهوان.

(12) منذر منذر: نشط حزبياً في الستينات، تولى مسؤولية منفذ عام المتن الشمالي. قدم خدمات جلّى للرفقاء الطلبة في الجامعة الأميركية في مرحلة العمل السري في الستينات، هجّر من بلدته "برمانا" إلى بشامون حيث بقي مستقراً فيها إلى أن وافته المنية، كنت أكنّ له مودة كبيرة وتربطني به علاقة جيدة. منح رتبة الامانة وبنى مع عقيلته الرفيقة اكرام عائلة قومية اجتماعية.

(13) هنيبعل عطية: الرفيق الشهيد لاحقاً. أديب وشاعر ورسام وخطيب، سننشر عنه نبذة تليق بتاريخه الحزبي النضالي.

(14) يوسف تاج: هو يوسف تاج المنذر. من برمانا. للاطلاع على النبذة المعممة عنه، وعن الرفيق الشاعر يوسف حاتم (عرف "بأمير العتابا") الدخول الى الموقع المذكور آنفاً.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024