إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

قواعد انطلاق لإجراء تعديل في دستور سعاده!؟

طه غدار

نسخة للطباعة 2003-11-13

إقرأ ايضاً


لمناسبة الدعوة لانعقاد " المجلس القومي" بتاريخ 16/11/2003 الذي يصادف فيه ذكرى تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الحادية والسبعين، هذا " المجلس" الذي أتى نتيجة التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي تعتبر بمجملها مخالفة أكيدة لمضمون دستور سعاده، أقول هذه المناسبة أيقظت لديّ الأسئلة التالية:


متى نُعدّل الدستور؟ وما المسموح لنا تعديله؟ وكيف؟ ومتى؟ وانطلاقاً من أية أسس- أو انطلاقاً من أية قاعدة انطلاق- يتم التفكير بإجراء أي تعديل دستوري؟


وهذه كلها أسئلة يجب أن تحضرنا الإجابة عنها قبل أن نخطو خطوة واحدة نحو فكرة التعديل الدستوري.


فمنذ استشهاد سعاده وحتى اليوم، لم يجرِ تعديل الدستور على أسس سليمة ومنطقية، وكل ما كان يجري على هذا الصعيد مجرد " هوس" بالتعديل حتى لا نقول شيئاً آخر.


نقول هذا لعلمنا أنه قد تسلم قيادة الحزب ولفترات طويلة منذ التأسيس وحتى اليوم عدد كبير من " الأمناء" والرفقاء الحائزين على شهادات في الحقوق والقانون!! ومع ذلك كانت تأتي التعديلات مخالفة للأصول والقواعد الحزبية!!؟؟


وقد اعتدنا في هذا الحزب، على " موسم" للتعديلات “ نجرؤ " خلاله على إجراء تعديلات " قيصرية" تبعدنا عن جوهر دستور سعاده. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، لماذا كانت كل هذه التعديلات؟ بهذا الحجم وهذه الكمية، بما تحمله من مخالفة تبعدنا عن الأصول التي صاغها سعاده.


فمن المعلوم والواضح، أن سعاده بدأ عمله بوضع دستور، وفي هذا قمة المسؤولية التاريخية، وقمة اليقظة العلمية، وقمة العمل النظامي والقانوني على السواء. ومن المعلوم والواضح أيضاً، أن سلطة الزعامة قامت بإرادة عامة هي إرادة القوميين الاجتماعيين المقبلين على الدعوة بكل حرية وبكل جرأة وإقدام لتحقيق الغاية التي نذروا أنفسهم لها، لذلك فدستور الحزب هو في معتقد هؤلاء القوميين الاجتماعيين: نظام الدولة السورية القومية الاجتماعية.


في التعديلات الأخيرة، تمّ تعديل في قسم العضوية، فما عاد سعاده الطرف الأساسي في التعاقد؟!  بل تمّ التخلي عنه بشكل نهائي وأضحت " المؤسسات"؟؟  هي الطرف الأساسي في التعاقد خلافاً لما ورد في مقدمة الدستور التي هي المرتكز الفلسفي والقانوني والاجتماعي للحزب، وبالتالي أصبحت مقدمة الدستور تتناقض مع ما أتى في قسم العضوية بعد هذا التعديل!


 

فساد التعديلات


وجردة سريعة على التعديلات والإضافات التي تمت منذ استشهاد سعاده، تعطينا " مسطرة" عن هذه التعديلات المخالفة لكل القواعد والأصول المتبعة في تعديل دساتير الدول، هذه التعديلات التي حملت تناقضات في مضامينها وتناقضات مع نهج الحزب الأساسي. وعلى سبيل المثال:


المرسوم الثامن الذي وُضع عام 1951 مخالف لكل الوقائع الدستورية وللأصول التي قام عليها حزبنا، وكان يجب منذ وضعه أن يلفتنا إلى ضرورة درس الدستور بعمق، ولكن نقول وبأسف شديد، أن دراسة الدستور في حزبنا لم تنل ما تستحقه من اهتمام وعناية، بل تركناه – الدستور – " كرة" يتقاذفها المُدّعون أنهم حقوقيون وقانونيون والذين أمعنوا فيه تخريباً.

و"شرعوا" بعدها لمخالفة أخرى هي إنشاء مجلس للأمناء!!


وبعد الخروج من السجن عام 1969، عقدوا أول مؤتمر قومي اجتماعي المعروف باسم ( مؤتمر ملكارت) تابعوا فيه عمليات التخريب الدستورية، فألغوا التعاقد مع سعاده، كما ألغوا رتبة الأمانة! وهذا يعبر عن جهل مطبق وكبير بالديموقراطية التعبيرية " هذه الفكرة الجديدة التي هي التعبير عن إرادة الشعب وهي الاكتشاف السوري الجديد الذي ستمشي البشرية بموجبه فيما بعد. وهو دستورنا في سورية الذي نعمل به لنجعل البلاد دائماً كما تريد الأمة".( سعاده-1940).


وأنشأوا أيضاً " المجلس القومي" من مندوبي مجالس المنفذيات وفي هذا مخالفة صريحة للمرسوم الدستوري عدد 4 الذي هو مؤسسة للاجتماع لا مؤسسة للسياسة، ويوضح سعاده هذا الموضوع في كتابه العلمي نشوء الأمم في الفصل السادس: نشوء الدولة وتطورها، فيقول:


" إن العقل السوري العملي لم يكن يميل إلى تخيلات فاسدة من الوجهة العملية. ولذلك فهو قد اكتفى من التجربة الإغريقية للحكم الشعبي، بواسطة الشعب أجمع، بالمشاهدة. انه لخيال بديع، في نظر غيري، وخيال سخيف في رأيي أن يكون كل فرد من أفراد المدينة المعترف يهم " شريكاً" فعلياً في إدارة الدولة. إن المدينة السورية ظلت محافظة على الفرق بين السياسة والاجتماع واضحاً. وهذا الفرق هو ما مكّن الدولة من اطراد تقدمها". ويتابع بعدها في نفس الفصل ليؤكد على ضرورة " إبقاء الدولة شيئاً متميزاً عن الشعب، مؤسسة لا يمكن أن تعرض لعبث الجمهور".


وبعد سلسلة عثرات وانقسامات و"وحدات" قائمة على التسويات، عقدوا عدة مؤتمرات أطلقوا على بعضها لقب " مؤتمرات نوعية" أعادوا فيها العمل برتبة الأمانة وألغوا المجلس القومي ( عامي 1984 و 1988 ).


وفي بداية القرن الحادي والعشرين، عادوا إلى ما كانوا عليه سابقاً، وأعادوا التشريع المخالف للأصول السعادية، فأعادوا " إحياء " المجلس القومي إضافة إلى تعديلات أخرى تصب في نفس الاتجاه المخالف للنهج الدستوري القومي الاجتماعي، وقد " تناسوا" إذا لم نقل أنهم " أهملوا" في الدستور الذي طُبع أخيراً: " الدستور ومجموعة قوانين" ضمّ عدة مراسيم لسعاده:


1. مرسوم بإنشاء لجنة النقد العقائدي( تشرين الثاني 1947)


2. قانون الندوة الثقافية ( نيسان 1948)


3. مرسوم بإنشاء الشُعب السياسية ( نيسان 1948)


4. مرسوم بإنشاء المحكمة الحزبية.


وهذا " المرسوم الأخير" كان قد تمّ إخفاؤه لفترة طويلة وقد حمله معه إلى " المؤتمر النوعي" الأمين مصطفى عبد الساتر ولم " يحفلوا " به، بل أقاموا " محكمة سرية" هجينة تخالف كل المبادىء الديموقراطية، وتخالف بشكل أساسي ما كان أرساه سعاده في حياته من محاكمات علنية أجراها هو بنفسه سواء عام 1936 عند محاكمة شارل سعد وزمرته، وعام 1940 عندما حاكم علانية الأمين خالد أديب في الأرجنتين، فسعاده في دستوره لم يضع نفسه مصدراً للسلطة القضائية ( المادة 4) بل أراد إنشاء قضاء مستقل وعلني.


يجب أولاً، أن نقرّ بحقيقة مفادها:


إن دستور سعاده هو دستور الدولة السورية وفي هذا يقول سعاده في خطاب الزعامة عام 1935 ( أول حزيران): ".. الحقيقة أيها الرفقاء، إننا قد ترابطنا في هذا الحزب لأجل عمل خطير جداً هو إنشاء دولتنا وليكون كل واحد منا عضواً في دولته المستقلة.." وهو الدستور الذي ارتضته الأمة دستوراً لها عبر التعاقد الراقي مع المُشرّع، فالقوميون الاجتماعيون اعتبروا أن سعاده أولى بالقوميين من أنفسهم، كما أُعتبر النبي محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهذه هي الديموقراطية التعبيرية بأسمى مظاهرها.


ويمتاز دستور سعاده، كغيره من الدساتير في العالم، بالتفوق القانوني، فهي " جامدة" لا يمكن تعديلها إلا باعتماد أصول صارمة وإجراءات خاصة، لا يمكن لأي كان أن يأتي بها. نقول هذا لنؤكد على صعوبة إجراء التعديلات على الدستور الأساسي، دستور الدولة كلما  "عنّ "  لبعض أقزام " القانون" أن يتطاولوا على دستور سعاده.


والى رفقاء سعاده أقول:


إن تدني المعرفة بالدستور، ناتج عن إهمال درسه وتدريسه وليس ناتجاً بالضرورة عن قلة المعرفة بالقانون والحقوق، بل ناتج من قلة الدراسات والأبحاث الدستورية التي لم يلتفت لها " القانونيون" و " الحقوقيون" في حزبنا، إذ لم تأبه سلسلة القيادات الحزبية بعد استشهاد سعاده لإنشاء الندوة الثقافية والكلية الحزبية لتعميق المعارف الثقافية والعقدية عند القوميين الاجتماعيين، وذلك ليحملنا على القول أن هذا العمل كان شأناً مدروساً من كل القيادات التي تعاقبت على سدة المسؤولية، كما أهملوا تاريخياً تأسيس هيئة قضائية عليا تراقب دستورية القوانين، ومدى مطابقتها لدستور سعاده.


سعاده وضع لنا كل الأصول والقواعد لكيفية إجراء التعديلات الدستورية الصحيحة وما علينا إلا إتباعها.


وكلمة أخيرة أوجهها لرفقائي السوريين القوميين الاجتماعيين بأن ينكبّوا على دراسة دستور سعاده الذي أُهمل درسه طوال عقود من السنين من حياة حزب سعاده العظيم.

 

( يتبع)


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024