إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

السلسلة الشرقية: حدود التواصل والتفاصل

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2015-03-23

إقرأ ايضاً


كثرت في الأيام الأخيرة الأحاديث والتصريحات والتحليلات التي تحدّثت عن اقتراب المعركة الفاصلة مع الإرهاب التكفيري في سلسلة جبال لبنان الشرقية. بعضهم حدّدها مع بداية الربيع، والبعض الآخر مع ذوبان الثلج، وتجرّأت مصادر أخرى بتحديدها خلال عشرة أيام. غير أنّ الحقيقة وعلى رغم أهمية التوقيت لتحقيق المفاجأة، فإنّ بدء العمليات يتعلق بمسائل أكثر أهمية. بل ونستطيع القول أكثر حساسية، لارتباطها بعدة عوامل داخلية وخارجية ولوجستية تستوجب حلحلة عقدها الواحدة تلو الأخرى.

فالعصابات التكفيرية تتواجد على جبهة تزيد على سبعين كلم طولاً، وبعمق يتجاوز الحدود المرسومة في اتفاقية «سايكس ـ بيكو» إلى نطاق عملاني يتداخل فيه الجيش اللبناني والجيش العربي السوري والمقاومة. ويتجاوز فيه العامل السياسي القواعد المتعارف عليها في الحرب، وأهمّها الإجماع الشعبي وتماسك الجبهة الداخلية إلى ارتباطات والتزامات وإملاءات على شكل تمنيات خارجية، بالإضافة إلى شروط وقيود مصادر تسليح الجيش، تكبّل المعنيين برسم خطوط مناورة واضحة المعالم والأفق. ربما أدّت هذه العوامل المتداخلة في المستقبل، أو أثناء العمليات إلى ظهور تأثيرات جانبية تعترض استكمال تحقيق أو إنجاز الهدف الأساس، وهو إبعاد هذه العصابات عن التحكم بالتهديد.

يستوجب قبل استعراض بعض العوائق السياسية من تقدير الموقف العسكري الشامل، مع الأخذ في الاعتبار قواعد العمل المناسبة، ومنها على سبيل المثال، حرية الحركة التي تتمتع بها هذه العصابات على جبهة عريضة، يستوجب الدفاع عنها ثلاث فرق عسكرية. ومن الطبيعي أن يزداد المطلوب في حالة التحوّل إلى وضعية الهجوم بنسبة ضمان لنجاح كامل. وهنا لا بدّ من القول، إن للقتال ضدّ العصابات أسلوباً خاصاً يختلف عن الحرب التقليدية. فنمط قتال السندان والمطرقة هو الأكثر شيوعاً في الاستخدام بعد تحديد أوكارها وطرق حركتها وإمدادها. وهذا الأسلوب هو الأسلوب الناجع والوحيد لتدميرها ووضعها خارج القدرة على التحرك.

في الواقع، يفتقد الجيش اللبناني بتسليحه الحالي وعديده، إمكانية القيام بالعمل منفرداً، خصوصاً أنّ لهذه العصابات عمقاً كافياً في نطاق عمليات الجيش العربي السوري. من هنا تأتي الحاجة إلى التنسيق الكامل على الأرض وبأدقّ التفاصيل مع الجيش العربي السوري لتبادل الأدوار في عملية السندان والمطرقة بهدف تحقيق النجاح المرجو. إن التنسيق المطلوب ليس له هدف سياسي هنا بقدر ما هو ضرورة عسكرية في الدرجة الأولى والأخيرة.

إن هذا الكلام، المستند إلى العلم العسكري، سيتعارض مع نظريات بعض المحللين المتضرّرين من التنسيق مع سورية. والذين يحاولون للخروج من عقدهم وأزمتهم، طرح نظرية أخرى، هي عبارة عن تحقيق تقدّم على مجموعة التلال الحاكمة، وتجهيز سدّ ناري مدفعي يمنع الاختراقات الكبرى معتمداً على المدافع الأميركية التي تسلّمها الجيش حديثاً. لكن أمام الخطة / النظرية هذه عدة عوائق وثغرات. ومنها أن هذا العمل لا يلغي التهديد في شكل كامل، بل يبقيه ما دامت هذه القوى على الطرف الآخر، زد إلى ذلك أنه لا يمنع التسلّل والتسرّب وضرب أهداف في العمق العملاني وحتى المناطق الآمنة، وهو عمل العصابات الأساسي، بالإضافة إلى المصروف الهائل من ذخيرة المدفعية التي تتطلبه هذه الخطة، وهو أمر يرهق بل يجفف خزينة الدولة في حرب استنزاف دائمة، والطامة الكبرى تقع في تحكم مصدر تموين الذخيرة، وهو الأميركي هنا، بنمط الرمي وحدوده وحدود القدرة على الردّ.

إن هذه النقطة الأخيرة تقودنا من جديد إلى طرح العوارض الجانبية السياسية للعملية، والتي تشكل حصان طروادة للتدخل الأميركي، وإعادة إحياء المطالبة من قبل قوى 14 آذار بنشر قوات دولية على الحدود الشرقية والشمالية بين لبنان وسورية. وهو ما يعيدنا إلى نقطة الصفر في العلاقات الداخلية ويضعنا أمام خيارات صعبة، أقلها استمرار التأزم، وصولاً إلى حرب أهلية.

إننا نسير سياسياً وعسكرياً بين زخات مطر الربيع، الوقاية خير من ألف علاج.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024