إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

راسم لوحة العرزال الفنان الرفيق مصطفى محمد فروخ

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2021-07-13

إقرأ ايضاً


يورد الأمين جبران جريج في الجزء الثاني من مجلده "من الجعبة" الذي يغطي الفترة 16/11/1935 – 16/11/1936 أن الرفيق المحامي عادل عيتاني كان مع صديقه، ورفيقه لاحقاً، منير الحسيني، من المدمنين على زيارة الفنان مصطفى فروخ في محترفه في رأس بيروت، وأن الرفيق منير الحسيني انتمى لاحقاً على يد الرفيق عيتاني.

إنما من غير المعروف كثيراً أن الفنان مصطفى فروخ انتمى بدوره إلى الحزب. مصدرنا في ذلك ما يقوله كل من الأمينين جبران جريج وعبدالله قبرصي. فالأمين جبران يورد في الجزء الثاني من "من الجعبة" ونقلاً عن الرفيق منير الحسيني، أن الرفيق الفنان فروخ "أصبح من أبناء الحياة وبقيت ممارساته في طي الكتمان إلى أن اشتهر عندما رسم عرزال الزعيم" .

من جهته يؤكد الأمين عبدالله قبرصي انتماء الفنان مصطفى فروخ. يقول في مذكراته: " أن الفنان فروخ دخل الحزب مؤمناً في الفترة 1934-1935، وكنا سوياً في زيارة الارشمندريت بولس خوري(1) في دير مار جرجس الحرف (المتن الأعلى) وبقينا أسبوعاً في ضيافته، وفي هذه الفترة رسم الفنان مصطفى بعضاً من لوحاته الرائعة " .

وجواباً على سؤالنا يفيد الأمين قبرصي أن الرفيق فروخ كان قومياً اجتماعياً مؤمناً إيماناً مطلقاً بالنهضة " .

من المعروف أن الرفيق فروخ رسم عرزال سعاده في ضهور الشوير، وهذه اللوحة تعتبر من أجمل ما رسم الفنان فروخ، وهي تتصدر بيوت معظم القوميين الاجتماعيين .

إنما، ما لم يكن معروفاً أن الرفيق فروخ رسم شعار الزعامة، ففي رسالة لسعاده بتاريخ 29 آب 1938 موجهة إلى رئيس المجلس الأعلى، يقول سعاده تحت بند "الشعار"، ما يلي: " أحب أن يرسل إلي في البريد القادم رسم شعار الزعيم بريشة فروخ، وغيره من الشعائر، فقد أتمكن من إيجاد بعض الوسائل لاستحداث ما يلزم بهذا الصدد ".

وإذا كان الرفيق فروخ رسم عرزال سعاده، وشعار الزعامة فهو أيضاً رسم فقيد الأدب الرفيق سعيد تقي الدين بالحبر الصيني عام 1951. هذا ما نجده على غلاف بطاقة دعوة لمؤسسة الأوديسيه للثقافة والإعلام لندوة بعنوان جبران خليل جبران وسعيد تقي الدين: أين يلتقيان؟ أين يفترقان؟

*

للرفيق مصطفى فروخ رأي واضح برفيقه الأديب فؤاد سليمان. في عدد "البناء" بتاريخ 16/12/1972 تمّ نشر أراء قيلت سابقاً في أدب الرفيق فؤاد سليمان، من بينها، رأي للرفيق مصطفى فروخ، قال:

لقد مضى فؤاد سليمان الأديب الذي يغمس قلمه بدم قلبه ويقدمه طعاماً ذكياً لأمته، بل يقدمه فلذات حية نابضة فكان جسده الحساس يذوب رويداً رويداً.

" كان يتحرق ألماً لما يشاهده من انقسام وتخاذل وانهزام. كان فؤاد ثائراً ناقماً يكاد يطعن بحد قلمه هؤلاء المتاجرين المقامرين بالشعب وبمصالح الشعب وكرامة الشعب.

" ما اجتمعت إليه مرة إلا ورأيت الثورة في أجلى مظاهرها. وما قرأته إلا وأحسست بالألم المجسم. وأحسست بالحياة المضطربة الصاخبة.

" لقد قضى فؤاد شهيداً مجاهداً في سبيل أمة هي في غفلة من أمورها، أنه كان في واد وأمته كانت في واد، لذلك فخسارتها فيه فادحة، إنني لا أبكيه كميت لأنه رمز الحياة والتحرر والنهوض.. بل أبكي أمة غافلة عما كان فؤاد يدعوها إليه لتتلهى في ترهات العيش ومباذل الحياة ".

*

بطاقة هوية(*)

• هو مصطفى بن محمد بن صالح بن عبد القادر بن محمد فروخ .

• كانت أسرة مصطفى فروخ من العائلات البيروتية ذات المستوى الاجتماعي المحترم، ولكنها لم تكن تتمتع بالثراء المادي، محمد والد مصطفى كان أميًّاً لا يقرأ ولا يكتب ولكنه كان، كما يقول الدكتور عمر فروخ، حافظاً للأخبار والأشعار والقصص والأمثال، حسن الحديث، حاضر النكتة، يستعين على تغطية معيشته وعائلته بممارسة مهنة "المُبيّض" وهي مهنة تقوم على معالجة الأواني النحاسية المنزلية بطلاء القصدير.

• والدة مصطفى اسمها أنيسة بنت حسن سميسمة من أهل بيروت وسكانها، هذه العائلة خف عدد أفرادها في أيامنا وكانت من قبل أكثر عدداً. والدة مصطفى فروخ كانت كأكثر نساء زمانها أميّة لا تقرأ ولا تكتب.

• ولد مصطفى فروخ في محلة البسطة التحتا ببيروت، وقد اضطربت الأقوال في تحديد سنة ولادته لعدم توفر الإحصاءات الرسمية في ذلك الحين، إلا أن الدكتور عمر فروخ، وهو قريب له، رجح بأن ولادته كانت سنة 1900 م.

• عندما بلغ مصطفى فروخ الخامسة من عمره أرسله والده إلى "الكُتاب" الذي كان يديره الشيخ جمعة وذلك من أجل تعليمه وتحفيظه القرآن الكريم وتلقينه مبادئ اللغة العربية والحساب .

• وفي سنة 1908 انتقل فروخ إلى "المدرسة الابتدائية" لصاحبها طاهر التنّير. إلا أن هذه المدرسة أغلقها صاحبها وأصدر مجلة باسم "المصوّر" وإذ وجد في مصطفى فروخ موهبة فنية فإنه طلب منه البقاء معه لمعاونته في رسم بعض الصور اللازمة للمجلة.

• بعد مدة توقفت مجلة "المصور" عن الصدور، فاستأنف مصطفى فروخ متابعة دروسه في مدرسة "دار العلوم" التي أسسها في بيروت الشقيقان عبد الجبار خيري وعبد الستار خيري اللذان أسسا حركة الكشاف المسلم سنة 1911.

• لم يبق مصطفى فروخ في مدرسة "دار العلوم" أكثر من ستة شهور من عام 1912، انتقل بعدها إلى الكلية العثمانية لصاحبها الشيخ أحمد عباس الزهري وبقي في هذه الكلية إلى حين إغلاقها خلال سنوات الحرب الكونية .

• في عام 1919، بعد أن وضعت الحرب الكونية الأولى أوزارها سنة 1918 دخل مصطفى فروخ المدرسة الإيطالية لأنه كان راغباً في تعلم اللغة الإيطالية ليكون قادراً على متابعة دروسه في الرسم في إيطالية.

• في سنة 1924 سافر مصطفى فروخ من بيروت إلى روما بالباخرة وقد وصف في مذكراته "طريقي إلى الفن" العقبات التي واجهها لحمله على العدول عن السفر .

يذكر مصطفى فروخ أن الذي شجّعه على السفر إلى إيطالية حبيب سرور أستاذ الرسم في المكتب

السلطاني، وهو رسام كبير توفي سنة 1938 ويقول: " إنه هو، أي حبيب سرور، الذي شجعني على

السفر إلى إيطالية لإكمال دروسي الفنية فيها ".

• في سنة 1927 غادر روما قاصداً باريس في طريق عودته إلى بيروت ولما استقر في بلده أقام سنة 1928 معرضاً خاصاً لرسومه في بيت الوجيه أحمد أيّاس(2) الذي كان عند محطة غراهام قبيل الجامعة الأميركية، وهو ما يزال قائماً حتى اليوم. في ذلك الحين أقام أيضاً معرضاً آخر لرسومه في الصالة الخضراء من منتدى وست هول بالجامعة المذكورة .

• في سنة 1929 سافر مرة ثانية إلى باريس لينال مزيداً من تعلم فن الرسم ولقاء كبار أهل هذا الفن من الفرنسيين، وقد توج إقامته في العاصمة الفرنسية عندما قبلت إحدى لوحاته في "صالون باريس" وهو المعرض الدولي الخاص بالفن، ولا تقبل في هذا الصالون إلا الرسوم البارعة المبتكرة المعبرة عن اتجاه فني. كما وفق سنة 1931 إلى عرض رسومه في معرض الفنانين الفرنسيين في باريس .

• لم تطل إقامة مصطفى فروخ في باريس هذه المرة، فهو قد غادرها سنة 1931 عن طريق إسبانية. وزيارة إسبانية كانت تداعب خياله وتشده بالشوق إلى التعرف على أجداده العرب من خلال تراثهم الفتي وآثارهم المعمارية التي تجذب بقاياها ملايين السياح .

• وعن شوق مصطفى فروخ إلى زيارة الأندلس يقول في كتابه "رحلة إلى بلاد المجد المفقود":

" كانت تمر الأيام وهيامي بالأندلس ينمو والرغبة تشتد لزيارتها والحجّ إليها. وكلما تراءت لي باحة الأسود وأعمدتها الرشيقة، وأروقة جامع قرطبة المهيبة، وزهراء إشبيلة الرائعة، كانت تثور أشجان نفسي، وتزكو نار حبي لزيارة أرض المجد، ومهبط الفن.

في كتابه هذا سجّل الرفيق فروخ ما وقعت عليه عيناه من أثار عربية في قرطبة وإشبيلية وغرناطة في كتاب صغير الحجم قليل الصفحات، ومع ذلك رفع مؤلفه إلى مستوى كبار الرحالين.

• في عام 1935 اختار مصطفى فروخ المبادرة في تأسيس عائلة يركن إليها في حياته فتزوج السيدة ثريا بنت أحمد تميم، ولقد وفق في هذا الاختيار لأنه حظي بشريكة لحياته وفرت له الإفادة من وقته كله من أجل إرضاء نزعته الفنية وذلك بتغاضيها عن المباهج التي كانت هدفاً لأترابها من النسوة اللاتي كانت تستهويهم النزهات وإقامة الاحتفالات والتنافس في ارتداء أحدث الأزياء.

• وفي سنة 1936 رزق الله مصطفى فروخ صبياً أطلق عليه اسم هاني، وهاني اليوم أصبح من رجال الأعمال المهتمين بخدمات النقليات والسفريات العالمية. وقد برّ والده بنشر كتبه وإعادة طبع لوحاته التي أصبحت اليوم من التحف الفنية الراقية .

• لم تخلُ حياة مصطفى فروخ من الهزات الصحية التي استطاع أن يتغلب عليها ويتجاوزها بعض الوقت، ولكن صراعه معها أنهكه أخيراً عندما دهمه داء اللوكيميا (سرطان الدم)، ويبدو أن هذا الداء الخبيث قد تحكم في جسمه منذ عام 1953. وبالرغم من معالجة نفسه من مرضه طوال أربع سنين تقريباً فإن هذا المرض الوبيل تغلب على معالجيه في مستشفى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت فأدركه المنون في المستشفى المذكور صباح يوم السبت في 16 شباط سنة 1957. فبكاه أهل بيروت والعاملون في حقل الفكر والثقافة والفن الذين كانوا يرون فيه واحداً من أبرز أسياد الرسم اليدوي في العالم.

• نشرت مجلة "المصور" في أحد أعدادها صورة يظهر فيها مصطفى فروخ وهو طفل لا يزيد عمره عن عشر سنوات وهو يتلقى درساً في الرسم من ألانسة جاترود لاند وتحت الصورة الكتابة التالية:

" لقد نبغ أحد تلامذة دار الأيتام الإسلامية التي أقفلت أبوابها منذ مدة، وهو ولد يتيم اسمه مصطفى أفندي فروخ وعمره عشر سنوات، في فن الرسم لدرجة تفوق التصور وقد تعهّدت الآنسة لاند، المصورة البارعة، تعليمه وهي تقول إن هذا الولد سيكون له شأن عظيم في فن التصوير.

• اشترك مصطفى فروخ عبر لوحاته الغنيّة بالأصالة الفنية في أكثر من أربعين معرضاً داخل لبنان وخارجه واستحق التنويه بشخصيته المتميزة من قبل أعاظم الفنانين الوطنيين والأجانب.

إن آلاف الرسوم التي تحمل بصمات ريشته العملاقة هي في الواقع التجسيد الفنيّ لحياته القصيرة في سنواتها، الطويلة في خلودها. وبالإضافة إلى عطاء ريشته فإنه ترك ثروة أدبية ممتعة من عطاء قلمه سواء في كتابه "طريقي إلى الفن" الذي هو عبارة عن يومياته التي كان الفن القاسم المشترك معها، أو في كتابه "رحلة إلى بلاد المجد المفقود".

(*) نقلاً عن كتاب "بيروت في التاريخ والحضارة والعمران" للشيخ طه الولي .

هوامش

(1) بولس خوري: من بتعبورة، الكورة. سيم مطراناً عن الطائفة الأرثوذكسية في صيدا والجنوب. لم يرتض أن يستمر بالإقامة في مرجعيون حيث كرسي المطرانية بعد أن دخلت القوات الإسرائيلية فانتقل إلى صيدا وبيروت رافضاً العودة إلى مرجعيون ما دامت تحت الاحتلال.

(2) احمد أياس: والد مأمون أياس، أحد قياديي الحزب البارزين في الفترة 1938 – 1947 .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024