إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

في وداع المربي والمناضل الرفيق ناهض سليمان بقلم الأمين كمال نادر

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2020-06-05

إقرأ ايضاً


عرفتُ الرفيق ناهض سليمان في ستينات القرن الماضي عندما كنت، متولّياً مسؤولية رئيس مكتب الطلبة، نزور المناطق الحزبية ومنها الكورة، وإنّي ما زلت أذكر أسماء الرفقاء الذين تولّوا مسؤولية العمل الحزبي الطلابي فيها(1)، فكنّا نزورهم ونزور أيضاً عدداً كبيراً من الرفقاء الطلبة الجامعيين إذ ينتقلون صيفاً إلى قراهم.

وعرفتُ في تلك المرحلة أيضاً شقيقه نعيم. منذ سنتين أو أكثر وفيما كنت أزور الأمين كمال نادر في بلدته قلحات، لفتني اسم الرفيق ناهض سليمان على بطاقة المدخل، فسألت الأمين كمال ثمّ زرت الرفيق ناهض متفقداً، لأجده في وضع صحي متراجع. رحت اتصل به متفقداً، مستذكراً علاقتي الوطيدة به في الستينات.

مؤخراً فارقنا الرفيق ناهض بعد عمر دام 79 عاماً قضى معظمه في مهنة التعليم وفي نشر العقيدة القومية الاجتماعية.

من الامين كمال نادر هذه الكلمة الغنية عن الرفيق المربي، والمناضل ناهض سليمان.

*

ولد ناهض في قريتنا قلحات(2) سنة 1941. والده جرجي سليمان كان قومياً من جيل الذين دخلوا في الحزب باكراً، إذ أن ضيعتنا عرفت النهضة منذ سنة 1933 أيام العمل السري. كانوا يلقبونه الأستاذ جرجي لأنّه مع عمله في الأرض وتربية النحل كان يحرص على تعليم الأولاد في بيوتهم في زمن لم تكن هناك مدارس ولا كهرباء ولا شبكة مياه في قرانا. مديريتنا كبرت في الأربعينات وضمّت معظم أبناء القرية وكانوا يعاونون الناس في حصاد القمح وموسم الزيتون وفي أعمال البناء وتحسين حال الطرقات. وبهذه القدوة استطاعوا أن يعطوا صورةً نموذجية عن النهضة القومية. ولقد عانوا طويلاً من الاضطهاد والسجون أيام الانتداب وفي زمن الاستقلال، ومع ذلك صمدوا وما تخلًوا عن عقيدتهم وقسَمهم.

في الخمسينات، ظهر جيلٌ جديدٌ من القوميين الشبّان وكان ناهض بينهم هو وإخوته وأترابه وتسلم مسؤولية الأشبال موجهاً ومدرباً، وعندما نشبت أحداث صيف 1958 عمل مع المديرية تحت إشراف الضباط السوريين القوميين الذين نجوا من ظلم سلطان عبد الحميد السراج ونظام الوحدة الفاشل، نذكر منهم عبد الله الجبيلي(3)، أكرم بشور(4)، توفيق الشمالي وإبراهيم سليمان(5). وكان في ضيعتنا شبان قوميون يحرسونها ويشاركون مع بقية المديريات في حماية المنطقة، نذكر منهم: بهاء نصرالله، سمعان الحاماتي، رشا البحري(6)، سمير سليمان، وكان نعمان نصر وموسى الحاماتي وإبراهيم شمعون وبهيج نصرالله وفوزي وهبه وزاهي وهبه يتولّون مسؤوليات في هيئة المديرية ومنفذية الكورة. وعندما وقع الانقلاب اعتقلوا كلهم وتعذبوا كثيراً في السجون.

أعود إلى ناهض، فهو التحق بالتعليم الرسمي في منتصف الستينات وعيّنوه في قرية جنوبية نائية، ويروي أنّه حمل فراشه وأمتعته وتنقّل من بوسطة إلى بوسطة حتى وصل إلى تلك القرية، وذهب إلى بيت المختار أولا وعرّف عن نفسه وبات ليلته عنده، وفي اليوم التالي بدأ بالتدريس ثم تيسر له مكان صغير يسكن فيه. ما زال تلاميذه يذكرونه، وقد زرع فيهم روح النهضة وأخلاقها مثله مثل العشرات من القوميين الذين علّموا في القرى البعيدة.

تنقل ناهض في عدة مناطق فعلّم في المنية وبيترومين ودده، وعندما صارت عندنا محطة تلفزيون تسلّم مسؤولية تقنية البث والإرسال، فكان يسهر إلى حين انتهاء البث اليومي وفي الصباح يذهب إلى مدرسته. تعرفه كل القرى في الكورة وغيرها كمذيع وناظر للإذاعة، وكان لا يهدأ بل يتنقل بين المديريات ليقوم بمهمة تعليم العقيدة وشرحها للمواطنين المقبلين على الحزب، وهو قد أقسم اليمين في فترة الملاحقات بعد الانقلاب على يد الرفيق ميشال جبرا(7) في بلدة بطرام، برغم أنّ الحزب ممنوع والانتماء إليه يسبّب عقوبةً وسجناً. هكذا أمضى عمره وزهرة شبابه إلى أن بلغ السبعين، وهنا بدأت مرحلة من المعاناة مع أمراض القلب والشرايين والدهون في الدم فكانت سنواتٍ ممزوجةً بالألم. وقبل ثلاثة أعوام من اليوم منحه الحزب وسام الثبات فدعا رفقاءه وأقام في بيته حفلة لهذه المناسبة كأنها حفلة الوداع، لكنه ظل يتابع هموم الحزب والوطن عبر وسائل التواصل الاجتماعي يكتب ويعلق ويتراسل مع زملائه وأترابه في كل أنحاء العالم، وربما كان هذا الجهاز الصغير بين يديه ينسيه أوجاعه الدائمة.

في الشهر الأخير تدهورت حالته الصحية وتعذر على الأطباء إجراء عملية جراحية له بسبب ضعف عضلة القلب فدخل في مرحلة الوجع الأخير وودع رفاقه وأسلم الروح، وكانت وصيّته أن تابعوا الطريق وحافظوا على أمانة الوطن والعقيدة ولفّوني بعلم الزوبعة عندما أموت وهكذا كان، لكن ظروف الحجر الصحي لم تسمح بإقامة مأتم رسمي كبير يليق بعمره وعطائه. وقد ألقى الأب لويس حيدر كلمة قصيرة، عدّد فيها مزاياه وودّعه بكلمات مؤثرة، وهو الذي يعرفه عن قرب وكان يحرص على أن يزوره دائماً. وعند الضريح أدّينا له تحية الوداع.

هوامش:

(1) الأمين الشهيد خليل فارس، الأمين إيلي نصار، الرفيق نعيم غنطوس، الأمين فيلمون جبور والرفيق ميشال الآغا الذي عرف ايضاً باسم ميشال جبرا (بطرام)، وكنت أوردت عن تلك المرحلة في حلقات سيرتي ومسيرتي. مراجعة الموقع التالي: www.ssnp.info

(2) مراجعة النبذة الغنية عن تاريخ العمل الحزبي في قلحات من اعداد الامين كمال نادر على موقع

(3) عبدالله جبيلي: من ابطال الحزب. شارك في معارك 1958 في لبنان، ثم في المحاولة الانقلابية، تمكن من الافلات من حاجز للجيش اللبناني في منطقة "صربا" فجر المحاولة الاتنقلابية، وصولا الى الشام، فالى فنزويلا، مستقراً فيها عاملاً في التجارة الى ان وافته المنيّة. اشرت إليه في عديد من النبذات . مراجعة الموقع المذكور آنفاُ.

(4) اكرم بشور: التقيت به في البرازيل، مدرباً، وناظراً للتدريب. اشرت إليه في اكثر من نبذة . مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

(5) ابراهيم سليمان: مراجعة النبذة عنه على الموقع المذكور آنفاً.

(6) رشا البحري: عُرف ايضاً باسم رشا حنا مراجعة الموقع آنفاً.

(7) ميشال جبرا: مراجعة الهامش 1.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024