إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

«اللي استحوا ماتوا»

ليلى زيدان عبد الخالق - البناء

نسخة للطباعة 2012-11-03

إقرأ ايضاً


لفتتني منذ يومين، حلقة من أحد برامج الـ«توك شو» على إحدى الشاشات اللبنانية، حيث استضافت مقدّمة البرنامج التي اشتهرت بدموعها السخية وأسئلتها المروّجة لفريق الرابع عشر من آذار، رئيس الهيئة التنفيذية في «القوّات اللبنانية» سمير جعجع، ودار بينهما حوارٌ طويل تمحور حول جريمة اغتيال رئيس فرع المعلومات السابق اللواء وسام الحسن، والانتخابات النيابية المقبلة. وطبعاً، لم يخل هذا الحوار من تحميل المقاومة وفريق 8 آذار مسؤولية كلّ ما يختبره لبنان اليوم من محن.

ربما ليس غريباً على تلك الشاشة أن تستضيف جعجع، وليس غريباً أيضاً على جعجع أن يشنّ الهجوم تلو الآخر على المقاومة وعلى داعميها، فخط «دويلة معراب» معروف البوصلة منذ زمن، ومن العجيب أن نسمع يوماً جعجع أو حرمه، أو أيّ نائب أو مسؤول في «قوّاته» يتحدث خارج الموجة المعروفة.

إلاّ أنّ ما لفتني، تلك اللافتة التي اتخّذت مع شعار «القوات» خلفيّةً للمقابلة، حيث كُتِب: «الشعب يريد إسقاط الإجرام»، وللوهلة الأولى، حسبتني سأكون أمام ملاكٍ ينضح بالعفاف، أو أمام سياسيّ لبنانيّ لم تتلطخ يداه ولا قدماه بدماء الشعب. للوهلة الأولى، وقبيل ظهور جعجع على الشاشة، شعرت أنّ المتحدث سيكون شاباً لبنانياً خالصاً، ذاق ما ذاقه من الإجرام والمجازر والذبح على الهويّة، وعانى القتل والتدمير والتشريد والتهويل كثيراً. ومع الرمزية التي اكتسبها شعار: «الشعب يريد...» خصوصاً مع اندلاع «حريق الربيع العربي»، حيث أصبحت هذه العبارة على كلّ شفة ولسان، فإن عبارة: «الشعب يريد إسقاط الإجرام»، بدت وللوهلة الأولى، إعلاناً صارخاً على الإجرام أنّى وجد. ولكن، مع ظهور جعجع على الشاشة جالساً إلى طاولةٍ أمام هذا الشعار، تبدّل الإحساس، وتغيّر الشعور، فلا الملاك الطاهر هبط من السماء، ولا الشاب الثوريّ ولد من رحم الشعب الموجوع.

صدّقوا أو لا تصدّقوا، سمير جعجع بشحمه قبل لحمه يتحدّث عن إسقاط الإجرام! نعم، إنّه هو، قائد «القوّات اللبنانية» سابقاً، ورئيس هيئتها التنفيذية راهناً، يريد أن يُسقط الإجرام!

والأكثر غرابة، أنّ جعجع يتحدّث باسم الشعب اللبناني، كأنّ هذا الشعب الذي يريده «الحكيم» أن يتشارك معه في إسقاط الإجرام، نسي إجرام جعجع ذاته، أو نسي الدماء الغزيرة التي سالت من مئات اللبنانيين الذين قضوا بفعل آلة القتل التي امتلكها جعجع.

كيف لجعجع أن يتكلم باسم شعبٍ يحفظ عن ظهر قلب مجازره، ويتذكر جيداً كل تلك الجرائم، والذبح على الهوية، و«انتهاك حرمة المواطنات في بيروت». لربما تكون هذه العبارة الأكثر تلطيفاً لما فعلته القوّات بحق عشرات النساء والفتيات في محلّة «الزيتونة» ـ بيروت في ثمانينات القرن الماضي.

كيف لجعجع أن يصدّق نفسه أنه بريء من كلّ تلك الجرائم؟ وإن «أنصفته» التسويات السياسية التي أخرجته من خلف القضبان، كيف يمكن أن يصدّق أنه عفيف بريء؟!

أيّ شعب يريد إسقاط الإجرام مع جعجع؟ فهل نسي أحدٌ من اللبنانيين الذين عايشوا الخُمس الأخير من القرن الماضي قتل رشيد كرامي رئيس وزراء لبنان السابق؟

أو قتل ابن رئيس لبنان الأسبق سليمان فرنجية، طوني فرنجية مع زوجته وابنته.

هل يمكن لأحد، حتى لو كان دوري شمعون، أن ينسى قتل داني شمعون مع زوجته وأطفاله؟

مَن مِن اللبنانيين ينسى أمين سرّ البطريركية المارونية المونسينيور ألبير خريش الذي قتل ورميت جثته في حرج غزير؟ ومَن منهم نسي قتل 23 مدنياً على جسر نهر الموت في ضاحية بيروت لقيامهم بتظاهرة سلمية كانوا يحملون خلالها الشموع، حيث أعطيت الأوامر إلى حميد كيروز لرشّهم بالرصاص؟

هل تعني هذه الأسماء شيئاًَ لسمير جعجع وللشعب الذي سيسقط الإجرام معه؟ «العميد في الجيش اللبناني خليل كنعان، النقيب في الجيش اللبناني أنطوان حداد الذي قتل بالفؤوس في شباط 1990، الملازم أول في الجيش اللبناني جوزف نعمة. قائد ثكنة الأشرفية العسكرية موريس فاخوري الذي قتل بالفؤوس أيضاً، إميل عازار قائد ثكنة البرجاوي العسكرية في بيروت، رئيس إقليم جبيل الكتائبي غيث خوري، وزوجته نورا التي قُتلت في المستشفى بعد نجاتها من محاولة الاغتيال، الدبلوماسيون الإيرانيون الأربعة الذين اختطفوا في نقطة تفتيش حاجز البربارة العسكري التابع لـ«القوّات اللبنانية» تحت إشراف عبدو راجي المعروف باسم «الكابتن»».

هل ما زالت تعني مجزرة صبرا وشاتيلا شيئاً للشعب اللبناني ولجعجع؟ وهل أغمض هذا الشعب عينيه عن دعم «الحكيم» الكامل للاجتياح «الإسرئيلي» عام 1982؟

المثل الشعبي يقول: «اللي استحوا ماتوا»، والمأثورة الشهيرة تقول: «إن لم تستحِ فافعل ما شئت»، وبين المثل والمأثورة، يبقى أن نقول نحن لكل من نسي الإجرام: «إن لم تستحِ.. فعلّق ما شئت من شعارات»!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024