إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحزب السوري القومي الاجتماعي في بيرت تأسيساً ومحطات(*)

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2023-08-05

إقرأ ايضاً


بدعوة من مديرية عائشة بكار، بتاريخ 21 تشرين الثاني من عام 2002، والتي كان مديرها الرفيق الصحافي كمال ذبيان، قدمت المحاضرة التالية عن "الحزب السوري القومي الاجتماعي في بيروت، تأسيساً ومحطات" بحضور عدد جيد من أمناء ورفقاء. وقد عمدت مديرية عائشة بكار في حينه الى طباعة هذه المحاضرة في كتيب كما عممت في حينه على عدد من المهتمين وتالياً ستصدر ضمن الكتاب عن الحزب في بيروت المعد حاليا للطباعة .

*

عندما تقدم الرفيق البطل خالد علوان من جنود العدو وقد جلسوا في مقهى الويمبي يتحدون بنظراتهم أبناء شعبنا، فأرداهم برصاصاته، وجعل قوات الاحتلال تسرع في مغادرة بيروت هرباً من الضربات التي راح القوميون الاجتماعيون وأبطال المقاومة يوجهونها لهم في أكثر من مكان، عندما فعل ذلك لعله كان يستذكر في وجدانه رفقاءه في بيروت: محي الدين كريدية، حسين الشيخ، خليل الطفيلي، ميشال صهيون، محمد اللحام وغيرهم وغيرهم ، ممن وسطروا في تاريخ حزبنا في بيروت صفحات من البطولة ستظل مشرقة وبيضاء .

فبيروت التي يستمر فيها حزبنا يحمل مشعل النهضة القومية الاجتماعية ويتوجه إلى كل أبنائها، كما إلى شعبنا، بدعوة الاخاء القومي، وبمفاهيم الوحدة التي بها نتمكن من مواجهة العدو الرابض في جنوبنا السوري يتربص ويخطط ويتوعد، بيروت هذه عرفت الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ بدء سنوات التأسيس وراحت ترافقه أحداثاً ومواقف ونمواً وبطولات، وهي أدخلته إلى كل أحيائها وعائلاتها حتى تكاد لا تخلو عائلة من عائلات بيروت إلا وفيها قوميون اجتماعيون.

لقاؤنا اليوم كي نتعرّف معاً على ما تفسح به هذه العجالة عن بيروت الحزب السوري القومي الاجتماعي، إذ أن الحديث عن تاريخ الحزب في بيروت لا ينتهي بمحاضرة ولا بأكثر.

أيها الحفل الكريم

من المعروف أن سعاده بدأ أولى خطواته لتأسيس الحزب، في بيروت، وتحديداً في الجامعة الأميركية، ومحيطها. من بين طلابها وقد كان يدّرس اللغة الألمانية للراغبين منهم، راح يختار من يرى فيهم عناصر صالحة لعملية البناء القومي الاجتماعي، ومن المعروف أيضاً أن مهمته لم تكن عادية وسهلة، فقد واجه الكثير من الصعاب التي كان يمكن، لولا إيمانه العظيم بشعبه، ولولا ثقته بنفسه وبصحة أفكاره، وأيضاً لقناعته الأكيدة بحاجة أمته إلى تلك العقيدة تؤسس للوحدة القومية القادرة على التصدي للغزوة اليهودية التي كان سعاده تنبه، ونبّه إليها مذ كان في الثامنة عشر من عمره، لكان يمكن أن يتراجع مثبط الهمم موافقاً من تحداه على أنه لن يجد خمسة مواطنين من طوائف مختلفة يأخذون بعقيدته في ظل الانتداب الشرس، وما رافقه من ملاحقات وعيون تتربص وسجون وأحكام.

إلا أن سعاده لم يجد خمسة أعضاء فقط، بل وجد المئات والآلاف يأخذون بعقيدته، ويتخلون عن أمراض الطائفية والعائلية والعشائرية والانهزامية، وها هو جوابه نراه في تاريخ الحزب العظيم كما في حضوره الرائع على امتداد وطننا وفي كل مكان في العالم.

في بيروت نفسها كان الرفقاء الخمسة الأوائل (جورج عبد المسيح، جميل صوايا، زهاء الدين حمود، وديع تلحوق وفؤاد حداد) وفيها أصبح عدد الرفقاء 15 في السنة الحزبية الأولى، منهم الدكتور محمد روح غندور إبن عين المريسة (حيث في بيته رأت الزوبعة – شعار الحزب – النور) رفيق مروش صاحب مطاعم مروش، عمر اللبان الذي كان أول أمين سر (لم تكن لفظة ناموس معتمدة في تلك الفترة من التأسيس) المهندسان بهيج الخوري مقدسي ورجا خولي، فكتور أسعد، أنيس قساطلي (الصناعي فيما بعد)، إيليا ربيز الذي كان مؤسس العمل الحزبي في شمالي لبنان إذ كان انتقل للعمل في شركة نفط العراق في طرابلس وهناك نقل الدعوة إلى الرفيق الياس نجار ليصبح أول من ينتمي من أبناء الشمال اللبناني .

وكانت البداية، كل من الرفقاء الخمسة عشر الأوائل كان ينقل الفكرة إلى أترابه وأصدقائه، في بيروت كما في القرى والمناطق، حتى إذا مرت أشهر تضاعف العدد ليصبح عدد المنتمين 30 رفيقاً في حزيران 1934، منهم فؤاد خوري، بهجت خولي، جميل بتلوني وهو أول رفيق ينتمي في المصيطبة (والده الدكتور نجيب كان طبيباً معروفاً) فما إن انتهت السنة الحزبية الثانية (1933-1934) إلا وأعضاء الحزب قد ناهزوا الـ 62 رغم كل الوضع الذي أشار إليه سعاده بالقول: " كانت الحالة في الوطن حالة يأس وخوف، الجاسوسية منتشرة في كل مكان: الجيوش الأجنبية محتلة المواقع الاستراتيجية، مكاتب الاستخبارات تبث عيونها في جميع أوساط الشعب. الاجتماعات محظورة وتأليف الأحزاب جريمة وخوف السجون والأحكام يقطع طريق الأمل" .

من الرفقاء الذين انتموا في بيروت في تلك الفترة نذكر كأمثلة: المحامي الأمين عبد الله قبرصي، نجيب حلاوي، نقولا بردويل، عبد الله ثابت، عزيز ثابت، وزكي نقاش الناظر في مدرسة المقاصد الإسلامية. من المفيد أن نتكلم قليلاً عن كيفية انتماء الرفيق زكي نقاش الذي بات لاحقاً أول عميد للحربية في الحزب (أي عميد الدفاع حالياً) فهذا مما يلقي الضوء على العناية التي كان يوليها سعاده لاختيار العناصر للانتماء إلى الحزب .

كان سعاده قد اطلع في أعداد مجلة "الكشاف المسلم" الصادرة عامي 1927 و1928 على مقالات تحت عنوان "نظرات في تاريخنا" موقعة باسم زكي نقاش تدل على أن صاحبها سوري قومي دون أن يكون منتمياً إلى الحزب. فسلّم هذه الأعداد إلى الأمين عبد الله قبرصي وكان يتولى مسؤولية عميد الدعاية والنشر (عميد الإذاعة حالياً، وهو أول من تولى هذه المسؤولية) وكلفه الاتصال بالناظر زكي نقاش والعمل على ادخاله في الحزب. الأمين عبد الله بعد اطلاعه على المقالات عرضها بدوره على الأديب والشاعر فؤاد سليمان الذي كان يتولى مسؤولية أمين سر العمدة (الناموس)، معاً توجها إلى مدرسة المقاصد، واجها زكي النقاش بتلك المقالات، سألاه إن هو ما يزال مقتنعاً بما كان كتبه، وما إذا كان مستعداً، فيما لو وجدت جماعة تؤمن بما يؤمن به، فيعمل معها لتحقيق ذلك.

واطلع زكي نقاش على دفتر المبادئ والنظام (لم تكن التعاليم ودستور الحزب مكتملين. مبادئ الحزب وضعها سعاده أثناء سجنه الثاني والدستور الذي وضع في 21 ت2 1934 صنف في 20/1/1937. حتى القسم الحزبي كان غير ما هو عليه حالياً، إذ لم تكن وردت فيه المقاطع التي تشير إلى القوانين والأنظمة والمؤسسات الدستورية) قرأ، وناقش فاقتنع. وأمام نعمة ثابت، عبد الله قبرصي وفؤاد سليمان رفع يمينه إلى أعلى، بكى تأثراً ومع تساقط دموعه كان ينتمي.

الرفقاء الذين راحوا يُقبلون على الحزب في بيروت في تلك السنوات الأولى من مرحلة العمل الحزبي السري، باتوا بحاجة إلى تنظيم، وإلى مسؤولين يرتبون العمل ويقودونه، أول من تولى ذلك كان الرفيق فكتور حنا أسعد يعاونه الرفقاء فؤاد خوري، فؤاد حداد (أحد الخمسة الأول، وهو من عمار الحصن. كان والده يملك مطعماً تجاه الجامعة الأميركية وفيه تعرف سعاده إلى فؤاد، ثم انتقل إلى منزلهم حيث كانوا يؤجرون غرفاً منه للطلبة. فكان ان انتمى هو وشقيقاه يوسف وعفيفة)، وجورج حنكش الذي كان انتمى في رومية إنما التحق ببيروت وأصبح من معاوني الرفيق فكتور أسعد .

في هذا الوقت تشكل أول مجلس عمد، من العمد الذين كان سعاده يعينهم تباعاً: نعمة ثابت رئيساً للمجلس عميداً للداخلية، سامي قربان للمالية، عبد الله قبرصي للدعاية والنشر، عمر اللبان أمين السر العام لهذا المجلس، زكي نقاش للحربية.

لاحقاً، وبموازاة أول مديرية للطلبة، تشكلت من الرفقاء في الجامعة الأميركية وخارجها، وتولى مسؤوليتها الرفيق رفيق الحلبي (من بشامون وهو أول رفيق غادر إلى شاطئ الذهب – غانا) تشكلت منفذية بيروت بعد أن كانت تشكلت منفذية في كل من طرابلس - الشمال، وفي المتن، من الرفقاء القلائل الذين كانوا انتموا. تولى المنفذية الرفيق المهندس عزيز ثابت، ليكون أول منفذ عام لبيروت.

بفضل نشاط المنفذ العام الجديد انتمى العديد من الرفقاء، حيث كان بعضهم من الأوائل في مناطقهم: كريم طوبيا (جزين) كابي ديب (القدس) رضا رعد (الشقيق الأكبر للأمين إنعام)، مأمون أياس الذي تولى في الحزب مسؤوليات قيادية، إميل صليبي وشقيقه الدكتور جورج (لاحقاً أمين ورئيس مركز الأشعة في مستشفى الجامعة، وتولى مسؤوليات حزبية مركزية عديدة) أديب قدورة (الأمين والمنفذ والعميد ورئيس المجلس الأعلى، الصيدلي ونقيب الصيادلة أكثر من مرة) ومثله فؤاد أبو عجرم (بعقلين) سعيد سربيه (الصحافي وصاحب جريدة "كل شيء") وفيق الحسامي (القاضي لاحقاً).

وامتد نشاط بيروت إلى برج البراجنة وحارة حريك لينتمي من أبنائها كميل دكاش، ادوار صعب، قاسم حاطوم وغيرهم .

عندما اضطر الرفيق عزيز ثابت للمغادرة إلى مصر لأعمال تتعلق به، تعين الرفيق شارل سعد منفذاً عاماً لبيروت (صاحب المدرسة المعروفة باسمه في الشويفات).

الرفيق سعد هو الذي تولى تنظيم أول اجتماع عام للقوميين الاجتماعيين في الأول من حزيران 1935، الذي كان دعا إليه سعاده، وفيه تلا عميد الدعاية والنشر (الأمين عبد الله قبرصي) تقريراً حزبياً عاماً (بعد أن كان تسلم من كل عميد تقريراً عن أعمال عمدته)، وألقى سعاده خطابه المنهاجي الأول الذي يعتبر من أهم وثائق مرحلة التأسيس.

(الحزب كان أصبح يضم ما يزيد على الثلاثمئة عضو، وقد حضر الاجتماع ما يزيد على المئتي رفيق).

هذا الاجتماع كان له أثره البالغ على نفسية الأعضاء. يقول الأمين عبد الله قبرصي: "ان سعاده كان يدرك قيمة التفاعل بين الرفقاء كجماعة منظمة، ويدرك التأثير الكبير على الروحية العامة نتيجة اجتماع عام لكل الأعضاء من كل أطراف لبنان. لم يكن سعاده يستخف بخطر انفضاح الحزب، لكنه لم يكن يخشاه".

إذا كنا تحدثنا عن الجامعة الأميركية وأثرها البالغ في عملية التأسيس، فإن معهد البطريركية في زقاق البلاط شهد بدوره انتماءات حزبية عديدة، كما شهد معهد الحكمة لاحقاً انتماءات عديدة لرفقاء كان لهم دورهم في العمل القومي الاجتماعي.

في البطريركية وكأمثلة الرفقاء: الياس زينون، نهاد ملحم حنا، جميل شكر الله، ميشال ومسعد حجل، حافظ المنذر، أسعد الأسعد (السفير لاحقاً).

وفي الحكمة أبرزهم الرفيق وليم صعب (الشاعر والمنفذ العام وصاحب مجلة "البيدر" وأمير الزجل في لبنان).

وتكر في بيروت سلسلة الانتماءات: محمود حافظ، محمود البنا، محمد النقاش، إميل دباس، روبير أبيلا (نقيب الصحافة لاحقاً)، ديمتري حايك، توفيق البربير (لاعب كرة قدم معروف)، حسين سجعان (الوجه البيروتي)، زكريا لبابيدي (الصحافي والمنفذ العام والمسؤول المركزي) شقيقه صلاح (الشاعر، القائمقام ومدير الشرطة في بيروت)، أمين زهير (إبن أحد أصحاب مصرف كرياكوس وزهير)، عبد الفتاح زنتوت (والد الممثل التلفزيوني وحيد جلال)، عفيف فاخوري (والده د. سماح، رئيس المجلس القومي الإسلامي وهو الذي خلف الرفيق جورج حكيم في عمدة المالية – د. جورج حكيم الذي أصبح وزيراً ونائباً لرئيس الجامعة الأميركية)، كنعان الخطيب (أستاذ العربية في الـ I.C.، مستشار لبعض أفراد العائلة المالكة السعودية، وشاعر)، المحامي عادل عيتاني (توفي باكراً بالسكتة القلبية)، منح راسي (أول من أسس صحيفة باللغة الإنكليزية في بيروت)، محمد الباشا (مدير اليانصيب الوطني لاحقاً)، محمد القاضي، عبد السلام أحمد صيداني، جان جلخ.

الرفيق نجيب حلاوي كان أول مدير للمديرية العامة التي كانت تشمل رأس بيروت وساقية الجنزير. بعد انتماء محمد الباشا، ولأن الرفيق نجيب اضطر للانتقال إلى ضهور الشوير ليكون أحد بناة العمل الحزبي فيها، تولى الرفيق باشا مسؤولية المديرية التي شهدت نشاطاً جيداً وانتماءات حزبية عديدة منهم: عباس الحلبي (عين ناموساً لها)، شفيق عياش، خطار باز، فهد وعجاج عبد الصمد، رفعت زنتوت، خليل تميم، عبد الغني انجا، ناجي تميم، رشيد القاضي، فيما تحول منزل شقيقه محمد في تلة الخياط إلى مركز للاجتماعات الحزبية، كذلك الأمر بالنسبة لمنزل الرفيق ناجي تميم في منطقة جل البحر.

بعد اجتماع الأول من حزيران 1935 تتالت الانتماءات في بيروت وبوتيرة عالية، على سبيل المثال: فؤاد شاوي الذي تولى في الحزب مسؤوليات مركزية عديدة، طبيب الأسنان البير قيم (من خربة قنفار)، وقد تحولت عيادته في سوق سرسق إلى مركز للاتصالات السرية، إميل مجدلاني، لويس نصار، الشيخ عبد الله الجميل، ابن بكفيا وقريب بيار الجميل، جميل عازار (من غرزوز وكان يقطن وشقيقاته حي الأشرفية) في وطى المصيطبة انتمى الأمين عجاج المهتار، أديب الزهيري، وعندما تحولت إلى مديرية تولى الرفيق أديب مسؤولية أول مدير لها. في ساقية الجنزير رفيق وخليل صلاح الدين، نجيب القاضي، خليل أبو مجاهد وعادل ماهر، محمود الحلبي (الذي كان اشتهر أنه أمهر رتا في بيروت)، محمد راشد اللاذقي (الأمين، المنفذ العام، عميد الداخلية)، محمد شامل (اسمه محمد شامل الغول الكاتب والشاعر والممثل المعروف)، الذي ألقى قصيدة في دار الرفيق بشير فاخوري في محطة النويري حيث كانت تعقد اجتماعات إذاعية وكان الزعيم يحضر البعض منها. في أحد تلك الاجتماعات – 19 ت2 1937 – ألقى محمد شامل قصيدة بليغة موجهة إلى سعاده الذي كان حاضراً، وألقى الرفيق محمد تنير قصيدة أخرى.

شارل سعد، كان أول من تعرّض لمحاكمة حزبية مع شقيقه الرفيق فكتور ومعه الرفيقان بطرس سماحة وأنطون حبيش بعد أن رفعت تقارير بحقهم وعن ممارساتهم. طردوا اثر المحاكمة، فعين المفوض في شرطة بيروت الرفيق أسعد الأيوبي منفذاً عاماً.

اثر انكشاف أمر الحزب، اعتقل المنفذ الرفيق أسعد الأيوبي (ثم طرد من وظيفته، وهو أول رفيق يفقد وظيفته بسبب انتمائه الحزبي) فتولى قيادة المنفذية الرفيق زكي اللبابيدي الذي كان تعين وكيلاً لعميد الداخلية يعاونه عدد من الرفقاء منهم الرفيق رفعت زنتوت المكلف من قبل المنفذ أسعد الأيوبي للقيام بأعمال المنفذية في حال حصول اعتقالات والرفيق المحامي عادل عيتاني، بعد ذلك تولى القيادة بالوكالة الرفيق محمد القاضي (من بيصور وكان تاجراً في سوق أياس) بعد خروجه من السجن استمر الرفيق أسعد في مسؤوليته إلا أن ظروفه المالية الضاغطة اضطرته إلى الاستقالة فتعين الرفيق عبد الله الجميل منفذاً عاماً لبيروت التي باتت مديرياتها منتشرة في كل الأحياء. من المديريات، نقلاً عن الأمين جبران جريج: "رأس بيروت مديرها ناجي تميم، ساقية الجنزير (علي اللبان)، وطى المصيطبة (أديب الزهيري)، البسطة/جبل النار (محمد راشد اللاذقي)، الناصرة/النصر (علي بيضون)، الأشرفية (بهيج سمعان)، منطقة النجمة – زقاق البلاط (عبد الله الجارودي)، كركول الدروز (صلاح بكداش).

من المفيد أن نشير إلى أن منفذية بيروت، وسعاده في الأسر، ضمنت فيلماً سينمائياً من أجل تأمين إيراد مالي للمنفذية (المنفذ العام بالوكالة الرفيق محمد القاضي)، تعمدت أن تختار توقيت المشروع ليلة موعد محاكمة سعاده ومعاونيه على اعتبار أن المدينة ستكون غاصة بالقوميين الاجتماعيين الوافدين من المناطق لحضور المحاكمة في صباح اليوم التالي. (سعاده معتقل، الرفقاء يفدون من المناطق لحضور المحاكمة، وفي بيروت يضمنون فيلماً سينمائياً).

نشير أيضاً أن الرفيق جميل حاسبيني من مديرية البسطة/جبل النار قام بالتعويض من جيبه الخاص على الرفيق أسعد الأيوبي بعد أن كان صُرف من وظيفته، ولمدة غير قصيرة. فالقسم الحزبي ليس للقراءة، هو للتطبيق "وأن أقدم كل مساعدة أتمكن منها إلى أي عضو عامل من أعضاء الحزب متى كان محتاجاً إليها".

الذين توهموا أن القوميين الاجتماعيين سينهارون وقد تعرّض زعيمهم للسجن، لم يكونوا قد رأوا الرفيق فؤاد حداد وهو يتبلّغ قرار الحكم عليه يهتف في المحكمة، لسورية ولسعاده، ولا استمعوا إلى الرفيق غندور كرم يجيب، وفي المحكمة أيضاً: "أنا رصاصة في مسدس الزعيم يطلقني ساعة يشاء"، ولا هم شاهدوا القوميين الاجتماعيين يستقبلون سعاده عند خروجه من سجن الرمل ويواكبونه إلى منزله تجاه الجامعة الأميركية، فيما قمم الجبال تشتعل بالنيران والأسهم النارية تنير سماء العاصمة .

هم أيضاً لم يعرفوا كيف سرى موقف سعاده في المحكمة في نفوس أعضاء حزبه وهو يواجه القضاة الفرنسيين بالقول: "إني متهم بخرق حدود بلادي فأقول أن حرمة بلادي قد انتهكت في معاهدات سايكس بيكو وسيفر ولوزان". ما أشد ما كان اعتزازنا نحن به في تلك اللحظة وما أعظمه في وقفة العز تلك. كنا نكاد نرقص في قفص الاتهام إعجاباً وتحية واعتزازاً. يقال أن سعاده ترك لحزبه قضية ونظاماً. لقد ترك سعاده للأمة كلها تاريخاً مجيداً حافلاً بمواقف البطولة (فكتور أسعد). (الدولة كانت أصدرت قراراً بحل الجمعية باسم الحزب السوري القومي في 17 آذار 1936) .

في فترة تولي الرفيق عبد الله الجميل لمنفذية بيروت هناك أمران بارزان:

الأول: انتماء عدد جيد من رفقاء بيروت، نذكر منهم على سبيل المثال: محمد علي فتوح (الفنان، زوج المطربة سعاد محمد) كان على رأس فرقة فنية من أعضائها الرفقاء عبد الغني انجا، ناجي تميم وخضر عيتاني / سليم العشي، عبد العزيز شبارو، خضر سلام، محمد طرابلسي الذي أصبح أول مدير لمديرية عائشة بكار، ناصيف اللحام، عمر سليم، منير الحسيني (الأمين لاحقاً)، وقد انتمى بفضل تردده إلى محترف الفنان الرفيق مصطفى فروخ القريب من سكنه (الرسام الشهير الذي رسم عرزال سعاده في ضهور الشوير).

أما الثاني: فهو تأديب الصحافي عارف الغريب بسبب مقالاته التهجمية البذيئة في جريدته "المساء". كان المنفذ العام قد شكل من عدد من رفقاء المنفذية جهازاً مهمته صيانة الحزب. أمام بذاءة مقالات الصحافي الغريب كلف المنفذ العام فريقاً من الجهاز لتأديبه. (قصده الرفقاء إلى منزله في الأشرفية رنّوا على الجرس وإذ امتنع عن فتح الباب، خلعوه، دخلوا المنزل وأشبعوه ضرباً).

عندما انكشف أمر الرفقاء الذين قاموا بتأديب الصحافي عارف الغريب واعتقلوا، اعتقل أيضاً الرفيق عبد الله الجميل، ثم قضت المحكمة بسجنهم لمدد متفاوتة. المنفذ العام حكم لسنتين، إلا أن عفواً صدر عنه بعد أن أمضى سنة ونصف تقريباً. صحيح أن الإدارة الحزبية المركزية قد لامت منفذ عام بيروت على التدبير الذي اتخذه دون العودة إليها، إلا أنها قدّرت فيه حرصه على كرامة حزبه خصوصاً وأن الصحافي عارف الغريب تخطى كل حدود الأدب بتناوله سعاده والحزب بشكل بذيء. يقول الأمين قبرصي: "إن موقف المتهمين كان جريئاً وهجومياً بفضل الرفيق عبد الله الجميل وإيمانهم بمشروعية ما ارتكبوه انتقاماً للحزب وكرامته وشرفه".

من الرفقاء الذين سجنوا أيضاً: خليل أبو مجاهد، ناصيف اللحام، فكتور أسعد، ناجي تميم، محمد فكري الشريف وأديب الزهيري.

يعتقل سعاده للمرة الثانية بعد أقل من 45 يوماً على خروجه من الأسر الأول. أمام سجنه، تظاهر الرفقاء وقد التقوا وانتظموا صفوفاً متراصة، ساروا غير وجلين وهم يطلقون التحية لسعاده وهو في سجنه فيستمع وهو الأسير إلى رفقائه يهتفون وهم يسيرون فرقاً أمام سجن الرمل قبل أن يتفرقوا. ما همهم أن يُعتقلوا كما زعيمهم، ولا أن يستشهدوا كالرفيق حسين البنا وقد كانوا يقيمون احتفالاً باستشهاده. فلقد وقتت القيادة الحزبية تظاهرة القوميين الاجتماعيين أمام سجن الرمل مع الاحتفال الشعبي باستشهاد الرفيق الأول الذي سقط فوق ارض فلسطين. (أقيم مكان دار الطائفة الدرزية).

(طبعاً اعتقل رفقاء وفي 19 ت1 1936 صدرت الأحكام بـ فكتور أسعد، عجاج المهتار، فؤاد حداد، جورج عبد المسيح).

بعد أن خرج سعاده من أسره الثاني عام 1936 بأيام قليلة، حصلت فتنة طائفية في بيروت، كاد يستفحل أمرها لولا أن بادر سعاده إلى توجيه ندائه إلى القوميين الاجتماعيين، وأصدر أمره إلى منفذية بيروت كي تتحرك على اتجاهين، فريق من الرفقاء بقيادة مأمون أياس يتوجه إلى الأشرفية وآخرون بقيادة جورج عبد المسيح إلى البسطة، يمنعون الاشتباكات ويوزعون نداء سعاده.

الأمين عبد الله قبرصي يذكر في كتابه "عبد الله قبرصي يتذكر": "أن سعاده كان عينه لفترة رئيساً لمجلس العمد (عوضاً عن نعمة ثابت الذي كان رئيساً من قبل ومن بعد) وأنه في مواجهة الفتنة الطائفية وبناء على أوامر وتوجيهات سعاده دعا المسؤولين الإداريين إلى اجتماع في الأشرفية، وأوضح لهم الأوامر بتوزع الرفقاء إلى فرق لمواجهة جموع المتظاهرين وإلقاء خطب التهدئة والدعوة إلى نبذ العصبيات الطائفية والانصهار في الاخاء القومي".

(منفذ عام بيروت آنذاك كان الأمين محمد راشد اللاذقي، وعندما تعين عميداً للداخلية تولى الرفيق سعيد بستاني مسؤولية منفذ عام بيروت).

نحن في العام 1937، سعاده يعتقل للمرة الثالثة في 9 آذار، الأمين أنيس فاخوري تسلم مرسوماً بتعيينه نائباً للزعيم متمتعاً بكل الصلاحيات الإدارية التنفيذية (إلا السياسية)، نوضح أن معظم المراسلات مع سعاده في أسره كانت تتم بواسطة محاميه النائب والشاعر والأديب ابرهيم المنذر من المحيدثة - بكفيا، والد رفيقنا حافظ. الأمين أنيس بادر إلى تشكيل هيئة تنفيذية من مفوضين كانت تعقد اجتماعاتها في منزل الرفيق جميل شكر الله (طلعة محطة جنبلاط). (كان معه جبران جريج للمالية، قاسم حاطوم للداخلية، إميل خوري حرب للإذاعة، وفريد مبارك كان عميداً قبل حصول الاعتقالات).

في 21 حزيران 1936 صدر مرسوم بإنشاء مصلحة خاصة في نيابة المحكمة البدائية في بيروت تدعى "مكتب التحريات" تولى رئاستها المدعي العام لدى المحكمة البدائية الأستاذ وجيه خوري ومن مهمات المكتب ما يختص بتنظيم الجمعيات السرية والممنوعة وعقد جلساتها وبالتظاهرات العامة والتجمعات، وبالتالي كل الأعمال الجرمية (بالنسبة للدولة طبعاً) التي تنشأ عن تصرفات هذه الجمعيات أو الجماعات.

في ظل القرار LR 115 الذي عرف بقرار منع الجرائم أو منع التجمعات أو منع الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية كما يورد سعاده في محاضرته العاشرة عام 1948، وفي ظل المرسوم بإنشاء مكتب التحريات، ورغم الملاحقات والسجون والأحكام، وعلى مدى فترات السجن الأول والثاني والثالث الذي تعرض له سعاده، فإنه لم يمر يوم واحد كان فيه الحزب في حالة من انعدام الوزن الاداري لجهة المركز أو الفروع. إذ كان سعـاده يحرص على إصـدار مراسيمه بمـا يكفل استمرار الحزب تحت قيادات تتولى إدارته، وتدير شؤونه.

لذا، ما إن تمّ اعتقال سعاده في التاسع من آذار عام 1937 (وهو الأسر الثالث لسعاده والأخير قبل مغادرته الوطن عام 1938) حتى أصدر مرسومه بتعيين الأمين أنيس فاخوري نائباً للزعيم، وبالإضافة إلى ما أشرنا أنفاً، فإن منزل الرفيق الأمير أمين أرسلان في منطقة رأس النبع تحول إلى ما يشبه المركز للحزب حيث بقي محافظاً على سريته بالرغم من اتساع الأعمال وتوزيع المناشير التي كانت تقوم بها الرفيقات، (كمية منها كانت تودع في البريد العادي ضمن مغلفات معنونة بأسماء المقصود إرسالها لهم). المركز الثاني الرديف كان منزل الأمين فخري معلوف .

رغم كل هذه الأجواء أقام منفذ عام بيروت سعيد بستاني في مقهى عجرم (قرب الحمام العسكري وفندق السان جورج) مأدبة غداء على شرف الرفقاء أديب الشيشكلي، صلاح الشيشكلي وخالد أديب. حصل ذلك في 2 أيار 1937 وسعاده في الأسر، ومكتب التحريات يلاحق ويترصد ويحصي الأنفاس.

يروي الأمين محمد جبلاوي وقد انتمى العام 1937: "أن الرفيق محمد خضر صعيدي كان يجلب معه آلة موسيقية إلى الحلقات الإذاعية، حتى إذا دوهم المكان، يبدأ العزف على الآلة الموسيقية لتمويه القوات الفرنسية انه ورفاقه يقيمون حفلة غناء".

في 15 أيار 1937 غادر سعاده السجن وقد أصرّ على ألا يخرج وفي الأسر قومي اجتماعي واحد، وكانت الاتصالات السياسية قد أسفرت عن هدنة بين الحزب والسلطة التي كانت تتهيأ لخوض الانتخابات النيابية.

نائب الزعيم وأعضاء مجلس المفوضين يستقبلون سعاده عند خروجه من سجن الرمل، ويواكبونه على رأس ستين سيارة تخترق شوارع الطريق الجديدة، البسطة، عالسور، ساحة الشهداء، باب ادريس متوجهة إلى رأس بيروت، مساءً كانت الأسهم النارية تنتشر في سماء العاصمة من مختلف الأحياء كما أضرمت النيران على سطوح بعض البنايات العالية.

الرفيق فكتور اسعد يتولى مسؤولية منفذ عام بيروت، أما سعاده فمن أولى أعماله بعد خروجه من الأسر، أن أعاد تشكيل مجلس عمد جديد، فيه تعيّن الرفيق بشير فاخوري الذي منح لاحقاً رتبة الأمانة، خازناً عاماً. هو أول خازن عام للحزب، وقد عاونه كمحاسب عام في الخزانة الرفيق خضر عيتاني.

الأمين بشير فاخوري تولى في الحزب مسؤوليات مركزية عديدة. كان أول من حاز على شهادة خبير طيران مدني من سويسرا، إلا أنه لم يمارس ذلك فقد كان يملك وشقيقه الرفيق محي الدين مستودع أدوية في محلة باب ادريس. شقيقته نعم رفيقة مناضلة، ووالدهم محمد هو أول نائب محمدي سني عن بيروت في فترة الانتداب الفرنسي.

وإذ نذكر الرفيقة نعم نشير إلى أن الحزب في بيروت شهد انتماء رفيقات منذ سنوات العمل السري.

الرفيقة جمال ناصيف كانت أول فتاة تنتمـي في بيروت. كمـا كانت أول امـرأة في لبنان تُستدعى أمام قاضي التحقيق. وهي تولت مسؤولية مديرة لأول مديرية للسيدات، منحها سعـاده رتبة الأمانة. اقترنت من الرفيق حافظ المنذر، كانت أديبة وشاعرة ورسامة.

ومن الرفيقات أديبة شامية، أميرة تيماني، فاطمة قدسي، سلوى بدران (والدة المحامي وعضو قيادة المرابطون سنان براج)، أسما سلام، حرية شمنق زوجة الرفيق الأمير أمين أرسلان، شقيقتها سميحة، سلوى بستاني، عفيفة حداد، عائشة الحسيني، أهيلة رمضان، مليحة لبابيدي، وداد ناصيف التي كان سعاده ومعه جورج عبد المسيح في سيارتها متوجهين إلى دمشق عندما تمّ توقيفهم على حاجز الدرك في بلدة المريجات، زوجها كان يملك حمامات الحمة على بحيرة طبريا، وهي بقيت مع امرأة ثانية فقط في "القنيطرة" في ظل الاحتلال الإسرائيلي وقد كتبت عنها الصحف، حيث عُرفت بـ "ختيارة القنيطرة" .

من الرفيقات تألفت لجنة مالية لجمع التبرعات للحزب في فترة السجن الثالث لسعاده، كذلك كنّ يقمن بنقل الرسائل وتوزيع المناشير.

وراح الحزب يزداد نمواً في بيروت، مواقف سعاده في جلسات المحاكمة وفي الأسر، مواقف الرفقاء يتحدون ويتصدون ويتابعون نشاطهم غير وجلين. فلا يبقى حي واحد من أحياء المدينة إلا وفيه سوريون قوميون اجتماعيون.

نحن في السنة الحزبية الخامسة 1936-1937، ينتمي محمد يوسف حمود (الشاعر، الأديب، الأمين عضو المجلس الأعلى، صاحب المؤلفات والأناشيد التي منها نشيد الشجرة، موطني يا توأم التاريخ، نشيد المقاومة، ميسلون)، الأمين محمد جبلاوي (انتمى في 6 حزيران 1937).

من الرفقاء الأديب والشاعر صلاح الأسير، محمد رستم طبارة، عبد الرحمن العدو، منير العريس (شقيق مصطفى العريس القائد النقابي الشيوعي)، أمين سلام، محي الدين سنو، عبد الرحمن عكاوي، عبد الرحمن بشناتي، سعدي الحكيم، عبد الوهاب الرفاعي، منير كريدية، أحمد مفتي، عون علم الدين، أحمد، محمد ويحيى التنير، أحمد الشيخ، ناجي جمال، ومحمد طرابلسي الذي كان أول قومي اجتماعي يلف كفنه بعلم الزوبعة عند وفاته وبعد الصلاة عليه في الجامع، فيما كانت والدته تهتف به: لتحي سورية يا محمد قم وانظر إلى رفقائك.

منهم أيضاً: عبد الحفيظ عبلا، سعيد قصابيه، محمد الأزهري، الرفيقتان نعمت الفيل، وسميحة زنتوت، ومحمد بكار الذي حقق نجاحاً منقطع النظير في الغناء وبصورة خاصة في الغناء العالي سوبرانو، (صار مغنياً في الأوبرا في نيويورك بعد أن مرّ بمصر وعمل في بعض أفلامها).

وكما في مناطق بيروت المعتبرة غربية، لم يكن الحزب في الأشرفية والجميزة أقل نمواً. مئات الأعضاء انتموا والعديد منهم تميز بنضاله، وثباته على إيمانه رغم كل الظروف. كل أحياء الأشرفية عرفت الحزب، وانتظمت فيها مديريات. من الذين برزوا في تولي المسؤوليات منذ الثلاثينات وحتى السبعينات نذكر البعض ممن وافاهم الأجل: نقولا طراد (أحد أصحاب بنك طراد وكان عضواً في المجلس الأعلى)، جبران حايك (الصحافي المعروف وصاحب جريدة "لسان الحال")، نقولا فياض، فكتور بشور، شقيقه جورج الذي تولى مسؤولية ناموس مع سعاده في فترة أواخر الأربعينات، نقولا قباني، نقولا بارودي، حبيب الحلو، الأمناء ادغار عبود، ولسن مجدلاني، اسكندر شاوي وأديب عازار (من اللاذقية إنما قطن الأشرفية منذ أواسط الخمسينات) ومثله الأمين نبيه نعمة الذي شهد منزله قرب سينما كابري في الأشرفية عملية تفجير ذهب ضحيته ابنه الطفل نهاد ورفيقان كانا في زيارته)، ادمون عبدو، رجا أنيس خوري، روبير كرم، مرسال غانم، يوسف ومتري العقاد، نعيم أبو شعر وكان تولى مسؤولية خازن منفذية بيروت. إنما ليسمح لي رفقاء الأشرفية أن أخصّ بالتقدير الرفيق التسعيني أدامه الله بصحته وذاكرته وعميق إيمانه، الرفيق ادمون حايك، كما لا يسعني إلا أن أشير باعتزاز إلى رفقائنا في الأشرفية الذين، رغم سنوات القهر الطويل، بقوا على إيمانهم واستمروا رافعين مشعل النهضة وما تراجعوا.

وفي الجميزة التي يتوهم جاهلو حقيقة الحزب القومي الاجتماعي أنها عصت على الحزب، نرى أن مديرية "التضامن" التي أنشئت وضمّت عدداً جيداً من الرفقاء، منهم: الرفيق المناضل الصامت المثابر مارون حنينة، المناضل ادوار توتنجي وقد تولى مسؤولية مدير أكثر من مرة، جوزف هاروني (خياط نسائي معروف)، جوزف أبو سمرا، فرج الله خوري، جورج لطوف، المهندس انطوان نادر، الياس حاصباني، الشهيد سمير مسلم، جورج قدسي، ومن الجميزة، المارونية، وصلت أنوار النهضة إلى حي المسلخ. منفذ عام بيروت الرفيق سعيد تقي الدين يستدعي الرفيق مارون حنينة.

- عليك أنت الماروني، القومي، أن تجعل من عرب المسلخ نخبة من القوميين الاجتماعيين، وخصوصاً منهم الذين يعملون قصابين في المسلخ، فهم الأشد و"مشكلجية".

وعمل الرفيق مارون حنينة شهراً وأشهراً وسنة. أدخلهم إلى مدارس ليلية لتعلّم العربية، رافقهم يومياً. راقب سلوكهم. حدثهم عن الحزب. إلى أن تأسست مديرية كبيرة وبات الذين يقطعون اللحم ويتسببون بالمشاكل رفقاء قوميين اجتماعيين يحاضرون في الحزب وينشرون عقيدته. منهم الرفقاء: عارف قاسم، محمد شعبان، عثمان عثمان، محمد عقاب، محمد الخطيب.

وما دمنا نتكلم عن الأشرفية والجميزة، نذكر تلك الواقعة من تاريخنا في الثلاثينات:

في 14 أيلول 1937 (بعد أن كان خرج سعاده من الأسر) دعت منفذية بيروت إلى اجتماع في منزل الدكتور يواكيم في الأشرفية وكان ولده الرفيق موريس من الأعضاء النشيطين. كان عدد الحضور يزيد على المئة رفيق إلا أن رجال الأمن داهموا مكان الاجتماع واعتقلوا الرفقاء دفعة واحدة.

مدير الأمن العام الفرنسي كولومباني جاء خصيصاً ليشرف بنفسه على عملية تنفيذ الاعتقال والسوق إلى نظارة البرج ثم إلى سجن الرمل. إلا أن ما لفت نظره، والرأي العام فهو انتظام الرفقاء صفوفاً صفوفاً وهم ذاهبون بخطى موزونة، ورؤوس مرفوعة، كأنهم يمشون في عرض عسكري في قلب العاصمة التي لم تشهد من قبل منظراً كهذا.

هذا لم يمنع بعد فترة، وقد خرج الرفقاء على دفعات وعلى مدى شهر كامل، أن يدعو الرفيق جميل عازار، سعاده إلى منزله في الأشرفية. من الذين تكلموا الرفيق أحمد دمشقية الذي كان امتياز جريدة الحزب "النهضة" باسمه.

لأول مرة تجري احتفالات الأول من آذار عام 1938 في ظل الحرية التامة، ذلك أن الحزب كما أشرنا كان في حالة الهدنة المؤقتة مع السلطات التي ترجمت ذلك عبر الترخيص بصدور جريدة "النهضة"، وانتقال الحزب إلى مركز علني في منطقة المعرض (زاوية الالتقاء بين شارع المعرض وشارع ويغان، فوق محلات أبو راشد). الرفقاء تسلقوا الجبال لإشعال النيران، وفي بيروت والمدن أطلقوا الأسهم النارية كما أشعلوا النيران على سطوح المنازل.

سعادة يستعرض حشود القوميين الاجتماعيين في الغبيري، وهو في لباسه الرسمي، ثم ينتقل إلى منزل الرفيق زكريا لبابيدي في محلة عائشة بكار. والده القاضي أحمد يستمع إلى خطاب سعاده على مدى نيف وساعتين (رغم أنه لم يكن قادراً على الوقوف لعلة في إحدى قدميه) كان معجباً بسعاده، وقد سمعه أفراد عائلته يشمل سعاده بدعائه عند انتهائه من الصلاة.

من أبرز الاحتفالات تلك التي أقامها فرع السيدات برئاسة الرفيقة جمال ناصيف. وحفلة أخرى في منزل الرفيق الأمير أمين أرسلان.

ومن النشاطات في تلك الفترة ضمان فيلم الأسبوع في سينما أوبرا. نفوس الرفقاء عطشى للظهور العلني، وأن يكون زعيمهم معهم، لذلك الأماكن مشغولة بالكامل، الحشد كبير والهتافات كالرعد.

وإذ نحن في الثلاثينات لا بد وأن نشير إلى أمرين:

أولهما: المقهيان وسط العاصمة وقد عرَفا زخم النشاط القومي الاجتماعي في تلك السنوات: مقهى فتوح وقد عُرف بـ"منتدى فتوح" لأنه كان ملتقى الكثير من السياسيين والأدباء والشعراء. صاحبه كان الرفيق نعيم فتوح. والمقهى الثاني مقهى عارف (صاحبه الرفيق عارف القاضي)، كان مقهى ومطعماً وهو يقع في الجهة المقابلة لمنتدى فتوح (الأول غرب ساحة الشهداء، والثاني إلى جوار سينما هوليود).

الثاني: هو فريق "النهضة" الرياضي الذي تحول بفضل الرفيق جورج كرم (لاعب كرة قدم كان انتمى في الجامعة الوطنية في عالية) إلى أول فريق قومي اجتماعي لكرة القدم. من أعضائه الرفقاء ديمتري حايك، جوزف شدريوان، توفيق البربير، عزمي موره لي، والأصدقاء لبيب مجدلاني وادمون ربيز. أول مباراة أجراها الفريق كانت على ملعب السلام، في الأشرفية وبرعاية الزعيم.

*

تلك بيروت وسعاده يتهيء لمغادرة الوطن إلى المغتربات، والانتماءات تستمر: حلمي المعلوف بعد شقيقيه رشدي (الأديب والصحافي المعروف) وفخري (انتمى في مرحلة العمل السري، حيث كانت له في الحزب جولات معروفة)، كمال خولي، ابرهيم يموت (الأمين، عضو المجلس الأعلى، رئيس مجلس الأمناء)، رشيد عبد الرحيم قليلات، نجيب صدقه (الدكتور، السفير لاحقاً)، ادمون شويري (الطبيب، أول مدير لمديرية الحدث)، نديم أنيس المقدسي (الإعلامي المعروف)، سليم بتلوني .

في حزيران 1938 غادر سعاده بيروت عبر دمشق عمان حيفا إلى قبرص وفي 28 تموز غادرها إلى أوروبا في طريقه إلى البرازيل.

إلا أن قوى الأمن سرعان ما راحت تداهم مركز الحزب، وبيوت القوميين الاجتماعيين لتعتقل من تمكنت منهم. ليس فقط لأن الرفيق محمد اللحام كان نفذ التأديب الثالث بحق الصحافي عارف الغريب بسبب تماديه في تهجمه البذيء. (التأديب الثاني حصل في ضهور الشوير عندما التقاه الرفقاء فعرفوه) بل لأن دوائر الأمن العام بالاشتراك مع بعض دوائر القضاء وبعض المراجع العليا كما جاء في مقال لسعاده في جريدة "سورية الجديدة" بتاريخ 11 آذار 1939، قد وضعت خطة للقضاء على سعاده والحزب.

وإذ كان سعاده غادر لتفقد فروع الحزب في المغتربات قبل أن تتمكن الدولة من تنفيذ مؤامرتها، فقد انفجر حقد الدوائر المتربصة وراح مكتب التحريات الذي كان تولاه المدعي العام القاضي فرنان أرسانيوس يقوم بحملات البحث والتفتيش والاعتقال حتى أنهم، في أواخر شهر حزيران، نقبوا في حديقة منزل جرجس الحداد، والد الرفقاء فؤاد، يوسف وعفيفة، وقلعوا بلاط الدار، قبل أن يسوقوا الرفيقين فؤاد ويوسف إلى السجن.

بالرغم من هذا الوضع فقد دعا المجلس الأعلى الذي كان تسلّم قيادة الحزب بعد سفر سعاده، إلى مؤتمر عام للمسؤولين في المركز ولهيئات المنفذيات من كل أنحاء الوطن يعقد في أيلول 1938 في بيروت، وقد سمي بمؤتمر الاستعداد.

جرى تحديد أمكنة عديدة للاتصال أبلغت إلى الرفقاء المشاركين تمّ تكليف عدد من الرفقاء في كل من هذه الأمكنة من أجل انتظار الرفقاء ونقلهم إلى مكان انعقاد المؤتمر السري، وهو منزل الرفيق أحمد مفتي في برج أبو حيدر، وكان الرفيق مفتي قد تعين خازناً عاماً مكان الأمين بشير فاخوري.

من الرفقاء في بيروت في تلك الفترة نذكر: أمين خويص في رأس بيروت، كمال هرموش، سعيد عبد الملك، بديع عبد الصمد في وطى المصيطبة، محمد بدر وقد نال لقب بطل الملاكمة، خليل محيو (المدير والناظر والمنفذ والرفيق المناضل)، شكيب أبو مصلح (الأمين لاحقاً) في عائشة بكار، جميل / نايف / معروف / وفؤاد جمال، عبد الرحمن حجازي في مديرية جبل النار، وكان لولباً إذاعياً لا يهدأ، ومن نشاطاته إدخال الرفيقين عيسى حماده وخليل طفيلي.

وتجري محاولة رابعة لتأديب الصحافي الغريب إلا أنها باءت بالفشل واعتقل من جرائها الرفقاء أمين حمدان (عين المريسة) خليل طفيلي وسميح قصيباتي.

نحن في السنة الحزبية السابعة 38-39، سعاده في المغترب، الحزب ملاحق وفي وضع العمل السري. مع ذلك مجلس عمد جديد نعمة ثابت (رئيساً له وعميداً للداخلية)، جبران جريج (للمالية)، جورج عبد المسيح (للاذاعة)، مأمون أياس (للدفاع)، الندوة الثقافية يتولاها الأمين فخري معلوف. منفذ عام بيروت الأمين جبران جريج (باسم مستعار إحسان سالم) يعد كراساً من 10 صفحات لسيرة سعاده والحزب، يوزع بشكل سري على المنازل والمحلات. الرفيق شكيب أبو مصلح يريد أن يتحدى رئيس مكتب التحريات الجديد، القاضي فرنان أرسانيوس. وحده خالف التعليمات. تداول مع الرفيق شحاده رزق الله في مكان عمل الرفيق فهد حريق (الاثنان من المناضلين القوميين الاجتماعيين) رافقه الرفيق شحاده إلى منزل أرسانيوس الذي كان الرفيق شكيب يجهل مكانه. صعد الدرج. رن الجرس. فُتح له الباب. يُسأل ماذا يريد. في اللحظة يشاهد القاضي أرسانيوس جالساً يتحدث إلى أحد ضيوفه، يدخل وهو يجيب سائله أريد أن أقدم هذه الهدية إلى حضرة الأستاذ أرسانيوس بمناسبة أول آذار عيد مولد سعاده زعيم الحزب السوري القومي يسلمه الكراس يداً بيد.

طبعاً اعتقل الأمين شكيب وسجن، اسمحوا لي أن أحيي الأمين شكيب أبو مصلح المسن جداً، وهو الآن في بلدته "عين كسور".

بعدها تمّ إنشاء مكتب مواصلات سري للبريد الحزبي تولاه الرفيق أنطون جقليس من الأشرفية. عميد الداخلية يلتقي رفقاء طلبة ويكلفهم بمهمات في المناطق. مركز أعمال عمدة الداخلية في منزل الرفيق نقولا بردويل في شارع مار نقولا الأشرفية. هناك تطبع البيانات على الدكتيلو. الرفيقة زينة شقيقة الرفيقة ماري زوجة الرفيق نقولا تقوم بتوزيعها وبإيصال ما أمكن إلى الرفقاء في الأسر.

مركز عمدة المالية في منزل وكيل العميد الرفيق منير الحسيني. الأوراق والسجلات تحفظ في بناية مرصد الجامعة الأميركية الذي كان بتسلم طالب الطب الرفيق عبد الله سعاده (الأمين ورئيس الحزب).

عمدة الإذاعة تُصدر نشرة مختصرة، إنما مكثفة سميت النشرة الإخبارية. العمل يمارس في منزل الرفيق عيسى حماده قرب بلدية بيروت.

الحزب ملاحق ؟ نعم. إنما يعمل وينظم ويتابع الفروع ويوزع البيانات ويتحدى، والمئات على امتداد الوطن ينتمون.

عميد التدريب (التسمية قبل أن تصبح عمدة الدفاع) في غرفة مستأجرة لدى سيدة من بشري من آل فخري في محلة زقاق البلاط. وكيل العميد منير الملاذي، الضابط الشامي ومن أبطال الحزب، منشغل دائماً في جولات على الفروع الحزبية لتدريب الأعضاء. عميد الدفاع مأموس أياس، وبناء لتوجيهات سعاده، يتهيأ لإقامة مخيم تدريبي في الشوف.

منفذ عام بيروت يشكل هيئة المنفذية على الوجه التالي: نجيب شويري ناموساً، محي الدين سنو للمالية، إبراهيم يموت للإذاعة، منير عيدو للتدريب. الرفقاء محمد علي عيتاني، بدري جريديني (الأمين لاحقاً والمنفذ، وهو صيدلي) ومتري عقاد نواميس ارتباط مع مناطق بيروت التي قسمت إلى ثلاث، الأمين جبران يتولى رئاسة مكتب عبر الحدود. الأوراق والسجلات تحفظ لدى الطالب الجامعي الرفيق ابرهيم يموت.

في بيروت مديريات: مديرية النجاح (الصنائع)، مديرية النصر (الناصرة) مديرها أحمد الشيخ، مديرية الحرية (الزيدانية) خضر سلام، مديرية الكفاح (عائشة بكار) مديرها أمين عيتاني، مديرية التجدد (زقاق البلاط) قاسم الزين، مديرية الواجب (المزرعة) خليل محيو، مديرية القوة (فرن الشباك) محمد العنداري ثم محمود الفران، مديرية التعاون (رأس بيروت) أمين أبو عجرم، مديرية التضامن (العكاوي – الجميزة) ادوار توتنجي، مديرية القومية (منطقة ملعب السلام الأشرفية) حبيب الحلو، مديرية النظام (وطى المصيطبة) بديع عبد الصمد، مديرية جبل النار (البسطة) محمد راشد اللاذقي ثم وفيق الزين، مديرية الاقدام (حي السراسقة – الأشرفية) رافع جريديني، مديرية الجهاد (محلة السيوفي – الأشرفية) ميشال حداد. هذا بعض وليس كل مديريات بيروت.

وكيف كانت تتم اللقاءات:

1. في أمكنة عمل الرفقاء نجيب شويري، عبد الرحمن الخليلي، خليل طفيلي، وشحادة فاخوري.

2. على الطريق والأماكن العامة بناء على موعد سابق.

جريدة "سورية الجديدة" الصادرة في البرازيل تصل بانتظام. هي من أهم المواد الإذاعية للرفقاء مراسلها من لبنان عميد الإذاعة الرفيق جورج عبد المسيح ويعاونه فيها الرفيق ابرهيم يموت، من الانتماءات (على سبيل المثال): محمد حبوب عيتاني، ظافر جريديني، محمد مغربل، حسن سوبرة، صلاح عيتاني، بولس صعب، ابرهيم شبارو، ريمون كريمونا، أنيس العز، مصطفى الغول.

الرفيق جميل عازار يتعرض للاعتقال، يريدون انتزاع معلومات منه عن التنظيم الحزبي السري في المركز بصورة خاصة، تعرّض للتعذيب، أصيب بداء السل، أخلي سبيله إنما لينتقل إلى مستشفى بحنس، وليفارق الحياة عام 1942 متأثراً بما أصابه.

هو من شهداء الحزب، شقيقاته كوكب، جميلة وتقلا لم يحلفن قسم العضوية. مع ذلك كان سعاده يخاطبهن بالرفيقات تكريماً ولهن لإخلاصهن. كن مطلعات على وجود الحزب وهو ما يزال سرياً. كن أهلاً للثقة وداومن عليها معتزات بها، رغم الشدائد والاضطهادات، وأبقين بيتهن مفتوحاً للحزب حتى بعد وفاة شقيقهن شهيداً.

نحن الآن في الحرب العالمية الثانية، أول ما أقدمت عليه السلطات المنتدبة أن اعتقلت القيادات الحزبية وعشرات الرفقاء: جورج عبد المسيح، بشير فاخوري، الياس سمعان (الأمين لاحقاً)، عبد الله الجميل، يوسف اليازجي، أديب قدورة، وليم سابا، محمد القاضي، نعمة ثابت، عبد الله قبرصي.

العميدان جبران جريج ومأموس أياس أمكنهما الإفلات فالوصول إلى بتعبورة في منطقة القويطع في الكورة، من هناك قادا الحزب وقد تحولت بتعبورة إلى مركز للحزب. كلها كانت مع الحزب. رغم كل الوضع كان العميدان يقومان بجولات، ويصدران البيانات والبلاغات. وكان لا بد بعد مضي عام أن يعودا إلى بيروت. تمّ استئجار بيت في شارع الحمراء بين شارع جان دارك وشارع عبد العزيز، هو، كما يفيد عنه الرفيق ابرهيم يموت شقة منفردة بين بساتين التوت والبطاطا والبندورة. الأمين فارس معلولي كان يقوم بمهمة ضابط ارتباط. بعد إقامة قصيرة تمّ الانتقال إلى منزل آخر تنطبق عليه الأوصاف السرية أكثر. يقول عنه الأمين كامل أبو كامل: "البناية كانت تقع في نقطة قريبة من أوتيل "كومودور" اليوم، حيث كان الوصول إليها صعباً جداً فهذه المنطقة كانت في ذلك الوقت ملجأ للفارين من وجه الملاحقات الحكومية، وللوصول إلى هذا البيت كان يتطلب المرور بزواريب تتفرع من شارع الحمراء حالياً، (كان شارع الحمراء بساتين أيضاً والزواريب يحجبها الصبير الذي كان يستعمل كسياج للبساتين).

نادرة يصح أن تحكى، كان في مقابل البيت / المركز شقة أخرى مستأجرة. الأمين فارس معلولي يُبلغ العميد مأمون أياس عند وصوله / وهو في حالة إرباك / أنه شاهد شرطياً في الشقة المقابلة، نزل الخبر على الجميع كالصاعقة، كما يقول الأمين جبران جريج، وقف العميد أياس وراء الباب ينظر عبر ثقب المفتاح، وإلى جانبه الباقون.

استمرت المراقبة طويلاً إلى أن فُتح الباب أخيراً وأطلت امرأة شابة يتبعها شرطي. لم يكد العميد مأمون أياس يتبيّن ملامح وجه الشرطي جيداً حتى رآه الرفقاء وسط دهشتهم يفتح الباب ويتجه نحو الشرطي فيعانقه ويأخذ في تقبيله. لم يكن ذلك الشرطي سوى الرفيق نجيب حلاوي، الذي استأجر الشقة بعد زواجه.

بعد تمركزهما في بيروت تمكن عميد المالية الأمين جبران جريج وهو في الوقت نفسه منفذ عام بيروت باسم "إحسان سالم" أن ينصرف أكثر للاهتمام بالمنفذية. الرفيق ابرهيم يموت ناظر الإذاعة كان ركيزة العمل الحزبي فيها، وقد كلف بأن يكون منفذاً عاماً بالوكالة.

الأمين فارس معلولي، الموظف في المكتبة الخاصة بكلية الطب في الجامعة الأميركية يقيم في البيت – المركز (الذي هو بيته ظاهراً) وقد مُنع عليه أن يمارس أي عمل حزبي. الرفيق عيسى حماده غير المعروف حزبياً وُضع بتصرف عميد الداخلية رسولاً إلى المناطق .

مجلس عمد جديد تشكل من:

مأمون أياس رئيساً، عميداً للداخلية.

جبران جريج عميداً للمالية .

عبد الله سعاده ناموساً للمجلس .

أسد الأشقر عميداً للإذاعة .

معروف صعب عميداً للثقافة كما يفيد الأمين عبد الله سعاده في كتابه "أوراق قومية".

في 22 حزيران 1940 أعلنت الهدنة بين ألمانيا وفرنسا، وفي 24 بين إيطاليا وفرنسا، فرنسا باتت في عهدة الماريشال بيتان، المفاوضات التي كان بدأها مأمون أياس مع المفوضية الفرنسية بواسطة د. سامح فاخوري والد الرفيق عفيف، توقفت نهائياً وفي 2 تموز 1940 أصدر مجلس العمد بياناً باسم عمدة الإذاعة موجهاً إلى القوميين الاجتماعيين يوضح لهم فيه خطورة المرحلة ويؤكد على مثالية الإيمان. في 12 تموز تلصق صور الزعيم على جدران العاصمة. يعتقل الرفقاء بطرس كيروز، عادل طفيلي، خضر سلام، صلاح عيتاني، ادوار توتونجي. الرفيق لويس نصار، وهو يعمل سائقاً، ساهم في توزيع الصور بشكل رئيسي. مفيد أن نشير إلى أن المسؤولين المركزيين كانوا يستعينون في المهمات الحزبية بسيارات الرفقاء لويس نصار، ميشال بو صعب (المعروف بـ فرفر) وأمين حمدان.

مجلس العمد يقرر أن يعلن الحزب موقفه السياسي القومي من الأحداث على أن يصدر بيان باسم رئاسة المجلس، يوزع على نطاق واسع ويتلى في اجتماعات شعبية عامة. تمّ اختيـار الخطباء واتخذت التدابير الاحترازية والأمنية وقد تقرر تنفيذ الخطة في أول آب 1940.

(سنعرض هنا لنموذج عن النشاط الحزبي في تلك المرحلة من العمل السري في بداية الحرب العالمية الثانية) .

الرفيق عبد الله سعاده كان كلف بأن يتكلم في اجتماع الشويفات، اسمه الحزبي جلال طالب. لذا قرر رفقاء الشويفات في اجتماع لهم أن يقولوا أن اسمه هو اسكندر ناصيف لاعتقادهم أن جلال طالب هو اسمه الحقيقي، وصل الأمين عبد الله سعاده إلى السراي في الشويفات حيث كان تقرر أن يتجمع الرفقاء والمواطنون، ألقى بيان مجلس العمد وانسحب كما جاء (إلى عيناب مع الأمين حسن ريدان ثم إلى عالية وعاد إلى المركز السري في بيروت)، وهنا انشغلت الدولة بالتفتيش عن اسكندر ناصيف ، إلى أن ألقت القبض على الأمين عجاج المهتار وأفرجت عنه بعد أربعين يوماً بعدما تبين لها أنه ليس اسكندر ناصيف المطلوب. عن هذا الأمر يقول الأمين عبد الله سعاده: "أحيلت القضية على المحكمة العسكرية وحكم على اسكندر ناصيف الذي هو جلال طالب الذي هو عبد الله سعاده بخمس سنوات غيابياً . وكنت حاضراً المحاكمة من أولها إلى آخرها" .

وعنه أيضاً يقول الأمين جبران جريج: "من جهة توزيع البيان فقد تمّ بنجاح منقطع النظير، ففي بيروت وزع على مداخل دور السينما بصورة خاصة وكذلك في دمشق وحلب والمدن السورية الباقية. في بعلبك لا بد من ذكر مساهمة قائمقام المدينة صلاح لبابيدي (الشاعر ومدير الشرطة في بيروت لاحقاً) الذي استدعي إلى مركز الحزب وهو عضو سري وأخذ علماً بموعد التوزيع فعمل على تكليف قوى الأمن بمهمات خارج المدينة وهكذا خلا الميدان للتوزيع" .

طبعاً جرت اعتقالات في المناطق، منهم الأمين سليم صافي حرب في طرابلس.

بعد تلك النشاطات بات المقر السري في رأس بيروت شبه علني، وإذ تقرر الانتقال إلى مكان آخر، داهمت قوى الأمن المركز في 27 تموز 1940 حيث اعتقلت الأمناء مأمون اياس، جبران جريج، أسد الأشقر، فارس معلولي، ورفقاء آخرين.

وفي 20 آب 1940 أصدرت المحكمة المختلطة برئاسة الكولونيل شربونييه أحكامها التي قضت بسجن سعاده 20 سنة مع 20 سنة منع إقامة (كان سعاده قد أصبح في الأرجنتين) وأحكام أخرى على عدد كبير من الأمناء والرفقاء، البعض منها كانت أحكاماً غيابية .

مع ذلك جرت تظاهرة أمام مبنى المحكمة العسكرية كان على رأسها الرفيقة نجلا حتي.

معظم القياديين في السجن، الأمين كامل أبو كامل يتولى رئاسة مجلس العمد. (كان معه، كعمد زكريا لبابيدي، عبد الله سعاده، فريد مبارك، جورج صليبي، وابرهيم يموت. ثم انضم المحامي محسن سليم كعميد للإذاعة بدلاً من فريد مبارك) .

في هذه الأثناء وصلت معلومات إلى قيادة الحزب تفيد أن الافرنسيين سينقلون احتياط الذهب اللبناني إلى فرنسا. الأمين كامل يدعو العمد إلى جلسة مستعجلة فيتقرر أن يصدر الحزب بياناً بتوقيع رئيس مجلس العمد الصريح لا باسم مستعار كي لا يترك أي سبيل لسلطة الانتداب للتمويه على أنه بيان غير حقيقي .

في تلك الفترة الصعبة جداً، صدر البيان ووزعه الرفقاء بشكل مكثف وقد أحدث مضمونه ضجة كبرى في الأوساط اللبنانية مما حمل السلطة المنتدبة على توقيف تنفيذ الخطة. اعتقل رفقاء في المناطق اللبنانية أثناء توزيع البيان، منهم في بيروت خليل طفيلي، محمد اللحام، أحمد الشيخ، عبد الرحمن عكاوي وعيسى حماده .

اعتقل الأمين كامل أبو كامل وهو في أحراج بشامون ينتظر وصول الرفيق عجاج أبو شكر (من بشامون) ليتوجه معه إلى شملان حيث ينتظر الرفيق المحامي سليم الحتي كي يتوجهوا لمقابلة المطران إيليا الصليبي في سوق الغرب (كل هذا مشياً على الأقدام وفي ظل الأعين والملاحقات وخطر التعرض للسجون) .

يتولى رئاسة المجلس الرفيق زكريا لبابيدي، يعتقل بعد أيام، يتولى بعده الرفيق د. عبد الله سعاده باسمه المستعار: جلال طالب، كان ما زال طالب طب في الجامعة الأميركية، يقول: "أصبحت غرفة نومي في أحد منازل رأس بيروت هي مركز الحزب، وكثرت نشاطاتي وزياراتي إلى المناطق الحزبية كمفوض من رئيس مجلس العمد جلال طالب (للتمويه)، كما تكررت غياباتي عن صفوف الجامعة حتى بلغت حدوداً غير مقبولة".

من الذين اعتقلوا ناموس مجلس العمد ابراهيم يموت تمّ ذلك في 9 أيلول 1940، الرفقاء كانوا ينقلون إلى سجن القلعة، ثم بعضهم إلى سجن الرمل، كما إلى سجن بيت الدين المخصص للمحكومين بالأحكام الكبيرة.

إلا أن سلطات الاحتلال الفرنسي (جماعة فيشي التي كانت مع المحور) وأمام بدء هجوم قوات الحلفاء انطلاقاً من فلسطين عبر الجنوب اللبناني باتجاه العاصمة، وقيام الطائرات البريطانية بغاراتها على العاصمة، اضطرت إلى الإفراج عن السجناء يوم الحادي عشر من حزيران 1941 كي لا تتحمل مسؤولية تعرضهم لقصف الطيران.

يفيد الرفيق ابراهيم يموت في "الحصاد المر" أنه، أثناء سجنه، تألفت لجنة في منفذية بيروت لإدارة العمل الحزبي من الأمينين فؤاد أبو عجرم وأديب قدورة والرفقاء شفيق نقاش، ادمون شويري ومحي الدين سنو.

ويفيد أنه بعد خروجه من السجن "انكببنا على اللوائح وعملنا على تجميع من تبعثر من الرفقاء وتأليف الهيئات المسؤولة. كانت اجتماعاتنا تعقد تحت قصف القنابل وأصوات المدافع المضادة". ويتابع الرفيق يموت أنه تعين لمنفذية بيروت الرفيق زكريا لبابيدي، وكان معه الرفقاء ابراهيم يموت ناموساً، شفيق نقاش (وكان أستاذاً في مدرسة المقاصد) ناظراً للإذاعة، ادمون شويري ناظراً للمالية وفكتور أسعد ناظراً للتدريب. "كنا كخَليّة نحل نعمل ليل نهار ونجد حولنا كبار المسؤولين في حركة دائمة" .

قبل الرفيق زكريا، كما يفيد الرفيق وليم عبد الصمد، ويرجح الرفيق ادمون حايك، تولى الرفيق محمد الادلبي مسؤولية منفذ عام بيروت إنما لفترة قصيرة. وكان رفيقاً نشيطاً ومثالياً رغم أنه كان معدماً من الناحية المالية.

إلا أن قوات الحلفاء لم تنتظر كثيراً حتى تباشر اعتقال المسؤولين والرفقاء. ففي تشرين أول عام 1941 بدأت سلسلة الاعتقالات وراحت تنقل الرفقاء إلى معتقل المية ومية قرب صيدا ليقضوا فيه أشهراً وسنوات. وعندما نقل بعضهم إلى قلعة راشيا عام 1943، راحوا يقومون بالدور الذي بات معروفاً وهو إقامة التواصل مع رجالات الحكم المعتقلين في راشيا وإيصال المعلومات إليهم مما جعلهم يتعرفون على أخبار الانتفاضات والمظاهرات والإضرابات التي عمّت المدن والمناطق اللبنانية فتقوى عزيمتهم ويشتد أملهم.

الرفقاء جبران جريج، أنيس فاخوري، زكريا لبابيدي أسماء يجب أن تحفر في سجل معركة الاستقلال.

يتحدثون عن الاستقلال إنما فاتهم أن القوميين الاجتماعيين عمّدوا الاستقلال بدمائهم. ففي حين كان الرفقاء يتوافدون إلى بشامون وعين عنوب بالمئات (بلغوا الألف) ليدافعوا عن حكومة الاستقلال فيسقط منهم الرفيق سعيد فخر الدين شهيداً، كان الرفقاء والرفيقات يتقدمون التظاهرات التي اندلعت في بيروت رفضاً لسياسة فرنسا الاستعمارية، فيسقط الرفيقان ادمون كنعان (الأمين، عميد المالية) ووفيق عضاضه جريحين. أما التظاهرة النسائية فقد كان في مقدمتها كلودا ثابت (شقيقة نعمة ثابت المعتقل في المية ومية) والرفيقات جمال ناصيف، نعم فاخوري، أميرة تيماني، ليلى شاوي وانجال عبد المسيح، وغيرهن.

لاحقاً، عام 1944 عندما حاول أنصار السياسة الفرنسية أن يصلوا إلى البرلمان اللبناني لإنزال العلم اللبناني ورفع العلم الفرنسي وفي أعماقهم حنين لعودة فرنسا، الأم الحنون، يسقط أيضاً الشهيد الوحيد في الذود عن العلم، الدركي الرفيق حسن عبد الساتر، تماماً كما كان سقط شهيد معركة بشامون الوحيد، الرفيق البطل سعيد فخر الدين.

أيها الحفل الكريم

تلك من المحطات التي طبعت تاريخ حزبنا في بيروت على مدى سنوات التأسيس والنمو، الحديث عن مراحل الأربعينات والخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات لا ينتهي بمحاضرات، فهذه كانت غنية على صعيد العمل الحزبي بشكل عام، كما في بيروت التي هي عاصمة النضال القومي الاجتماعي ليس فقط لأنها مهد نشوء الحزب، إنما لأنها رافقت صراعه المرير على مدى السبعين عاماً دون يوم راحة أو انكفاء.

لنعرض المحطات التالية:

في الأربعينات برز من الرفقاء في بيروت غسان تويني، ابراهيم يموت، فوزي معلوف، وليم سابا، فؤاد نجار، أديب قدورة، ولسن مجدلاني، محمد يوسف حمود، سليم خوري، بنشاطهم الحزبي كما في توليهم لمسؤوليات مركزية ومحلية مختلفة. (كما لا بد أن نذكر رفقاء آخرين كان لهم حضورهم الحزبي أمثال: خالد جنبلاط، فارس معلولي، جورج عطية، حليم فياض، لبيب زويا، هشام شرابي، ادمون كنعان، فايز صايغ، وديع الأشقر، يوسف سلامة، فخري ونقولا ونديم شويري، ظافر جريديني، رفيق أبو كامل) .

ساهمت بيروت بشكل أساسي، وهي أيضاً مقر مركز الحزب، في تنظيم الحشد الأسطوري الذي زحف من كل أنحاء الوطن لاستقبال سعاده العائد من مغتربه القسري في 2 آذار 1947، والذي راح بشارة الخوري ورياض الصلح يراقبانه، مشدوهين، من منطقة الرملة البيضاء. كما هي شاركت بفعالية في كل مهرجانات الحزب في الأربعينات، ومن أبرزها تلك التي أقيمت في بعقلين، الكورة، عيناب، بعلبك، مرجعيون، صور، ضهور الشوير ودير الغزال، كذلك في مخيمات الحزب في كل من بيت شباب (وقد كان برئاسة الرفيق غسان تويني، منفذ عام الطلبة) عيناب، وضهور الشوير. وأيضاً في حراسة بيت سعاده في رأس بيروت حيث أنه كان متوجباً على كل مديرية أن تنتدب رفقاء للحراسة مرة أو مرتين أسبوعياً. اسمحوا لي أن أحيي الرفيق التسعيني سليم خوري الذي تولى في أواخر الأربعينات مسؤولية وكيل عميد الدفاع مشرفاً على حراسة دار حضرة الزعيم، كما وأن أحيي الرفيق البطل علي عوض الذي كان له دوره في تدريب الرفقاء على السلاح وفي تولي حراسة بيت الزعيم.

ومن البارز في الأربعينات على صعيد بيروت، سقوط الرفيق ابراهيم منتش شهيداً في اشتباك حصل مع الشيوعيين أثناء قيام الحزب بمظاهرة في الذكرى المشؤومة لوعد بلفور، فيما سقط ادوار شرتوني من الحزب الشيوعي.

يروي الرفيق ادمون حايك، أن الرفقاء تجمعوا في منطقة حرش بيروت ثم ساروا صفوفاً نظامية يتقدمها ناظر التدريب عساف كرم (الشهيد، قائد معركة مشغرة أثناء الثورة القومية الاجتماعية الأولى) اخترقت الصفوف البسطة فيما حبوب الأرزّ تنثر على القوميين الاجتماعيين. في منطقة عالصور احتدمت الاشتباكات التي كانت ممتدة من ساحة البرج إلى المعرض فإلى ساحة رياض الصلح. يتذكر أن بناية العسيلي (الكابيتول) كانت قيد البناء. الرفيق العملاق ميشال صهيون يحمل الحجر الرملي ويرميه كأنه كرة بين يديه. تعرّض الرفيق منتش لضربات خنجر، فنقل إلى صيدلية الأمين أديب قدورة (التي كانت في منطقة عالصور) إلا أنه لم يلبث أن فارق الحياة شهيداً.

الأمين أديب قدورة في كتابه حقائق ومواقف يروي أنه عام 1945 وكان منفذاً عاماً لبيروت ومعه في الهيئة الرفقاء عبد الله محسن، خليل أبو عجرم، محمد اللاذقي وزكريا لبابيدي. قررت المنفذية، أن تقيم حفلة خطابية في مقهى بالبسطة التحتا. ضغوط محلية مستظلة برياض الصلح تحاول منع إقامة الحفلة الخطابية.

- إنك يا سيد أديب من عائلة إسلامية كريمة ونحن لا نقبل من حزب رئيسه مسيحي أن يعقد اجتماعات في منطقة إسلامية لا يحضره زعيم المسلمين رياض الصلح.

أجبته (الأمين أديب) إني كمنفذ عام بيروت أصارحك بأن الحزب ليس طائفياً بل ينضوي تحت جناحيه شباب من مختلف الطوائف وبصفتي الحزبية سنقيم الحفلة ولا يمكن لأحد أن يحول دون ذلك.

- إذا دخلتم البسطة فسيمنعكم أولادنا بالقوة .

يجيب: عندكم أولاد أما نحن فعندنا رجال .

الرفقاء تجمعوا عند منطقة الحرج وسارت صفوفهم النظامية تخترق البسطة، سار في الطليعة خمسة رفقاء، ثم عشرون من خيرة المقاتلين، الأمين قدورة في الطليعة، فرقة خاصة توجهت لتغطية المسيرة من سطوح البنايات.

"عندما وصلنا إلى البسطة التحتا دوى التصفيق من الجمهور على الجانبين ولم نر أي أثر للذين حاولوا تهديدنا".

وقبل أن ننهي الحديث عن مرحلة الأربعينات لا بد من الإشارة إلى أن منفذية السيدات التي كانت أنشئت وتولت الرفيقة فايزة معلوف انتيبا مسؤوليتها، وما قامت به على صعيد الحفلات الاجتماعية التي شملت كل أحياء بيروت، والتي كان سعاده يحضر معظمها، واثر تلك الحفلات في إحياء الناحية الاجتماعية في الحياة القومية الاجتماعية.

*

بعد استشهاد سعاده وفي فترة أوائل الخمسينات انتظم الحزب سرياً، إلا أنه كان ينمو رغم كل الوضع الضاغط من قبل السلطات، حتى إذا دعت الجبهة المعارضة لبشارة الخوري إلى مهرجان دير القمر عام 1952 برز الحزب كأكبر قوة منظمة أدهشت السياسيين والمراقبين كما جعلت الحزب يفرض حضوره على الساحة اللبنانية. كان غسان التويني نائباً عن بيروت وممثل الحزب في الجبهة المعارضة التي أسقطت حكم بشارة الخوري، في دير القمر تجمع ما يزيد على العشرة آلاف قومي ساروا في صفوف نظامية في أول ضهور للحزب بعد استشهاد سعاده.

كنا نحن العمود الفقري، يقول الرفيق جورج حايك، إذ كنا في صف منتظم طوله مئات الأمتار.

كذلك كان لتجمع الرفقاء عام 1953 في مدافن مار الياس بطينا، ليل الثامن من تموز، حيث انتظمت صفوفهم وارتفعت التحية بأصوات كلها إيمان وعنفوان، أثره النفسي على الرفقاء ودافعاً لمزيد من النشاط والعمل. وهو أول حشد يقام في المناسبة كما يفيد الأمين محمد جبلاوي.

الخمسينات عناوين أخرى، منها، على صعيد بيروت:

1. عمليات الثأر لسعاده التي قام بها الرفقاء توفيق رافع حمدان، محي الدين كريدية وحسين الشيخ تحديداً وعاون فيها رفقاء آخرون.

2. نتائج اغتيال العقيد عدنان المالكي وانتقال العدد الكبير من الرفقاء من الشام إلى لبنان، وإلى بيروت، التي كان لها حصتها في احتضان هؤلاء الرفقاء ومن ثم التصدي للمرحلة التي أعقبت مؤامرة الاغتيال على الصعيد الأمني والإعلامي والتعبوي، عنوان هذه المرحلة كان المقدم غسان جديد وفقيد الأدب سعيد تقي الدين، الذي كان قد تولى مسؤولية منفذ عام بيروت وعاونه كناموس الأمين جبران جريج. وهنا لا بد أن نشير إلى الدور الذي قام به مكتب الأمن الحزبي (كان يقيم مكتبه في شارع السادات) ومن الرفقاء الذي أذكرهم وكانوا ناشطين فيه: زهير طوقه وتوفيق الجمل .

3. الحشد الهائل الذي لم تشهد له بيروت مثيلاً في أي مأتم أو مناسبة، ولا يماثله سوى الحشد الذي زحف إلى مطار بئر حسن لاستقبال سعاده، وهو الذي سار وراء نعش الرفيق الشهيد غسان جديد من مستشفى الجامعة الأميركية إلى جبانة الباشورة. ما يزيد على الخمسين ألفاً. أذكر أني كنت أسير في صفوف الرفقاء. وقفت الأرتال قرب السراي لا تستطيع التقدم ، فيما مقدمة الجنازة تدخل جبانة الباشورة لتستمع إلى خطاب رئيس الحزب آنذاك الأمين أسد الأشقر وقد بدأه بالآية الكريمة "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون" .

4. الانشقاق الحزبي المؤلم عام 1957 وما سبب من توزع لفروع الحزب في بيروت التي كانت منتشرة بكثافة في مختلف الأحياء .

5. المهرجان الحاشد الذي أقامه الحزب في ساقية الجنزير في 2 آذار 1958 وقد ناهز عدد الحضور العشرين ألفاً قدموا من المناطق اللبنانية كما من أحياء بيروت وإني ما زلت أذكر الأمين ماجد الناطور حاملاً للعلم وبالقرب منه الأمين رضا كبريت، إلى جانب رئيس الحزب الأمين أسد الأشقر وهو يلقي خطابه محاطاً بمسؤولين مركزيين .

6. حوادث العام 1958 وتأثيرها الكبير على الحزب في مناطق "المقاومة الشعبية"، فضلاً عن استشهاد رفقاء. مع ذلك فقد شهدت مناطق رأس بيروت، القنطاري، الأشرفية حضوراً حزبياً جيداً ومشاركة فعلية وقوية في التصدي للقوى التي كانت تريد سحق الحزب والقضاء عليه.

7. عودة غسان تويني إلى الحزب والدور النشط الذي كان قام به نائباً ورئيساً لتحرير "النهار" . كذلك الدور الهام الذي قامت به جريدة "صدى لبنان" لصاحبها الأمين محمد بعلبكي، فضلاً عن صدور جريدة "الزوابع" أسبوعية ثم "البناء" يومية.

8. خوض الحزب للانتخابات عبر الأمين أديب قدورة والرفيق غسان تويني، الذي دخل المجلس النيابي نائباً عن بيروت .

وإذ نتحدث عن الخمسينات لا بد وأن نشير إلى الحضور الحزبي البارز على الصعيد الثقافي، لا سيما عبر مجلتي "المجلة" للرفقاء ميشال معلولي، حسين قطيش، وفاء نصر، ومجلة "آفاق" التي صدرت في أواخر الخمسينات فقد استقطبت نخبة من رجال الفكر، قوميين وأصدقاء. وقبلها كانت صدرت مجلة "الأجيال" وكان لها دورها في مجالي الأدب والشعر. أو عبر بروز العدد الجيد من الرفقاء في مجالات الفنون من شعر وأدب وموسيقى ورسم ومسرح، كما في الصحافة والإعلام. نذكر على سبيل المثال: الفرقة التمثيلية التي كان نجمها الساطع الأمين رضا كبريت، والرفيقان المرحومان سليم جمال الدين ونجيب كلاب حيث قدمت مسرحيات في بيروت والمناطق منها "ليلة في المخفر"، "مجنون يحكي"، "المنبوذ". وعلى الصعيد الموسيقي المميزان زكي ناصيف وتوفيق الباشا، والرفيق خليل مكنية.

وفي الخمسينات أيضاً الرحلات التي كانت تنظمها منفذية بيروت، منها تلك الرحلة عام 1953 التي ضمت ثلاثين باصاً كبيراً ومئة سيارة صغيرة، والتي توجهت إلى أثار رأس شمرا قرب اللاذقية، ومخيمات الحزب التي منها عام 1954 في مزرعة نجار في بيت مري.

لا بد أيضاً أن نشير إلى رفقاء برزوا في بيروت في الخمسينات، إضافة إلى من ذكرناهم سابقاً، الصحافي هاني بلطجي، سعيد شهاب الدين (ابن منطقة البسطة، حائز على شهادة الدكتوراه في الجغرافيا، وتولى مسؤوليات مركزية في الحزب كما منفذ عام بيروت)، ميشال معلولي (النائب ونائب رئيس مجلس النواب)، الصحافي والأديب ذو الفقار قبيسي، النقيب معين حمود، الصحافي جبران حايك، القصصي والشاعر فيليب مسلم، الأديب والقصصي حليم بركات، الصحافي والأديب أنيس أبو رافع، الصحافي والأديب أحمد شومان، الصحافي الاقتصادي انطون غريب، فرنسوا غصن.

*

العنوان الأبرز في الستينات هو الثورة الانقلابية وقد حصلت معظم أحداثها في بيروت، وقد تنكب الرفقاء فيها، قسطهم الوافر من المشاركة، كما سقط من المنفذية الرفقاء الشهداء طانيوس عبيد وكان ناظراً للتدريب، مسلط أبو فخر وكان تولى مسؤولية مدرب لمديرية وطى المصيطبة والرفقاء فوزي، رشراش، سنيان وعادل أبو فخر، كما صدرت أحكام بسجن عدد من رفقاء بيروت نذكر منهم منفذها العام الأمين جبران جريج، والأمين القدوة في النضال أنيس جمال.

خارج الأسر كانت منفذية بيروت منتظمة حزبياً رغم كل المضايقات والملاحقات وخطر التعرض للتوقيف وللسجون. حتى إذا حصل العفو في 19 شباط 1969 كان الحزب يشهد نمواً جيداً على صعيد الأحياء والجامعات والمدارس.

انطلق العمل الحزبي في السبعينات وقد توالى على منفذية بيروت الأمناء والرفقاء جبران جريج، انعام رعد، سلوى فرح وأنطون أبو سليمان، إلى أن اندلعت الحرب المجنونة وما رافقها من مآس، ومن حرائق مادية ونفسية، ومن سقوط لمئات الرفقاء شهداء القضية التي بها آمنوا.

أيها الحفل الكريم،

تلك بدايات ومحطات ومعلومات تضيء. إنما هي ليست تاريخ الحزب في بيروت. فهذا، كما قلت في بدء الحديث، لا يكتب في محاضرة ولا في أكثر. لعل ما قرأناه يشكل بداية ويقدم أطراً لكتابة تاريخنا.

قبل أن أختم، حادثتان:

نحن في أواسط الثلاثينات، الرفيقة مليحة اللبابيدي شقيقة الرفيقين صلاح وزكريا لبابيدي، دعت سعاده والمركزيين إلى حفلة زفافها، كانت الرفيقة مليحة من الرفيقات النشيطات في مديرية السيدات في بيروت.

حضر سعاده يرافقه رئيس مجلس العمد نعمة ثابت، جبران جريج، مأمون أياس، أنيس فاخوري، صبحي فؤاد الرئيس. تصدر الزعيم القاعة، بجانبه نعمة ثابت، وبالجانب الآخر المفتي نجا، وعلى مقعد مجاور القاضي غلاييني القائم بأعمال العقد. كانت القاعة مزدحمة بالحضور وكلهم عيون شاخصة نحو ضيف الشرف، سعاده.

انتهت عملية العقد وتقديم القهوة والضيافة، الرفيق زكريا ينظر إلى شقيقه صلاح: ترى كيف يتقدم سعاده بتهنئة العروس، هي الجالسة في غرفة "الحريم". فما كان من صلاح إلا أن توجه إلى غرفة "الحريم"، يصطحب شقيقته الرفيقة مليحة ويخرج بها، قائلاً لسعاده: "أقدم لك العروس يا زعيمنا". وكانت قنبلة الموسم في الوسط البيروتي.

أما الحادثة الثانية فيرويها الرفيق الأمين محمد يوسف حمود: "ذاك الذي تطيب ذكراه جداً، رفيقنا المناضل من وراء عربة الخضار الذي ما إن لفظه الاعتقال الفرنسي عيياً ولا معين، حتى تلقفه ابراهيم يموت الكبير منا في شركة طيران الشرق الأوسط وقدمه إلى صاحب الدولة رئيس الشركة صائب سلام طالب عمل، أي عمل:

- اسمه عبد الرحمن بشناتي يا بك.

- شهادته ؟

- قومي .

- قومي ؟ يكفي، شهادته مقبولة. وظّفوه.

وبات موظفاً سائقُ عربة الخضار الأمي، رفيقي، ثم أصبح بإرادته وبدروس مدرسة النهضة قلماً ننشر له في صحفنا من نثره الشاعري الوجداني ما يلامس الفلسفة، وصار سعيد تقي الدين له رفيقاً يأنس إلى حديثه ويستمد من مكنونات عقيدته ومعاناته.

*

في الختام وأرجو أن لا أكون أطلت، لا يسعني إلا أن أتوجه بالتحية إلى من لم أذكر أسماءهم من أمناء، ومن رفقاء من أبناء بيروت أو ممن قطنوا بيروت وتولوا فيها المسؤوليات وناضلوا في صفوف منفذيتها، وقد رحلوا عنا. وإني إذ أذكر الأمناء منهم وكوكبة من الرفقاء أعتذر عن عدم إيراد أسماء الجميع، إذ من المستحيل أن تضم الصفحات أسماء جميع الذين ناضلوا وضحوا وكانوا أوفياء للقضية وللقسم.

فتحية إلى الأمناء: عجاح المهتار، مصطفى عز الدين، داود باز، محمود خالدي، مصطفى درويش، عاصم داعوق، حبيب كيروز، رامز اليازجي، الياس سمعان، توفيق الصفدي، جميل بدير، نجاح عميري،

وإلى الرفقاء: إبراهيم صندقلي، سيمون بهنا، عادل جمال، عادل نويهض، سورية المهتار، رستم فخران، عثمان ارضروملي، ادمون بركات، الكاتب والصحافي جورج مهنا، ملكي جتي، عبد الله الشريف، جوزف صنبر، إيلي خير الله، علي شاتيلا، سليم شاتيلا، محمد زنتوت، مختار فاخوري، عدنان مجذوب، خليل فاخوري، نزار أياس (شقيق مأمون وهو استمر في الحزب بعد أن طرد شقيقه)، نجيب حريق، حسن جمال، الشاعر محي الدين الفيل، ذوقان أبو كامل، الأديب والشاعر الشهيد هنيبعل عطية، الكاتب والصحافي لوقا زودو، سمير أبو ناصيف (الإعلامي، المناضل الفذ وزوج الأمينة اليسار سعاده)، محمود شبارو (بطل لبنان في القفز إلى الماء)، جورج ديراني (بطل لبنان في المصارعة الحرة)، محمد سلطاني (تولى مسؤولية منفذ عام بيروت، غادر إلى البرازيل حيث وافته المنية هناك)، رامز كساسير، محمود حماصني (تحية إلى رفقائنا من آل حماصني عدنان، سمير، أسامة وطلال)، وهيب بدوي، ناجي عيتاني، عبد الحميد شوشاني.

كما أتوجه بالتحية إلى جميع أمنائنا الجزيلي الاحترام في بيروت، وإلى جميع رفقائنا العاملين بإيمان في سبيل نصرة حزبهم وإعلاء شأن أمتهم.

لكل من رحل من رفقائنا الذين بنوا، وناضلوا، وسجنوا وتشردوا، تحية اعتزاز ووفاء إنهم باقون في وجدان رفقائهم وفي تاريخ الحزب.

ولكل من ناضل وما زال، وسار بصدق على درب الصراع، تحية إكبار وفخر وفرح كبير، إن النهضة وقد شعّت وأنارت ستبقى تشع وتنير، والآلاف الذين حملوا الإيمان سيلتحق بمواكبهم آلاف وآلاف، وستظل "سوريانا يا موطن التاريخ" ينشدها الكبار والصغار وصغار الصغار إلى أجيال وأجيال، فالفجر آت وشمس النهضة ستشرق، ما دام في الصدر إيمان لا يخبو وفي الشرايين دم كثير.

شكراً لحضوركم ولتحي سورية .

(*) كنت كتبتُ سِيَر معظم الأمناء والرفقاء الواردة أسماءهم آنفاً، كما عن الاحداث والمهرجانات التي حصلت في تاريخه.

للاطلاع مراجعة موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية ssnp.info








 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024