إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الهجوم الأميركي المعاكس: الهدف مثلّث برمودا البرّي

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2014-03-03

إقرأ ايضاً


تصدّرت الأحداث الأوكرانية الأخيرة وسائل الإعلام، واهتمامات الرأي العام. ليس لأنّ هذه الأحداث استثنائية، بل لأنها تقع في قلب الصراع العالمي من أجل تشكيل نظام عالمي جديد يرسم ملامح المرحلة المقبلة، ويؤسّس لخارطة جغرافية وسياسية مختلفة عمّا هو قائم حالياً.

بعد الضربات التي تلقتها أميركا، وهي في سدة القيادة للنظام العالمي السابق، وتراجعها الدراماتيكي في أكثر من مكان في هذا العالم، وآخرها السقوط المعنوي والسياسي وربما العسكري في الأزمة السورية، لجأت إلى ما يمكن تسميته بالهجوم المعاكس لاستعادة هيبتها، وتحقيق نجاحات يمكن ان تعوّضها عن تلك الخسارات التي لو استمرّت ستنعكس سلباً على بنيتها الاقتصادية ـ الاجتماعية وربما العسكرية السياسية.

إنّ الأحداث في سورية والأحداث في أوكرانيا وقبلها في جورجيا، ومحاولاتها في فنزويلا، وفي مناطق أخرى التي تستخدم فيها أميركا أسلحة الحرب الناعمة، تعيدنا الى مرحلة الحرب الباردة. فاستخدام غطاء الديمقراطية والاحتجاجات المطلبية لستر مشاريعها الجيوبولتيكية أصبحت مكشوفة، ولم يعد النهب الأميركي لخيرات الشعوب موضع ترحيب. كما أنّ هذا السلاح الفتاك لتغيير الأنظمة غير الموالية لسياستها بدأ يتسرّب الى مكامن قوتها «احتجاجات وول ستريت نموذجاً». كما أنّ ارتفاع منسوب البطالة سيد الموقف في القارة الأوروبية باعتبار الاتحاد الأوروبي أحد الأدوات الفاعلة والسند الرئيس في تنفيذ سياسة الولايات المتحدة.

إنّ الهجوم الأميركي اليوم يستعيد منهج العمل نفسه الذي استخدمه مع الاتحاد السوفياتي سابقاً. غير أنّ الظروف وتوازن القوى والإمكانيات ليست هي نفسها، وقياساً عليه إنّ التطلع الى الدفاتر القديمة في حال الإفلاس لا يفيد شيئاً في تحسين الأحوال. فالولايات المتحدة التي تعتقد أنّ باستطاعتها الضغط على روسيا بالخاصرة الأوكرانية من أجل تحقيق مكاسب إضافية في الشرق الاوسط، لن تصل في أقصى نجاحاتها إلا إلى تقسيم أوكرانيا على قاعدة اثنية، بحيث تبقى المناطق الاستراتيجية وخصوصاً تلك المطلة على البحر الأسود، ومناطق مرور أنابيب النفط والغاز بيد روسيا، وهي بالتالي لن تحصد إلا مجموعة إضافية من الملايين العاطلة عن العمل، لتصبح عبئاً متزايداً على الاقتصاد الأوروبي.

إذا كانت سورية منفذاً برّياً روسياً وقاعدة عسكرية كبرى لها على البحر الابيض المتوسط، وأنها لم تتخلّ عنها، فإنّ أوكرانيا هي جزء روسي مطلّ على البحر الأسود وفيها أكبر أسطول عسكري في العالم، وهي منطقة التحشد الروسي الأساس لحركتها في الخارج، وهي مساحة الإنذار المبكر التي تفصل روسيا عن أمكنة تواجد الدرع الصاروخي الأميركي، فبالتأكيد لن تتخلى عنها وستضع كلّ إمكانياتها للانتصار في هذه المعركة.

لعلّ بوادر المعركة الحامية بدأت تلوح في الأفق بعد التصريحات الروسية الأخيرة، وعدم قدرة أوروبا على تلبية المطالب الشعبية الموالية لها، فأوكرانيا، على الأقلّ بالمدى المنظور لن تدخل الى نادي الاتحاد الأوروبي على شاكلة نظيرتها تركيا التي ما زالت تعاني الأمرّين.

غير أنّ هناك مسألة أساسية ستبقى غامضة وهي مسألة الدوافع للدخول في هذه المعمعة، بغضّ النظر عن الدوافع المعلنة. فيتعيّن علينا الإنتظار طويلاً كي نستنتج ما هي الإغراءات الحقيقية الموضوعة أمام الإدارة الأميركية، وتوابعها الأوروبية للدخول في منطقة «برمودا» البرية. هذه المنطقة التي ابتلعت في السابق أهم جيشين في زمانهما. جيش نابليون بعد الثورة الفرنسية. وجيش هتلر الألماني في الحرب العالمية الثانية.

فإذا كانت اليهودية العالمية كانت خلف المحاولتين السابقتين ليتسنّى لها تحضير الأرض الفلسطينية كأرض للميعاد، فهل تكون اليهودية وراء دفع الأميركيين بعد أفول نجم الولايات المتحدة الامبراطوري؟ ليتسنّى للكيان الغاصب أن يستكمل عدة وجوده، بعد تطويع العرب كلّ العرب؟

سنترك التاريخ أن يكون شاهداً.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024