إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

نظرية النظام الجديد في غاية الحزب - 1

صبحي فريح - البناء

نسخة للطباعة 2016-11-28

إقرأ ايضاً


أسّس أنطون سعاده الحزب السوري القومي الاجتماعي في 16/11/1932، أسّسه على المبادئ القومية الاجتماعية، على عقيدة ونظام أساسي بمؤسسات الحزب وكيانه.

وقد اعتبر سعاده عقيدته ذات أهميّة بالغة. إنّها محور الحياة والفكر الأساسي، فكلّ عمل يجب أن يدور عليها، ولذلك كان الغرض الأساسيّ من الحركة السورية القومية الاجتماعية جعلها عامّة وغير مختصرة في الأمة السورية، وحيثما أمكن تحقيق رسالتها الاجتماعية وفلسفتها المدرحيّة إلى العالم.

إنّ الحزب السوريّ فكرة عقيدة فلسفة الحياة والوجود وإنّه حركة دائمة، وإنّه يشكّل قضية خطيرة جداً وهامّة، هي قضية الأمة للمجتمع الإنساني الذي نحن منه والذي نكون مجموعة فيه.

إنّ عقيدة الحزب ومبادئه تتناول حياة الأمة بأسرها. إنّ فعل الحركة السورية القومية الاجتماعية هو الكشف عن الحقيقة السورية وإعادة الاتصال بخط النفس السوريّة إلى محور نفسيّتها الأصيلة، والسير بها لتحقيق مصالحها الماديّة والروحية.

لهذا، فإنّ الحركة تعتبر نفسها ممثّلة الأمة السورية بمبادئها وحزبها، لأنّها تعبّر عن حقيقتها وبنظرتها الجديدة إلى الحياة والكون والفن.

إنّ هذه الحركة تقدّم القواعد والأُسُس والاتجاهات الفكرية العامّة. هي نقطة انطلاق الفكر والأدب لتحقيق الحياة السامية، لهذا فإنّ النظرة الجديدة لا تكتمل إلّا باكتمال النضوج القومي الاجتماعي وارتفاعه إلى القمم الفكرية والأدبية التي رسمها سعاده في مبادئ الحزب ونظامه وعقيدته وأقواله وأفعاله، فكان قدوة كاملة شاملة للقوميّين الاجتماعيّين في حياته واستشهاده.

وهذه المحاضرة ستكون حول مفهوم النظام الجديد ونظرة سعاده إلى محتواه وشموليّته الخاصة والعامّة، حيث نصّت المادة الأولى من دستور الحزب والمبادئ التي وضعها الشارع والمشرّع سعاده العظيم، والطّرف الأول والدائم في التعاقد مع المقبلين على دعوته فرادى.

بأنّ غاية الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ بعث نهضة قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمّة السورية حيويّتها وقوّتها، وتنظيم حركة تؤدّي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تامّاً وتثبيت سيادتها، وإقامة نظام جديد يؤمّن مصالحها ويرفع مستوى حياتها، والسعي لإنشاء جبهة عربية.

ويشرح سعاده غاية الحزب فيقول:

قضيّة شاملة

إنّ غاية الحزب السوريّ القومي الاجتماعي هي قضيّة شاملة تتناول الحياة القوميّة من أساسها ومن جميع وجوهها، أنّها غاية تشمل جميع قضايا المجتمع القومي الاجتماعية والاقتصادية والسياسيّة والروحية والثقافية وأغراض الحياة الكبرى، فهي تحيط بالمثل العليا القوميّة، وبالغرض من الاستقلال، وبإنشاء مجتمع جديد قوميّ صحيح، ينطوي تحت ذلك تأسيس عقليّة أخلاقية جديدة، ووضع أساس مناقبي جديد وهو ما تشتمل عليه مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الأساسيّة والإصلاحية التي تكوّن قضية ونظرة إلى الحياة الكاملة، أيّ فلسفة كاملة، ولدراسة العقيدة والمبادئ وللتثقيف العقائدي:

يقول سعاده: «يتوجّب رعاية القوميين تثقيفيّاً، وتمكينهم من أداء دورهم وتنمية مواهبهم وطاقاتهم الفكرية، فالمعرفة والفهم والإيمان هي منطلق العمل الإذاعي لنشر العقيدة بين صفوف أفراد الشعب».

يؤكّد سعاده أنّ معرفة العقيدة القومية الاجتماعية معرفة صحيحة هي أول ضرورة نفسية للقوميّين الاجتماعيّين، وأنّها أولى الأمور الثقافية والإذاعية التي يجب أن تعنى بها كلّ العناية لتحقيق هدف إنشاء جيل جديد ينظر إلى الحياة والكون والفن نظرة جديداً، لأنّ الهدف الذي وضعته تعاليم سعاده هو مطمح عظيم في نفوس القوميّين الاجتماعيين.

ويقول: «إنّ خطبي ومقالاتي ضرورية لكلّ قومي وكلّ من يريد درس حقيقة النهضة القومية وفلسفتها، فهي دائماً جديدة، ولذلك يجب نشرها من أجل القوميّين الجدد الذين يريدون قراءة تفكير النهضة القومية الصحيح، والاطّلاع على التوجيه القومي المضبوط م 7 ص 97.

إنّ دراسة العقيدة القومية الاجتماعية ونظراتها بعمق وفهم هي وجوبيّة، لأنّها نشأت على فلسفة اجتماعية كاملة موجودة في المبادئ وكتابات المعلم وشروحه وأحاديثه في قدوته العمليّة.

وبديهيّ، كما يقول سعاده، لا نتمكّن من فهم قضية الحزب السوري القومي الاجتماعي كلّها، بكامل أجزائها وفروعها، وتتكشّف عنه من مناقب وأهداف سامية، وما تتعرّض له في سيرها من مثالب في الحياة إلا بالدرس والتأمّل الطويل. إنّ قضية من هذا النوع تتكشّف عن كلّ هذه الأهداف الخطيرة، تحتاج إلى دراسة منظمة متسلسلة لا تجمعها محاضرة واحدة أو كتاب واحد، بل هي تستمرّ ويستمرّ الفكر يتغذّى منها ويتفتّح على شؤون العالم مطلقاً، وهذا الاستمرار هو مترام إلى ذروة الحياة الجديدة التي تليق بالإنسان الراقي بها.

ومن هذا المنطلق، أضع في هذه المحاضرة الخطوط العريضة للنظام الجديد الذي شرّعه سعاده في العقيدة والمبادئ.

وأبدأ بالصفات العامّة للنظام الجديد:

هذا النظام، تعمل الحركة السورية القومية الاجتماعية لإقامته في مجتمعها كمفهوم شامل لمقاصد الحياة ووسائل رقيّها وتقدّمها، كما أنّه نظام تحتاج إليه الأمم الأخرى.


إنّه نظام فكر ونهج، ثم نظام أشكال لتحقيق الفكر والنهج، هي مؤسسات الحزب التي تحقق الفكر والنهج، والمبادئ هي هذا الفكر، والتي هي مكتنزات الفكر والقوى، هي قواعد انطلاق الفكر.

وإنّ قواعد الفكر الاجتماعي تقول:

إنّ المادّة تقرّر الشكل، وعلى هذا الفكر والنهج تقرّر الأشكال. فالأشكال هي المؤسسات المتولّدة من مناحي الفكر والنهج، والفكر هو رؤية علميّة حقيقيّة هي المبادئ الأساسيّة، هذه المؤسسات هي أعظم أعمال سعاده بعد أن وضع المبادئ وتأسيس فكرة الأمة.

أمّا النهج، فهو محاور عمل قومي تتمثّل فيها مقاصد الحركة وأغراضها هي المبادئ الأساسيّة والإصلاحية، وذلك من أجل تحقيق قصد الحزب السوري القومي الاجتماعي، ألا وهو توحيد اتجاه الأمة الموجودة مصغّرة في الحزب.

إنّ النظام الجديد يشمل:

أ النظرة إلى الحياة وفلسفة الوجود والتطوّر المادي الروحي.

ب بعث نهضة لتحقيق مبادئ الحزب وتأمين مصالح الأمّة ويرفع مستوى حياتها.

ج وإنّ هذا النظام رسالة للعالم أجمع بما نصّت عليه عقيدة الحزب ومبادئه.

د وهو مفهوم علميّ لتنظيم العمل بكلّ مؤسساته التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة.

هـ – وهو الديمقراطية التعبيرية عن مصالح الأمّة والمجتمع الواحد.

إنّ نظرة الحزب السوري القومي الاجتماعي تشكّل نظرة إلى النظام، إلى وحدة الاتجاه، ووحدة الاتجاه تعني وحدة النظر إلى الحياة، لأنه لا يمكن أن يتوحّد اتجاهنا إذا لم تكن لنا نظرة واحدة إلى الحياة والكون والفن.

ونحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي ارتبطنا على سياسة واحدة في نظام له منّا كلّ ولائنا في الحزب القائم، وعلى يقين كلّي وإيمان مطلق.

والنظام تكون له قيمة وحاجة ضرورية، وذلك بمقدار ما يلبّي حاجات الحياة، وبمقدار ما يكون النظام مضادّاً لحاجات المجتمع ومصالحه يكون غاية حقيرة وممارسة سقيمة. سعاده

النظام والأخلاق

والنظام مرافق للأخلاق، لأنّ سعاده لم يفصل بالوقت ذاته بين النظام والأخلاق، فإذا لم تكن هناك أخلاق تستطيع أن تسيّر النظام وتطبّقه، يكون ذلك فشلاً ذريعاً.

النظام الجديد بنظرته الكليّة هو وسيلة لخدمة العقيدة، وهو مرتبط بالفعل البنّاء والتضحية والشهادة التي غرستها العقيدة في نفوسنا.

إنّ النظام الجديد يشكّل للقوميّين وحدة نفسية نظامية قبل أيّ شيء آخر، لأنّه ينبع من العقل الذي تغذّيه تلك الصفة الوحدوية لنفوس القوميين التي تطلب الفداء غير مبالية بأجسادها البالية.

لهذا قال سعاده، قد تسقط أجسادنا، أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود.

فالنظامية الفكرية والروحية المناقبيّة كانت العامل الأساسي الأول في نشوء النهضة القومية. «إنّ النظام الجديد ووحدتنا الروحيّة الاجتماعية توأمان لا ينفصلان إلا لدى الذين عميت أبصارهم عن إدراك الحقيقة».

والوحدة الروحية ليست بديلاً عن الوحدة الاجتماعية الاقتصادية، بل مكمّلاً لها.

النظام الاجتماعي الجديد هو الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أوجد وبعث الوجدان القومي، وأظهر شخصية أمة عظيمة كانت مهملة وإنّ عظمة الحزب السوري القومي الاجتماعي التي لا عظمة بعدها، هي إيجاد الوجدان القومي وإظهار شخصية أمة عظيمة كانت مهمَلة، وإيجاد أسس نهضة تحقق وصول الأمّة إلى مراتب الحياة المثلى اللائقة.

والنظام الجديد هو الذي قام وشُرّع مع مبادئ العقيدة السورية، وابتدأنا تاريخنا منذ تاريخ تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، تاريخ الحرية والواجب والنظام والقوة، تاريخ الأمة السورية.

هذا النظام القومي الاجتماعي يدفع القوميين إلى الإبداع والابتكار في مجال العمل، إنّه تجدّد لحياة أمّتنا، والذي يمتدّ عبر التاريخ ليُظهر مزايا شعبنا الأصيلة، وهذا النظام لا يقوم على التقليد والتمثيل والتشابه، بل على نظرة عميقة لحاجة المجتمع ونمائه.

وهو النظام الذي يقوم على وحدة المجتمع باعتباره هيئة واحدة لا فوارق إثنيّة عرقية أو طائفيّة مذهبيّة هو إلغاء الطائفية ومنع رجال الدين من التدخّل للقضاء على الفتنة الدينية.

هو ذلك النظام الاقتصادي الذي يقوم على إلغاء الإقطاع، وتنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج.

والنظام يستدعي التنظيم لكي يصبح هذا الشعب صفّاً واحداً مؤمناً بحقّه في الحياة الحرّة، وأنّه هيئة اجتماعية واحدة، وبأنّ الجميع متساوون بالحقوق والواجبات، ويعمل ضمن نظام كفل تحقيق الديمقراطية الصحيحة، الديمقراطية التعبيرية، وهذه قاعدة أساسية يقوم عليها بُنيان الدولة القومية الديمقراطية.

وبدءاً نقول:

الفلسفة الجديدة، الفلسفة المادية الروحية التي أسّسها سعاده هي تؤكد مبدأ التفاعل البنّاء الشامل لجميع القوى الإنسانية. إنّها الفلسفة المدرحية، إنّها نهج الوجود التاريخي المتطوّر.

النظام المتطوّر هو الفلسفة المناقبية الجديدة، تسعى لتأسيس عقلية جديدة تغلب المصلحة القومية على المصالح الفردية أو الفئويّة أو القطرية، وهو النظام الذي يربط أعضاء المجتمع في وحدة ديناميكيّة فعّالة، والنظام المتين الذي يكسب الجماعة قوة عظيمة تضاعف طاقتها الإنتاجية والنضالية.

وهو الذي يخدم مصلحة الأمة بواسطة التنظيم الذي يشمل المصالح الداخلية، ويوحّدها لأجل المطالب العليا، وينقلها من طور الجمود والفوضى والانحلال إلى طور الواجب والحرية والقوة، ويعبّر عن إرادة الأمة ومصلحتها.

إنّ النظام الجديد هو ذاك الإيمان العظيم الذي اهتدينا به إلى طريق النهضة لنكون جنودها الأبرار، ولا منّة، إذ ليس لأحد فضل على النور أن يقول إنّني رأيته، كذلك ليس لأحد فضل على الهداية القومية الاجتماعية أن يقول إنّني اهتديت.

وهو الرابطة بين القوميين الاجتماعيّين التي آمنّا بها، القائمة على الثقة بمبادئنا التي آمنّا بها، ونعمل على تحقيقها، وضابط لعدم الميعان العقدي والإداري والأخلاقي، وهو الديمقراطية التعبيرية التي يمثّلها الأمناء الذين نالوا الرتبة بجدارة واستحقاق وتضحية ونضال ومعرفة وإدارك للعقيدة والنظام.

وهو النظام القائم على مبدأ التفاعل الاجتماعي، وعلى وحدة النظر إلى الحياة والكون والفن ووحدة الاتجاه.

وهذا النظام لا يمكن أن يقوم على قاعدة الحرب الدائمة بين الروح والمادة، بين المبدأ الروحي والمبدأ المادي، بل على قاعدة التفاعل الروحي المادي تفاعلاً متجانساً على ضرورة المادة للروح، وضرورة الروح للمادة بجميع مناحي الحياة الإنسانية.

إنّ قواعد الفكر التي نشأت عليها هذه النهضة القومية وينمو بها الحزب هي قواعد فلسفية عميقة تتناول المسائل الأساسية في الحياة.

من هذه المفاهيم العامة عن النظام الجديد نضع مضامين هذا النظام وغايته في النواحي الفعلية:

1 ـ النظرة المدرحية.

2 ـ نظرية الديمقراطية التعبيرية.

3 ـ المناقبية.

4 ـ رسالة سعاده للعالم.

5 ـ التنظيم الحزبي الداخلي.

ولتُشرح باختصار هذه المرتكزات الأساسية التي يقصدها سعاده من النظام الذي توخّاه وعمل على تأسيسه لمصلحة الأمة السورية والعالم أجمع.

أولاً ما هي المدرحية؟

يقول سعاده: «إنّ أساس الارتقاء الإنساني هو أساس مادي روحيّ مدرحيّ ، وإنّ الإنسانيّة المتفوّقة هي التي تدرك هذا الأساس وتشيد صرح مستقبلها عليه.

إنّ العالم اليوم يحتاج إلى فلسفة تنقذه من هذه الفلسفات وظلالها، وهذه الفلسفة الجديدة التي يحتاجها العالم هي فلسفة التفاعل الموحد الجامع لقوى الإنسانية، هي الفلسفة التي تقدّمها نهضتكم». إنّ التفاعل الذي يعنيه سعاده هو تفاعل القوى الإنسانية التي تتألف منها الأمّة وتتفاعل الأمة بقواها الإنسانية.

ويتابع سعاده قوله: «وكلّ وجود بالوجود القائم بذاته يجب أن تقوم المعرفة لهذا الوجود، والمعرفة التي تعطي الوجود قيمة ولا يمكن أن تكون له بدونها، ويكون الوجود وجوداً مادياً روحياً، فليس ثمّة مادة ذات وجود مستقلّ، كما ليس ثمّة روح ذو وجود مستقلّ، والفكر لا وجود له دون الوجود المادي، ولا وجود للمادة دون أن يكون بوعي بالفكر والإحساس».

ومن هنا، كانت النظرة المدرحية نظام تفاعليّ بين الروح والمادة في بيئة معيّنة يعيش فيها شعب متفاعل أفقياً وعمودياً مع البيئة ومع الإنسان.

لقد جعل سعاده كافة الموجودات والقيم لخدمة الوجود الأول وهو الأمة، إنها الوجود المادي الروحي الأتمّ، لأنها حقيقة أولية ومنها يجب أن نبتدئ، لأنها هي الوجود الذي نراه ونلمسه وندركه بالحاسّة وبالفكر الذي نحياه.

إنّ قواعد الفكر التي نشأت عليها هذه النهضة القومية، والمعبّر عنها الحزب السوري القومي الاجتماعي هي قواعد فلسفية عميقة تتناول المسائل الأساسية، والتي لا ترتبط بوقت معيّن تمضي بمضيّه أو بشكل من الأشكال الجزئية، بل هي عامّة ثابتة بالمعنى الفلسفي المطلق، وليست منسوبة إلى وقت أو حالة معيّنة وقيمة تزول بزوال تلك الحالة فكر عدد 9 .

النظام الجديد هو الذي يحمل خطط التفكير الجديد، التفكير القومي الاجتماعي ومخططاته الذي تسير الحركة القويمة بالأمة نحوه.

ويقول سعاده: «وبعامل التطوّر الاجتماعي والصناعي، وعلى أساس الحرية الفردية، تولد نظام جديد هو نظام الرأسماليين أو نظام الطبقات الرأسمالية، وهذا النظام لم يكن صالحاً للمجتمعات، ولم يحقق العدالة والمساواة والبحبوحة لأفراد كلّ مجتمع.

وكذلك المحاولة الشيوعية على أساس التعاليم الماديّة المحض، لم تحلّ بنظامها المبدئي مشكلة المجتمع الداخلي، ولا مشكلة الحق العالمي، فإنّ إقامة سلطة البروليتاريا ليست نظاماً صحيحاً لتقدّم الإنسانية نحو مقاصدها الكبرى، وقد فشلت مبادئ الحزب الشيوعي ونظريّاتها الاقتصادية. كما يؤيّده الواقع المتطوّر والحالي .

وإنّ الروحية التي نادت بها الفاشية والاشتراكية القومية لم تحلّ مشكلة طبقات الأمم مع أنها حلّت مشاكل بالمجتمع .

وجاءت الحركة القومية الاجتماعية لتتدخّل في معالجة هذه المعضلة الاجتماعية المادية والروحية، أنها تُنشئ بمبادئها وتعاليمها نظاماً جديداً، مجتمعاً جديداً، وإنّ من أحد مبادئ الحزب الاقتصادية هو إلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج، على أساس التفاعل الحيوي بالمجتمع ولصالحه، بدون طبقات فيه، ولا يرتكز على أساس النظرة الشيوعية البحت، ولا الروحية البحت، بل على أساس مبدأ التفاعل الاجتماعي المادي الروحي، ممّا يستدلّ معنا بأنّ الفكر القومي يرتكز على العمل والعقل والأداء في مراحل حركة المجتمع، والعمل هو التجسيد الواقعي لما نسمّيه تفاعل الإنسان مع الطبيعة، والتفاعل هو الفعل المتبادل بين الطبيعة والإنسان، وتفاعل الإنسان مع مجتمعه، ومقولة التفاعل هي أمّ لكلّ الفلسفة القومية الاجتماعية الاجتماعية، فالتفاعل هو بين الجماعة والأرض هي الجماعة المتفاعلة داخلياً مع البيئة الطبيعية المحيطة، أمّا الأرض تكيّف الإنسان وهو بدوره يردّ الفعل فيكيّفها نشوء الأمم ، ولا يمكننا كما يقول سعاده عملياً الفصل بين الحياة ومقوّماتها، تنشأ الأمّة بالتفاعل، وهي العملية ذاتها التي ينشأ فيها الاقتصاد والثقافة. إنها عملية التفاعل بين الإنسان والطبيعة، وهو بالتالي حاصل المصالح العامة المنشودة للمصلحة العليا للمجتمع، وهذا التفاعل جار في مكان وزمان لمعرفة عوامل تطوّر الاجتماع البشري في مجرى التاريخ المتصل والمستمر.

فلسفة يحتاج إليها العالم

إنّ الحياة الإنسانية يجب أن تعتبر حاصلاً مادياً وروحياً، وهذا ما تقوله الفلسفة السورية القومية الاجتماعية، وهذه الفلسفة يحتاج إليها العالم كله لا سورية فقط.

إنّ أساس الارتقاء الإنساني هو أساس روحي مادي مدرحي ، كما ذكرنا، لهذا ليس المكابرون بالفلسفة المادية بمستغنين عن الروح وفلسفته، ولا المكابرون بالفلسفة الروحية بالفسلفة الروحية بمستغنين عن المادية وفلسفتها. سعاده

التعاليم القومية الاجتماعية تدعو الأمم إلى ترك عقيدة تفسير التطوّر الإنساني بالمبدأ الروحي وحده، وعقيدة تفسيره من الجهة الأخرى بالمبدأ المادي وحده، والإقلاع عن اعتبار العالم ضرورة عالم حرب مهلكة بين القوة الروحية والقوة المادية وإلى التسليم معنا بأنّ أساس الارتقاء الإنساني هو أساس مادي روحي مدرحي، وأنّ الإنسانية التي تدرك هذا الأساس هي التي تشيد صرح مستقبلها عليه .

إنّ النهضة السورية القومية الاجتماعية تعلن أن ليس بالمبدأ المادي وحده يفسّر التاريخ والحياة تفسيراً صحيحاً، ويشاد نظام عام ثابت في العالم، وأنّه ليس بالمبدأ الروحي وحده يحدث ذلك، إنّ التاريخ والحياة يفسّران تفسيراً صحيحاً بمبدأ جامع بفلسفة جديدة تقول إنّ النظام الجديد للعالم لا يمكن أن يقوم على قاعدة الحرب الدائمة بين الروح والمادة، بين المبدأ الروحي والمبدأ المادي، بين نفي الروح للمادة ونفي المادة للروح، بل على قاعدة التفاعل الروحي المادي تفاعلاً متجانساً على ضرورة المادة للروح وضرورة الروح للمادة، على أساس مادي روحي مدرحي يجمع ناحيتي الحياة الإنسانية، إنّه الأساس الوحيد لإنشاء نظام جديد، وقال سعاده في خطاب أول آذار 1940 : إنّ الحركة السورية القومية الاجتماعية ترفض الإقرار باتخاذ قاعدة الصراع بين المبدأ المادي والمبدأ الروحي أساساً للحياة والأعمال الإنسانية، ولا تقف الحركة السورية القومية الاجتماعية عند هذا الحدّ، بل هي تعلن للعالم المبدأ الأساسي المادي الروحي للحياة الإنسانية ووجوب تحويل الصراع المميت إلى تفاعل متجانس يحيي ويعمّر ويرفع الثقافة ويسيّر الحياة نحو أرفع مستواه.

إنّ المدرحية بديل لعقيدة تفسير التطور الإنساني بالمبدأ الروحي وحده وعقيدة تفسيره من جهة أخرى بالمبدأ المادي وحده، وهذه الفلسفة الجديدة هي التي يحتاجها العالم فلسفة التفاعل الموحّد الجامع لقوى الإنسانية هي الفلسفة التي تقدّمها نهضتكم. إنّ الفلسفة المدرحية تتناول حياة المجتمع وتفسير التاريخ الإنساني هي فلسفة التاريخ الإنسان موضوع المدرحية هو التطور الإنساني للمجتمع والتاريخ والقيم الإنسانية، فالمدرحية ليست فلسفة ميتافيزيكيّة، وهي لا تمتّ بأية صلة للبحث في منشأ الكون أو طبيعة الأشياء أو الإنسان ـ الفرد أو بماهية الوجود.

ويشرح سعاده العقيدة الاجتماعية بأنّ العقيدة القومية الاجتماعية هي محور الحياة والفكر الأساسي، فكلّ عمل يجب أن يدور عليها، ولذلك كان الغرض الأساسي من الحركة السورية القومية الاجتماعية جعلها عامة ومنتصرة في الأمة السورية، وحيثما أمكن تحقيق رسالته الاجتماعية وفلسفتها المدرحية.

والمدرحية تفسير للتطور والارتقاء الإنساني، وهي تشكّل نظرية فلسفية شاملة تتناول قضايا العالم الاجتماعية والاقتصادية، وهي فلسفة كاملة في الاجتماع والتاريخ.

وقد ربط سعاده بين الوحدة القومية والنظام الجديد، حيث اعتبر أنّ الوحدة القومية لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اجتماعي سيّئ.

حيث يقول سعاده: «إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يريد وحدة قومية تثبت فيها الأمة السورية في معترك الحياة والتفوق، وهذه الوحدة القومية لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اقتصادي سيّئ، كما أنّه لا يمكن أن تحصل ضمن نظام اجتماعي سيّئ، فإقامة العدل الاجتماعي القومي والعدل الاقتصادي الحقوقي أمر ضروري في النهضة السورية القومية الاجتماعية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024