يأتي إنجاز الحكومتين السورية والعراقية، بافتتاح معبر القائم ـــ البوكمال، في سياق إعادة ربط سوريا بجيرانها، بعد افتتاح معبر نصيب مع الأردن منذ قرابة عام. والآن يسهم افتتاح هذا المعبر في إعادة تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياحية بين البلدين، ما يعني كسر الحصار الأميركي على سوريا
تعكس الصور التذكارية بين الجنود السوريين ونظرائهم العراقيين في معبر القائم ـــ البوكمال، الذي أعيد افتتاحه أمس بعد أكثر من سبع سنوات على إغلاقه، رمزية الانتصار على الإرهاب، والنجاح في مواجهة الضغوط الأميركية. كما تبرز الرمزية العسكرية بإغلاق صفحة الإرهاب الذي مثله تنظيم «داعش» بعدما سيطر على المعبر وجانبيه مدة طويلة. وتفتتح دمشق وبغداد صفحة جديدة عنوانها علاقات سياسية واقتصادية وتنسيق عسكري واسع، لتحقيق الاستقرار على طرفي الحدود. وكما كان متوقعاً، افتُتح المعبر المذكور في المنطقة بين البوكمال من الجهة السورية، والحصيبة (2 كلم شمال القائم) من الجهة العراقية، بدلاً من المعبر الأساسي المعروف، لأسباب يرجّح أنها تتعلق بالوجود الأميركي في محافظة الأنبار العراقية، حيث توجد نقطة مراقبة أميركية قريبة من معبر «القائم» من الجهة الجنوبية يمكن رؤيتها بالعين المجردة من المعبر القديم. تؤكد ذلك المصادر السورية، بينما يعيد الجانب العراقي استحداث المعبر المؤقت في هذا المكان إلى إجراءات لوجيستية، وأن المعبر الأساسي غير جاهز، فضلاً عن أن فتح المعبر يأتي بعد تأجيل متكرر.
هكذا، رغم الاستهداف الجوي المتكرر، الذي بقي مجهولاً، لمعبر «البوكمال» ومحيطه خلال الشهر الأخير، تمكن الجانبان من اتخاذ القرار السيادي. مع ذلك، لم يغب التشويش على هذه الخطوة، عبر نشر إشاعات عن هجمات إرهابية طاولت بلدتي الشولا والسخنة في ريفي حمص ودير الزور، في محاولة لترهيب التجّار الراغبين في تسيير الحركة. يرد على ذلك مصدر سوري مطّلع، يقول لـ«الأخبار» إن «الطريق من المعبر حتى دمشق آمن تماماً، بدليل انطلاق عشرات الوفود الإعلامية مع معداتهم، من دمشق ليلاً إلى الحدود لتغطية افتتاح المعبر، وعادوا بكل يسر وأمان»، مؤكداً أن الجانبين اتخذا إجراءات أمنية فعالة «تضمن سلامة حركة الأفراد والآليات دون خروقات». كما يستبعد المصدر «تكرار الغارات على المنطقة، لأنها ستكون من دون جدوى، لكون الافتتاح الذي جاء بقرار سيادي عراقي يعني حسم الملف».
في السياق، قال وزير الداخلية السوري، اللواء محمد رحمون، خلال الحفل الرسمي لافتتاح المعبر، إن ذلك «جاء نتيجة للتضحيات الكبيرة للجيشين السوري والعراقي... وهو انتصار لشعبي البلدين على الإرهاب»، مؤكداً أن «المعبر سيسهّل الحركة التجارية يما سينعكس إيجاياً على البلدين». كذلك، قال محافظ دير الزور، عبد المجيد الكواكبي، لـ«الأخبار»، إن «افتتاح المعبر انتصار اقتصادي يضاف إلى الانتصارات السياسية والعسكرية»، لافتاً إلى أن «المعبر والطريق منه وإليه جاهزان ومؤمّنان». هنا، أبدى أمين الجمارك في دير الزور، عاصم اسكندر، «جاهزية الجانب السوري لاستقبال الشاحنات والتبادل التجاري، والسياح العراقيين، وفق إجراءات سهلة وتشجيعية». أما رئيس هيئة المنافذ الحدودية العراقية، كاظم العقابي، فقال إن «المعبر الحالي مؤقت»، مستدركاً: «هناك خطة لتوسيع المعبر ليشمل مساحة 400 دونم، وتبعد 2 كلم عن المعبر الحالي، (إذ) تعمل الدولة العراقية على استملاكها وتجهيزها لاستيعاب عدد أكبر من الأشخاص والآليات».
*يُتوقع تحسن سريع وكبير على اقتصاد البلدين ولا سيما سوريا*
من الزاوية الاقتصادية، يُتوقع حجم استفادة كبير للجانب السوري في ظل ازدياد التضييق الاقتصادي بعيداً عن العقوبات التي حجّمت دور معبر نصيب مع الأردن. وتتحدّث الأرقام عن أكثر من ملياري دولار أميركي هما حجم التبادل التجاري بين سوريا والعراق عام 2011، وهو رقم قابل للتحقّق والزيادة وفق الآلية التي سيعمل بها المعبر، خاصة أن حركة الاستيراد والتصدير يتوقع أن تكون كبيرة. هنا تبرز حماسة «اتحاد غرف التجارة العراقية» لافتتاح المعبر، والتي عكستها أخيراً زيارة 120 تاجراً عراقياً إلى دمشق، للإعداد لإطلاق التبادل بعد فتح الحدود. ووفق «المكتب المركزي للإحصاء السوري»، شكلت «الصادرات السورية إلى العراق نحو 46 % من إجمالي الصادرات العربية في 2012»، جراء «حصول سوريا على استثناء من قائمة الرقابة العراقية على المستوردات».
أيضاً يتوقع اقتصاديون أن تشهد هذه الأرقام ارتفاعاً، لكون العراق العمق البري الاقتصادي شبه الوحيد بالنسبة إلى سوريا حالياً، ما سيفتح المجال لتصدير المنتجات السورية إليه وعبره باتجاه الخليج ودول الجوار، وبخاصّة تركيا المغلقة المنافذ الرسمية السورية معها. يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الفرات جم حميدي، إن «افتتاح أي معبر بري مع بلد عربي، في ظل العقوبات الاقتصادية الجائرة، سيخلق متنفساً مهماً للاقتصاد السوري»، شارحاً أن «التبادل بين البلدين سيكون مكملاً أحدهما للآخر، لكون الاقتصادات العربية تكاملية». ويشير حميدي إلى أن «هذه الخطوة ستحسّن قيمة الليرة السورية... افتتاح المعابر يعني تنوعاً في السلع وتوافرها، وخلق تنافسية تنعكس إيجاباً على المستهلك الذي سيحصل عليها بقيمة أقل».
لعل المفارقة أن «القائم» لم يستخدم لأغراض تجارية منذ ما قبل 2010، وكان مخصصاً لحركة المشاة والزيارات بين العائلات القاطنة على طرفي الحدود، قبل أن يتحوّل اليوم الى المعبر البري الوحيد مع العراق، في ظل الوجود الأميركي في معبري اليعربية شمالاً، والتنف جنوباً. كذلك، فإن «القائم» هو الأصغر مساحة ضمن المعابر بين البلدين اللذين يمتلكان خطاً حدودياً مشتركاً يمتد على قرابة 600 كلم، وكان يتصدرها «التنف» بالقرب من المثلث الحدودي السوري ـــ العراقي ـــ الأردني، ويليه «ربيعة ـــ اليعربية» في محافظة الحسكة شمالاً.
|