إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تاريخ الإقطاع مكتوب على شجر الزيتون

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2015-07-06

إقرأ ايضاً


شجر الزيتون مباركٌ بحسب الإيحاءات الدينية. قديمٌ قدم التاريخ نفسه. ثابت، صلبٌ ومعمِّر، يعيش مئات السنين ويبقى معطاءً ثمراً وزيتاً ووقوداً.

شجر الإقطاع مرضٌ دخل بلادنا مع المماليك، وأبقاه العثمانيون، واستخدمه الافرنجة ركائز للاستدمار العالمي المسمّى استعماراً.

في فلسطين المحتلة، يقطع الصهاينة شجر الزيتون لقطع صلة الإنسان بالأرض ذاكرة وإنتاجاً، لبناء مستوطنات بحجة إسكان يهود الشتات على حساب أهل الأرض، أصحاب الزيتون الأصليين. بينما يقوم الصهاينة يهوداً وأغياراً، برعاية شجر الإقطاع بريّه نفوذاً وتسميده مالاً وتسليمه وكالات الأرض، حتى يعود أهل الشتات من أتباعهم، فيُستغنى عن خدماته أو يصير عاملاً بأجر. هو أكثر من بائع لوطن وقاهر لشعب بثلاثين من فضة الاسخريوطي.

أما في الكيان اللبناني، فالزيتون ملتصق بالإقطاع، حتى سميّ المعمّر منها «زيتونة معنية» نسبة إلى المعني فخرالدين الثاني الذي جلب نبتتها من توسكانا.

الحقيقة، أنّ ما سُميّ إنجازاً لفخرالدين في التاريخ لم يكن إلا تزويراً ممنهجاً، فعل فعله في عقل العامة وقتذاك، ولما يزل يعمل في عقولنا جيلاً بعد جيل، حتى بتنا نصدّق أنّ فخرالدين بطل استقلال لبنان وواضع أسس بنائه الحديث. وباتت هذه الرواية مسلّمة في مدارسنا ومعاهدنا وثقافتنا وسياستنا، ورافعة لما يُسمّى سيادتنا وحريتنا واستقلالنا.

يُقال في المنطق، إذا كانت القاعدة خطأ فالنتيجة أو المخرج لا بد أن يكون خاطئاً. وفي القانون يقولون: كلّ ما بنيَ على باطل يكون باطلاً. أما في السياسة والإعلام الموجّه فنظرية غوبلز، أكذب ثم أكذب ثم أكذب حتى تصبح الواقعة المختلقة حقيقة.

في بلادنا الرافضة للعقل سقط المنطق. وفي بلادنا الخارجة على القانون سادت فيها شريعة الغاب المملوك من الإقطاع. في بلادنا لم يبق لنا من المعارف إلا نظرية غوبلز، ومقولة مكيافيلي، الغاية تبرّر الوسيلة. الغاية فردية محكومة برغبات الإقطاع. والوسيلة معروفة، هي الاستتباع للخارج.

هذا ما تلقيناه عن فخرالدين، تمهيداً لزرع التقسيم عبر سايكس ـ بيكو، واحتلال فلسطين من خلال وعد بلفور. وهو ما نشهده من مواقف الإقطاع المتواطئ مع الغرب وأدواته.

فخرالدين هذا لم يكن أكثر من جابي أموال للضرائب من ميري وحسبة وكوشان، عند مشغّليه من مماليك وعثمليين. في معركة مرج دابق 1516 هرب فخرالدين من المعركة، ثم عاد وقدّم نفسه تابعاً للمنتصر: «إني أقبّل الأرض بين قدميك سبع»، هذا ما قاله في خطبته أمام سليم الأول. وظلّ الإقطاع المعني على هذه الحال حتى مجيء علي جان بولاد مطروداً من إقطاعته في شمال حلب. وعندما طلب العثمانيون من فخرالدين زيادة الضرائب حيث كانت الزيادة أكثر من قدرته. تدخل الوافد علي جان بولاد ليشير إليه بالتعاون مع أصدقاء جان بولاد التوسكانيين في مواجهة السلطنة العثمانية. ازداد الضغط على فخرالدين ففرّ إلى توسكانا، ولم يعد حتى ترتبت الأوضاع مع السلطنة بضغط من الأوروبيين. وقيل يومها إنه جلب معه زراعة شجر الزيتون لتحسين الاقتصاد. كانت هذه الرواية لإصباغ هالة من القدرة والعظمة على فخرالدين، على رغم أنّ الزيتون موجود في بلادنا قبل هذا التاريخ بمئات السنين إذا لم نقل آلاف السنين. والدليل على ذلك ذكره في الإنجيل والقرآن.

يلعب وليد جنبلاط سليل العائلة الإقطاعية دوراً مشابهاً لدور جدّه الأسبق علي جان بولاد في الشورى على حلفائه بالتعاون مع هذا الغرب، مستقوياً به داخلياً على أخصامه في الطائفة والدولة والمنطقة. إنّ اللعب على التناقضات أودى بجدّه الأكبر خارج إقطاعته، وأودى بجدّه القريب بشير جنبلاط صريعاً على يدي أحمد باشا الجزار. فهل يرتدع الإقطاعي الجديد عن اللعب مع تناقضات الدول الكبرى؟ هذه الدول الكبرى التي لا تأمُن إلا لمصالحها وليس لما يعتبره جنبلاط صداقات سياسية.

الزيتون أرسخ وأبقى من المحميات الإقطاعية، كونه مصدر رزق وإنتاج. أما المحميات فلها وظيفة أخرى وكلام آخر.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024